تحرير عاشوراء من خطابات الكراهية والتحريض

تحرير عاشوراء من خطابات الكراهية والتحريض

تحرير عاشوراء من خطابات الكراهية والتحريض


17/07/2023

حسن المصطفى

يحظى موسم عاشوراء بأهمية خاصة لدى المسلمين الشيعة في مختلف دول العالم، حيث يتم إحياء ذكرى واقعة كربلاء، وسيرة الإمام الحسين بن علي، وذلك في مناسبة سنوية، على مدى عشرة أيام.

تكثر مجالس الرثاء الحسيني، والمحاضرات، والطقوس المختلفة. يختلط فيها الجانب الديني بالاجتماعي والثقافي، الأمر الذي يحتاج قراءة تحليلة إنثروبولجية لها، بعيداً من التقديس أو التدنيس!

بقدرِ ما تكون عاشوراء مساحة للتذكير بقيمِ الخير والإصلاح، والدعوة إلى المناقب الأخلاقية والقيمِ العُليا كـ: العدالة، المساواة، نصرة الإنسان، ورفض الظلم؛ بقدرِ ما يستغلها بعض "الدعاة" للترويج لخطابات طائفية وأفكار متشددة، تروم التحريض على الآخر أو شيطنته.

العاطفة تكون جياشة، والحمية الدينية مرتفعة، والخطباء الحسينيون ومن خلال المنابر التي يعتلونها، تكون لأفكارهم سطوة مضاعفة، وذلك بسبب المكان، والإرث التأريخي، والحمولةِ الاجتماعية – الثقافية؛ من هنا كان مهماً الانتباه لنوعية الخطاب الموجه للجمهور، وعدم استخدام المنابر لأهداف حزبية أو نشر أفكار عنيفة أو التحريض ضد المختلفين ثقافياً ودينياً.

استغلالُ الشعائر الحسينية لحشدِ الأنصارِ وتوجيههم صوبَ أفكار محددة، يتم التحضير له قبلَ بدء الموسم. ويمكن سرد أمثلة عدة على ذلك، خصوصاً إذا كان الهدف التصويب على جهة ما وإضعافها.

للدلالة إلى هذا السلوكِ الموجه، يمكن أخذ خطاب الداعية البحريني غازي السماك، مثالاً على كيفية الاستفادة من موسم عاشوراء في توهين المناوئين له.

السماك، وعبر منصة "تويتر"، غرّدَ في 12 تموز (يوليو) الجاري، متسائلاً "ما هي مشكلة [جمعية التجديد] مع الإمام الحسين عليه السلام في زيارته والتباكي على مصابه الذي أبكى رسول الله صلى الله عليه وآله؟ هل هذا منطق من يدعي الانتماء لمدرسة الإمام الحسين عليه السلام؟"، مرفقاً بضعَ صورٍ لتغريدات سابقة لـ"جمعية التجديد الاجتماعية الثقافية"، وعددٍ من منتسبيها.

السماك الذي اشتهر بخطابه النقداني – التحريضي ضد "التجديد" – جمعية بحرينية تدعو لنقد الخطاب الديني وتنقية التراث -  كان ذكياً في استخداماته للتغريدات التي أراد من خلالها وضع الإمام الحسين بن علي في ضفة، و"التجديد" في ضفة أخرى مناوئة له!

الواعظ البحريني يُقسمُ الصفطاطَ إلى ضفتين: واحدة تضم الحسين وأنصاره، وأخرى تضم الجيش الذي قَدمَ لقتالِ الحسين؛ وهنا تكمن خطورة مقاربة غازي السماك، ومخاتلتها، وأيضاً التوهيم الذي مارسه عن قصد جاعلاً هذا التضاد بين "الإمام الحسين" و"جمعية التجديد"، وبالتالي سهولة التصويب عليهم، وتسفيه أفكارهم، وتصويرها وكأنها معادية للقيمِ العليا التي نادى بها الحسين بن علي، ما يعني ضمناً دفعه الناس لتكوين تصورٍ مفاده أن جمعية التجديد ليسوا من شيعة الحسين، بل من شيعةِ قاتليه!

من يرجع للتغريدات التي اقتبسها السماك، سيجد أنها منتزعة من سياقها، ومقتطعة بطريقة لتقرأ وكأنها موجهة ضد ذكرى واقعة كربلاء، فيما المتبصر فيها، سيجد أن مضمونها عاديٌ جداً، وتمثل وجهات نظر متداولة في الأوساط الدينية والثقافية، بل جاءت ذات معانيها وبألفاظٍ مختلفة في كتابات وخطابات مرجعيات دينية وعلماء مختلفين مثل: محمد حسين فضل الله، محمد مهدي شمس الدين، عبد الهادي الفضلي، كمال الحيدري، أحمد الوائلي.. وسواهم الكثير، فضلاً عن مثقفين وكتابٍ عدة دعوا لمراجعة الخطاب العاشورائي، مثل علي شريعتي، عبد الكريم سروش، توفيق السيف.

شخصياتٍ كمؤسس "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" روح الله الخميني، والمرشد الحالي للثورة علي خامنئي، لديهم خطابات نقدية مباشرة للعديد من الطقوس التي يمارسها البعض في ذكرى عاشوراء، ما يعني أن ما قامت به "جمعية التجديد" من نقدٍ للخطاب الحسيني السائد في المآتم البحرينية، ليس سلوكاً شاذاً ولا أمراً غير معهود في الأوساط الدينية.

 من يقرأ كتاب "الملحمة الحسينية" للراحل مرتضى مطهري، وهو فقيه وأحد أبرز تلامذة الخميني، سيجد الكثير من النقد الصريح للسردية التأريخية التي يتداولها الخطباء حول معركة كربلاء.

محاولة استخدام موسم عاشوراء من أجل الاستقواء على الخصوم، والتحريض عليهم، هي ممارسة نفعية، تنم عن روح ثأرية – انتقامية، تحول "عاشوراء" من ذكرى للتفكر والتبصر، إلى خطابٍ تقسيمي، يتعارض مع مقولة الإمام الحسين بن علي، عندما قال: "ما خرجت أشراً ولا بطراً.. وإنما لطلب الإصلاح في أمة جدي".

إن قيم الإصلاح يجب أن تدفع نحو حفظ السلم الأهلي، واحترام الإنسان، والبعد عن تسييس الشعائر أو توجيهها نحو ممارسات ازدرائية - فتنوية، وهو المطبُ الذي يجب على الخطباء الحسينيين التنبه له، وتجنبه.

بالتوازي مع ذلك، من المهم كشفُ عورِ الخطابات الدينية النفعية، وتبيانِ التناقض بين مضمونها وسلوكها، لأن التدليس باسم "الحسين" ضررهُ كبيرٌ وخطير، سيقود لتوترات مجتمعية ومذهبية لا طائل منها.. لذا يجب أن تجمعَ ذكرى الإمام الحسين الناسَ لا أن تفرقهم!

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية