تحركات تنظيم داعش المريبة في سوريا... ورقة تركيا البراغماتية

تحركات تنظيم (داعش) المريبة في سوريا... ورقة تركيا البراغماتية

تحركات تنظيم داعش المريبة في سوريا... ورقة تركيا البراغماتية


20/08/2023

تنامت العلاقة بين تركيا وتنظيم داعش الإرهابي بشكل تدريجي خلال الأعوام الماضية، الأمر الذي كشفت عنه ووثقته عدّة تقارير صحفية وحقوقية غربية، وأظهرت مدى الدعم الذي خصّ به رجب طيب أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية التنظيم الإرهابي منذ ظهوره، وفي مراحل متفاوتة، فانخرط في تحقيق مصالح عديدة لأنقرة في سوريا ثم في ليبيا وحتى قره باغ. وقد لقي جميع قادة "داعش" حتفهم في شمال غربي سوريا، وهي مناطق سيطرة تركيا وفصائل (الجيش الوطني السوري) المدعوم من أنقرة.

التساؤل الملح هو كيف يمكن لمنطقة تحت سيطرة أنقرة، والتي تتواجد فيها قوات تركية وميليشيات متحالفة معها، أن تصبح ملاذات آمنة لقادة "داعش" إلى هذا الحد؟ ثم كيف يمكن لكل هؤلاء الإرهابيين العيش على بُعد كيلومترات قليلة من الحدود التركية، مع عدم الكشف عنهم من قبل المخابرات التركية أو (فصائل المعارضة السورية)؟ مع الأخذ في الحسبان أنّ الأذرع الأمنية تطوق المنطقة وتباشر قمعها، وإذا طالب أحد سكان المنطقة السورية بحقوقه، أو عارض سياسات التهجير والتغيير الديموغرافي، فإنّهم يعتقلونه في اليوم التالي.

اللافت أنّه يوم الخميس 10 آب (أغسطس) الجاري أعلنت الاستخبارات التركية  القبض على (3) عناصر من تنظيم (داعش)، خلال تخطيطهم لتنفيذ عملية شمال سوريا، لكن في مساء اليوم ذاته تكبدت قوات جيش النظام السوري خسائر على يد التنظيم؛ إثر كمين استهدف حافلة مبيت لجنوده في ريف دير الزور، شرق سوريا، أودى بحياة (23) جندياً وعشرات الجرحى.

وسط المتغيرات السياسية في الملف السوري، وتعثر التقارب بين أنقرة وحكومة دمشق، تثير الحادثتان تساؤلات عدة حول دلالات هذا التوقيت الذي تنفجر فيه الحوادث المماثلة، بعد فترة طويلة من الانحسار، منذ هزيمة "داعش" في معركة الباغوز العام 2019، على يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبغطاء جوي من التحالف الدولي.

علاقات تركيا بتنظيم داعش في الملف السوري

ذكرت وكالة (الأناضول) التركية أنّ قوات في (الجيش الوطني السوري) الموالي لأنقرة "قامت بعملية دعمتها الاستخبارات التركية ضد تنظيم داعش الإرهابي في منطقة عملية نبع السلام، وهي منطقة نفوذ تركية مع الميليشيات الموالية لها.

بعد مقتل البغدادي قُتل بعد يومين تقريباً أبو حسن المهاجر، المتحدث الرسمي باسم (داعش) في جرابلس شمال سوريا

وأوضحت أنّه نتيجة للتعاون بين الاستخبارات التركية وفصائل (الجيش الوطني السوري) "تمّ الكشف عن مواقع عناصر تنظيم داعش الإرهابي، يتولون مواقع قيادة داخل التنظيم، وألقت القبض فيها على (3) إرهابيين من داعش، كانوا يعدّون لعملية إرهابية، مضيفة أنّ العملية أسفرت أيضاً عن ضبط كميات كبيرة من المتفجرات والأسلحة والذخائر.

في الأثناء قتل (23) جندياً على الأقل في هجوم شنّه تنظيم داعش على حافلة عسكرية في شرق سوريا، مساء الخميس 10 آب (أغسطس) الجاري، وفق ما أفاد (المرصد السوري لحقوق الإنسان)، في تصعيد جديد للتنظيم المتطرف الذي يكثّف من وتيرة عملياته مؤخراً.

ذكرت وكالة الأناضول التركية أنّ قوات في (الجيش الوطني السوري) الموالي لأنقرة قامت بعملية دعمتها الاستخبارات التركية ضد تنظيم (داعش) الإرهابي في منطقة عملية نبع السلام

ويرى مدير (المركز الكُردي للدراسات)، نواف خليل أنّ علاقة تركيا بـ "داعش" علاقة لافتة، وأنّ "داعش" الذي قتل واعتدى بوحشية على المدنيين في سوريا والعراق، كان موقفه مختلفاً عندما احتلوا الموصل في العراق، حيث كان مصير الموجودين في القنصلية التركية مختلفاً واستثنائياً. بل تم تحريرهم لاحقاً، وكانوا بأفضل حال، ولم تظهر عليهم أيّ آثار تعذيب أو شيء آخر يدل على الإساءة إليهم، والمؤكد أنّ هناك صفقة ما بين حكومة حزب العدالة والتنمية وهؤلاء الدواعش.

التساؤل الملح هنا هو: لماذا لم تحرك تركيا ساكناً طيلة عامين من أيلول (سبتمبر) 2014، بعد مهاجمة "داعش" مدينة عين العرب/ كوباني في شمال شرقي سوريا إلى العام 2016، وكانت متاخمة للحدود التركية؟ وهذه الحدود كانت مفتوحة وآمنة من دون أن تطلق من الجهة الأخرى رصاصة واحدة تهدد هذا التنظيم الإرهابي، حسبما أوضح خليل لـ (حفريات).

تحركات "داعش" في تركيا

تركيا عندما دخلت مدينة جرابلس، التابعة لمحافظة حلب السورية، لم يكن مصادفة أنّها صادفت ذكرى معركة (مرج دابق)، وهي بداية احتلال سوريا ثم مصر على يد العثمانيين، بل كان مقصوداً لإنعاش الذاكرة بأنّهم جاؤوا لتحرير سوريا مجدداً، مع العلم أنّه لم تكن ثمّة مواجهة حقيقة مع (داعش)، طبقاً لحديث خليل.

رغم ذلك لا يزعم خليل أنّ "داعش" صنيعة تركية، ولا أنّها تتحرك بأمر من أنقرة. لكنّ هذا التنظيم العقائدي الإجرامي المسلح، بحسب رأيه، بفعل ممارساته العدوانية تفرض تحركاته السياسية والميدانية والفترات التي تمدد فيها، وحتى هزيمته وأماكن وجوده، العديد من الأسئلة بخصوص الأريحية التي حظي بها من تركيا، التي كانت أراضيها ملاذات آمنة للعديد منهم، ووصل بعضهم لأنقرة بالطائرات، فضلاً عن الحدود التي لم تغلق بوجههم.

ويشير نواف خليل إلى أنّ كل من عاش في تركيا قبل إعلان دولة الخلافة المزعومة، شهد تحركات تنظيم (داعش) بحرية وأمان في أنقرة وإسطنبول وغازي عنتاب. كما أنّ مقتل (4) من قادة "داعش" في مناطق النفوذ التركي بشمال غربي سوريا لا يمكن أيضاً أن يكون مصادفة، وقد سبق أن اختار زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي الإقامة في قرية تبعد حوالي (5) كيلو مترات عن الحدود مع تركيا، وذلك بغضّ النظر عن مدى علم (هيئة تحرير الشام) "جبهة النصرة سابقاً"، المصنفة على قائمة الإرهاب، بوجود البغدادي والتفاهمات بين الأخيرة مع تركيا.

بعد مقتل البغدادي قُتل بعد يومين تقريباً أبو حسن المهاجر، المتحدث الرسمي باسم "داعش" في جرابلس شمال سوريا، وهذه نقطة تلقي الضوء على الكثير ممّا ذكرناه. وتحديداً ما يتصل بتحركات "داعش" في مناطق نفوذ تركيا، وفق ما يقوله خليل.

 تزويد نظام أردوغان لـ (داعش) بالأسلحة لم يكن سرّاً

مطلع الشهر الجاري، أعلن تنظيم داعش في تسجيل صوتي مقتل زعيمه الرابع (أبو الحسين الحسيني القرشي)، في اشتباكات مع (هيئة تحرير الشام) في شمال غربي سوريا، وقد نفت الأخيرة مسؤوليتها.

وقال المتحدث باسم "داعش" أبو حذيفة الأنصاري، في تسجيل نشرته حسابات مرتبطة بالتنظيم: إنّ القرشي قتل في إحدى بلدات ريف إدلب؛ "إثر محاولة أسره، فاشتبك معهم بسلاحه"، من دون أن يحدد التسجيل وقت مقتله.

نواف خليل: كل من عاش في تركيا قبل إعلان دولة الخلافة المزعومة شهد تحركات "داعش" بحرية وأمان في أنقرة وإسطنبول وغازي عنتاب

الأنصاري أردف أنّ عناصر (هيئة تحرير الشام) اعتقلوا المتحدث السابق باسم التنظيم (أبو عمر المهاجر) مع مجموعة أخرى من عناصر التنظيم، معلناً في التسجيل ذاته تعيين المدعو (أبو حفص الهاشمي القرشي) خلفاً للقرشي، ليكون الزعيم الخامس للتنظيم.

ولم يحدد تنظيم داعش متى قُتل زعيمه وفي أيّ منطقة، ولم تثبت التقارير حتى الآن ما زعمته أنقرة أنّ القرشي قتل بداية أيار (مايو) الماضي خلال عملية نفذتها الاستخبارات التركية في ناحية جنديرس بمنطقة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي، لكنّ المراقبين رجحوا أنّها مراوغة من أردوغان لتلميع صورته قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في 14 من الشهر نفسه، أيار (مايو) 2023.

هدف أنقرة من ورقة "داعش"

ثمّة هدف استراتيجي بين تركيا و"داعش"، وهو استمرار الضغط على مناطق حكم "الإدارة الذاتية" لشمال شرقي سوريا، والتي استطاعت أن تكون آمنة لجميع المكونات؛ العرب والكُرد والسريان والآشوريين وغيرهم، ولم تسجل حادثة عنف أهلي واحدة حتى الآن بحق أيّ من سكان منطقة شمال شرقي سوريا، وبالتأكيد هذا بفضل الرؤية المتقدمة لـ (الإدارة الذاتية)، التي حاولت أن تنجو من فخ الهويات القاتلة، والصراع الدموي على أساس هوياتي أو طائفي؛ لتفرض حالة تعايش، حسبما يراه خليل.

حتى الهجمات الداعشية التي حدثت في تركيا، طاولت "حزب الشعوب الديمقراطي" (HDP)، وذلك للضغط على جماعات المعارضة التركية. وليس هناك جيش وطني في شمال سوريا، إنّما هم عبارة عن ميليشيات تركية مدعومة من القوات التركية، وبالتعريف هم مرتزقة حاربوا في ليبيا وقره باغ، وتتعدد انتماءاتهم بين عناصر إخوانية، وخلفية جهادية، فضلاً عن عناصر داعشية، طبقاً لحديث خليل.

خلال الأعوام الماضية صدر العديد من التقارير والتحقيقات الدولية التي قدمت مئات الشواهد على مدى الروابط بين تنظم داعش وأنقرة. وقبل القضاء على البغدادي كانت الاتهامات من معارضين تفيد بأنّ أنقرة تحالفت في الحرب الأهلية السورية مع هذا التنظيم المتطرف. كما أشارت التقارير إلى أنّ مقاتلي "داعش" الجرحى كانوا يتلقون العلاج في مستشفيات تركية، إضافة إلى تقارير حول تسليم أسلحة لتنظيم داعش، أثارت القلق لدى بعض أوساط الرأي العام التركي. كما ورد الاتهام بأنّ رجال شرطة الحدود سمحوا دوماً لمقاتلي "داعش" بالمرور عبر الحدود التركية.

موقع (نورديك مونيتور) Nordic Monitor السويدي نشر قبل عامين تقريباً  تقريراً يحوي وثائق مسربة عن نشاط المخابرات التركية، من ملفات المحكمة الجنائية العليا الثالثة والعشرين في أنقرة، وكشف التقرير أنّ الانفجارات التي وقعت في بعض المستودعات العسكرية التركية تم تدبيرها لمحو آثار الأسلحة التي قدمها أردوغان إلى "داعش".

وأوضح أنّ عدة انفجارات في مستودعات أسلحة كانت بهدف محو الأدلة التي تثبت تورط حزب الحزب الحاكم في أنقرة في مدّ (داعش) بأنواع مختلفة من الأسلحة، وفقاً لإفادة وشهادة الرائد أحمد أوزجان، رئيس مركز التقييم الاستخباري في المخابرات العسكرية التركية أمام المحكمة، على مدى جلسات متعددة.

الوثائق التي نشرها الموقع أظهرت أنّ المخازن التي جرى تفجيرها بقصد التمويه، توزعت ما بين المدن التركية أفيون وأورفا، ومواقع في الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا شمال جزيرة قبرص، وفق ما نقلته قناة (العربية).

أنقرة وفرت للتنظيم المتطرف (داعش) غطاءات عديدة؛ لتنفيذ أجنداته السياسية والإقليمية بسوريا كلما تطلب الأمر

وأظهر التقرير أنّ تزويد نظام أردوغان لـ"داعش" بالأسلحة لم يكن سرّاً، ففي أيلول (سبتمبر) 2014 نشرت صحيفة (طرف) Tarf التركية أنّه تمّ العثور على ذخيرة تحمل علامة التصنيع التركية الرسمية على ذخيرة "داعش"، الأمر الذي أدى إلى إغلاق الصحيفة واعتقال رئيس التحرير.

واتسعت قائمة تسريبات المحكمة، لتشمل تحقيقاً جنائياً فُتح في العام 2013، بشأن شبكة القاعدة في تركيا، كشف أنّ الإرهابيين حصلوا من تركيا على مكونات لإنتاج غاز السارين.

يبدو جلياً أنّ أنقرة وفرت للتنظيم المتطرف (داعش) غطاءات عديدة؛ لتنفيذ أجنداته السياسية والإقليمية في سوريا كلما تطلب الأمر، ووقوع هجمات بين الحين والآخر في المناطق السورية غير الخاضعة لسيطرة تركيا يدلل على ذلك، كما أنّ مقتل جميع قادة "داعش" في شمال غربي سوريا، وغضّ الطرف من (هيئة تحرير الشام) أو القوات التركية، يشي بأنّ هؤلاء ليسوا سوى ورقة براغماتية في يد أنقرة.

مواضيع ذات صلة:

كوابيس جديدة تلاحق ميليشيات إيران في سوريا.. وكيف تستغل تنظيم داعش؟

من وراء فرار الداعشيات من الهول؟.. تقارير إعلامية تكشف المستور

"داعش" و"القاعدة": إرهاب يتمدد بحثاً عن السلطة والنفوذ والذهب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية