تحديات مواجهة الإسلاميين وتوحيد القوى الثورية في السودان

تحديات مواجهة الإسلاميين وتوحيد القوى الثورية في السودان

تحديات مواجهة الإسلاميين وتوحيد القوى الثورية في السودان


10/12/2024

عبد المنعم همت

منذ اندلاع الحرب في السودان، تعمّقت التحديات وتعقّدت المواقف، خاصة بين القوى المؤمنة والمدافعة عن شعارات ثورة ديسمبر – كانون الأول. تلك الثورة التي أضاءت الطريق نحو بناء وطن قائم على العدالة والحرية والسلام، باتت تواجه اختبارات عسيرة في ظل صراع مسلح يستنزف البلاد ويُهدد مكتسباتها. ومع اشتداد القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، انقسمت المواقف داخل صفوف القوى الثورية إلى رؤى متباينة، لكنها تتوحد في رفض مشروع الإسلاميين ومحاولاتهم للعودة إلى السلطة.

القسم الأول من هذه القوى رأى في الجيش، رغم مآخذهم على قيادته وانحيازها للإسلاميين، رمزًا للمؤسسة الوطنية التي يجب الحفاظ عليها. واعتبر هؤلاء أن القضاء على قوات الدعم السريع أولوية قصوى لاستعادة الأمن والاستقرار، وأن دعم الجيش هو الخيار الأقل تكلفة. وفي سبيل ذلك، ذهب البعض إلى حد التطوع للقتال في صفوفه، متجاوزين خلافاتهم الأيديولوجية مع قيادته الحالية، لأنهم يرون أن قوات الدعم السريع تمثل خطرًا يفوق خطر الإسلاميين على الدولة السودانية.

على الجانب الآخر، ظهرت قوى تراهن على قدرة الدعم السريع على كسر شوكة الإسلاميين داخل الجيش. هؤلاء يعتبرون أن المواجهة الحالية ليست مجرد صراع على السلطة، بل امتداد لثورة شعبية مسلحة تعبر عن أصوات المهمشين الذين طالما تم تهميشهم وقمعهم في السودان. بالنسبة لهم، فإن هزيمة الجيش بقيادته الحالية ستفتح الباب لبناء جيش وطني جديد يخدم الدولة السودانية بعيدًا عن أيّ أيديولوجيا أو ولاءات حزبية.

وفي خضم هذا الانقسام، تبنّى فريق ثالث موقفًا مبدئيًا يرفض الحرب بكافة أشكالها، داعيًا إلى وقف الاقتتال فورًا وتحقيق السلام. ويرى هذا الفريق أن استمرار الحرب بين الجيش والدعم السريع لن يجلب سوى المزيد من الدمار للسودان، ولن يكون أيّ طرف فيها منتصرًا حقيقيًا. وبذلك، ركزوا جهودهم على الدعوة للحوار الوطني واستعادة المسار الديمقراطي كطريق وحيد لإنقاذ السودان من أزماته المتفاقمة.

رغم اختلاف هذه المواقف في الأسلوب والتكتيك، فإنها تتوحد في نقطة أساسية: رفض الإسلاميين وكشف مشروعهم الذي يسعى لإعادة إنتاج الهيمنة الأيديولوجية والسياسية. لم تعلن أيّ من هذه القوى تخليها عن شعارات ثورة ديسمبر، بل ظل الجميع متمسكًا بمبادئ الحرية والسلام والعدالة، مع اختلاف رؤاهم حول أفضل الطرق لتحقيقها في ظل الظروف الراهنة.

غير أن هذا التباين في المواقف قد يصبح نقطة ضعف إذا لم تُبذل جهود جادة لتوحيد الرؤية والعمل المشترك. التحدي الأكبر الذي يواجه قوى الثورة اليوم هو كيفية تجاوز هذه الانقسامات وإيجاد أرضية مشتركة للعمل ضد الإسلاميين، الذين يسعون لاستغلال الفوضى لإعادة تموضعهم داخل مؤسسات الدولة.

إن اقتلاع الإسلاميين من جذورهم يتطلب رؤية إستراتيجية شاملة، تبدأ بإعادة تعريف الجيش كمؤسسة وطنية محايدة تعكس التنوع السوداني، مرورًا بمحاسبة كل من تورط في جرائم ضد الشعب السوداني، وصولًا إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية تستند إلى شعارات الثورة. هذا المشروع لا يمكن تحقيقه دون تعزيز دور المجتمع المدني وتفعيل العدالة الانتقالية كوسيلة لضمان عدم تكرار أخطاء الماضي.

ورغم صعوبة المشهد، تظل آمال السودانيين قائمة في تجاوز هذه الأزمة وبناء وطن جديد. لقد أظهرت ثورة ديسمبر أن الشعب السوداني قادر على مواجهة التحديات، والتغلب على الانقسامات الاجتماعية والسياسية من أجل تحقيق تطلعاته. الحرب ليست قدر السودان، بل هي أحد فصول معركته الطويلة من أجل الحرية. وما زال الأمل قائمًا في أن تتوحد الجهود لإعادة كتابة تاريخ البلاد وفق رؤية تعبّر عن تضحيات السودانيين وإرادتهم في بناء وطن يتسع للجميع.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية