تجار يروون لـ"حفريات" كيف دمر العدوان الإسرائيلي اقتصاد غزة

تجار يروون لـ"حفريات" كيف دمر العدوان الإسرائيلي اقتصاد غزة


01/06/2021

منذ عدة سنوات يسعى الشاب الغزي، فادي الزيتونية، لتحقيق حلمه بأن يكون أحد أصحاب المحلات التجارية، وبعد جهد كبير تمكّن من افتتاح مشروعه الخاص لبيع الأحذية والملابس المستوردة، أسفل برج الشروق وسط مدينة غزة، فجمع كافة الأموال التي كان يدخرها، واستدان مبلغاً من المال لاستكمال افتتاح هذا المشروع.

أراد الشاب الغزي أن يكون افتتاح مشروعه قبل أيام من عيد الفطر السعيد، كون المناسبة موسماً جيداً للبيع ينتظره أصحاب المتاجر بفارغ الصبر لبيع بضاعتهم، وجني الأموال، وكان لدى فادي حماسة كبيرة بأن يحقق مشروعه نجاحاً كبيراً، وكان حريصاً على جلب الملابس المستوردة ذات الجودة العالية.

اقرأ أيضاً: أطفال من غزة لـ"حفريات": كنا نتمنى استمرار ساعات النهار

وفي اليوم العاشر لافتتاح المشروع قضت الطائرات الحربية الإسرائيلية على حلم فادي الكبير الذي استطاع تحقيقه بشقّ الأنفس، ودمرته بالكامل بعد استهداف برج الشروق بعدد من الصواريخ، ليتحول هذا المتجر إلى كومة من الركام.

البداية

ويقول فادي الزيتونية، في حديثه لـ "حفريات": "بعد تخرجي من الجامعة لم أجد فرصة عمل في مجال دراستي نظراً لارتفاع معدلات البطالة في غزة، فتوجهت للعمل في متاجر، وبعد اكتساب خبرة في هذا المجال أردت الاستقلال لوحدي، وتحقيق حلمي بافتتاح مشروعي الخاص، فبدأت بالتواصل مع التجار لجلب البضائع من الخارج".

تعمّد الاحتلال تدمير كبرى الشركات التي تعد الركيزة الأساسية ومحرك العجلة الاقتصادية في غزة

ويضيف: "افتتاح مشروع جديد في غزة أمراً ليس بالسهل، فهو يحتاج إلى مبلغ مالي كبير، وخطة تشغيلية لإنجاحه، فتمكنت من جمع الأموال، ووضع الخطة المناسبة، واخترت أن يكون هذا المشروع بشارع عمر المختار، وسط مدينة غزة، وهو أكثر الأماكن حيوية بالمدينة، ومنذ اليوم الأول للافتتاح كان هناك إقبال كبير، ورضى من قبل الزبائن على الملابس التي نبيعها".

التاجر فادي الزيتونية لـ"حفريات": الاحتلال كبّدني خسائر بما يزيد عن 300 ألف دولار بعد تدمير متجري في برج الشروق. الآن لا أملك شيئاً

يواصل حديثه، وهو جالس على ركام البرج المتواجد به متجره: "في اليوم الرابع للعدوان على غزة كنت جالساً مع العائلة، تلقيت اتصالاً من أحد الأصدقاء يخبرني بأنه سيتم قصف برج الشروق، في البداية اعتقدت أنّه يمازحني، فاتصلت بحارس البرج للتأكد من الخبر، وللأسف كان صحيحاً، وبعد أقل من ساعة شاهدت البرج وهو ينهار عبر شاشة التلفاز، فانهارت أحلامي معه، وتعرضت لصدمة كبيرة، ولم أتمكن من الحديث مع أحد لمدة يومين".

نهاية الحلم

ويبين الزيتونية أنّه تكبّد خسائر مادية كبيرة  تقدر بما يزيد عن 300 ألف دولار بعد تدمير متجره، والمخازن التي تحتوي على بضائع جديدة، وأصبح لا يمتلك شيئاً.

وطالب الشاب الأمم المتحدة  بالتدخل الفوري لحمايتهم وتعويضهم بشكل عاجل ليتمكنوا من بناء ما هدمه الاحتلال والعودة إلى أعمالهم، حتى لا ينضموا إلى جيوش البطالة.

تم تدمير المتاجر والمخازن

وتعمّد الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، أن يلحق الضرر بالبنية التحتية لاقتصاد قطاع غزة، وتدمير كبرى الشركات، التي تعد الركيزة الأساسية ومحرك العجلة الاقتصادية في غزة، لذلك تم استهداف المنطقة الصناعية، شرق مدينة غزة، والتي تتضمن عدداً كبيراً من المصانع والشركات، ومخازن البضائع والمواد الخام.

اقرأ أيضاً: هل أجبر التصعيد في غزة بايدن على إعادة ترتيب أولوياته في الشرق الأوسط؟

وتأسست المنطقة الصناعية، عام 1996، بموجب اتفاق بين السلطة الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي، لتكون أولى المدن الصناعية في قطاع غزة، على مساحة نحو 500 ألف متر مربع، وتضمّ مجموعة كبيرة من الشركات الصناعية والتجارية المحلية والعالمية والمؤسسات الدولية، والهيئات الحكومية والبنوك، ويعمل فيها نحو عشرة آلاف عامل.

اقرأ أيضاً: باحث فلسطيني يناقش مستقبل القضية بعد حرب غزة الرابعة.. ماذا قال؟

شركة "السكسك"  للأنابيب البلاستيكية والأدوات الصحية إحدى الشركات المتواجدة بالمنطقة الصناعية، والتي طالها القصف الإسرائيلي في آخر يوم بالعدوان، فاحترقت مخازن الشركة المتواجدة بالمنطقة، بفعل الصواريخ الإسرائيلية، إذ إنّ النيران أتت على 150 طناً من المنتجات البلاستيكية والصحية.

شركة رائدة

ويقول مدير الشركة، نعيم السكسك، في حديثه لـ "حفريات": "شركتنا تعمل في تصنيع المواد البلاستيكية والأدوات الصحية، منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً، ونعمل على تلبية كافة احتياجات القطاع، ومشاريع البنى التحتية في القطاع، إضافة إلى توريد المنتجات إلى أسواق الضفة الغربية، ونمتلك أكبر خط إنتاج لصناعة الأنابيب بالمنطقة، ونسعى إلى تطوير أعمالنا رغم الحصار المفروض على القطاع منذ صيف عام 2007".

برج الشروق

يضيف: "الاحتلال الإسرائيلي أراد توجيه ضربة قوية للاقتصاد الفلسطيني من خلال استهداف كبرى الشركات الصناعية، والتجارية في غزة، وكان من بينها مخازن شركتنا، والتي تضمّ كمية كبيرة من البضائع، وعندما تمّ إبلاغنا أنّ المخازن استُهدفت اعتقدنا أنّه عن طريق الخطأ، لكن عندما توجهنا إلى المكان وشاهدنا حجم الدمار فتأكّدنا أنّ ذلك كان مقصوداً".

اقرأ أيضاً: هكذا ينعكس إعمار غزة على مصر

يتابع: "نحن نعمل بالمجال الصناعي والتجاري، وليس لنا أيّة علاقة بالمقاومة وصناعة الصواريخ، وفي كلّ جولة تصعيد على غزة نتعرض للدمار الكبير، ونتكبّد خسائر مادية كبيرة، فهذه الضربة كانت قاسية جداً بالنسبة للشركة، خاصّة أننا ما نزال نعاني من آثار حرب (2014)، والتي دمّرت جزءاً كبيراً من المخازن والمصانع التابعة للشركة".

اقرأ أيضاً: هوامش بعد انتهاء الحرب على غزة

ويلفت إلى أنّ استهداف المخازن كان قبل وقف إطلاق النار بساعات، وأنّ الاحتلال الإسرائيلي أعاق وصول طواقم الدفاع المدني، والصليب الأحمر إلى المكان لإطفاء الحريق الهائل الذي نشب بالمكان بفعل الصواريخ، مما أدّى إلى احتراق كافة المنتجات والمعدات، وتكبيد الشركة خسائر مادية كبيرة.

لماذا استهدف العدوان اقتصاد غزة؟

من جهته، أكّد د. ماهر الطباع، مدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة تجارة صناعة غزة أنّ الهدف الأساسي من استهداف المصانع والمحلات التجارية في غزة خلال الحرب الأخيرة، هو وقف تشغيل الأيدي العاملة في القطاع، وتدمير الاقتصاد الفلسطيني بشكل كامل، واستنزاف الأموال في أيدي الناس.

ماهر الطباع، مدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة تجارة وصناعة غزة

ويشير في حديثه لـ  "حفريات" إلى أنّ المحلات التجارية، خاصة تلك المتواجدة بالمناطق الحيوية في غزة، كان لها نصيب الأسد من الاستهدافات الإسرائيلية خلال العدوان، وأنّ العشرات منها دُمرت بالكامل وحرقت البضائع المتواجدة بداخلها، والتي كان من المفترض بيعها خلال موسم عيد الفطر، لتعويض الخسارة التي تكبدوها بسبب جائحة كورونا.

د. ماهر الطباع، مدير العلاقات العامة والإعلام في غرفة تجارة صناعة غزة لـ"حفريات": تدمير المصانع والمحلات التجارية هدفه وقف تشغيل الأيدي العاملة في القطاع

 وبحسب الطباع، فإنّ غزة تعرضت  إلى كارثة كبيرة؛ فبعد تدمير المئات من المنشآت الاقتصادية والصناعية، والمحلات التجارية شُرِّد آلاف العمال من أماكن عملهم، وأصبحوا من دون عمل، بالتالي؛ سوف تزيد معدلات البطالة.

ويبين أنّ أصحاب المصانع والشركات متخوّفون من تكرار ما حدث معهم خلال حرب عام 2014؛ إذ إنّهم لم يحصلوا على تعويض حتى هذه اللحظة، وذلك بسبب الشروط التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي على الدول المانحة لصندوق الإعمار.

خسائر كبيرة

وقدر الطباع حجم الخسائر المادية التي لحقت بالقطاع الاقتصادي في غزة بأكثر من 250 مليون دولار، بعد استهداف وتدمير 1050 منشأة اقتصادية، بينها 151 مصنعاً في المنطقة الصناعية شرق غزة، لافتاً إلى أنّ الإحصائيات لم تنتهِ بعد، والعدد قابل للزيادة.

اقرأ أيضاً: الأسئلة الصعبة المسكوت عنها لما بعد الحرب المدمرة على غزة

 وأكّد على ضرورة الإسراع في إعادة الإعمار وإدخال المواد اللازمة، والتي يمنع الاحتلال الإسرائيلي إدخالها منذ عدة سنوات، ووضع سقف زمني محدد لإعادة الإعمار، وإنهاء العمل بنظام الأمم المتحدة  "GRM"، والذي ساهم بشكل كبير في تأخّر إعمار ما دُمر خلال حرب عام 2014.

الصفحة الرئيسية