بين التوتر والمهادنة.. هكذا كانت علاقة حركة النهضة بأنظمة الحكم في تونس

بين التوتر والمهادنة.. هكذا كانت علاقة حركة النهضة بأنظمة الحكم في تونس

بين التوتر والمهادنة.. هكذا كانت علاقة حركة النهضة بأنظمة الحكم في تونس


06/02/2023

لئن استطاعت حركة النهضة الإخوانية بتونس، النفاذ منذ العام 2011 إلى مؤسسات الدولة وتحكمت في المنظومة الحاكمة، إلى حدود حدث 25 تموز (يوليو) 2021، تاريخ اتخاذ الرئيس قيس سعيّد جملة من التدابير الاستثنائية التي عادت بموجبها الحركة الإسلاموية إلى موقع المعارضة، إلا أنّها شهدت عدة تقلبات، يعود بعضها إلى تاريخ نشأتها في أواخر ستينيات القرن العشرين.

هذه التقلبات والعوامل المؤثرة فيها والمحددة لتوجهاتها، فضلاً عن العلاقة بين الحركة وأنظمة الحكم التي تعاقبت على تونس، منذ نشأتها إلى عام 2022، اهتم بها الباحث التونسي فريد بن بلقاسم المتخصص في الحركات الإسلاموية، في دراسة حديثة منشورة على مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات، تحت عنوان "علاقة حركة النهضة بأنظمة الحكم في تونس منذ نشأتها إلى 2022".

من الجماعة الإسلامية إلى حركة النهضة.. مسارات النشأة والتطور

تعمّقت الدراسة في ظروف نشأة الحركة الإسلاموية في تونس منذ بداية سبعينيات القرن العشرين، وما عرفته من تطور من خلال ثنائية الثابت والمتحول في بنيتها الأيديولوجية والتنظيمية؛ حيث لفتت إلى أنّ الإرهاصات الأولى لظهور الإسلاموية الحركية بدأت بنهايات عقد الستينيات من القرن العشرين بعد عودة راشد الغنوشي من رحلته المشرقية.

وقد انتهى التقلب بين الأيديولوجيات الرائجة آنذاك بالغنوشي إلى تبني الأيديولوجيا الإسلاموية؛ إذ يقول متحدثاً عن تجربته في الاهتداء إلى ما سماه الإسلام الأصلي؛ أي الإسلام الذي يمثل نشاطاً شاملاً للحياة، مثلما صاغته جماعة الإخوان المسلمين "تلك كانت هي ليلة دخولي الإسلام (ليلة 15 حزيران / يونيو 1966)، خلعت فيها عني أمرين، القومية العلمانية والإسلام التقليدي في عملية واحدة، ودخلت في الإسلام الأصلي".

اتخذ الرئيس قيس سعيّد جملة من التدابير الاستثنائية التي عادت بموجبها الحركة الإسلاموية إلى موقع المعارضة

واعتبر الباحث أنّ التوجه الذي عاد به الغنوشي من المشرق مثّل في حينه طرحاً جديداً وافداً من خارج السياق الديني والثقافي التونسي، ومخالفاً لما كان عليه وضع الدين تقليدياً في الاجتماع والسياسة في تونس.

وقد وجد هذا الطرح صدى لدى ثلة من الشخصيات، من أمثال؛ حميدة النيفر وحسن الغضبان وعبد الفتاح مورو وغيرهم. وقد كوّن هؤلاء النواة الأولى التي انطلق بها العمل الإسلاموي الحركي في تونس منذ العام 1969.

  وقسّمت الدراسة نشأة الحركة الإسلاموية في تونس حتى اليوم إلى ثلاثة أطوار تاريخية كبرى، تمثّل الطور الأول في التأسيس وقد مر بمرحلتين، ففي المرحلة الأولى اقتصر الأمر على انضمام راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو إلى جمعية المحافظة على القرآن الكريم، التي كان يرأسها الشيخ الزيتوني الحبيب المستاوي والذي كان يمثل الحساسية الدينية المحافظة داخل الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم آنذاك، إلى حين دب الخلاف مع الشيخ المستاوي حول خط الجمعية السياسي بين منهج زيتوني يعتمد العمل العلني، ومنهج إخواني يتبنى العمل السري ويكفر المجتمع والحاكم. وأدت القطيعة إلى المرحلة الثانية في هذا الطور التأسيسي، وقد بدأت بمؤتمر انعقد بمزرعة بجهة مرناق (جنوب العاصمة تونس) في شهر نيسان (إبريل) 1972 عرف بمؤتمر الأربعين، نسبة إلى عدد الأشخاص المشاركين فيه. وقد أفضى إلى تأسيس كيان حركي إسلاموي، تبنى أدبيات جماعة الإخوان المسلمين، فيما لم تعلن الجماعة حينها عن نفسها، وظل الطابع السري مهيمناً على أنشطتها وتحركاتها الدعوية بالأساس. وقد استمر هذا الوضع 8 أعوام إلى حدود العام 1981.

الإرهاصات الأولى لظهور الإسلاموية الحركية بدأت بنهايات عقد الستينيات من القرن العشرين بعد عودة راشد الغنوشي من رحلته المشرقية

وتمثل الطور الثاني في خروج الجماعة الإسلامية إلى العلنية، من خلال الإعلان يوم 6 حزيران (يونيو) 1981 عن تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي.

 وقد حاولت الجماعة أن تستفيد من الزخم الذي أحدثته الثورة الإيرانية من جهة، والوضع الداخلي في تونس إثر أحداث كانون الثاني (يناير) 1978 والصدام بين النظام والاتحاد العام التونسي للشغل وما أفرزته من توجه لدى السلطة بعدها نحو الانفتاح على القوى المعارضة.

وقد تجلت هويتها في الوثيقة التي أصدرها هذا التنظيم في العام 1986 بعنوان "الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي"، حيث ضبطت الحركة فيها مفهومها للإيمان ودواعي التكفير المستمد من تصورها الشمولي للإسلام، فنصبت نفسها ضمنياً حكماً على إسلام غيرها، وباتت تلك الوثيقة مرجع الجماعة في التعامل مع الدولة والمجتمع والخصوم السياسيين.

وفي العام 1989 انتقلت الجماعة إلى الطور الثالث إثر التحول السياسي الذي عرفته تونس عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة (1957-1987)، وصعود زين العابدين بن علي إلى سدة الحكم في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 1987، وفي هذا الطور تغير اسم الجماعة إلى حركة النهضة.

وأشارت الدراسة إلى أنّ الحركة الإسلاموية عرفت فترتين متقابلتين: فترة كانت فيها حركة معارضة لا تحظى بالشرعية القانونية، وفترة ثانية تميزت بصعودها إلى الحكم عقب ما يعرف بـ"الربيع العربي".

الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة

ولئن فقدت مواقعها في السلطة عقب حدث 25 تموز (يوليو) 2021، فإنّها مازالت تحافظ على وجودها القانوني بصفتها حزباً سياسياً. أما من جهة الأدبيات والمرجعيات، فإنّ حركة النهضة ظلت في هذا الطور تنتمي إلى تيار الإسلام السياسي الإخواني.

 ورغم أنّها حاولت في المؤتمر العاشر المنعقد في العام 2016 إجراء مراجعات تحت عنوان الإسلام الديمقراطي والفصل بين الدعوي والسياسي، فإنّ هذه المراجعات لم تكن سوى عملية دعائية للإيهام بصورة من خرج من العباءة الإخوانية لتخفيف الضغط عليها ولتحصين موقعها في السلطة، في حين أنّها مازالت في العمق منشدة إلى المرجعية الإخوانية.

علاقة حركة النهضة بنظام الرئيس الحبيب بورقيبة (1969-1987)

الباحث التونسي لفت في دراسته إلى أنّ الحركة الإسلاموية نشأت في ظل حقبة حكم الرئيس بورقيبة، بل كان قادتها الأوائل من أمثال الغنوشي ومورو في المرحلة الممهدة لظهورها ينشطون في إطار جمعية قانونية وهي جمعية المحافظة على القرآن الكريم، وهو ما سمح لهم باستغلال هذه المظلة لممارسة نشاطهم الدعوي في الفضاءات الدينية خصوصاً، واستقطاب الأنصار والأتباع دون قيود أو موانع.

وقامت خطة الجماعة الإسلاموية في بدايات تشكلها التنظيمي ولمدة تناهز عشر سنوات (1969-1978)، بحسب ما يذكر الغنوشي، على الجانب الدعوي في الفضاءات الدينية والتعليمية (مدارس ومعاهد وجامعات) لنشر تعاليمها الأيديولوجية ذات المحتوى الديني والمعارضة للأيديولوجيات الرائجة حينها القومية واليسارية خصوصاً، وتجنب التعرض لنقد النظام الحاكم، وهو ما مكنها من استقطاب قاعدة جماهيرية.

كان قادة الإسلاموية الحركية الأوائل من أمثال الغنوشي ومورو في المرحلة الممهدة لظهورها ينشطون في إطار جمعية قانونية وهي جمعية المحافظة على القرآن الكريم

ومنذ نهاية السبعينيات بدأت الجماعة تعلن عن نفسها باعتبارها تنظيماً ذا مشروع سياسي، بحسب الدراسة، وقد أدى تحول الجماعة إلى حركة سياسية (دون أن تتخلى عن بعدها الديني الدعوي) إلى الانتقال إلى طور جديد في علاقتها بالنظام؛ إذ بدأت رحلة المواجهة بين الطرفين، فقد رُفض طلبها للحصول على تأشيرة قانونية للنشاط السياسي، وسُجن بعض قادته (ومنهم الغنوشي) بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها.

وأكدت الدراسة أنّ الحركة ردت على سجن قادتها ومحاكمتهم مرة أخرى بأعمال عنف بلغت ذروتها في 3 آب (أغسطس) 1987 (الحركة الموافق لتاريخ ميلاد بورقيبة) بتفجير الفنادق في المدينتين السياحيتين سوسة والمنستير (مسقط رأس بورقيبة) الذي راح ضحيته 13 سائحاً أجنبياً، وهو ما شكل منعرجاً خطيراً في العلاقة بين الطرفين.

الباحث التونسي فريد بن بلقاسم المتخصص في الحركات الإسلاموية

ووصل الأمر إلى حد صدور أحكام بالإعدام في حق مجموعة من الحركة، وحُكم على راشد الغنوشي بالسجن مدى الحياة. وواجهت الحركة موقف النظام بالعمل على تدبير انقلاب، مستغلة في ذلك جهازاً سرياً عُرف باسم المجموعة الأمنية التي كانت تخطط للانقلاب أمنياً على نظام حكم الرئيس بورقيبة في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 1987.

علاقة حركة النهضة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي (1987-2010)

ويعتبر صاحب الدراسة أنّ صعود الحركة الإسلاموية مثل إحدى أبرز التحديات، التي واجهت النظام الجديد، لاسيما وأنّ زين العابدين كان يدرك بحكم خلفيته الأمنية (شغل قبل الرئاسة منصب مدير عام الأمن الوطني ثم منصب وزير الداخلية) مبلغ القوة والامتداد الذي حققه التنظيم الإسلاموي سواء من ناحية اختراق مؤسسات الدولة الحساسة (الأمن والجيش) أو من ناحية عدد الأتباع والمناصرين الذين تمكن من استقطابهم طوال ما يناهز العقدين.

وقد بدأت العلاقة بين النظام الجديد وحركة الاتجاه الإسلامي، في إطار توازن القوة، برغبة متبادلة غير معلنة من كليهما في إقرار نوع من الهدنة؛ خصوصاً أنّ النظام الجديد برئاسة زين العابدين بن علي يحتاج إلى الوقت لتوطيد أركان حكمه سياسياً، الحركة الإسلاموية بحاجة إلى الوقت لالتقاط الأنفاس، وتجميع الصفوف بعد الحملات الأمنية التي تلقتها في أواخر العهد البورقيبي.

في شباط 1989 غيرت حركة الاتجاه الإسلامي اسمها إلى حركة النهضة في مسعى للحصول على الاعتراف القانوني بها

وقد تجلت هذه الهدنة في الإفراج عن السجناء الإسلامويين (أفرج عن الغنوشي في 14 أيار / مايو 1988)، وفي منحهم رخصة إصدار صحيفة خاصة بهم (صحيفة الفجر)، وفي إعطائهم تأشيرة تكوين تنظيم طلابي داخل الجامعة (الاتحاد العام التونسي للطلبة) وفي توقيع ممثل عنهم هو نور الدين البحيري على وثيقة الميثاق الوطني في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988.

وفي شباط (فبراير) 1989 غيرت حركة الاتجاه الإسلامي اسمها إلى حركة النهضة في مسعى للحصول على الاعتراف القانوني بها، والنظام حينها كان واعياً بما تشكله الجماعة من خطر عليه لاسيما في ضوء انكشاف أمر المجموعة الأمنية التي كانت تخطط للانقلاب.

وأشارت الدارسة إلى أنّ البوادر الأولى للمواجهة بين النظام والحركة الإسلاموية بدأت بعد انتخابات نيسان (إبريل) 1989 التي شاركت فيها حركة الاتجاه الإسلامي بقائمات مستقلة، حينها كان النظام الجديد قد استكمل عملية البناء وحاز الشرعية القانونية والشعبية عبر تلك الانتخابات، وتمكن سياسياً من تحييد الحركة الإسلاموية وسحب البساط منها وبخاصة بعد إحداث المجلس الإسلامي الأعلى وقانون تحييد المساجد وقانون الأحزاب الذي يمنع تكوين أحزاب بمرجعية دينية والشروع في إصلاح التعليم.

 وقد اعتبرت الحركة هذه الإصلاحات تندرج في سياق خطة لتجفيف المنابع وحاولت عبر البيانات التصدي لها، وأدركت الجماعة أنّ حلمها بالسلطة قد أصبح بعيد المنال وأنّ الأمور تسير على غير إرادتها.

الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي

وبحسب الدراسة فقد عاشت تونس في السنوات الأولى لعقد التسعينيات على وقع احتداد الصدام بين النظام وحركة النهضة، فقد وصلت العلاقة بينهما إلى نقطة اللاعودة، عندما أعلن وزير الداخلية في مايو (أيار) 1991 عن اكتشاف مؤامرة لإحداث الفراغ في أعلى هرم السلطة بتدبير محاولة اغتيال رئيس الجمهورية، من خلال تفجير الطائرة الرئاسية بواسطة صاروخ ستينغر عن طريق تنظيم سري تابع لحركة النهضة.

وتمكن النظام خلال هذه المواجهة من إنهاء الحضور العلني لحركة النهضة في الساحتين السياسية والاجتماعية، وتوارى عناصرها وأنصارها عن الأنظار منسحبين من المشهد السياسي. فكانت الحركة في حالة انحسار، واقتصر نشاطها على عقد مؤتمرات في الخارج.

حركة النهضة (2011-2022)

أثار الباحث بلقاسم ملاحظة كانت قد لفتت إليها أغلب الأطياف السياسية التونسية، وهي أنّ حركة النهضة لم تكن حاضرة خلال أحداث الثورة التونسية التي استمرت قرابة 4 أسابيع ولم تشارك فيها، ولكنها كانت أكثر الحركات التي استفادت منه.

وأشارت الدراسة إلى أنّ الحركة تمكنت لأول مرة منذ نشأتها، مستغلة هشاشة الوضع الناتج عن الفراغ الحاصل بعد سقوط النظام وتشتت باقي العائلات السياسية ودعم بعض القوى الإقليمية والدولية، من تحقيق هدفين؛ الأول الحصول على تأشيرة قانونية لممارسة النشاط بصفتها حزباً معترفاً به، والثاني وصولها إلى الحكم وإمساكها بمقاليد السلطة.

وقد استمر حضورها وتأثيرها في دواليب الحكم على امتداد 10 أعوام منذ حصولها على المرتبة الأولى في انتخابات 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 إلى 25 تموز (يوليو) 2021، عندما قرر رئيس الجمهورية قيس سعيد إثر سلسلة من التحركات الاجتماعية الاحتجاجية تجميد البرلمان وإقالة الحكومة، وهما الأداتان الرئيسيتان اللتان كانت تتحكم بهما حركة النهضة في إدارة شؤون الدولة.

رغم أنّ حركة النهضة حاولت في المؤتمر العاشر المنعقد في العام 2016 إجراء مراجعات إلا أنها لم تكن سوى عملية دعائية للإيهام بصورة من خرج من العباءة الإخوانية لتخفيف الضغط عليها ولتحصين موقعها في السلطة

وقد تحولت حركة النهضة في هذه المرحلة من حركة معارضة محظورة غير معترف بها وملاحقة أمنياً إلى حركة تمسك بالسلطة وتتحكم بأجهزة الدولة وترسم سياساتها الداخلية والخارجية.

كما كشفت حصيلة حركة النهضة في الحكم أنّ وراء القناع الديمقراطي الذي كانت تروج له كانت هناك مفارقة صارخة بين ما حققته من مغانم، من خلال تغلغلها في مؤسسات الدولة وتحكمها في سياساتها واختراقها لأجهزتها واستفادتها في تكوين طبقة برجوازية إسلاموية ذات نفوذ مالي واقتصادي، وبين فشلها في تقديم حلول لمشاكل مختلف الفئات الاجتماعية وأزمات المجتمع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية. وهو ما يعني أنّ الهاجس الذي كان يقود الحركة الإسلاموية في هذه التجربة هو هاجس التمكين سواء مع الدولة وأجهزتها أو مع المجتمع وطبقاته وفئاته، استناداً للدراسة.

حركة النهضة عملت خلال العشرية الماضية على أن تنفذ مشروعها في التمكين بطرق مختلفة، محاولة في كل مرة أن تتأقلم مع تغير الظروف والسياقات الداخلية والخارجية. ويعني هذا المشروع في الأدبيات الإسلاموية السيطرة على السلطة السياسية من ناحية، والهيمنة على المجتمع من ناحية أخرى.

حركة النهضة عملت خلال العشرية الماضية على أن تنفذ مشروعها في التمكين بطرق مختلفة

ولم يقتصر مشروع التمكين لدى حركة النهضة على البعد السياسي، بل شمل البعدين الاجتماعي والاقتصادي، فمن الناحية الاجتماعية سعت إلى أسلمة المجتمع وفق رؤيتها الأيديولوجية معتمدة على نسيج واسع من الجمعيات التابعة لها وعلى شبكة من الدعاة سواء من الداخل أو الخارج الذين يقومون بنشر "الدعوة" مستغلين الهشاشة الاقتصادية والمعرفية لبعض الفئات الاجتماعية.

أما من الناحية الاقتصادية، فقد عملت حركة النهضة على السيطرة على المجال الاقتصادي سواء من خلال الاستحواذ على جهاز الدولة الذي يتولى عملية تنظيم إدارة الثروة داخل المجتمع من خلال التشريعات والقوانين والرخص التي تمنح للفاعلين الاقتصاديين، أو من خلال إخضاع رجال الأعمال المتهمين بالفساد ومساومتهم مقابل الدعم المادي للحركة، أو من خلال ربط الاقتصاد المحلي بالحلفاء الإقليميين.

هذا وأصبحت حركة النهضة بعد 25 تموز (يوليو) 2021 خارج منظومة الحكم، وقد تأكد هذا الوضع بعد إقرار الدستور الجديد في 25 يوليو 2022، وعادت الحركة إلى موقع المعارضة، غير أنّها لم تفقد إلى حد الآن شرعيتها القانونية وهو ما مكنها من القيام بتحركات علنية للتعبير عن مواقفها، وهي وضعية مريحة بالنسبة إليها، رغم ما يلاحق بعض قادتها من قضايا، مقارنة بما كان عليه الحال مع نظامي الرئيسين بورقيبة وابن علي.

وخلص الباحث إلى أنّ حركة النهضة في هذه الفترة أصبحت تعيش نوعاً من العزلة إذ لم تستجب أغلب القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة لنداءاتها المتكررة بتوحيد الجهود في معارضة الرئيس سعيّد رغم التقاطع في المواقف بينها، كما أنّ خطابها ومواقفها بلغا حالة من الاهتراء وفقدا جاذبيتهما في المجتمع، وهو ما يفسر محدودية التحركات التي دعت إليها منذ أكثر من عام.

ورجّح الباحث أنّ الحركة الآن في انتظار دورة زمانية جديدة ينتفض فيها "الشارع الاجتماعي" على وقع اشتداد الأزمة الاقتصادية والمالية، لكي تعمل على استثمارها لصالحها على غرار ما جرى في 2011 معوّلة في ذلك على قصر الذاكرة، ومتجاهلة اختلاف السياق جوهرياً بين المرحلتين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية