بين إيران والإخوان المسلمين.. أي تحالف غريب يجمع الأيديولوجيتين المتنافستين؟

بين إيران والإخوان المسلمين.. أي تحالف غريب يجمع الأيديولوجيتين المتنافستين؟

بين إيران والإخوان المسلمين.. أي تحالف غريب يجمع الأيديولوجيتين المتنافستين؟


15/07/2024

بينما تتسارع الأحداث في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي جذبت وسائل الإعلام المحلية والدولية وحظيت بمواكبة إعلامية مكثفة، تتكون بعض التوافقات الغريبة، ولكن أغلبها تمر في صمت، أبرزها تلك التي تهمُّ الترابط الوثيق بين إيران وتركيا وحركات الإخوان المسلمين في المنطقة. 

هذه التوافقات وإن كانت أقل مناقشة، فقد حظيت باهتمام دراسة حديثة نشرها المركز العربي لدراسات التطرف، بعنوان "إيران والإخوان المسلمون: تحالف غريب بين إيديولوجيتين متنافستين"، اعتبرت أن العلاقة مع الإخوان المسلمين تشكل استثماراً منخفض التكلفة بالنسبة إلى طهران، والذي قد يؤدي إلى اتساع نفوذها. أما بالنسبة إلى حركة الإخوان المسلمين، فقد يصبح هذا التعاون ذا أهمية في التحالف مع قوة إقليمية لخدمة نفوذها السياسي. 

السرد التاريخي

يعد الإخوان المسلمون منظمة عابرة للحدود تنتمي إلى المدرسة السنية في الفكر الإسلامي، في حين تحكم إيران حكومة شيعية منذ الثورة الإسلامية لعام 1979. وقد تأسست جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إحيائية سنة 1928 على يد حسن البنا، وهو عالم مصري كان يبشر في المقام الأول بالأصولية الإسلامية. وقد انتشرت الحركة على نطاق واسع بين الجماهير، على الرغم من حملات القمع والجهود المتواصلة للأنظمة السياسية بالشرق الأوسط لتضييق الخناق على الجماعة، وفق مقارنة أجرتها الدراسة بين الطرفين.

ولفتت الدراسة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين كانت مجرد جماعة هامشية في الساحة السياسة في الشرق الأوسط، حتى حرب الأيام الستة بين إسرائيل وخمس دول عربية، والتي نجحت فيها إسرائيل في انتزاع قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر، والضفة الغربية من الأردن وهضبة الجولان من سوريا.

تستلهم حركة الإخوان المسلمين مبادئها من إيران التي صارت فيها الثورة الإسلامية ممكنة

ولفتت إلى أنها وباستغلالها الروح المعنوية المنخفضة لعموم الجماهير العربية، بدأت جماعة الإخوان المسلمين في تقديم نفسها كبديل محتمل للقومية العلمانية العربية. لقد حاولت الجماعة الثورة ضد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في عام 1982 من خلال العنف والتحريض، لكنه تمكن بطريقة ما من سحق الانتفاضة المتصاعدة. 

وقد ظلت جماعة الإخوان المسلمين فصيلاً محظوراً وتم تصنيفها منظمة إرهابية في الدول العربية التي تحكمها قيادات علمانية خاصة بعد تورطها في التمرد في سوريا.

الإخوان المسلمون والربيع العربي

وبحسب ما ورد في الدراسة فإن جماعة الإخوان المسلمين لم تفقد الأمل، واستمرت في العمل الجاد في صمت لكسب القبول والدعم الاجتماعي. وقد قاموا بنقل مفاهيمهم الأيديولوجية من خلال المساجد ودعموا الفقراء مادياً لإقناعهم بتبني فلسفتهم الأصولية إلى أن اندلع الربيع العربي في بداية سنة 2010. 

وقد استغل حينها الإخوان ذلك كفرصة وبرزوا كبديل محتمل للأنظمة الفاسدة. ومن ثم، استثمروا الربيع العربي للحصول على قوة سياسية كبيرة في المنطقة أدت في النهاية إلى إضفاء الشرعية على حركة النهضة في تونس (التي تأثرت بشدة بحسن البنا وأبو الأعلى المودودي) والإخوان المسلمين في مصر. 

 

إيران وتنظيم الإخوان تورطا في علاقة حب وكراهية حيث يتعاون كلاهما مثلما يعارض كل منهما الآخر في سيناريوهات جيوسياسية مختلفة

 

وقد حصلت حركة النهضة على ما نسبته 37 في المائة من الأصوات في أول انتخابات عامة على الإطلاق منذ الاستقلال، والتي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر 2011، ليشكلوا الحكومة في تونس بوصفهم الحزب الأقوى في السلطة التشريعية، بيد أنه تمت الإطاحة بحكومة النهضة سنة 2014، بسبب الضجة التي أثيرت ضد أسلمة القوانين في دولة علمانية في الأصل، بالإضافة إلى تهمة التورط المزعوم للحركة في اغتيال اثنين من السياسيين العلمانيين اليساريين، شكري بلعيد ومحمد براهمي.

وغير بعيد عن تونس، جرت انتخابات رئاسية في مصر في عام 2012، وأسفرت عن وصول مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي إلى السلطة، بيدَ أن انقلاباً عسكرياً قاده المشير عبد الفتاح السيسي أطاح به للأسف. وفي نفس السياق، نجحت الحركة الإسلامية في إثارة أعمال شغب وعصيان مدني في سوريا لا تزال قائمة حتى اليوم، بمساعدة تركيا وقطر. ولكنها فشلت في استغلال الفرصة للمرة الثانية، بعد المحاولة الأولى في أوائل الثمانينيات.

إيران مُلهمة الإخوان

وبحسب الدراسة، فإنه وباطلاعنا بشكل أدق على الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، يمكننا أن نفهم السبب وراء دعم قطر وتركيا لجماعة الإخوان المسلمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها، حيث تتشارك قياداتهما نفس القاعدة الإيديولوجية تقريبًا. 

وتساءلت لماذا تدعمهم الحكومة الشيعية في إيران، مع الأخذ في الاعتبار أن القاعدة الشعبية للحركة تعتبر الطائفة الشيعية خوارج أو منشقين عن الإسلام؟.

وفي الإجابة عن السؤال، اعتبرت الدراسة أنه وفقًا لأيديولوجيتهم، كما هو موضح في منشوراتهم وأدبياتهم، فإنهم يهدفون إلى إقامة دولة إسلامية أساسها الشريعة الإسلامية (مجموعة القواعد والتشريعات والمبادئ الإسلامية) بهدف توجيه المجتمع، والدعوة إلى الوحدة الإسلامية كمصدر لتوحيد الأمة الإسلامية، كراهية الإمبريالية المناهضة للغرب، الجزء البارز والمتشدد من اللوبي المناهض للصهيونية، فضلا عن دعم اقتصاد مستوحى من مبادئ الإسلام يقوم على جمع الزكاة والعشر من قبل مؤسسات الدولة والنظام المصرفي الإسلامي الخالي من الفائدة بدلاً من الأسواق الرأسمالية.

هذا وتستلهم حركة الإخوان المسلمين مبادئها من إيران التي صارت فيها الثورة الإسلامية ممكنة. ويعتقد الإخوان المسلمون أنه إذا استطاعت إيران، التي حكمها شاه علماني كان من أهم الأطراف المؤثرة في السياسة الإقليمية وكان الأقرب إلى القوى الغربية، إشعال انتفاضة يمينية، فإن حلم الدولة الإسلامية في مناطق مثل مصر ليس حلمًا بعيد المنال. 

وقد استوعبت جماعة الإخوان المسلمين أيضًا المفاهيم الاجتماعية اليسارية من أجل حل الصراع الاجتماعي داخل المجتمع الإسلامي.

العلاقة الجيوسياسية بين الإخوان المسلمين وإيران

الدراسة أشارت إلى أن إيران والإخوان المسلمون تورطا في علاقة حب وكراهية، حيث يتعاون كلاهما مثلما يعارض كل منهما الآخر في سيناريوهات جيوسياسية مختلفة. 

وعلى سبيل المثال، عندما تمرد الإخوان المسلمون السوريون وحلفاؤهم ضد الرئيس حافظ الأسد، تلقوا دعمًا كبيرًا من صدام حسين، بينما انحازت إيران التي كانت متورطة في حرب وحشية مع العراق إلى صف الرئيس السوري الراحل. وعلى نحو مماثل، عندما حاولت الجماعات المدعومة من قبل الإخوان المسلمين الإطاحة بالنظام خلال الربيع العربي الذي خططت له الولايات المتحدة، انحازت إيران مرة أخرى إلى صف الرئيس بشار الأسد، وزودته بالدعم المالي والعسكري.

 

استغلالها الروح المعنوية المنخفضة لعموم الجماهير العربية بدأت جماعة الإخوان المسلمين في تقديم نفسها كبديل محتمل للقومية العلمانية العربية

 

 وعلى النقيض من ذلك، تعاون كلا الطرفين أيضًا في مسائل ذات مصلحة مشتركة. ففي سنة 2013، وخلال فترة حكم محمد مرسي، عُقدت قمة إسلامية في القاهرة وشارك فيها الرئيس الإيراني حينها محمود أحمدي نجاد.

الإخوان المسلمون وإيران: حليفان ضدّ المملكة العربية السعودية

هذا واستندت الدراسة إلى أمثلة عملية، إذ في العام 2019 سربت صحيفة ذا إنترسبت وصحيفة نيويورك تايمز وثائق سرية للغاية مصدرها المخابرات الإيرانية تُظهر عقد اجتماع بين فيلق القدس الإيراني والإخوان المسلمين في أنقرة عام 2014.

 لقاء ناقشوا خلاله السبل الكفيلة بمواجهة الأعداء في المنطقة وخارجها بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإسرائيل وربما الولايات المتحدة. كما تمت مناقشة مسألة اليمن، خصوصاً وأن الإيرانيين يدعمون الحوثيين الشيعة في اليمن، بينما لدى الإخوان المسلمين أيضًا حصصهم في اليمن من خلال التجمع اليمني للإصلاح المعروفة بحركة الإصلاح ذات التأثير على زعماء القبائل السنة.

إلىى ذلك خلصت الدراسة إلى أنه ومع تزايد الانقسام الطائفي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة بعد الربيع العربي، فإن الحركات الإسلامية الأصولية لديها أسباب كافية للموافقة على التعاون أكثر من عامة الناس الذين يحاولون إعادة بناء الحياة الطبيعية بعد الاضطرابات الطويلة الأمد في المنطقة. 


الصفحة الرئيسية