بيان هيئة كبار العلماء بشأن الإخوان: رسالة في أكثر من اتجاه

بيان هيئة كبار العلماء بشأن الإخوان: رسالة في أكثر من اتجاه


06/12/2020

جاء بيان هيئة كبار العلماء السعودية الأخير لينزع القناع عن الوجه الحقيقي للإخوان المسلمين، فقد كشفت أرفع هيئة دينية في بلاد الحرمين الغطاء الديني عن الجماعة، وهو الأمر الذي علّق عليه محللون، بالتأكيد على أنّ البيان أغلق الأبواب بشكل نهائي على علاقة المملكة بالإخوان، والتي بدأها حسن البنا منذ زيارته الأولى للسعودية، في ثلاثينيات القرن الماضي، قبل أن يستغلّ الإخوان الخلاف السياسي بين نظام عبدالناصر والسعودية، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حين هرب عناصر منهم إلى المملكة تحت وطأة الضغط الأمني، عقب تورطهم في محاولة اغتيال عبد الناصر، العام 1954، ونجحت عناصر التنظيم في التمدد داخل المؤسسات السعودية، وخاصّة التعليمية والمالية، بحيث صنع الإخوان قاعدة مركزية لهم، نجحوا من خلالها في استثمار أموال التنظيم، وجمع التبرعات، تحت غطاء دعم القضية الفلسطينية، والجهاد الأفغاني.

في ضوء تحولات السياسة الأمريكية

يأتي هذا البيان قبيل انتقال السلطة في البيت الأبيض، ليضع النقاط على الحروف، في مواجهة الإدارة الديموقراطية، بالتزامن مع استفاقة عدد من الدول الأوروبية، وانتباهها للخطر الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين، وهي الاستفاقة التي بدأت معالمها تتضح بضرب وتفكيك مفاصل وأذرع الجماعة في فرنسا والنمسا.

وكان بيان هيئة كبار العلماء السعودية قد نوّه إلى أنّ تكوين جماعات ذات بيعة وتنظيم محرّم بدلالة الكتاب والسّنة، محذراً من جماعة الإخوان كونها، بحسب البيان، "جماعة منحرفة، قائمة على إثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، ووصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية"، كما لفت البيان إلى أنّه "منذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسّنة، وإنّما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثمّ كان تاريخ هذه الجماعة مليئاً بالشرور والفتن، ومن رَحِمها خرجت جماعات إرهابية متطرفة، عاثت في البلاد والعباد فساداً، ممّا هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم".

مراقبون: البيان أغلق الأبواب بشكل نهائي على علاقة المملكة بالإخوان

ليخلص في النهاية إلى أنّ جماعة الإخوان "جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام، وإنّما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين، وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب".

ومن جانبه، قال المفتي العام للمملكة العربية السعودية، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: "إنّ جماعة الإخوان لا تمتّ للإسلام بصلة"، مؤكداً أنّها "فئة ضالة استباحت الدماء، وانتهكت الأعراض، ونهبت الأموال، وأفسدت في الأمر".

يرى مدير السياسات بمركز الإنذار المبكر للدراسات السياسية والأمنية في أبو ظبي، أحمد الباز، أنّه "لا يمكن فصل هذا الإعلان عن الترس الذي بدأت حركته في الدوران بالمنطقة، وذلك بالتزامن مع الانتخابات الأمريكية، فهناك محاولات من قبل الأطراف الفاعلة في المنطقة من أجل الاستعداد للتعاطي مع الأنماط المحتملة، التي ستتبعها إدارة بايدن تجاه الملفات الرئيسية في المنطقة، ومنها بطبيعة الحال، ملف الإخوان المسلمين".

من جانب آخر، يتماشى هذا الإعلان، وفق تصريحات الباز لـ"حفريات"، مع المسار الذي أسّس له ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو التخلص بشكل تدريجي من كافة التيارات الدينية الأصولية، التي من شأنها تعقيد مشروع الإصلاح الاجتماعي والديني الذي خطّه في المملكة، موضحاً: فإذا كانت السعودية قد أقرّت بالفعل العديد من الإصلاحات الاجتماعية، فيما يخص الموقف من المرأة، والموقف من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنّ إعلان الإخوان المسلمين جماعة إرهابية يتماشى مع هذا النهج، خصوصاً أنّ المملكة العربية السعودية كانت قد فتحت منذ الستينيات الأبواب للإخوان المسلمين؛ ليعملوا أساتذة في جامعاتها ومعاهدها، إلى الدرجة التي جعلت للإخوان نفوذاً عميقاً في الداخل السعودي، على المستويين الشعبي والرسمي، وهو ما مثل خطراً على السعودية، في ظل قابلية هذه الجماعة للعمالة لصالح قوى دولية، وهي القابلية التي تتصاعد في ظل رغبة الإخوان في الثأر من العديد من أنظمة المنطقة، بعد الإطاحة بهم من حكم مصر، هذه القابلية للعمالة من المحتمل أن تصبح أكثر فعالية في ظل إدارة بايدن".

تأتي هذه الخطوة قبيل انتقال السلطة في البيت الأبيض لتضع النقاط على الحروف في مواجهة الإدارة الديمقراطية

وبحسب الباز، فإنّ الاقتراب من الأوروبيين سيكون مهمّاً جداً للمملكة العربية السعودية؛ لموازنة أيّ ضغوطات محتملة من الإدارة الأمريكية الجديدة، "لذلك فإنّ هذا الإعلان الرسمي إنّما يأتي في إطار محاولات الرياض لتعزيز الثقة بينها وبين العديد من دول أوروبا، حيث إنّ ما يستقر في أذهان بعض الأوروبيين، ما يزال مرتبطاً بحقبة التسعينيات، وهو أنّ السعودية مسؤولة عن رواج الخطاب الأصولي في مساجدها، وبالتالي فإنّ هذا الإعلان سوف يزيل هذا التصور القديم، وسيفتح مسارات عمل مشتركة بين الطرفين، في مواجهة الإسلام السياسي، خصوصاً في ظل الأزمات التي تواجهها أوروبا جرّاء نفوذ الإسلاموية هناك".

ويتابع الباز: بالتالي، فإنّ هذا الإعلان سوف يقوّض تحركات الإخوان المسلمين في المملكة العربية السعودية، بل سيضيق الدائرة على احتمالات عودتهم للمشهد، خصوصاً أنّ آمال الإخوان كانت معلقة على أنّ الرياض لن تقطع شعرة معاوية معهم، وستظل محتفظة بهم ضمن أيّ ترتيبات إقليمية محتملة مستقبلياً، لذلك اتسم الخطاب الإخواني تجاه السعودية طيلة الأعوام الماضية بلهجة أخفّ قسوة من الخطاب تجاه مصر والإمارات. كما سيكون هذا الإعلان حجر زاوية في الخطاب السياسي الدولي السعودي، إذا ما ضغطت أيّ دولة أجنبية عليها، بأنّ هذا الضغط يستخدم تنظيماً بصفة إرهابية في المملكة، ما يعني الإضرار بمصالح البلاد.

ردّ فعل الإخوان يعكس توتراً داخلياً

عكس ردّ فعل الإخوان على بيان هيئة كبار العلماء السعودية نوعاً من القلق الشديد، فللمرّة الأولى تجند الجماعة أذرعها الدينية والسياسية للردّ على اتهامات تطالها، فقد خرجت التنظيمات الدينية التابعة للجماعة لتقديم الدعم والدفاع عن التنظيم، وسارع الذراع السياسي لإخوان الجزائر، والمتمثل في حركة مجتمع السلم، إلى مهاجمة البيان، بادعاء أنّه ينشر الفتنة، كما أصدر فرع التنظيم في سوريا ما أطلق عليه بيان "البراءة"، للردّ على بيان كبار العلماء السعودية، مع الهجوم على إيران، في محاولة مكشوفة لاستمالة المملكة، كما خرج ما يُسمّى بـــ"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" في الدوحة ليصف هيئة كبار العلماء السعودية بـ"المسيسة، والساعية لإرضاء إسرائيل على حساب الإخوان".

من جانبه، حاول المتحدث الإعلامي باسم الإخوان، طلعت فهمي، أن يردّ على البيان، مدعياً أنّ "الإخوان جماعة دعوية إصلاحية، وليست إرهابية، وأنّها بعيدة كل البعد عن العنف والإرهاب، وتفريق صف الأمّة". متجاهلاً ما أحدثته الجماعة من ارتباك في المشهد السياسي العربي، ومدى العنف الذي ارتكبته هي   والتنظيمات التي خرجت عن عباءتها، منذ تأسّس الجهاز الخاص.

كما ادّعى المتحدث الإعلامي أنّ جماعته "تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، دون إفراط أو تفريط، وأنّها ظلّت منحازة للعقيدة الإسلامية الصحيحة، وقضايا الأمّة العادلة، وأوّلها قضية فلسطين"!. ولم يتحدث، فهمي عن معنى الدعوة بالموعظة الحسنة الذي جرت في سياقه عمليات الاغتيال السياسي، منذ مقتل النقراشي باشا، والخازندار، وغيرهم، وصولاً إلى أحداث الاتحادية، وحرب العصابات التي قامت بها عناصر التنظيم في أعقاب ثورة 30 حزيران (يونيو) العام 2013


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية