
على الرغم من مرور (11) عاماً على سقوط جماعة الإخوان من الحكم، وعلى الرغم كذلك من الإجراءات العديدة التي اتخذها النظام ضدها بهدف إضعافها وإبعادها عن المشهد، ورغم حالة الضعف التي عليها الجماعة بالفعل، سواء نتيجة تلك الإجراءات أو نتيجة الانقسامات الداخلية التي أحدثت العديد من الانشقاقات بها؛ إلّا أنّها ما تزال تعمل وتسعى بوسائل شتى وتنتظر لحظة تغيّر الأوضاع السياسية في مصر على نحو يساعدها على العودة مرة أخرى إلى المشهد السياسي.
مؤخراً أصدرت الجماعة، ممثلة في جبهة لندن، بياناً رسمياً في ذكرى عزل الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي من الحكم، وقد أكد على المضامين التي وردت فيه المتحدث الرسمي للجماعة المهندس أسامة سليمان من خلال مداخلة له على قناة (الشرق) في اليوم نفسه، وتناول البيان عدداً من النقاط حول توصيف طبيعة الصراع مع النظام الحاكم، وأسباب سقوط الجماعة من الحكم، وآليات إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفق رؤية الجماعة. ومن خلال قراءة هذا البيان نود التعرف على أمرين؛ هل يعكس البيان تغيراً في أفكار الجماعة وخطابها أم أنّ الأوضاع كما هي؟ وهل بعض التغيرات التي توجد في البيان تجاه بعض الأمور هي من قبيل المراجعة أم المراوغة؟
ماذا تقول الجماعة في بيانها؟
تناولت الجماعة في بيانها عدة نقاط؛ من أبرزها توصيف الصراع بينها وبين النظام الحاكم على أنّه صراع على السلطة بين المؤسسة العسكرية وبين جماعة الإخوان التي تمثل الثورة وتمثل أول تجربة ديمقراطية في مصر، وقد تسببت تلك الإجراءات المتخذة في 3 تموز (يوليو) 2013 في الإطاحة بها والقضاء عليها، كما يلقي البيان بالتبعة على القوى المعادية للثورة في إحداث المشكلات وافتعال الأزمات ووضع العراقيل التي تسببت في إفشال الجماعة ومن ثم إسقاطها من الحكم، كما تتحدث الجماعة في البيان عن أنّ هناك حرباً على الهوية والدين بصورة ممنهجة تتم منذ 2013، وقد تسببت في انحلال أخلاقي في المجتمع، كما يركز البيان على المشكلات والأزمات الاقتصادية التي يعيشها المجتمع المصري، وأنّها بسبب سياسة النظام الحاكم الذي يجب الاصطفاف للوقوف تجاهه، كما تؤكد الجماعة على أنّها قدمت الكثير من التضحيات في الأعوام السابقة من أجل الوطن، وعلى جانب آخر نلاحظ في البيان تغير لغة الجماعة تجاه بعض الأمور، مثل خطابها الذي يصف الجيش بأنّه درع الوطن، وأنّ الجماعة جزء من نسيج الشعب الذي يصفه المتحدث الرسمي في مداخلته على قناة (الشرق) بأنّه شعب واعٍ، وكذلك وصفه للقوى السياسية بأنّها قوى وطنية تعمل الجماعة على الاصطفاف معها من أجل مصلحة مصر، وتؤكد على رفض ثقافة التمييز والإقصاء، ويؤكد البيان على نية الجماعة في التخلي عن الصراع على السلطة، وأنّه لا يهمها سوى إنقاذ الدولة، وأنّ المهم هو كيف تُحكم الدولة وليس أن يحكم الإخوان.
دلالات البيان
يكشف بيان الجماعة وحديث متحدثها الرسمي أنّه ليس ثمة تغير كبير في أفكارها ولا في نظرتها إلى الكثير من الأمور، فما تزال ترى أنّها تمثل الثورة وتعبّر عن مبادئها ومطالبها، على الرغم من أنّ طبيعة الجماعة وأفكارها تتعارض مع ما كانت تدعو إليه الثورة من قيم الحرية والديمقراطية، فالجماعة قائمة على فكرة السمع والطاعة، ولا تعترف بداخلها بهذه القيم ولا تمنح مساحة للحرية حتى لأفرادها فيما يتعلق بشؤونها التنظيمية، وما تزال الجماعة تُرجع ما حدث لها في العام 2013 إلى الأسباب الخارجية وفكرة المؤامرة، وتعتقد أنّ سبب فشلها وعدم استمرارها في الحكم يعود فقط إلى عقبات وعراقيل تم وضعها في طريقها، دون إدراك مطلقاً لأيّ أخطاء وقعت فيها الجماعة، سواء على مستوى الخطاب السياسي والديني أو على مستوى الممارسة السياسية، ودون إدراك العيوب البنيوية المتعلقة بأفكار الجماعة ومشروعها وطبيعتها التنظيمية، كما أنّها ما تزال تستخدم فكرة الحرب على الدين لتبرير ما حدث، ولتسويق نفسها والبحث عن مبرر لوجودها واستمرارها، وتصوير الأمر على أنّه صراع ديني وليس سياسياً، وأنّه بسبب اعتراض البعض على فهم الجماعة للدين، وليس كما ترى هي أنّه اعتراض على الدين الذي ترى أنّها تمثله، كما أنّ الجماعة ما تزال تعمل على توظيف فكرة المحنة والمظلومية بهدف استثارة العواطف وكسب التأييد الشعبي من خلال ترويج أنّها قدمت تضحيات وتعرضت لظلم ومتاعب، دون إشارة إلى أنّها تسببت في صناعة ذلك بأخطائها وعيوبها، وهو الأمر الذي ساعدها كثيراً طيلة تاريخها في جذب أعضاء ومؤيدين لها وتحقيق مكتسبات اجتماعية وسياسية.
يكشف بيان الجماعة وحديث متحدثها الرسمي أنّه ليس ثمة تغير كبير في أفكارها ولا في نظرتها إلى الكثير من الأمور
كما يكشف البيان وحديث المتحدث الرسمي عن تغير لغة خطاب الجماعة تجاه عدد من الأمور، لكنّه وفق طبيعة الجماعة وممارساتها طيلة الأعوام السابقة؛ فإنّه يدل على أنّ هذا التغير يعبّر عن تغير براغماتي تستدعيه المصلحة والضرورة التي يفرضها السياق الحالي ورغبة الجماعة في إعادة تدوير نفسها أملاً في العودة إلى المشهد مرة أخرى، فمثلاً يصف البيان المؤسسة العسكرية بأنّها درع الوطن، بعد أن كانت تكيل للجيش الاتهامات حتى وقت قريب، وتصفه بأنّه "جيش كامب ديفيد"، قاصدة من ذلك وصفه بالخيانة والعمالة، وتصف نفسها بأنّها جزء من نسيج الشعب الذي تصفه بأنّه شعب واعٍ، بعدما كانت تصفه بالجهل والخنوع، وكانت تتمنى له المزيد من الأزمات التي ترى أنّها عقاب إلهي على رفضه للإخوان أو سكوته عمّا حدث لها، وكانت تعبّر عن مشاعر التشفي تجاهه في كل أزمة يتعرض لها طيلة الأعوام السابقة، وتصف القوى السياسية الأخرى بأنّها قوى وطنية تعمل على الاصطفاف معها، بعد أن كانت تصفها بأنّها داعمة لإسقاطها من الحكم وتصفها بالعلمانية وبعدائها للمشروع الإسلامي، كما تقول الجماعة في البيان إنّها ترفض ثقافة الإقصاء، على الرغم من أنّها مارسته تجاه العديد من المختلفين معها، سواء كانوا من خارج التنظيم أو من داخله، ويعود ذلك إلى طبيعة إيديولوجيتها التي تقوم على فكرة امتلاك الحق المطلق وتمثيل الإسلام، كما أنّها أخيراً تعبّر في البيان عن نيتها في التخلي عن الصراع على السلطة، وهو أمر محل شك، لأنّ الحكم بالنسبة إلى الجماعة يمثل المشروع الرئيس، وما المراحل السابقة من الدعوة والمتمثلة في تكوين الفرد والأسرة والمجتمع المسلم إلّا مراحل تمهيدية للوصول إلى السلطة التي ترى الجماعة أنّها السبيل الوحيد للإصلاح في المجتمع، كما أنّ تجربة الجماعة بعد الثورة تكشف عن عدم مصداقيتها فيما تقول من وعود، فقد أعلنت فيما سبق أنّها لن تنافس على الرئاسة، وأنّها لن تنافس على أغلبية مقاعد البرلمان، ثم نقضت كل ذلك فيما بعد، ويعود ذلك إلى طبيعة الجماعة البراغماتية، وأسلوبها المراوغ الذي يجعل خطابها المعلن غير معبر بالضرورة عمّا تحمله من أفكار، أو ما تكنّه من نوايا.
إنّ هذا البيان يعكس عدم تغير الجماعة ورسوخ العيوب بداخلها، وعدم قدرتها على الاستفادة من التجارب أو التعلم من الأخطاء، وأنّ الزمن لا يزيدها إلا جموداً، وأنّ إصلاحها بات أمراً عسيراً للغاية، كما يكشف عن أنّ السياق الحالي في المجتمع، وما به من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، إنّما يمثل مناخاً مناسباً للجماعة، يساعدها على إعادة تدوير نفسها وتقديم أفكارها ذاتها وخطابها ومشروعها ذاته إلى المجتمع مرة أخرى، وأنّه لا بدّ من معالجة المشكلات التي يعيشها المجتمع المصري وتحسين أوضاعه، حتى لا تتكرر الأحداث والتجارب، وحتى لا يظل المجتمع يدور في دائرة مغلقة.