بيان آخر لجبهة إسطنبول... مؤشرات جديدة على تفاقم أزمة الإخوان

بيان آخر لجبهة إسطنبول... مؤشرات جديدة على تفاقم أزمة الإخوان

بيان آخر لجبهة إسطنبول... مؤشرات جديدة على تفاقم أزمة الإخوان


01/12/2022

في تعميق جديد لأزمة الصراع المتفاقم داخل جماعة الإخوان منذ أعوام، أصدرت جبهة إسطنبول التي يتزعمها محمود حسين ومجموعة إخوان مصر بياناً جديداً مساء أول من أمس، أكدت خلاله جملة القرارات التي اتخذتها مجموعة إسطنبول خلال الفترة الماضية، وفي مقدمتها تعيين حسين قائماً بأعمال المرشد خلفاً لإبراهيم منير الذي توفي في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.

وبالرغم من أنّ البيان جاء في مجمله تأكيداً على القرارات المسبقة التي أقرتها جبهة إسطنبول، ولم يقدم أيّ قرارات جديدة، إلا أنّه بحسب مراقبين، يُعدّ محاولة أخرى من جانب حسين لحسم الصراع نهائياً لصالحه، وتهميش جبهة لندن بشكل نهائي أو إخراجها من دائرة الصراع على النفوذ والقوة داخل التنظيم.

قراءة في رسائل البيان

حمل البيان الصادر عن جبهة محمود حسين مجموعة من الرسائل والدلالات؛ أبرزها:

أوّلاً: تشير بداية البيان، والاستدلال القرآني الوارد فيها، إلى رسالة واضحة إلى قواعد التنظيم،  مفادها ضرورة الحفاظ على تماسك الجماعة، ولمّ شمل القواعد، وكذلك ورود عدد من العبارات الخاصة بمؤسس التنظيم حسن البنا، في محاولة لاستمالة القواعد واحتواء أزمة الانشقاقات الطاحنة التي يمر بها التنظيم.

ثانياً: التأكيد على فكرة "التماسك" داخل التنظيم، ومحاولة توصيف الأزمة الراهنة باعتبارها ظرفاً طارئاً، مرت به الجماعة مراراً على مدار تاريخها، ونجحت في تجاوزه.

حسين القاضي: البيان الأخير جاء طويلاً، وحكى ما لا يحكى إلا في الغرف المغلقة من تفاصيل

يقول البيان: "لقد مرت الدعوة وعلى مدار تاريخها الممتد منذ حوالي (100) عام بمراحل كثيرة وجرت فيها أحداث كبيرة والتاريخ شاهد عليها وعلى كيفية تعامل الجماعة معها وكيف جرى الحكم عليها إيجاباً أو سلباً،  فكل حدث له طبيعته وسياقه الزمني وكيفية حدوثه، والتي تختلف من حدث إلى آخر وقد لا يكون الجميع مطلعاً على تفاصيلها أو مبررات حدوثها."

وتابع:" قدرة الجماعة على التواؤم والتعامل المرن مع هذه الأحداث ومتطلباتها وبما يناسبها ويقلل من أخطارها المحتملة، ودراسة مدى تأثيرها على الجماعة بمؤسساتها وأفرادها، لم تأخذ شكلاً واحداً وإنّما اتسمت دائماً بالمرونة وتغليب روح الاجتهاد الجمعي الشوري لتحقيق المصلحة العامة للدعوة، ولسدّ أبواب الفتن المحتملة".

حسين القاضي: البيان يزيد من حالة التشظي والانشقاق داخل الجماعة، لأنّه يعاقب مجموعة لندن، ويطلب منها التنازل والخضوع دون قيد أو شرط

لكنّ الواقع التنظيمي يؤكد كذب هذا الادعاء، ويعتبر المراقبون الأزمة الراهنة في التنظيم تاريخية وغير مسبوقة، لأنّه للمرة الأولى ينقسم الهرم التنظيمي للإخوان ليكون هناك مرشدان و(3) جبهات متناحرة على التنظيم.

ثالثاً: محاولة التأكيد للمرة الثالثة خلال أسبوع على رؤية محمود حسين لبدء مرحلة جديدة داخل التنظيم، تعتمد على إنهاء الصراعات الداخلية وحسمها لصالحه، ثم بدء فترة جديدة تعتمد على ضخ دماء جديدة بالمناصب التنفيذية داخل الجماعة في محاولة لاحتواء أزمة الصراعات.

وفي هذا الصدد يقول البيان: "نهاية كل مرحلة مع شدة وضخامة وأثر ما وقع فيها من أحداث أصبحت نقطة انطلاق لبدء مرحلة جديدة من مراحل الدعوة والعمل والانتقال لما هو أفضل".

ترميم سمعة محمود حسين

حاول محمود حسين، من خلال البيان، ترميم سمعته المنهارة داخل التنظيم خلال الأعوام الماضية، مدعياً الحكمة، ومحاولة إنهاء الأزمة داخل التنظيم بالحوار قبل وفاة إبراهيم منير، وبعدها، في محاولة لتحميل منير وجبهته المسؤولية عن الأزمة الراهنة التي يمر بها الإخوان.

وأورد البيان على لسان حسين: "لقد بذلت جهود كثيرة للخروج من هذه الأزمة التي تمر بها الجماعة، وقدمت مبادرات متعددة من عدد من الأقطار أو الأفراد من أجل لمّ الشمل والاتفاق على القواسم المشتركة التي يتوافق عليها الجميع، والتي تؤكد على أنّ الجماعة في الداخل  والخارج وحدة واحدة لا تقبل القسمة، وأنّ المؤسسية قبل الفردية والشورى قبل القيادة، وأنّ مؤسسات الجماعة وعلى رأسها مجلس الشورى العام حقائق لا تقبل الشك، وأنّ ما ثبت في الماضي فالأصل بقاؤه في الحاضر والمستقبل، وأنّ الأمل ما زال معقوداً في الله، عزّ وجلّ، بأن نتخطى هذه اﻷزمة في أقرب وقت ممكن".

أحمد سلطان: البيان كشف عن أزمة معمقة تعيشها جبهة إسطنبول

وأضاف: "إلا أنّ كل هذه الجهود التي بذلت هي والمبادرات التي قدّمت رفضها الأستاذ إبراهيم، رحمه الله، وإخوانه من بعده، بينما قبلها مجلس الشورى العام وردّ على مقدميها كتابة".

تعمييق أزمة الإخوان

الكاتب المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب حسين القاضي يرى أنّ البيان يزيد من حالة التشظي والانشقاق داخل الجماعة، لأنّه يعاقب مجموعة لندن، ويطلب منها التنازل والخضوع دون قيد أو شرط، ولكي تحقق جبهة إسطنبول رغبتها فقد بدأت بيانها كالمعتاد بالحديث العاطفي عن التآخي ووحدة العقيدة وروح التماسك.

أحمد سلطان: تعاني جبهة لندن في الوقت الراهن أزمة تتعلق بغياب الكوادر عن المشهد، ولم تنجح حتى اللحظة في اختيار قيادة تنظيمية قادرة على مواجهة حسين ولديها ثقل تنظيمي مماثل

ويقول حسين لـ "حفريات": إنّ البيان الأخير جاء طويلاً، وحكى ما لا يحكى إلا في الغرف المغلقة من تفاصيل، وبدأ عاطفياً كالمعتاد، ويمكن أن نسميه (بيان الاستعلاء والاستباق)، فهو بيان (استباقي) لا بيان (تهدئة) أو (حسم)، وبيان استعلاء لأنّه يطالب جبهة لندن ومن فيها بالرجوع إلى جبهة محمود حسين (دون أيّ متطلبات أخرى، ويجلس الجميع لاتخاذ ما يرونه من إجراءات مناسبة يتم التوافق عليها)، وأنّ هذا جزاء خروجهم عن الجماعة، وعدم استجابتهم للمّ الشمل والاتفاق على القواسم المشتركة التي يتوافق عليها الجميع.

أزمة عميقة تعيشها جبهة إسطنبول... كيف كشفها البيان؟

يرى الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان أنّ البيان كشف عن أزمة معمقة تعيشها جبهة إسطنبول، ولم تعد خافية على قواعد التنظيم بشكل عام، تتمثل في أنّ حسين كان يقدّم نفسه طوال الفترة الماضية باعتباره غير راغب في أيّ منصب تنظيمي، وأنّ ما كان يفعله في إطار الصراع المحتدم مع إبراهيم منير كان بغرض خدمة التنظيم والحفاظ على مصالحه.

وفي حديث لـ "حفريات" يقول سلطان: إنّ حسين قد تخلى عن هذا المبدأ فور وفاة إبراهيم منير، وقام بإلغاء عمل اللجنة المُشكلة برئاسة مصطفى طلبة، القائمة بعمل المرشد العام، وتفعيل المادة الخامسة من لائحة التنظيم وتعيين نفسه قائماً بأعمال المرشد، الأمر الذي أفقده الثقة داخل التنظيم، وأعاد الحديث مجدداً داخل التنظيم عن وقائع الفساد المالي المتهم فيها حسين ومجموعته.

وبحسب سلطان، يمر حسين في الوقت الراهن بموقف "حرج، بعد أن انكشف موقفه، وما جاء على لسانه في البيان هو محاولة لتبرير موقفه وغسل سمعته، خاصة أمام قواعد التنظيم".

ومن جهته يرى القاضي أنّ مجموعة إسطنبول تخشى من قادم مخيف من جبهة لندن لا تعرفه، ولا تعرف من أين يأتي، ولا تعرف ماذا يكون هذا القادم، فبينما أصدرت جبهة إسطنبول (3) بيانات متعاقبة بعد وفاة إبراهيم منير، نجد أنّ جبهة لندن التزمت الصمت التام، وهو الصمت الذي يسبق العاصفة، وما دامت التزمت الصمت، فإنّ جبهة إسطنبول ستظل في هذا التخبط والتحير، والتزام الصمت لا يُعبّر عن دقة في التخطيط من جبهة لندن بقدر ما يعبّر عن أزمة وتخبط مماثل قبل الإعلان عن خطواتها القادمة.

كيف سترد جبهة لندن؟

يرى سلطان أنّ جبهة لندن قد تأخرت في الرد على تحركات جبهة إسطنبول حتى الوقت الراهن، لانشغالها بأزمة اختيار بديل لإبراهيم منير، لأنّها تواجه مشكلة تتعلق بإمكانية التوافق حول خليفته حتى الوقت الراهن.

وكانت جبهة لندن تعول في الفترة الماضية على القيادي الإخواني محمد البحيري لتولي منصب نائب المرشد، لكنّه اعتذر بسبب ظروفه الصحية، واعتذر القيادي محمد عبد المعطي أيضاً لظروف صحية، وفق سلطان.

ويشير سلطان إلى أنّ جبهة لندن باتت اليوم أمام اختيارات محدودة للغاية، فإذا اختارت حلمي الجزار لمنصب القائم بأعمال المرشد، ففي هذه الحالة ستواجه مشكلات عديدة، لأنّه متهم صراحة بأنّه تعاون في الفترة الأخيرة مع جهات داخل مصر، الأمر الذي ترفضه الجماعة.

وبحسب سلطان تعاني جبهة لندن في الوقت الراهن أزمة تتعلق بغياب الكوادر عن المشهد، ولم تنجح حتى اللحظة في اختيار قيادة تنظيمية قادرة على مواجهة حسين ولديها ثقل تنظيمي مماثل.

صراع مصالح وبيزنس... متى ينتهي؟

يقول حسين القاضي: "أحد قيادات الإخوان وهو عصام تليمة قال إنّ الصراع في جبهة إسطنبول ليس صراع دعوة أو دين، بل هو صراع مناصب وبيزنس ومصالح"، والحقيقة بحسب القاضي أنّ هذا لا ينطبق على جبهة إسطنبول فقط، بل يسري على كل الجبهات المتصارعة، فنحن أمام جبهات تبحث عن إغراق الشباب في أوهام بعيدة عن الواقع، وفي معارك وهمية مع الدولة المصرية ومؤسساتها، وردد كثيرون من المتابعين أنّ حسم الصراع لن يكون إلا من خلال الدول التي تملك تمويل إحدى الجهات، وتوجيهها حسب بوصلتها الخادمة لتوجهاتها، فالصراع ليس سياسياً طبيعياً كعادة التنظيمات المماثلة، بل هو صراع تتنازعه اتهامات تتعلق بالذمة المالية، وخدمة استخبارات أجنبية، ومصالح أسرية وعائلية".

مواضيع ذات صلة:

وثائق الإخوان الـ (3).. خلافات هامشية تجمعها الإيديولوجيا نفسها

كيف كشف حراك 11/11 الوهمي عن أحقاد الصادق الغرياني تجاه مصر؟

تسريبات... تسميات جديدة تُهيكل تنظيم الإخوان



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية