بنكيران يعيد توظيف الدين لصالح السياسة.. ما علاقة تعديلات مدونة الأسرة؟

بنكيران يعيد توظيف الدين لصالح السياسة.. ما علاقة تعديلات مدونة الأسرة؟

بنكيران يعيد توظيف الدين لصالح السياسة.. ما علاقة تعديلات مدونة الأسرة؟


28/09/2022

هناك مجموعة من المعطيات الأيديولوجية أصبحت تميز الخطاب السياسي لعبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (المصباح) الذراع السياسية لإخوان المغرب، ترتبط في مضمونها بمغازلته القواعد الشعبية ومحاولة كسب تأييدها من خلال خطاب شعبوي بغطاء ديني أصولي؛ حيث يصر رئيس الوزراء السابق على وضع مسحة دينية في سياق اشتباكه مع القضايا السياسية والاجتماعية في المغرب، مدّعياً أنّ هناك "جهات تسعى لإحداث تغييرات في القوانين وخراب البلاد".

بنكيران حاول الظهور بمظهر المدافع عن قيم الأسرة المغربية، وقناعاتها الدينية والاجتماعية، فقد أبدى اعتراضاً على مضمون تعديلات مدونة الأسرة، ومقترحات المساواة في الإرث، وقال: إنّ هذه المطالبات تسعى إلى "تحطيم الأسس التي تنبني عليها المدونة الحالية، والمستمدة من الشرع، وتغيير أحكام الإرث بادعاء تحقيق المساواة"، على حدّ وصفه.

وكان بنكيران قد هاجم من قبل الدعوات المطالبة بالمساواة في الإرث، قائلاً إنّ "المغاربة ليست لديهم مشاكل مع الإرث، ولم يشتكوا لأحد". وتابع مخاطباً أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان: "حينما تتهمين الإسلام بتأنيث الفقر، فهل تعين ما تقولين، أم فقط تلقين الكلمات جزافاً؟"، واعتبر دعوتها للمساواة في الإرث "اتهاماً لله وللرسول بالظلم".

وشدّد بنكيران على ضرورة ما سمّاه العودة إلى المرجعية الإسلامية، معتبراً أنّ "السياسة التي تتضايق من كلام الله ورسوله لا حاجة لها"، في إصرار واضح على توظيف الدين لخدمة أجندة الإخوان السياسية.

المفكر المغربي سعيد ناشيد: حركة التاريخ تمضي إلى الأمام، مهما حاول الإخوان جرّها إلى الوراء

ولا يكفّ الأمين العام لـ(المصباح) منذ أعوام عن الردّ على دعوات تعديل مدونة الأسرة في المغرب، وسبق له مهاجمة إدريس اليزمي الذي طالب بذلك في العام 2015، حين قال بنكيران: إنّ "الله يوصي للذكر مثل حظ الأنثيين، وإنّ إدريس اليزمي لو أراد الاجتهاد في الدين، لكان عليه أن يأتي بأدلة علمية لأجل مناقشتها مع العلماء، بدل أن يأتي بمرجعية أخرى ليطلب المساواة في الإرث" مضيفاً: "لا ينتبه اليزمي إلى أنّه يريد أن يثير فتنة... عليه أن يسحب كلامه وأن يعتذر"، زاعماً أنّ الأخير لا يحق له الإفتاء في الدين، مضيفاً: "القرآن الكريم نحفظه لأولادنا ونقرأه في المساجد، ولا يمكن أن نطالب اليوم بتغيير الإرث، الذي لم يتغيّر حتى في الدول التي سارت في هذا الاتجاه".

جدل حول تقنين الإجهاض

وعلى الرغم من ارتفاع حالات الوفاة في المغرب؛ بسبب عمليات الإجهاض السرّي، هاجم بنكيران مقترح تقنين الإجهاض، ووصف ذلك بــ "جريمة يراد تقنينها"؛ بهدف الترويج للعلاقات الرضائية، وإحداث مخرج لحالات الحمل خارج الزواج. مضيفاً: "من دخل في علاقة وتسبب في حمل عليه أن يتحمل مسؤوليته". متجاهلاً حالات رفض الاعتراف بالحمل، والاغتصاب، ومرض الأم وعدم قدرتها على تحمل تبعات الحمل والولادة من الناحية الصحية.

بنكيران حاول الظهور بمظهر المدافع عن قيم الأسرة المغربية، وقناعاتها الدينية والاجتماعية، فقد أبدى اعتراضاً على مضمون تعديلات مدونة الأسرة، ومقترحات المساواة في الإرث

 

من جهة أخرى، فإنّ بنكيران يدافع عن جريمة تزويج الأطفال، معتبراً أنّ زواج القاصرات ينبغي أن يتحدد بقدرة الفتاة على الزواج من عدمها، زاعماً أنّ السياق الاجتماعي وظروف كلّ فتاة هي التي تحدد ذلك، قائلاً: إنّ "هناك من الأسر من لا تجد ما تطعم به أبناءها وبناتها"، في تكريس واضح للمتاجرة بالقاصرات، وبيعهن نظير لقمة العيش. مضيفاً: "تعارضون زواج القاصرات، لكنكم تدافعون عن العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، حتى لو كان طرفاها قاصرين". وتابع: "نحن لسنا ضد حقوق المرأة، وإذا كانت هناك دعوة للحوار في إطار الشرع، فنحن نرحب بها".

ويُعلّق المفكر المغربي سعيد ناشيد، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، على تصريحات عبد الإله بنكيران، مؤكداً أنّها تظل في رأيه بلا قيمة، وهي محاولات يائسة للعودة إلى المشهد السياسي، ويغلب عليها الابتذال والدعاية السياسية الرخيصة، بوضع الدين، أو بمعنى أدق، تصوره للدين، في أيّ جملة مفيدة أو غير مفيدة، لكسب تأييد القواعد والحواضن الاجتماعية، والترويج لحزبه الذي خسر كل شيء في الانتخابات الماضية.

وقال ناشيد: إنّه ينبغي عدم الاهتمام بمثل هذه التصريحات، فهي لن تعطل بأيّ حال الإصلاحات الاجتماعية؛ لأنّ حركة التاريخ تمضي إلى الأمام، مهما حاول الإخوان جرّها إلى الوراء، فهذا ضدّ المنطق، وتصورات بنكيران وأعوانه لن تُكتب لها الحياة على المستوى السياسي، لكن تظل الخطورة في وجود قواعد اجتماعية، يمكنها تنشيطها، وإعادة تحريكها في السياق السياسي مرة أخرى، خاصّة أنّ جماعة العدل والإحسان تملك من القوة الاجتماعية ما يمثل تهديداً صريحاً لمسيرة الحداثة في البلاد.

توظيف سياسي واضح

جاءت تصريحات بنكيران الأخيرة، التي هاجم فيها التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، في سياق التجمع الخطابي الذي عقده بنكيران بجهة جرسيف من أجل دعم عبد الوافي مزيان مرشح العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية الجزئية، في مواجهة سعيد بعزيز عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بعد إلغاء عضوية علي الجغاوي عن حزب الاستقلال، ومحمد البرنيشي عن حزب الأصالة والمعاصرة، بحكم قضائي.

على الرغم من ارتفاع حالات الوفاة في المغرب بسبب عمليات الإجهاض السري، هاجم بنكيران مقترح تقنين الإجهاض، ووصف ذلك بــ "جريمة يراد تقنينها"

 

وتبدو المسحة الدعائية واضحة، حيث يوظف بنكيران الدين كعادته لخدمة أغراض الإخوان السياسية، وقد جاءت هذه التصريحات على هامش دعاية مكثفة، يسعى من خلالها الإخوان لاقتناص مقعد إضافي، كي تزيد حصيلة المقاعد الهزيلة التي حصل عليها البجيدي في انتخابات أيلول (سبتمبر) الماضي.

مواضيع ذات صلة:

إخوان المغرب بعد الانتكاسة: الهروب إلى الخطاب الدعوي

بنكيران الباحث عن دور جديد يصطدم باليسار المغربي

إخوان المغرب يتحيّنون الفرصة للانقضاض على الحكومة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية