إخوان المغرب يتحيّنون الفرصة للانقضاض على الحكومة

إخوان المغرب يتحيّنون الفرصة للانقضاض على الحكومة


08/03/2022

كان غريباً صعود حزب الأحرار الوطنيين في الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية الأخيرة في المغرب، والتي تصدر فيها النتائج، وشَكل عقبها أمينه العام، عبد العزيز أخنوش الحكومة. ومثلما كان الصعود غريباً يبدو أنّ النهاية ستكون أغرب؛ فلم تكد خمسة أشهر تمضي على حلف أخنوش اليمين الدستورية حتى تراجعت شعبية الحزب بين الناخبين بشكلٍ ملحوظ.

 

اقرأ أيضاً: تقرير الحالة الدينية في المغرب: تباين أداء الإسلاموية والطرق الصوفية والمؤسسات الدينية

وبين الوعود الانتخابية الكبيرة التي رفعها حزب الحمامة، وكأنّه حزب ديمقراطي اجتماعي رصين، وواقع أداء هذه الحكومة المتردي خدماتياً وحقوقياً، والتي زادتها صعوبةً الآثار الكارثية للحرب الروسية على أوكرانيا، خاصةً على قطاعي المحروقات والغذاء، يواجه الحزب غضباً شعبياً، طال شخص أمينه العام، الذي يمثّل تزاوج المال والسياسة؛ كوّنه أحد كبار رجال الأعمال والأثرياء، ويمتلك شركات كبرى تعمل في مجال المحروقات.

وبموازاة تحوّلات الغضب الشعبي، يقف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإخواني (البيجيدي)، عبد الإله بنكيران مترقباً، وباحثاً عن الفرصة لإعادة تعويم حزبه بعد الهزيمة النكراء التي تلقاها في الانتخابات الماضية.

تحديات حكومة أخنوش

وكان أخنوش قدم برنامجاً تنموياً واسعاً ضمن برنامجه الانتخابي، والذي توافق مع النموذج التنموي الذي أعلن عن الملك محمد السادس، وحمل وعوداً اقتصادية واجتماعية جعلت الحزب يتصدر نتائج الانتخابات ويُشكل حكومة ائتلافية برئاسته مع حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال.

تجمع احتجاجي ضدّ الغلاء

وشهد شهر شباط (فبراير) الماضي، حراكاً اجتماعياً واسعاً في العديد من المدن والمناطق المغربية، احتجاجاً على الارتفاع الكبير في أسعار السلع. وفي ذكرى حراك 20 فبراير خرجت احتجاجات واسعة تلبيةً لدعوة من الجبهة الاجتماعية المغربية، وبحسب بيان الجبهة: "تميزت هذه التظاهرات بحضور جماهيري وازن يؤشر على مد نضالي شعبي جديد في بلادنا ضد الغلاء الفاحش للمعيشة والإجهاز على الحريات وضد الفساد والاستبداد". وعلى خلفية ذلك اعتقلت قوات الأمن عدداً من المتظاهرين.

بموازاة تحوّلات الغضب الشعبي، يقف الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإخواني عبد الإله بنكيران مترقباً، وباحثاً عن الفرصة لإعادة تعويم حزبه بعد الهزيمة الانتخابية النكراء

كما شهد اليوم السادس من شهر آذار (مارس) الجاري تظاهرات واسعة في العاصمة ومدن أخرى. وفي السياق ذاته، تواجه حكومة أخنوش تحديات كبرى في ملف الأساتذة المتعاقدين، وتسبب سياسة وزارة التربية الوطنية في دخول الأساتذة في إضرابٍ عام، والتهديد بتصعيد أوسع.

ويقول الناشط السياسي اليساري، حميد باجو: " عام 2022 هو عام أسود على حكومة أخنوش؛ فتوقعاتها في الموازنة العامة باتت ضرباً من الخيال، بعد انخفاض محصول الحبوب، وارتفاع الأسعار العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا، وكذلك الارتفاع الكبير المستمر لسعر برميل النفط".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: "جريمة" في مقر النهضة وتحريض في المغرب وتواطؤ في اليمن

وأضاف الناشط المغربي لـ"حفريات": "تزيد موجة الجفاف الحالية من الأزمة المعيشية، وهي تشبه أزمة جفاف في الثمانينات كانت سبباً في انفجار شعبي واسع، ولهذا من المتوقع أنّ نشهد اضطرابات اجتماعية واسعة، يدخل فيها الريف والبادية، خصوصاً مع بدء رفع تدابير الحجر الصحي الصارمة التي كتمت أنفاس المغاربة لشهور، ومنعتهم من التعبير عن غضبهم".

التلوّن السياسي الإخواني

وعقب الهزيمة الكبيرة لحزب البيجيدي الإخواني في انتخابات 8 أيلول (سبتمبر) الماضي، عاد الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران إلى رئاسة الحزب، وذلك بعد انتخابه في مؤتمر عام استثنائي. ومنذ ذلك يشهد الحزب خلافات داخلية واسعة بين جبهة بنكيران وجبهة الأمين العام السابق، سعد الدين العثماني والقيادات التي قادت الحزب معه.

حميد باجو: تزيد موجة الجفاف الحالية من الأزمة المعيشية

ويدير بنكيران معركتين؛ الأولى داخلية في حزبه، حيث يسعى لإحكام قبضته، وفرض رؤيته على كل شيء، إيماناً منه بأنّ نهجه هو الكفيل بعلاج أزمة الحزب، والثانية في المجال السياسي العام وتحديداً ضدّ الحكومة برئاسة عبد العزيز أخنوش.

وخلال الأشهر الخمسة من عمر الحكومة تبدلت مواقف بنكيران بشأنها؛ ففي البداية رفع نهج المهادنة، وحث كتلة حزبه البرلمانية على الهدوء وانتهاج ما وصفه بالمعارضة الرشيدة. وحتى قبيل ذكرى حراك 20 فبراير كان بنكيران مستمراً على هذا النهج، إلا أنّ موقفه شهد تحوّلاً واسعاً من ذلك، حتى عبر عنه صراحةً خلال اجتماعه مع الكتلة البرلمانية للبيجيدي بتاريخ الثالث من الشهر الجاري.

وكان الموقف الأول لبنكيران في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حين شكك في دوافع الانتقادات التي توجه إلى حكومة أخنوش على مواقع التواصل الاجتماعي. ووصف معارضي أخنوش بأنّهم "أصحاب الوجوه الكالحة".

 

اقرأ أيضاً: المغرب: هل تسعى "العدل والإحسان" لملء فراغ هزيمة "العدالة والتنمية"؟

وفي 19 من الشهر الماضي، تحوّل موقف بنكيران نسبياً وإن حافظ على مهادنة الحكومة، وقال في الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني للحزب: "لست متفقاً مع الدعوات التي تطالب أخنوش بالرحيل، طبعاً هناك ارتفاع في الأسعار له أسباب خارجة عن إرادة الحكومة، وبعض التقصير من الحكومة، التي لم تتخذ قرارات مناسبة".

وجاء التحوّل الصريح ضد أخنوش خلال اجتماعه الأخير بالكتلة البرلمانية لحزبه، ووصف أداء الحكومة بـ"السلبي منذ تشكيلها"، وطرح فكرة استبدال أخنوش أو الذهاب لانتخابات مبكرة.

بنكيران ومهادنة السلطة

ومن غير المعقول أنّ تُحاسب حكومة أخنوش بعد خمسة أشهر فقط على برنامجها، خصوصاً أنّ هناك أسباباً خارجة عن إرادتها تسببت في ارتفاع الأسعار، ومنها تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا على الحبوب والنفط، وكذلك على العلاقات التجارية المغربية الروسية، إلى جانب أزمة الجفاف.

ورداً على بنكيران وغيره، قال رئيس فريق حزب التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب، محمد غياث: "هناك حملة أخرى أحسسنا في بعض الأحيان أنها ممنهجة وهي حملة يقودها بعض يتامى الانتخابات، وجهات أجنبية انخرطت بدورها في التشويش على الحكومة".

اقرأ أيضاً: "العدالة والتنمية" المغربي والعودة إلى الخطاب الشعبوي.. تناقضات وانتهازية الحزب الإخواني

وبنفس منطق بنكيران حين وصف معارضي أخنوش بـ"الوجوه الكالحة"، والتمس العذر للحكومة، كان عليه مراعاة الظروف الخارجة عن إرادة الحكومة هذه المرة، ولكنّ الرجل الذي يصفه معظم المغاربة بـ"السياسي الانتهازي" وجد في الغضب الشعبي المتنامي مبتغاه لإعادة تعويم حزبه.

وبحسب العديد من التحليلات السياسية المغربية، يمكن القول أنّ هناك أدواراً سياسية يؤديها الإخوان، وتنبع من موقف أساسي وهو؛ تقديم خدمات إلى المؤسسة الملكية التي تدير الشأن العام مقابل الحفاظ على موضع قدمٍ لهم سياسياً، ولهذا يمكن قراءة تلوّن بنكيران في سياق أوسع من المنافسة الحزبية، يمتد إلى إدارة الشأن العام ككل.

المدون والناشط مصطفى محمدي لـ"حفريات": الأزمات المعيشية الحالية تعود إلى عهد حكومتي الإخوان، ولو كان بنكيران مكان أخنوش لن يقدر على تغيير شيء.

وبدايةً هناك دور أشبه بصمام الأمان ضدّ الاحتجاج الشعبي، يقول عنه الباحث الأكاديمي والصحفي المغربي، نورالدين اليزيد: "رأينا كيف كان بنكيران وحزبه يقوم بدور الإطفائي الذي أخمد شعلة الاحتجاجات، عندما تواطأ بشكل مفضوح مع الفساد ومع السلطة، من أجل القيام بإصلاحات على المقاس الذي لا ينقص أو يحد من حجم التغول والاستبداد، وإنما يساعده فقط على ترتيب أوراقه، بدعوى الإصلاح في إطار النموذج والاستثناء المغربي".

انتهازية إخوانية

وأفاد اليزيد لـ"حفريات" بأنّ بنكيران وحزبه "قبضوا ثمن الدور المتواطئ سياسياً، من تعيينات وتقاعدات كبيرة". وأشار إلى أنّهم "يقبلون بالقيام بما يُطلب منهم من أدوار سياسية لكبح الاحتجاج الشعبي، غير عابئين بما يعينه ذلك من إذلال لهم كحزب سياسي".

وارتباطاً بإعادة تعويم حزبه، عاد بنكيران إلى حديثه عن وجود تأمر من الدولة بحقّ حزبه في الانتخابات الأخيرة، في محاولةٍ لإخفاء مسؤولية الحزب عن الإخفاق، وتحميل القصر المسؤولية.

اليزيد: بنكيران وحزبه قبضوا ثمن الدور المتواطئ سياسياً، من تعيينات وتقاعدات كبيرة

ومن جانبه قال المدون والناشط الاجتماعي، مصطفي محمدي: "مواقف بنكيران تعكس شخصية الرجل، والدور الذي أُعطي له في الحياة السياسية؛ في البداية كان مع أخنوش، ورفض المناداة برحيله، وطالب باستمراره في الحكومة وتطبيق برنامجه، وها نحن نتفاجأ بموقفه الجديد، الذي اعتبر فيه أنّ أداء حكومة أخنوش سلبي منذ البداية، ويجب استبداله أو الذهاب لانتخابات مبكرة".

وتابع محمدي لـ"حفريات": "هذا يكشف عن الوجه الحربائي لبنكيران؛ فهو مستعد أن يقلب موقفه 180 درجةً، وبذلك يوجه رسائل لمن يدير الشأن العام، مُذكراً بدوره المعروف كإطفائي للغضب الشعبي، كما فعل في حراك 20 فبراير".

وشدد محمدي على أنّ "الأزمات المعيشية الحالية تعود إلى عهد حكومتي الإخوان، ولو كان بنكيران مكان أخنوش لن يقدر على تغيير شيء".

وحول استغلال الغضب الشعبي لتعويم حزبه، قلل المدون المغربي من نجاعة ذلك، لأنّ "المواطن المغربي لن ينخدع مرةً ثانيةً بحزب الإخوان، بعد أنّ منحهم فرصتين سابقتين، ولم يستغلهما الإخوان لتنمية البلاد، بل لمراكمة المكاسب الخاصة".

وشارك الإخوان في انتخابات عام 2011 بعد التعديل الدستوري، وتصدر حزبهم النتائج بحصيلة بلغت 107 مقعداً في مجلس النواب، عبد الإله بنكيران الحكومة، وفي انتخابات عام 2016 ارتفعت حصيلة الحزب إلى 125 مقعداً في مجلس النواب، وشكل أمينه العام سعد الدين العثماني الحكومة، بعد إخفاق بنكيران. وفي انتخابات 8 سبتمبر الأخيرة، خسر الحزب الصدارة، وحصل 13 مقعداً فقط.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية