بنكيران يراجع أخطاء الإسلاميين: نقد ذاتي أم مناورة سياسية؟

بنكيران يراجع أخطاء الإسلاميين: نقد ذاتي أم مناورة سياسية؟


18/05/2022

جاءت التصريحات الأخيرة، لعبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي (المصباح)، الذراع السياسيّة للإخوان المسلمين، لتطرح المزيد من التساؤلات حول إمكانيّة قيام جماعة الإخوان المسلمين بمراجعات تتّسم بالنقد الذاتي، لما اتّسمت به تلك التصريحات من حديث حول أخطاء الحركة الإسلاميّة في الممارسة السياسيّة.

بنكيران سلّط الضوء على أخطاء الإسلاميين، وذلك أمّام جمهور من أنصار حزبه، في جهة درعة تافيلالت، رافضاً في البداية أن يكون الوصول إلى الحكم والاستئثار به، من أهداف ومهام الحركة الإسلاميّة؛ لأنّ ذلك في ظنه لا يندرج تحت دورها الديني، مستشهداً بالأنبياء: إبراهيم، عليه السلام، عندما واجه النمرود، وموسى، عليه السلام، أمام فرعون، والنبي محمد، عليه السلام، عندما واجه مشركي قريش، مؤكداً أنّهم جميعاً لم يطالبوا بالحكم.

رئيس الوزراء السابق، شدّد على أنّ "الدور الأول لأبناء الحركة الإسلاميّة هو الاستقامة وتمثل قناعات ومبادئ ومواقف المرجعية الإسلاميّة، ثم دعوة الآخرين إلى ربنا عز وجل". مضيفاً: "هذه القناعة دفعتني مع إخوان الحركة الإسلاميّة، إلى تغيير مسارنا".

بنكيران سلّط الضوء على أخطاء الإسلاميين

بنكيران اعترف بأنّ رؤية الإخوان في بلاده، قبل تغيير مواقفهم وقناعاتهم، كانت ضبابية، ذلك أنّهم "كانوا يعتبرون سياسة الدولة مخالفة للدين، فكان الطريق إمّا ممارسة السياسة، أو القيام بانقلاب". وأضاف: "كل هذا الكلام كان متعمداً عدم قوله في السنوات الماضية؛ بالنظر إلى السياق الإقليمي والدولي؛ لأن الإخوان كانوا في بلدان أخرى يمرون بمحن، وهو ما كان الخصوم سيستغلونه". واستشهد بنكيران بتجربة الإخوان في السودان، حيث قال إنّ "بعضهم أخيار وأذكياء، ولما وصلوا إلى الحكم لم يحققوا التنمية المنشودة في البلاد، بل حصل أن افتضح سعي بعضهم إلى السلطة والجاه والثروة والطائفية؛ فلفظهم الشعب بعد ذلك".

مناورة تُظر التناقضات

من جهته، علّق المفكر المغربي سعيد ناشيد، على تصريحات بنكيران، قائلاً إنّ أهم شيء في تلك التصريحات، هو أنّ بنكيران عندما أراد أن يحاجج أنصاره في الحركة الإسلاميّة، ذهب إلى طريق الاستدلال بمناهج الأنبياء، من قبيل تعامل النبي إبراهيم مع النمرود، والنبي موسى مع فرعون، والرسول عليه السلام مع مشركي قريش، ما يعني أنّ الأمين العام للمصباح يجعل الحركة الإسلاميّة في موقع الأنبياء أو التعلم من الأنبياء.

ناشيد لفت في تصريحاته التي خصّ بها "حفريات" أنّ هذه المقاربة ليست مزعجة، وإنّما المزعج حقاً هو السؤال، إلى من يحيل على الفرعون اليوم؟ أو النمرود؟ أو مشركي قريش؟ إنها ليست مجرد زلة لسان، بحسب ناشيد، بل مواقف كامنة في اللاوعي الجمعي لقيادات حركات الإسلام السياسي، وهي مواقف يراها تستيقظ بمقدار وتنام بمقدار.

 

سعيد ناشيد: المزعج حقاً هو السؤال: إلى من يحيل على الفرعون اليوم؟ أو النمرود؟ أو مشركي قريش؟ إنها ليست مجرد زلة لسان؛ بل مواقف كامنة في اللاوعي الجمعي لقيادات حركات الإسلام السياسي

 

جدير بالذكر أنّ تصريحات بنكيران التي وصفها البعض بالنقد الذاتي، تناقض كلية مع تصريحات سابقة له، تعود إلى العام 2013، وفيها نفى علاقة حزبه بالإخوان المسلمين، زاعماً أنّ "الحركة الإسلاميّة المغربية لها فكرها الخاص، وأنّ الناس صوتوا لها خلال الانتخابات، لكونها حزباً سياسياً". وعاد بنكيران ليكرر مزاعمه في العام 2016، قائلاً: "لا نتبرأ منهم، لكننا لسنا منهم، والحركة اللي جينا منها هي التوحيد والإصلاح، والتوحيد والإصلاح هي الوليدة". متسائلاً: "واش نتبرؤوا من الوليدة؟".

وحركة التوحيد والإصلاح المغربيّة، هي حركة دعوية تزعم مقاطعة السياسة، وممارسة منهج إصلاحي وتربوي، وقد نشأت توحد فصيلين إسلاميين في 1996، هما: حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي، وانضم إليها غالبية القيادات الإخوانيّة في البلاد، وهي تسير على نهج الجماعة من حيث الدعوة والتمدد الاجتماعي، مع التخلي عن مبدأ إقامة الدولة الإسلاميّة، قبل أن يخرج من تحت عباءتها حزب العدالة والتنمية، وكان رئيس حرك التوحيد والإصلاح عبد الرحيم الشيخي، قد شغل منصب مستشار رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، والذي أكّد في تصريحات تعود إلى العام 2014، في أعقاب فوزه برئاسة الحركة الدعوية، على متانة العلاقات بين حركته وجماعة الإخوان مؤكداً أنّها "أخوية وجيدة". كما قال إنّ "العلاقة التي تربط الحزب (العدالة والتنمية) بالحركة، هي علاقة إستراتيجية".

المفكر المغربي سعيد ناشيد: الأمين العام للمصباح يجعل الحركة الإسلاميّة في موقع الأنبياء

من جانبه قال الدكتور محمد بوشيخي، الباحث المغربي في الحركات الإسلاميّة في تصريحات صحفيّة لـ"إندبندنت عربية"، إنّ "الإشكال الذي أثاره بنكيران، هو تعمده الحديث عن واقع الحركة الإسلاميّة، في إطار ملتقى سياسي لحزب العدالة والتنمية، وليس فعالية دعوية لحركة التوحيد والإصلاح، وهو هنا يؤكد الترابط العضوي بين الاثنين، بعدما ظل لأزيد من عقدين من الزمن رفقة إخوانه في الهيئتين". وأضاف: "بنكيران كشف منذ إعلان انتخابه، على رأس الأمانة العامة للحزب، أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عن رغبته في إطلاق مقاربة جديدة؛ لعمل الحزب؛ تعينه على تجاوز حالة الارتباك التي وجد نفسه فيها".

تاريخ قديم داخل الأذرع الإخوانية

جدير بالذكر أنّ عبد الإله بنكيران، دخل إلى عالم السياسة عبر الانخراط في جماعة الإخوان المسلمين؛ بتنظيم حركة الشبيبة الإسلاميّة، وهو التنظيم الذي خرجت منه قيادات حزب العدالة والتنمية، واتهم باغتيال القيادي اليساري، عمر بنجلون في العام 1975. وقد اعترف بنكيران صراحة في حوار مع مجلة زمان، في العام 2015، بأنّ "الإخوان في تنظيم الشبيبة الإسلاميّة، كانوا متوجسين منه، لأنه كان يتوفر على ثقافة إسلاميّة سابقة، لن تسهل اندماجه، لذلك مدوه بكتاب السيد قطب، وهو ما شكل منعطفاً حقيقياً في حياته"، بحسب تأكيده.

 

محمد بوشيخي: الإشكال الذي أثاره بنكيران، هو تعمده الحديث عن واقع الحركة الإسلاميّة، في إطار ملتقى سياسي لحزب العدالة والتنمية، وليس فعالية دعوية لحركة التوحيد والإصلاح

 

ويمكن القول إنّ تصريحات عبد الإله بنكيران الأخيرة، تؤكد بشكل قاطع علاقته بالإخوان، التي حاول طيلة الفترة التي ترأس فيها الحكومة أن ينفيها، لاعتبارات سياسيّة، وبغض النظر عن مدى المصداقية في تصريحاته الأخيرة، لكنّها من الممكن أن تكون محاولة جديدة لتجاوز انهيار شعبية العدالة والتنمية، عقب الخروج المهين من المنافسة في الانتخابات الأخيرة، لكن العبرة في النهاية بمدى قدرة الحزب على إنجاز مراجعات حقيقية، بعيدة عن الإتجار بالمواقف السياسيّة.

مواضيع ذات صلة:

هل يصلح بنكيران ما أفسده أسلافه؟

بنكيران الباحث عن دور جديد يصطدم باليسار المغربي

بنكيران: لست "ميسي".. والعثماني يخفي خلافات "العدالة والتنمية"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية