بعد قطيعة دامت 11 عاماً... ماذا ستستفيد تونس من إعادة علاقاتها مع سوريا؟

بعد قطيعة دامت (11) عاماً... ماذا ستستفيد تونس من إعادة علاقاتها مع سوريا؟

بعد قطيعة دامت 11 عاماً... ماذا ستستفيد تونس من إعادة علاقاتها مع سوريا؟


05/04/2023

بعد قطيعة دبلوماسية استمرّت منذ العام 2012، على إثر قطع حليف الإخوان الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي العلاقات معها، أمر الرئيس التونسي قيس سعيّد، الإثنين بالشروع في إجراءات تعيين سفير لبلاده بسوريا، في خطوة أدرجها متابعون للشأن السياسي في إطار توجه عربي عام نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية العربية مع دمشق.

الخطوة مهمة بشكل خاص بالنسبة إلى تونس، التي ظلّت عالقة في قضية متشابكة تعود أطوارها إلى أعوام 2012 و2013، إذ يبحث القضاء التونسي عن حقائق تتعلق بالجسور السياسية والمالية والجوية التي نقلت الآلاف من الشباب التونسي إلى سوريا فضلاً عن العراق وليبيا، دون الاستناد إلى التعاون القضائي الدولي نظراً لوجود أزمة دبلوماسية بين تونس وسوريا، وهي الأزمة التي لم تكشف حتى الآن حقيقة تسفير التونسيين إلى مناطق القتال.

ذلك ما دفع مراقبين إلى اعتبار هذه الخطوة بمثابة التدارك لحالة الخجل في تونس ممّا ارتكبته حكومات الإخوان والشباب المغرر بهم من جماعات إرهابية في سوريا، ومن شأنه أيضاً الإسراع في حسم العديد من الملفات القضائية المتعلقة بقضايا إرهابية من بينها تسفير المتشددين إلى بؤر التوتر، خاصة مع ضلوع بعض الأطراف الإخوانية في توريط الشباب التونسي في هذه القضايا، فضلاً عن تعطّل بعض الملفات القضائية المتعلقة بذلك.

كشف أوراق الإخوان

ولأنّ تونس شهدت في عهد حكم الإخوان والمرزوقي موجات من تسفير آلاف التونسيين إلى بؤر التوتر من بينها سوريا، تحت غطاء سياسي، فقد أجمعت أغلب القراءات التونسية على أنّ استئناف العلاقات سيكشف أسراراً حاول الإخوان إخفاءها منذ العام 2011 حتى اليوم.

 تونس شهدت في عهد حكم الإخوان والمرزوقي موجات من تسفير آلاف التونسيين إلى بؤر التوتر من بينها سوريا

إلى ذلك، اعتبر الخبير الأمني والعميد السابق بالحرس الوطني علي الزرمديني في تصريح لصحيفة "الصباح" التونسية أنّ قرار عودة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا قرار صائب ومهم؛ لأنّ سوريا هي مفتاح السر الذي يمكن من خلاله، وبما يتوفر للأجهزة السورية من معطيات واقعية وحقيقية، الكشف عن العديد من الخفايا المرتبطة بمسألة الأمن القومي التونسي من بينها أوّلاً التسفير والخطوط التي اعتمدت فيه.

ولفت إلى أنّ المصدر الميداني لكشف هذه المعطيات هو سوريا، لا سيّما أنّ هناك شبكات تسفير تقوم بإيصال الشباب إلى سوريا عبر تركيا والدول المحيطة بسوريا، والتي كانت المنافذ التي تسلل منها العديد من الشباب التونسيين إلى سوريا والالتحاق بالجماعات المقاتلة، مرجحاً أنّ النظام السوري يمتلك الكثير من الملفات التي قد تفيد تونس في مكافحة الإرهاب.

ونقل موقع "آخر خبر أون لاين" التونسي أنّ اعترافات الكثير من العناصر الإرهابية للأمن والقضاء السوريين ستحلّ لغز التسفير، وستكون بمثابة كلمة السر التي تُعري الجهات التي موّلت ويسّرت وتواطأت مع رحلات سفر الآلاف من الشباب التونسي إلى سوريا.

يبحث القضاء التونسي عن حقائق تتعلق بالجسور السياسية والمالية والجوية التي نقلت الآلاف من الشباب التونسي إلى سوريا

وفي العام 2017 قدّرت وزارة الداخلية عدد التونسيين الموجودين في بؤر التوتر آنذاك على غرار سوريا والعراق وليبيا بنحو (2929) شخصاً، ومنعت السلطات الأمنية آلاف الشباب الآخرين من السفر إلى هذه الدول للاشتباه في نيتهم الالتحاق بجماعات متشددة.

كذلك، يقول المحلل السياسي باسل الترجمان لموقع "أصوات مغاربية": إنّ "إعادة العلاقات التونسية السورية ستساهم في فتح العديد من الملفات، خاصة مع ضلوع بعض الأطراف في توريط الشباب التونسي في قضايا إرهابية وجرائم حرب".

ويرى أنّ "أحد المطالب التي يرفعها التونسيون هو الكشف عن الحقائق في جرائم التسفير إلى بؤر التوتر والتغرير بآلاف الشباب التونسيين".

من جانبه، قال البرلماني السابق وعضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة بلقاسم حسن للمصدر نفسه: إنّه "بقطع النظر عن رفضنا للانقلاب على المسار الديمقراطي، فإنّه لا مشكل لدينا في إعادة العلاقات التونسية السورية"، مؤكداً أنّ "إعادة العلاقات العربية السورية كان منتظراً منذ قمة الجزائر الأخيرة".

وفي ما يتعلق بتأثيرات هذا الإجراء على ملف التسفير الذي يخضع فيه عدد من قياديي الحركة للتحقيق القضائي، أجاب حسن: "ليست لدينا أيّ مخاوف، لأنّنا أبرياء من التهمة"، معبّراً عن أمله في "كشف جميع الحقائق والأطراف التي كانت تقوم بتسفير التونسيين، لأنّه ليس للحركة القدرة على فعل ذلك".

مطالب قديمة

وكان الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي قد قرر قطع العلاقات الدبلوماسية بالكامل مع سوريا في شهر شباط (فبراير) عام 2012، بسبب الأحداث الجارية آنذاك على الأراضي السورية، التي تحولت إلى نزاع مسلح هدفه إسقاط نظام بشار الأسد، قبل أن تقرر الخارجية التونسية، بعد تولي الباجي قائد السبسي رئاسة البلاد عام 2015، تعيين قنصل عام في دمشق والاكتفاء بهذا المستوى من التمثيل الدبلوماسي.

باسل الترجمان: إعادة العلاقات التونسية السورية ستساهم في فتح العديد من الملفات

وكانت كتل برلمانية تمثل أحزاباً قومية تونسية، على غرار حركة الشعب وحزب التيار الشعبي، قد ضغطت من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، ومررت عام 2017 لائحة برلمانية تطالب بإعادة العلاقات مع سوريا، غير أنّها لم تحظَ بالموافقة من قبل أغلبية أعضاء البرلمان.

وتأمل أطراف سياسية عدة، على خلاف مع حركة النهضة وبقية الأحزاب الممثلة للإسلام السياسي، أن تحصل على معلومات حول "تسفير الشباب التونسيين إلى بؤر التوتر في الخارج، ومن بينها سوريا"، وتقدّر أنّ عودة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري "ستفتح أرشيف هذا الملف الذي ما يزال مثار جدل سياسي حاد في تونس".

وقبل أشهر فتح القضاء التونسي ملف ما بات يُعرف إعلامياً بـ "التسفير إلى بؤر التوتر"،  وشملت التحقيقات قيادات سياسية بارزة من بينها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي والقيادي بالحركة ذاتها ووزير الداخلية السابق علي العريض، إلى جانب برلمانيين ورجال أعمال وقيادات أمنية وأئمة مساجد سابقين.

ملفات اقتصادية على الخط

اقتصادياً، كانت تربط تونس بسوريا علاقات اقتصادية متطورة جداً، إذ يتوجه سنوياً مئات الآلاف من السياح التونسيين إلى سوريا والعكس أيضاً، وهو ما يفتح الباب لإعادة تفعيل العلاقات التجارية والسياحية بين البلدين بشكل مباشر أو عبر التوقف في بيروت أو العاصمة الأردنية عمّان، برغم الأوضاع التي يعيشها البلدان، بحسب مراقبين.

الخطوة بمثابة التدارك لحالة الخجل في تونس ممّا ارتكبته حكومات الإخوان والشباب المغرر بهم من جماعات إرهابية في سوريا

هذا، وتدعم تونس المصالحة العربية-العربية، وتدفع باتجاه إرجاع سوريا إلى الصف العربي، وأنّه لا مبرر لإقصاء دمشق بعد أكثر من (10) أعوام من القلاقل التي شهدتها المنطقة.

يُذكر أنّه في شباط (فبراير) الماضي قالت الرئاسة التونسية: إنّ قيس سعيّد قرر رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في سوريا، في أوضح إشارة إلى نية تونس إعادة العلاقات بشكل كامل مع دمشق، بعد أيام من الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا.

وأرسلت تونس طائرات إغاثة إلى سوريا، تتضمن فرق إنقاذ وحماية مدنية وأطباء ومساعدات غذائية، وصلت بالفعل إلى مطار حلب الخاضع لسيطرة النظام السوري.

مواضيع ذات صلة:

هل يعود تنظيم داعش إلى المشهد عبر بوابة شمال شرق سوريا؟

هل تحولت سوريا إلى ورقة تفاوض بين موسكو وأنقرة؟

أردوغان يخفق في التقارب مع الأسد ويتوغل في شمال سوريا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية