بعد قرار منع النقاب في المدارس.. حق التخفي وجدل الحرية الشخصية

بعد قرار منع النقاب في المدارس.. حق التخفي وجدل الحرية الشخصية

بعد قرار منع النقاب في المدارس.. حق التخفي وجدل الحرية الشخصية


كاتبة وإعلامية مصرية
07/10/2023

أعاد قرار حظر ارتداء غطاء الوجه (النقاب) في المدارس المصرية حالة الجدل من جديد، بين دعاة الحرية المطلقة، وأنصار حق المجتمع والفرد في التعرف على من يتحدث إليه، إضافة إلى الجدل الأمني الذي يثيره غطاء الوجه.

ناضلت المرأة خلال عهود طويلة للحصول على حقوق ومكتسبات تتساوى فيها مع الرجل، أو حتى تقترب منه في المجال العام، وصارت الحرية هاجساً لدى البعض، حتى أنّ بعض النساء يعبّرن عن تشبّثهن بتلك الحرية المنشودة بطرق فيها من المبالغة والغلو بل وربما الحماقة الشيء الكثير.

للحرية أنواع وأنماط ومفاهيم تخضع جميعها لوجهات النظر المتباينة، وفقاً لتوجهات الفرد الإيديولوجية، والعوامل المحيطة التي أسهمت في تكوينه، ولكن لوحظ مؤخراً لغط داخل التيار النسوي يتعلق بهذا القرار، وهو يشبه تماماً ما جرى منذ أعوام إبّان أزمة الموظفة المتنقبة بوزارة الثقافة، والتي أثار قرار إلغاء انتدابها وتعيينها في أحد قصور الثقافة المصرية في إحدى أقاليم مصر جدلاً واسعاً.

ربما تطرح علينا مثل تلك القضايا أزمات إشكالية، ففي نقاب الطالبات الصغيرات سؤال حول أزمة الهوية، والصراعات الطبقية، التي تدفع في أحيان كثيرة إلى الهروب داخل زي معين، لتفادي التفاوت الهائل في المظهر بين الطالبات، لكننا نذهب هنا إلى نوع آخر من التمييز على أساس ديني، بداعي احتكار المتنقبة للعفة، وتعاليها على الأخريات، وبالتالي تظل دائرة التمييز مفتوحة على كل احتمالات الإقصاء وربما العنف.

ناضلت المرأة خلال عهود طويلة للحصول على حقوق ومكتسبات تتساوى فيها مع الرجل، أو حتى تقترب منه في المجال العام، وصارت الحرية هاجساً لدى البعض

حالة من الجدل يثيرها حق الاختفاء، إن جاز اعتباره حقاً من الحقوق، فإن تجاوزنا قناعات السيدات اللائي قررن التخفي، فمن يضمن تطبيق جملة من المعايير والاشتراطات الوظيفية والأمنية، بما في ذلك حق المجتمع في التعرف على فرد عضوي فيه؟

أولئك النسوة من المتنقبات قررن ألّا يراهن أحد، وذلك في ظني هو اختيارهن الحر، وانحيازهن المدفوع بقناعة ما، أو إيديولوجيا ما تقف وراء تلك القناعة، ولكن هل يستقيم الانخراط التام في المجال العام، والذي يعتبر الوجه هو جواز عبور المرء إلى الآخر، بإخفاء الوجه؟

يفرض مبدأ الحرية الشخصية أن تكون المرأة حرة تماماً في اختيار ما ترتديه، وتلك حقيقة، لكن في المقابل أصبحت الأخرى في نظر الأولى كاسية عارية خارجة عن الدين، وهنا باتت الحرية وكأنّها تفترض التمييز والتعدي على حقوق الأخريات، وما يتضمنه ذلك من حمولة ربما تؤدي إلى العنف، كما أنّ الحرية محكومة دوماً بكمّ ونوع الضرر الذي قد ينتج عنها، وأول من وضع مبدأ الضرر وعرّف به هو نبي الإسلام الذي حاول، من خلال سرده لواقعة تخص أناساً اعتلوا مركباً؛ أن يصور لنا حدود حرية الفرد في مواجهة المجموع، وأنّ حرية الفرد تقف عند حرية الآخر.

وبناء عليه، هل يضرب حق التخفي بحرية المحيط وأحقيته في معرفة هوية الجميع؟ وهل الحق في التخفي حرية شخصية؟ وهل إخفاء هوية الإنسان أمر مقبول يقرّه القانون؟

يمكن القول إنّ حق التخفي هو حرية تقف على قدم واحدة، حيث يكون من حق المتنقبة رؤية الآخرين، بينما لا يمكن لأحد أن يراها، وهو نوع من الغلو في التحوط، وافتراض أنّ كل المرأة عورة، بما في ذلك وجهها وصوتها، وكل ما له علاقة بها.

جاءت الحقوق في الأساس ليتساوى فيها الجميع، لا أن تكون حكراً لفرد أو لنوع دون الآخر، فلماذا يحق للمرأة إخفاء هويتها، بينما يجرم القانون وجود ملثمين من الذكور في المجتمع؟ وهل ترتاح المتنقبة أو تقبل بالتعامل مع شخص ملثم لا ترى وجهه ولا تعرف هويته؟

يفرض مبدأ الحرية الشخصية أن تكون المرأة حرة تماماً في اختيار ما ترتديه، وتلك حقيقة، لكن في المقابل أصبحت الأخرى في نظر الأولى كاسية عارية خارجة عن الدين

فلنتخيل معاً مجتمعاً نعيش فيه، يخفي بعض أفراده وجوههم، من الرجال والنساء، متذرعين بالحرية الشخصية، كيف سيكون حال ذلك المجتمع؟ وهل سيرتاح بقية أفراده في ظل وجود أناس لا نعرف لهم هوية؟ بحيث يصعب علينا القول إنّنا رأينا فلاناً بالأمس؟ أو شاهدنا فلانة في مقر عملها؟ وكيف يتسنى للجهات الرسمية والرقابية والأمنية مباشرة عملها؟

وعليه يطرح السؤال نفسه مرة أخرى: هل المطالبة بالتخفي حق؟ وهل التخفي يندرج تحت بند الحريات الشخصية؟

لقد ناضلت المرأة لتتساوى في الحقوق مع الرجل، لا أن يكون لها وحدها الحق في التخفي متذرعة بالدين، وهي قضية حسمها الشرع والأزهر الشريف، وعليه فإنّ الحق في التخفي هو أمر يدخل في حدود صلاحيات واختصاصات الأمن العام، والسلم الاجتماعي، فلا استفتاء يجوز، ولا وجهات نظر تفيد أو تنطلي في شأن كهذا.

إنّ قرار الحظر في المدارس يبدو لي قراراً أكثر إنسانية، حيث يرفع عبء التخفي عن الصغيرات، لكن لا بدّ أن تتبعه قرارات أخرى، تؤكد على توحيد الزي المدرسي، وعدم المبالغة فيه، أو السماح بظهور التفاوت الطبقي الفج بين الصغيرات، من أجل تأمين عملية تعليمية حرة، تعلي من شأن الحرية الشخصية، لكنّها في المقابل تفضّ الاشتباك بين ما هو حق، وما هو اعتداء على حقوق الآخرين.

مواضيع ذات صلة:

حظر النقاب في المدارس المصرية أولى خطوات المواجهة مع السلفيين

تطور جديد في أزمة أحمد سعد والنقابة تتخذ هذه الإجراءات

بنكيران يحاول استمالة الطبقة العاملة في المغرب بمهاجمة النقابات والحكومة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية