حظر النقاب في المدارس المصرية أولى خطوات المواجهة مع السلفيين

حظر النقاب في المدارس المصرية أولى خطوات المواجهة مع السلفيين

حظر النقاب في المدارس المصرية أولى خطوات المواجهة مع السلفيين


13/09/2023

أحمد حافظ

 عقدت الحكومة المصرية العزم على الدخول في مواجهة جديدة مع التيار السلفي بعد أن قررت وزارة التربية والتعليم “حظر ارتداء النقاب بين الطالبات في المدارس، وإلزام المؤسسات التعليمية بأن يكون الحجاب اختياريا”.

وقوبل القرار بغضب واسع من شريحة مجتمعية تعتبر النقاب جزءا من العقيدة الإسلامية، لكن الحكومة ظهرت متماسكة وعازمة على تطبيق القرار لتحصين الفتيات من تشدد التيارات الدينية وسعي منتسبيها لتغيير قناعاتهن.

وجاء حظر النقاب ضمن قرار وزاري أقر مواصفات موحدة للزي المدرسي يلتزم بها جميع الطلاب في المدارس الرسمية والخاصة، على أن يكون غطاء الشعر (الحجاب) للفتيات اختياريا، ويشترط في غطاء الرأس الذي ترتضيه الطالبة ألا يحجب وجهها.

وشددت وزارة التعليم على أن يكون ولي الأمر على علم باختيار ابنته، وأن اختيارها للحجاب حدث بناء على رغبتها الشخصية دون ضغط أو إكراه من أي شخص أو جهة غير ولي الأمر، ويجري التحقق من علم ولي الأمر بذلك.

وأكد قيادي كبير بوزارة التعليم المصرية لـ”العرب” مراقبة تطبيق قرار حظر النقاب في المدارس بصرامة، ومنع أي طالبة منتقبة من دخول المدرسة، ولا نية لاستثناء أي فئة من تعميم التطبيق.

وأوضح المسؤول أن قرار حظر النقاب أبعد من مجرد إجراء تنظيمي صادر عن وزارة التربية والتعليم؛ فهو توجه حكومي عام يستهدف التفرقة بين الحرية الشخصية والإطار الذي يفترض أن يحكم المجتمع وتفرضه الدولة بقرارات عليا.

وتبنى سلفيون قيادة الهجوم على الحكومة، وسط اتهامات بأنها تعمل على المزيد من علمنة المجتمع وتحرره المطلق، بما يؤثر على العقيدة الإسلامية والفروض الشرعية، وهناك من حضّ على التصدي للقرار بذريعة الحفاظ على كرامة الفتيات.

وتتجاوز أهمية النقاب استناده إلى تفسيرات دينية، حيث يرتبط بتعامل السلفيين مع القضية على أنها مفصلية في مسيرتهم، ويرون الوقوف في وجه الحكومة بخصوص مسألة النقاب عملية وجودية.

وينضم القرار إلى سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية عقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013، التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان، من بينها حظر ارتداء المعلمات وأساتذة الجامعات من النساء للنقاب داخل المؤسسات التعليمية.

وهناك تشريعات معطلة داخل مجلس النواب ترمي إلى حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة لدواع أمنية، ما يعني أن المنع في المدارس قد يحرك تعميم الحظر، مع عودة البرلمان للانعقاد في أكتوبر المقبل من أجل عدم ترك الحكومة وحدها في مواجهة الشارع.

وتعهد بعض المحامين، الذين عُرِفوا بمناكفة الحكومة، برفع دعاوى قضائية ضد قرار حظر النقاب في المدارس. لكن من غير المتوقع أن يتيح القضاء المصري الفرصة أمام المتشددين أو يلغي حظر النقاب فيكون بذلك قد قدم خدمة مجانية إلى التيارات الإسلامية.

وتسبب قرار مماثل أصدره وزير التعليم حسين كامل بهاء الدين عام 1994 في أزمة وصلت إلى المحكمة الدستورية، لكنها قضت بدستورية فرض زي مدرسي لا يخفي وجه الطالبات، وبأنه يحق للحكومة اتخاذ قرارات تمنع المنتقبات من دخول المدارس.

وجاء في عريضة الحكم أن القرار لا ينال من حرية العقيدة ولا يقوض أسسها أو يعطل شعائر ممارستها، ولا يناهض جوهر الدين، ويُعتبر اجتهادا مقبولا شرعا وينظم رداء الفتاة طالما أن هناك اختلافات بين الأئمة حول مشروعية النقاب، والتدخل بقرار يدخل في دائرة تنظيم المباح لا يعد تعديا على حرية العقيدة أو الحرية الشخصية.

وأضافت المحكمة “ولو كان النقاب حرية فردية، ينبغي أن يكون مقتصرا على ما يكون لصيقا بالشخصية ولا يجوز تعميم ذلك على قرار تنظيمي يخص الصالح العام. والحرية الشخصية لا ينافيها أن يفرض المشرع قيودا على الأزياء، وليس النقاب هو من يكرس الاحتشام كما يعتقد البعض”.

ويعتقد مراقبون أن السلفيين لم تعد لديهم الجرأة للوقوف في وجه الحكومة أمام حالة الاستقرار السياسي والأمني وصرامة أجهزة الدولة، ولن يتجاوز رفضهم لخلع النقاب في المدارس التصعيد اللفظي أو رفض القرار على مواقع التواصل الاجتماعي، خشية انقلاب النظام عليهم بشكل يجعلهم يخسرون كل شيء، وهي نقطة لا يفضّل قادة التيار السلفي الوصول إليها من خلال التمادي في الصدام مع السلطة.

كما أن دفاع السلفيين عن النقاب لا يرتبط بغيرة دينية أكثر من اعتباره وسيلة للوصاية على قطاع كبير في المجتمع متجسد في السيدات، لكن تحركاتهم الأخيرة لا توحي بامتلاكهم شجاعة كبيرة للمجابهة، مقابل تركيزهم على كسب ثقة الدولة والحصول على مكاسب سياسية، وبالتالي ستكون المعضلة مع فئة من العناصر المتشددة.

وقال محمد أبوحامد، البرلماني السابق والباحث في شؤون العقائد، إن “حظر النقاب في المدارس نقطة محورية لاستمالة الأجيال الجديدة بعيدا عن التراث الذي لا يزال يكرس عادات وسلوكيات لم تنص عليها الشريعة، لكنها متوارثة، ومن المهم أن تكون مع هذه الخطوة مناهج تتحدث عن عدم ربط النقاب بالإسلام”.

وأشار لـ”العرب” إلى أن “المؤسسات الدينية الرسمية يجب أن تتحلى بشجاعة المواجهة لدعم الحكومة في قرار حظر النقاب وتساهم في تغيير قناعات المجتمع تجاه القضية، فلا يمكن أن تخوض الحكومة معركة حول مسألة فقهية دون غطاء ديني يساندها بالحجج والبراهين والأدلة التي تؤكد عدم وجود علاقة بين النقاب والاحتشام والشريعة، ولا يصح أن يظل المجتمع منغلقا طوال الوقت”.

ولا تزال معضلة الأزهر كامنة في أنه يتعامل مع قضية النقاب بازدواجية معايير؛ فهو ينكر وجود علاقة بينه وبين الشريعة، ويعتبره عادة، لكنه يسمح بارتدائه داخل كلياته ومعاهده، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل: إذا كان الأزهر ينكر النقاب فلماذا لا يمنعه صراحة؟

وإذا تحلى الأزهر بالشجاعة ووضع ضمن مناهجه أن النقاب عادة متوارثة، ومنع ارتداء معلماته وفتياته النقاب، فسيصبح حظره أمرا سهلا.

وقال سامح عيد، الباحث في شؤون الإسلام السياسي، إن “الحرب ضد النقاب تأخرت كثيرا، ويصعب التحجج بالظروف والأوضاع المجتمعية لاتخاذ قرارات صارمة من أجل تحصين الأجيال الجديدة ضد التراث المتهالك، فالمجتمع مؤهل للتحرر والتحضر لكنه بحاجة إلى من يدعمه في ذلك بضرب القواعد الفكرية التي يعتاش عليها السلفيون”.

وأوضح لـ “العرب” أن “مشكلة الحكومات السابقة في مصر تكمن في رفضها الانجرار وراء رغبة اليسار المصري في اكتساب أرضية في الشارع عبر استثمار قضية النقاب وتم ترحيل الأزمة سنوات، وباتت هناك أجيال تؤمن بالنقاب، وهذه إشكالية خطيرة يجب التصدي لها، وتظل المعضلة كامنة في إصدار قرارات تتعلق بالنقاب دون تنفيذها بشكل عقلاني يدفع الشارع إلى التماهي معها”.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية