بعد فض اعتصام القيادة.. ما مصير الحراك السوداني؟

السودان

بعد فض اعتصام القيادة.. ما مصير الحراك السوداني؟


04/06/2019

تفاقمت الخلافات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، وهي تحالف مؤلف من تجمع المهنيين السودانيين وأحزاب سياسية وحركات مسلحة معارضة لنظام الرئيس السابق عمر البشير، وذلك بسبب تباين الرؤي حول تشكيل "مجلس السيادة"، رغم إعلانهما عن تحقيق 95% مما كان مُختلفاً عليه، الأمر الذي وقف عائقاً أمام مضيّ المفاوضات قُدماً نحو التوقيع النهائي عليها، والخروج بالسودان من الأزمة السياسية الخانقة التي تمر بها.

اقرأ أيضاً: السودان.. أي مستقبل ينتظر الحركات الإسلامية بعد الإطاحة بالبشير؟
وتصاعدت الأحداث بالسودان، أمس؛ حيث اقتحمت قوات أمن سودانية مقر الاعتصام أمام مبنى وزارة الدفاع في العاصمة الخرطوم وتحدثت تقارير عن إطلاق نار وحرائق شبت في خيام المعتصمين. وأفادت لجنة أطباء السودان المركزية المشاركة في المظاهرات بأنّ 13 شخصاً، على الأقل، قتلوا، وأصيب نحو 200، حتى لحظة كتابة التقرير.

فض الاعتصام فض كل ما سبق من مفاوضات بين إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري في مهب الريح وأعاد عقارب الساعة إلى الوراء

غير أنّ المجلس العسكري قال، وفق ما نقلته عنه وكالة "رويترز" للأنباء، أنّه استهدف "عناصر إجرامية" قرب منطقة اعتصام الخرطوم، في هجوم لقوات الأمن، ونفى أن تكون السلطات تحاول فض الاعتصام.
كل ما سبق وضع المفاوضات بين إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري في مهب الريح، وأعاد عقارب الساعة إلى الوراء ما يرجّح بداية موجة جديدة من الثورة تطالب بإطاحة العسكري عن المشهد برمّته.
إلاّ أنّ ما لم يكن في حسبان الكثيرين هو أن تطفو إلى السطح، وبهذه السرعة، تباينات وخلافات كثيرة بين مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير، وصلت إلى حد إصدار بيانات منفردة، كما فعل الحزب الشيوعي أكثر من مرة، وكما لمح الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة، مراراً.
13 شخصاً على الأقل قتلوا وأصيب نحو 200

الشيوعي منفرداً
وكان الشيوعي أصدر بياناً منفرداً، الأحد 20 أيار (مايو) الماضي، يتصدى فيه لتعنّت المجلس العسكري الانتقالي ومحاولته الاستئثار بالسلطة، وأبدى تخوّفه من نزوع المجلس بأن تكون له أغلبية ورئاسة في مجلس السيادة، وهذا من شأنه التأثير على عملية تحقيق الثورة لأهدافها المتمثلة، وفق البيان، في "تصفية بقايا النظام الفاسد، ولجم الثورة المضادة التي بدأت تنشط في محاولة يائسة لإعادة عقارب الساعة للوراء، وتصفية مليشيات الإسلامويين، وإعادة هيكلة جهاز الأمن ليصبح لجمع المعلومات وتحليلها ورفعها فقط، إلى جانب قطع الطريق أمام أهداف الثورة في محاسبة رموز النظام الفاسد، واستعادة ممتلكات الشعب المنهوبة وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات".

اقرأ أيضاً: القوات السودانية تقتحم مكان الاعتصام
ورغم أنّ معظم القوى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير توافق "الشيوعي" في ما ذهب إليه هذا البيان، إلاّ أنّها تعترض على عدم التزامه بتوحيد البيانات، وأن تصدر كلها بمشورة الجميع وتحت توقيع قوى إعلان الحرية والتغيير، وقد واجه البيان الشيوعي المنفرد انتقادات كبيرة من قبل الناشطين والسياسيين في هذا الصدد.
 الخلافات بين مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير كبيرة

بيان "الشيوعي" يحسم وجود الخلافات
يرى مراقبون للشأن السوداني، أنّ الخلافات بين مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير كبيرة؛ حيث يضم هذا التحالف بجانب النقابات، الممثلة في تجمع المهنيين، طائفة من الأحزاب والحركات المسلحة من اليمين إلى أقصى اليسار، وأنّ بين بعضها ما صنع الحداد.

اقرأ أيضاً: مَن وراء حوادث إطلاق النار في اعتصام السودان؟
وفي هذا السياق، يقول الباحث والمحلل السياسي، إبراهيم سِر الختِمْ، لـ "حفريات": إنّ الخلافات الداخلية في قوى إعلان الحرية والتغيير باتت واضحة ولا شك فيها، وأنّ بيان الحزب الشيوعي الأخير لم يكن إلّا إعلاناً رسمياً عنها، لكن هذا لا يعني، وفقه، انفضاض التحالف بالتأكيد، كما أنّه لا يعني حتى احتمال انفضاضه وخروج بعض مكوناته عنه ما لم يتم إنجاز السلطة المدنية كاملة، مُعتبراً هذه الخلافات عادية، مؤكداً أنّ المجلس العسكري نفسه "يعاني من خلافات داخله، ربما أعمق مما هي لدى الحرية والتغيير، لكن انضباط العسكر يجعلهم أكثر قدرة على إخفاء خلافاتهم وعدم إظهارها في العلن".

لم يكن متوقعاً أن تطفو إلى السطح وبهذه السرعة خلافات كثيرة بين مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير

وأشار سر الختم، إلى أنّ تجمع المهنيين أصدر بياناً أشد لهجة من بيان "الشيوعي"، دعا فيه للإضراب العام والعصيان المدني وتسيير مواكب مليونية، "لا يردها إلى الجفير إلّا الإيفاء بأهداف إعلان الحرية والتغيير" بحسب تعبير البيان، الأمر الذي دفع الفريق أول حميدتي، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، إلى توجيه انتقادات حادة إلى من يدعون للعصيان المدني، وقال: إنّ من يضرب عن العمل لن يعود إلى وظيفته مرة أخرى، وإنّ لديهم دائماً البديل.
وعليه، يضيف سر الختم، أنّ الفرق بين تجمّع المهنيين والشيوعي من جهة، وبقية مكونات الحرية والتغيير من جهة أخرى، يكمن في أنّ الأخيرة تخفي بعض الحقائق عن المعتصمين أملاً منها في التوصل إلى نتائج ايجابية حولها بالمزيد من التفاوض، فيما يعمد "الشيوعي" و"تجمّع المهنيين" إلى أسلوب الضغط المتواصل لتحقيق الأهداف المرجوة.

الجاك: الأمور تسير في اتجاه تقاسم السلطة بين قوى إعلان الحرية والعسكري الانتقالي

العسكري .. فرص سانحة أم ضائعة؟

من جهتها، قالت الباحثة في علم الاجتماع السياسي، سامية الجاك، إنّ المجلس العسكري الانتقالي يحاول إطالة أمد المفاوضات حتى يُصاب المعتصمون أمام محيط القيادة العامة للجيش السوداني بالملل، فيما تظهر الخلافات بين مكونات الحرية والتغيير رويداً رويداً، وبالتالي يمكنه فرض إرادته عليها بتفكيكها وشيطنة جزء منها، ومحاولة إخراجه من التحالف مثل الحزب الشيوعي الذي يخشاه المجلس أكثر من الأحزاب الأخرى، ويعتبره المحرك الفعلي للشارع تحت ستار تجمع المهنيين، وهذه هي وجهة نظر حكومة النظام السابق، التي يسير المجلس العسكري الانتقالي على خطاها حذو الحافر، على حد تعبير الجاك في تصريحها لـ"حفريات"، مؤكدةً أنه يتبع نفس تكتيكاتها في التفاوض والترويج الإعلامي وضرب الأحزاب ببعضها البعض، وإطالة أمد التفاوض إلى أقصى حد ممكن للحصول على المزيد من المكاسب، إلا أنّ هذه المرة تبدو الأمور، كما تقول، مختلفة "فالمعارضة لديها سند شعبي قوي ليست لديه الرغبة في التخلي عن مطالبه بالتحول الديمقراطي وتسليم الحكم إلى سلطة مدنية مهما طال أمد التفاوض".

يرى مراقبون للشأن السوداني أنّ الخلافات بين مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير كبيرة

وتضيف الجاك "إنّ المجلس العسكري يريد أن يحكم باستحواذه على أغلبية في مجلس السيادة"، وهي لا ترى مشكلة في ذلك؛ "لأنّ الأمور تسير في هذا الاتجاه، اتجاه تقاسم السلطة بين قوى إعلان الحرية والعسكري الانتقالي، وإنّ كليهما يحتاج للآخر في مواجهة الإسلامويين الذين ما يزالون يحكمون الدولة ويسيطرون على قيادة الجيش والأمن ويتحكمون في الاقتصاد"، لذلك فإنّ أي حكومة انتقالية، على حد قول الجاك، "لا يُسمح للجيش أن يلعب فيها دوراً أساسياً قد تنهار سريعاً بفعل الدولة العميقة التي ربما تستعيد تحالفها مع العسكر ويضربان بقوة على ما حققته الثورة حتى الآن".
وحذّرت الجاك، قوى إعلان الحرية والتغيير من مغبّة الانزلاق إلى تبنّي خطاب عدائي مع الجيش، قائلة: "إنّ المجلس العسكري يجري الآن مفاوضات سرية ومنفردة مع بعض الأحزاب الكبيرة والصغيرة وبعض الحركات المسلحة لتشكيل حكومة انتقالية بدون الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين، أو ببعض من الوجوه التي تنتمي للمهنيين باعتبارها ممثلة له".

اقرأ أيضاً: المعركة على شكل السودان الجديد
ولفتت سامية الجاك إلى أنّ المجلس العسكري "يسير بالمفاوضات إلى حافة الهاوية تمهيداً لإحداث شروخ بين أحزاب الحرية والتغيير، وهو ذات الأسلوب التي كانت تتبعه حكومة البشير لعقود طويلة"، منوهة إلى "ضرورة التوصل بأسرع وقت ممكن إلى تسوية سياسية يتم بموجبها تشكيل حكومة مدنية يشارك فيها المجلس العسكري الانتقالي مشاركة مقدرة في اتخاذ القرارات، إلى حين الوصول إلى انتخابات حرة بعد ثلاثة أعوام، وإلا فإنّ فرص المجلس العسكري في الاستئثار بالسلطة عبر حيل وطرق كثيرة تعتبر الأوفر مقارنة بفرص نظرائه في قوى إعلان الحرية والتغيير".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية