في واقعة أحدثت صدمة كبيرة في الشارع اليمني وسلّطت الضوء على واقع المرأة اليمنية في مناطق سيطرة الحوثيين، أقدم أب يمني على بيع ابنته البالغة 8 أعوام مقابل مبلغ 330 دولاراً بموجب عقد رسمي بالمحكمة، الأمر الذي أشعل منصات التواصل الاجتماعي بالغضب والجدل، حيث وصف ناشطون الواقعة بـ "الاستعباد الحديث".
اقرأ أيضاً: جرائم جديدة للحوثيين في الحديدة وتعز.. تفاصيل
وكشف حساب يمني للدفاع عن حقوق المرأة أنّ "عملية بيع" بموجب سند حكومي، تمت في البلاد بحق طفلة صغيرة تُدعى "ليمون"، ونشر القائمون على الحساب الوثيقة التي تمّ بيع الطفلة بموجبها، مشيرين إلى أنّ عملية بيع الطفلة تؤكّد أنّ "العبودية ما زالت موجودة في اليمن، ولا يوجد أي تغيير لهذا الواقع القبيح".
وحملت الوثيقة، ختماً رسمياً، وأسماء شهود دوّنت أسفل الاتفاقية، التي كتبت على ورقة خاصة بوزارة العدل، بحسب الصورة المنشورة.
عملية بيع لطفلة موثقة بشكل قانوني من قبل جهات حكومية، عمليات بيع وشراء بشر «العبودية» مازالت موجودة في اليمن ولا يوجد أي تغيير لهذا الواقع القبيح.
— Yemeni Feminist Voice (@YeFeministVoice) December 26, 2020
الطفلة ليمون تم بيعها من قبل المجرم ابوها وكل من اسمه مذكور في هذه الورقة هو مجرم ومشارك في الأجرام. pic.twitter.com/VuSuaITOLf
وتعود تفاصيل القصة إلى شهر آب (أغسطس) 2019، عندما قام والد الطفلة ليمون، ويدعى ياسر الصلاحي، باقتراض مبلغ مالي.
وعندما حان موعد سداد الدين دون توافر المبلغ، قرّر الأب بيع ابنته ليمون؛ بمبلغ 220 ألف ريال يمني (330 دولاراً) بموجب عقد مُروّس بشعار "الجمهورية اليمنية، وزارة العدل".
حملت "وثيقة البيع" ختماً رسمياً وأسماء شهود دوّنت أسفل الاتفاقية، التي كتبت على ورقة خاصة بوزارة العدل
اللافت في القصة هو عدم لجوء الأب إلى تنظيم عقد زواج مع "المشتري"، بل عقد "بيع" رسمي، وفي هذا الصدد يقول الناشط الحقوقي أيمن الحميري، في حديث لموقع "الحرة"، إنّ عدم تنظيم عقد زواج "يعود لعدم رغبة المشتري بجعلها زوجته وما ينتج عن ذلك من آثار قانونية، بل يريد استعبادها للقيام بأعمال البيت، بمنطق القرون الوسطى".
اقرأ أيضاً: هذه أبرز انتهاكات جماعة الإخوان وميليشيا الحوثي بحق المدنيين
وأوضح الحميري أنّه "في الأرياف اليمنية، ليس للأنثى قيمة لأنّها لا تحمل اسم الأب فيقوم بتزويجها بعمر العشر سنوات أو حتى بيعها"، وهو ما يُفسّر برأيه، عدم استعانة الأب بالجمعيات الخيرية أو المنظمات الإنسانية لتسديد ديونه، ولجوئه إلى بيع طفلته بكل بساطة.
ورغم أنّ الصورة توضح أنّ "البيع" تمّ بتاريخ 31 آب (أغسطس) من العام الماضي، إلّا أنّ القصة ظهرت للرأي العام بتاريخ 23 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، حيث نشر الصورة الناشط اليمني منير الحارقة، ثم أعادت نشرها صفحة "صوت نسوي يمني"، التي يتابعها أكثر من 12 ألف شخص عبر تويتر، ما أدى إلى انتشارها في اليمن وفي بقية العالم العربي.
ساهم انتشار الوسم على نطاق واسع بتأمين الناشطين لمبلغ مالي ودفعه لـ (مشتري) الفتاة، ثمّ إعادتها إلى والدها، موثقين عملية (الشراء) مرة أخرى بسند خطي
ويُشير ناشطون إلى أنّ نشر الوثيقة جاء بعد فترة قصيرة من تاريخ اعتمادها، حيث يعتقد الناشط يزيد الجداوي أنّ الأب أو أحد الشهود كانوا وراء تسريب عقد "البيع" مع اقتراب موعد تنفيذه، مشيراً في حديثه مع مدونة "ترند" أنّ هذه القضايا تظهر للعلن في العادة عندما يحاول صاحب القضية إيجاد حل لمشكلته، حيث قال إنّ "أب ليمون ربما أراد استعادة ابنته أو لفت انتباه الناس إلى وضعه حتى يقوموا بمساعدته"، وفق ما أوردت شبكة "بي بي سي".
وما إن انتشرت الوثيقة في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى سارع الناشطون إلى إطلاق وسم #ساعدوا_ليمون، الذي انتشر في كافة أنحاء العالم العربي.
اقرأ أيضاً: التعليم في اليمن.. استهداف حوثي ممنهج لصالح الغزو الثقافي الفارسي
وعبّر ناشطون عن غضبهم من "الاتجار بالنساء" الذي يتم تحت مظلة القانون، مُطالبين بحلول جذرية ورادعة لهذه الظاهرة التي تحوّل المرأة إلى سلعة تُباع وتُشترى من قبل ذويها.
وأرجع أحد الناشطين المشكلة إلى "ملكية الرجل للمرأة".
ملكية الرجال للنساء والفتيات هو اللي بيسمح بالجرائم دي لازم تجريم لكل الجرائم دي ومبقاش ينفع نتسامح مع جرائم زي دي وتعدي عادي
— براح آمن (@BarahAamen) December 28, 2020
دي جرائم ضد الانسانية #ساعدوا_ليمون https://t.co/Qbo4Au7hPe
وطالب عدد من الناشطين بإنزال عقوبة رادعة على الأب، مُستنكراً حال المرأة في بعض الدول العربية وعلى رأسها اليمن.
#ساعدوا_ليمون
— Amr Sulimano (@AmrSlemano) December 29, 2020
عندما تكون النساء أقل من مستوى البشر ويمارس بحقها العبودية في اليمن وكثير من دول العالم
المرأة تباع وتُشترى في اليمن ولن تهدأ الضمائر الانسانية ما لم يتم إنزال أشد العقوبات بحق والدها والمشتري المجرمَين
وهذه الظواهر لن تختفي الا بالعقوبات الصارمة pic.twitter.com/GsfYZ9Nwp2
وقال الناشط محمد التميمي إنّ "اليمن أسوأ بلاد تعيش فيها المرأة في العالم".
#اليمن اسوا بلاد تعيش فية المرأة في العالم. #ساعدوا_ليمون
— محمد التميمي ¦M. Al-Tamimi (@Maltmimi506) December 28, 2020
وأكّد ناشط آخر أنّ ما حصل يدل على أنّ عصر الجاهلية لم ينتهِ بعد.
#ساعدوا_ليمون
— Amine Bouhediba (@AmineBouhediba) December 29, 2020
ليمون طفلة صغيرة في سن الزهور باعها أبوها في العلن و أمام الملأ في اليمن .
الجاهلية لم تنته ،الجاهلية جاهلية العقول لا الزمان
وساهم انتشار الوسم على نطاق واسع بتأمين الناشطين لمبلغ مالي ودفعه لـ "مشتري" الفتاة، ثمّ إعادتها إلى والدها، موثقين عملية "الشراء" مرة أخرى بسند خطي.
لكنّ إرجاع الطفلة إلى والدها لم يوقف الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فقد عبّر الناشطون عن مخاوفهم من بيعها مرة أخرى.
#ساعدوا_ليمون
— بوسيدون🌱 (@mh_1567) December 27, 2020
قام فاعل خير بدفع المبلغ وارجاع ليمون من المشتري إلى ابوها البائع المجرم، وتم سحب وثيقة البيع، لكن الآن لاتزال ليمون بخطر عند والدها المجرم، ليمون هي قضية انسان يجب ان ننقذ ليمون، والتفاعل بالتاق #انقذوا_ليمون، من اجل إنقاذ ليمون من والدها تاجر البشر. pic.twitter.com/OBe3eow41q
حرام يكون ابوها المفروض دوله تسحبها من واحد مجرم مثل هذا #ساعدوا_ليمون
— المهره (@TJZxhcmbMyyYNiy) December 28, 2020
واقع المرأة اليمنية في مناطق سيطرة الحوثيين
لا يُمثّل "بيع" ليمون من قِبل والدها حالة فردية؛ فالمسألة ترتبط بالأساس بقانونية عملية البيع، وملكية الرجل للمرأة بحسب الأعراف والقوانين، وقد أشار تقرير لمنظمة العفو الدولية، نُشر العام الماضي، إلى أنّ إشكالية المرأة في اليمن تنطلق من الأدوار السائدة بين الجنسين؛ حيث يُعترف بالرجال باعتبارهم "حماة" للنساء والأسر، ما يعني تعرّض المرأة للعنف الجنسي والبدني دون حضور الذكور من العائلة، ناهيك عن تعرّضها للتعنيف من قِبل ذكور العائلة بالأساس.
منظمة العفو الدولية: تواجه المرأة اليمنية التي لا يرافقها أحد أقاربها مخاطر متزايدة من العنف عند نقاط التفتيش في مناطق سيطرة الحوثيين
وسلّط تقرير المنظمة الضوء على الانتهاكات التي تتعرّض لها المرأة اليمنية في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تواجه المرأة التي لا يرافقها أحد أقاربها مخاطر متزايدة من العنف عند نقاط التفتيش، وتشمل الانتهاكات التي يستخدمها الحوثيون حلق شعر الرأس، ولا سيما رؤوس العرائس الجدد اللاتي يسافرن بين المحافظات بمفردهن عند نقاط التفتيش بهدف الاجتماع مع أزواجهن، حيث تتردد المرأة التي تتعرّض لحلق الرأس في الإبلاغ عن الانتهاك، خشية من ردة فعل مجتمعها المحلي ومسؤولي الأمن.
وفي شهادة من الشهادات التي وثّقها التقرير، تقول إحدى النساء إنّها تعرّضت للتعنيف والإرهاب حين مرّت من نقطة تفتيش للحوثيين برفقة أطفالها دون حضور رجل: "كنت مسافرة برفقة ثلاثة أطفال عندما تم إيقافنا عند نقطة تفتيش من قبل قوات الحوثيين. احتجزونا، بدون طعام ولا ماء، في ظل جو حار جداً.. توسلنا إليهم أن يتركونا نَمُرُّ لكنهم رفضوا. أهانونا وهدّدونا بالاغتصاب، شعرنا بالرعب وبدأنا في البكاء...عندما انتهوا من أمرنا، تركونا ليلاً في الشارع في منطقة منعزلة...كنا خائفين، وكان الأطفال مرعوبين".
اقرأ أيضاً: كيف ابتز الحوثيون اليونيسف؟
وفي هذا السياق، رصدت تقارير حقوقية محلية ودولية آلاف الجرائم والانتهاكات الوحشية التي اقترفتها الميليشيات الحوثية بحق اليمنيات في مناطق سيطرتها. وأشارت التقارير إلى تنوع الجرائم الحوثية بحق نساء اليمن ما بين الاعتداء الجسدي، وحملات الاختطاف والاعتقال القسري، والابتزاز والترويع، وغيرها من الانتهاكات الأخرى التي طالت آلاف اليمنيات في العاصمة صنعاء ومدن أخرى واقعة تحت سلطة الحوثيين.
اقرأ أيضاً: أطفال اليمن... بين سندان المجاعة ومطرقة الانتهاكات الحوثية
إلى ذلك، يحتل اليمن المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي للعام الـ 13 على التوالي؛ فقد ظلت النساء يعانين من عدم المساواة في النوع الاجتماعي المترسخ بشدة في مجتمع موغل في النزعة الذكورية وذي أدوار صارمة بين الجنسين.