فرضت الأوضاع الحالية والحرب بين إسرائيل وحزب الله الكثير من علامات الاستفهام حول استراتيجية الحزب الموالي لإيران، في ظل الخسائر الكبيرة التي لحقت به خلال الشهر الأخير.
وقال الخبير في دراسات الشرق الأوسط في (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات)، البروفيسور أماتسيا برعام: إنّ "حزب الله يجب أن يقرر ما إذا كان سيغير خططه العملياتية وينقل قواعده، أو يراهن على أنّ المعتقلين من عناصر حزب الله لن يكشفوا عن معلومات حساسة".
وأوضح برعام أنّ تمكّن قوات الكوماندوز الإسرائيلية من اعتقال أحد كبار عناصر حزب الله المتخصص في الأنشطة البحرية في بلدة البترون في شمال لبنان، كان له تأثير كبير على حزب الله، وربما يجبره حتى على نقل قواعده وتعديل خططه.
وأضاف المركز في تقرير له أنّه تم نقل القيادي الكبير في حزب الله المعتقل إلى إسرائيل واستجوابه من قبل الوحدة (504)، ويعتقد أنّه لديه القدرة على الكشف عن معلومات استخباراتية قيمة حول القدرات البحرية لحزب الله.
وأكد برعام على تطور وحدة حزب الله البحرية، قائلاً: "إنّهم مدربون ومجهزون من قبل البحرية الإيرانية، المعروفة بمعاييرها المهنية العالية. وتم تصميم الزوارق الصغيرة والسريعة لشن غارات سريعة على طول ساحل إسرائيل، وخاصة استهداف المناطق من نهاريا وعكا وحتى حيفا."
المركز العربي: اختيار مواصلة الحرب مع إسرائيل سوف يكون له ثمن باهظ، ليس فقط بالنسبة إلى حزب الله، بل أيضاً بالنسبة إلى البيئة الأوسع التي تدعمه وكل لبنان.
وتابع برعام: "ورغم أنّ مثل هذه الهجمات لم تتحقق بعد، فإنّ التهديد ما يزال قائماً". مضيفاً أنّ الاعتقال يزيد الضغوط على حزب الله الذي يواجه الآن إحراجاً ومعضلة استراتيجية.
وتثير العملية العديد من التساؤلات حول القوة البحرية لحزب الله، والتي ظلت تشكل لغزاً إلى حد ما حتى الآن.
وقال برعام: "نعلم أنّهم تلقوا تدريبات من إيران التي تتفوق قواتها البحرية في شن الهجمات الصغيرة والقوارب السريعة. ويبقى السؤال: أين يخزن حزب الله معداته، وما هي خططه المستقبلية؟".
وأضاف: "إنّ هذا الاعتقال يشكل تحدياً لقيادة حزب الله، ممّا قد يدفعها إلى إعادة تقييم استراتيجيتها، وقد تختار تغيير مواقع قواعدها وتطوير خطط طوارئ".
وفي سياق متصل باستراتيجية حزب الله، فبحسب (المركز العربي لدراسات التطرف) فإنّ الخطاب الأخير للزعيم الجديد نعيم قاسم، الذي تم تعيينه مؤخراً أميناً عامّاً يشير إلى الاتجاه الذي ينوي أن يقود الحزب إليه.
كان خطاب قاسم يحمل موضوعاً عامّاً: حزب الله، كما كان متوقعاً، يعتزم الاستمرار في قتال إسرائيل. وتعهد قاسم قائلاً: "سنهزمهم ونجتثهم من أرضنا".
وأضاف أنّ حزب الله انتقل الآن من مجرد دعم حلفائه في قطاع غزة إلى "مواجهة حرب إسرائيل على لبنان منذ 17 أيلول (سبتمبر) الماضي"، وهو التاريخ الذي فجرت فيه إسرائيل آلاف أجهزة النداء التي كانت بحوزة أعضاء حزب الله، وانتقلت إلى مرحلة أكثر عنفاً في قتال الحزب.
وأضاف قاسم أنّ حزب الله لم يتراجع، بل واكب التصعيد الإسرائيلي، وانتقل إلى "المواجهة الأمامية" منذ الأول من تشرين الأول (أكتوبر)، وأنّ له "الحق في استهداف أيّ مكان في إسرائيل دفاعاً عن النفس والردّ على التصعيد الإسرائيلي".
وشدد المركز العربي في تقريره على أنّه من الواضح أنّ اختيار مواصلة الحرب مع إسرائيل سوف يكون له ثمن باهظ، ليس فقط بالنسبة إلى حزب الله، بل أيضاً بالنسبة إلى البيئة الأوسع التي تدعمه وكل لبنان. وعلى هذا، فقد اضطر قاسم إلى تبرير قرار الحزب بمواصلة الحرب بالقول: في المجمل، إنّ التقاعس عن مواجهة إسرائيل أكثر خطورة من التضحيات التي سوف تترتب على محاربة "الدولة اليهودية".
ولتعزيز هذه الفكرة لجأ قاسم إلى تذكير جمهوره بطبيعة إسرائيل. وقال: إنّ "إسرائيل كيان مغتصب محتل، يشكل خطراً حقيقياً على المنطقة والعالم، وتجسيداً للشر المبني على القتل والتهجير والمجازر وأسوأ رذائل الأرض".
ومن هذا المنطلق، فإنّ حزب الله لا يقاتل من أجل لبنان فحسب، بل من أجل البشرية جمعاء. وأضاف قاسم: "إسرائيل مشروع احتلال توسعي لن يكتفي بفلسطين، بل يريد المنطقة العربية بأكملها، والفلك الإسلامي بأكمله، بل يريد السيطرة على العالم من هذا الموقع في المنطقة".
وأضاف قاسم: "إنّ لبنان جزء من المشروع التوسعي الإسرائيلي". وتساءل في مكان آخر: “لماذا استمرت إسرائيل في احتلال لبنان من عام 1985 إلى عام 2000؟"، وأجاب: إنّ إسرائيل فعلت ذلك وأنشأت جيش لبنان الجنوبي كخطوات تمهيدية لبناء المستوطنات في جميع أنحاء لبنان، مؤكداً أنّ إسرائيل وضعت لبنان أيضاً على قائمة أهدافها، وزعم قاسم أنّ حزب الله "لا يستطيع فصل لبنان أو المنطقة عن فلسطين".
واغتنم قاسم الفرصة لإعادة صياغة وتبرير قضية حزب الله في عداوته للغرب، وخاصة الولايات المتحدة. وقال: إنّ جرائم إسرائيل وسعيها إلى الهيمنة لم تكن لتتحقق لولا "الدعم الأمريكي المطلق، الشيطان الأكبر"، ممّا يدل على أنّ الاستراتيجية لن تتغير، وأنّ الحزب سيستمر في الحديث بلسان إيران وقادتها.
وبحسب ما أوردت صحيفة (الشرق الأوسط) فإنّه بعد الضربات الكبرى التي تلقاها حزب الله منذ 17 أيلول (سبتمبر) الماضي بلور استراتيجية عسكرية جديدة تعتمد بصفة أساسية على التصعيد التدريجي في استخدام الصواريخ، واختيار الأهداف الحيوية، مع إعطاء الأولوية للقتال البري وصدّ الهجمات الإسرائيلية التي توسعت مؤخراً لتشمل القطاع الغربي، بعد أسبوع على انطلاق العمليات البرية في القطاعين الشرقي والأوسط.
وفي بيان أصدره الشهر الماضي أكد الحزب "جهوزية القوة الصاروخية لاستهداف كل مكان في فلسطين المحتلة تقرره قيادة المقاومة"، محذراً من أنّ "تمادي العدو الإسرائيلي سيجعل من حيفا وغير حيفا بالنسبة إلى صواريخ المقاومة بمثابة كريات شمونة والمطلة وغيرهما من المستوطنات الحدودية مع لبنان"، ومنبهاً إلى أنّ نيرانه باتجاه "العمق الصهيوني لن تقتصر على الصواريخ ولا المسيّرات الانقضاضية".
جورج نادر: أيّ استراتيجية قديمة أو جديدة غير قادرة على انتشال حزب الله من مصابه، خصوصاً بعدما تم استهداف قادة الصف الأول والثاني والمخازن الكبيرة للصواريخ.
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي العميد حسن جوني أنّه "لا يمكن الحديث عن انتهاج الحزب استراتيجية جديدة"، لافتاً إلى أننا "في مرحلة جديدة من استراتيجية وُضعت في وقت سابق، لأنّ المرحلة الراهنة لا يفترض أن تكون مرحلة إعداد استراتيجيات، وإنّما مرحلة تطبيق خطط وُضعت سابقاً تبعاً لمقتضيات الميدان".
ويشير جوني، في تصريح لصحيفة (الشرق الأوسط)، إلى "أننا بتنا في مرحلة التصعيد في استخدام الصواريخ واختيار الأهداف باعتبار أنّه في الساعات الماضية وُجّهت ضربات موجعة إلى حيفا"، موضحاً أنّه "بالنسبة إلى البر، فاستراتيجية الحزب بسيطة وواضحة وثابتة، وتقوم على مقاومة التوغل الإسرائيلي، بحيث يُكبّد العدو خسائر في أثناء التقدم. ففلسفة عمل المقاومة ليست منع الاحتلال، وإنّما منع العدو من الاستقرار بعد حصول الاحتلال"، مضيفاً: "أمّا اعتماد حزب الله على التصدي لطلائع القوات الإسرائيلية في الخطوط الأمامية، فهدفه التأثير في المعنويات، واستغلال بعض النقاط المعدّة في الميدان".
ويرى جوني أنّ "حديث الشيخ نعيم قاسم عن أنّ إطالة أمد المعركة تُدخل إسرائيل في وضع مأزوم، يؤكد أنّ الحزب يتعامل مع المعركة على أنّها طويلة، ويتدرّج في استعمال الأسلحة والصواريخ، لأنّه يعلم أنّ زمن المواجهة طويل".
من جهته، يوضح المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى (اليونيفيل) العميد منير شحادة أنّ حزب الله يقاتل راهناً على أساس أنّه "لم يعد هناك شيء يخسره بعدما اغتالت إسرائيل أمينه العام وقادة الصف الأول، وهجّرت بيئته ودمّرت القرى والبلدات"، لافتاً إلى أنّه "من الآن وصاعداً سيكون هناك تصعيد تدريجي واستهداف أماكن أبعد من حيفا وتل أبيب. وقد بدأ حزب الله باستهداف المناطق السكنية في حيفا، وبدأ يعمل وفق معادلة حيفا مقابل الضاحية".
ويشير شحادة، في تصريح لـ (الشرق الأوسط)، إلى أنّ حزب الله يعتمد على الحرب البرية والالتحام من المسافة صفر؛ لكي يؤكد تماسكه وقدرته بعد ضربات قاسية جداً تلقاها، وكان يفترض أن تؤدي إلى استسلامه أو انهياره.
أمّا العميد المتقاعد جورج نادر، فلا يرى أنّ "أيّ استراتيجية قديمة أو جديدة قادرة على انتشال حزب الله من مصابه، خصوصاً بعدما تم استهداف قادة الصف الأول والثاني والمخازن الكبيرة للصواريخ"، لافتاً إلى أنّه "بات هناك خلل في بنيان الحزب، فهو وإن كان ما يزال قادراً على القتال في البر، فلن يتمكن من صد اجتياح مثل الذي تُعدّ له إسرائيل معتمدة على آلاف الجنود".
ومن ناحية احتمال ضرب أهداف إسرائيلية، يلفت نادر إلى أنّه "لو كان الحزب يريد أو يستطيع ضرب أهداف استراتيجية في الداخل الإسرائيلي، لأقدم على ذلك، لكن بات محسوماً أنّ القرار في هذا الشأن هو لإيران وليس له".