بعد اكتشافات الغاز: هل تصبح مصر مركزاً إقليمياً للطاقة؟

بعد اكتشافات الغاز: هل تصبح مصر مركزاً إقليمياً للطاقة؟


10/09/2020

في أوج صدام سياسي محتدم قابل للتصعيد العسكري، شرق المتوسط، في معركة قوامها الأول البحث عن الثروات، تبرز مصر كقوة إقليمية تستند إلى ما تملكه من ثروات متزايدة وقابلة للتوظيف سواء الاقتصادي بما ينعكس مباشرة على الأوضاع الداخلية، أو في ميزان القوة العالمي.

ولطالما كانت مصر قوة إقليمية معتبرة، مستندة إلى حسابات السياسة والجغرافيا والتاريخ، غير أنّ موازين القوة الجديدة كان يمكن أن تستثنيها ببساطة من المعادلة، أو تحجيمها، لولا تموضعها الجديد، المستمد بصورة رئيسية مما تملكه وما يمكن أن تقدمه للآخرين، دون الخطب الرنانة أو الخوض في دروس الماضي.

 لم يركن طموح مصر عند اكتشافات الغاز بل تعمل بالتوازي في كافة محاور الطاقة الأخرى

ودخلت مصر الحلبة الرئيسية، وتموضعت في المنتصف، منذ اكتشاف حقل (ظهر) في العام 2015، وهو أكبر حقل غاز مكتشف في البحر المتوسط يحتل مساحة 100 كيلومتر مربع، والتخطيط لاستغلاله لكي تصبح مصر مركزاً "إقليمياً" للطاقة، بإنتاج يومي 3 مليارات قدم مكعب، وحجم احتياطات يتجاوز 30 ترليون قدم مكعب.

في أوج الصدام تبرز مصر كقوة إقليمية تستند إلى ما تملكه من ثروات متزايدة وقابلة للتوظيف

الخطة المصرية تضرب مباشرة مخططاً تركياً مماثلاً، وقالت مجلة "فورين بوليس" الأمريكية، في آب (أغسطس) الماضي، إنّ "مصر أصبحت نقطة ارتكاز لاكتشاف الغاز في المنطقة وتسييله عبر محطاتها ثم تصديره لأوروبا، وبالتالي إفساد كافة مخططات أردوغان لأن تصبح بلاده مركزاً إقليمياً للطاقة".

ولم يركن الطموح المصري عند اكتشافات الغاز وتوظيفها في خلق موازين قوة جديدة، بل تعمل القاهرة بالتوازي في كافة محاور الطاقة الأخرى، سواء الكهرباء أو الطاقة النظيفة.

وقال الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، أيمن سليمان، في 8 أيلول (سبتمبر) 2020، إنّ القاهرة بدأت محادثات بشأن خطط لبيع الكهرباء إلى أوروبا وأفريقيا، مستغلة ميزتها كمنتج للطاقة المتجددة الرخيصة، في محاولة لتصبح مركزاً إقليمياً لتصدير الطاقة، حسبما نقلت وكالة بلومبيرغ للأنباء.

مصر يمكنها إمداد أوروبا بالكهرباء عبر كابل بحري يجري التخطيط له إلى قبرص واليونان

ويضيف المسؤول المصري أنّ مصر تمتلك فائضاً من الكهرباء، فيما ترى دولاً تقع في محيطها الشمالي "متعطشة للطاقة" كزبائن محتملين، قائلاً إنّ القاهرة يمكنها إمداد أوروبا بالكهرباء عبر كابل بحري يجري التخطيط له إلى قبرص واليونان.

وبخلاف خطة الطاقة المصرية الطموحة لاستيعاب أوروبا وأفريقيا، فقد أنهت القاهرة بالفعل مشروعاً للربط الكهربائي مع الخرطوم، واتفقت مع بغداد أخيراً على مدها بالكهرباء وهي الأزمة المستفحلة هناك، عبر خطوط من الأردن؛ أي إنّ النفوذ المصري يتمدد في اتجاهات عدة، وكلها مناطق نفوذ حيوية.

أضاف سليمان في مقابلة بالقاهرة: "نجري محادثات مع مستثمري البنية التحتية الأوروبيين، ومستشارين، وتجار طاقة"، قائلاً إن خط النقل "سيضع مصر كمركز تصدير متجدد طويل الأمد لأوروبا"، بحسب ما أورده موقع الحرة.

اقرأ أيضاً: 7 أنابيب تلخّص صراع السيطرة على خريطة الغاز العالمية

وأبرم الصندوق اتفاقية مع وزارة الكهرباء المصرية لإشراك المستثمرين في خططه التصديرية، ووفقاً لسليمان، فإنّ مصر التي يوجد بينها وبين كل من ليبيا والأردن ربط كهربائي، تسعى أيضاً إلى إمداد الاقتصادات الناشئة على جانبها من البحر المتوسط بالكهرباء.

الخطة المصرية تضرب مباشرة مخططاً تركياً مماثلاً

وأوضح سليمان أنّ الصندوق على اتصال بتجار الطاقة "للعثور على نظراء يمكنهم الاستثمار إلى جانب الصندوق، وتطوير خط النقل"، كما يجري محادثات أولية مع بعض المستثمرين المحليين والدوليين في مجال البنية التحتية، وامتنع عن تحديد دول أو مؤسسات، قائلاً إنها فقط تمتد عبر القارة، وكانت مصر وقعت اتفاقية مبدئية بشأن مشروع الربط الكهربائي الأوروبي الأفريقي مع قبرص واليونان العام الماضي.

ميزان قوة جديد

وتبرز أهمية الدور المصري مستقبلاً في هذا المجال، فيما يمكن أن يمثله كبديل لمصادر طاقة كبيرة مثل روسيا، وذلك لدى أوروبا، التي رغم خلافاتها السياسية مع الأولى، تعتمد عليها بشكل كبير في استيراد الغاز، وهو أحد أسباب الامتعاض الأمريكي صوب أوروبا.

اقرأ أيضاً: السعودية: اكتشاف خطين جديدين للغاز في تلك المواقع

لذا فإنّ مصر بتلك التحركات، توضع في مصاف واحد مع دول كبرى مثل روسيا، أو على أقل تقدير تفتح آفاقاً جديدة أمام أوروبا، ما يعمق التعاون بينهم، ويمنحها تفوقاً على تركيا، غريمتها الرئيسية في المنطقة.

يقول الباحث في العلاقات الدولية، مصطفى صلاح: هناك توافق بين الأولويات الخارجية المصرية والأوروبية على تحقيق الاستفادة الكاملة من الثروات المكتشفة حديثاً في منطقة شرق المتوسط، خاصة وأنّ مصر تمتلك المقومات من الموارد والبنية التحتية اللازمة لسد احتياجات الجانب الأوروبي من مصادر الطاقة والصناعات المشتقة منها، مضيفاً  لـ"حفريات": "ولعل هذا التوافق تمثلت بداياته في انعقاد القمة العربية الأوروبية بمدينة شرم الشيخ في شباط (فبراير) ٢٠١٩، والتي تم التوافق من خلالها على تعزيز التعاون بينهما في إطار وضع مصر الجديد كمركز إقليمي للطاقة".

 أيمن سليمان: مصر تمتلك فائضاً من الكهرباء فيما ترى دولاً بمحيطها الشمالي "متعطشة للطاقة" كزبائن محتملين

وأضاف: مصلحة كل من مصر والاتحاد الأوروبي حماية ودعم الاستقرار في هذه المنطقة (شرق المتوسط) بسبب أنّ الجانب الأوروبي والروسي يشهدان توترات متصاعدة على خلفية بعض القضايا منها عمليات الاغتيال التي تقوم بها روسيا في الدول الأوروبية، بالإضافة إلى تطوير صناعاتها العسكرية وتدخلها في أوكرانيا وهو ما ساهم في تصاعد هذه التوترات.

من ناحية أخرى فإنّ الجانب الأوروبي يعتمد بصورة شبه كاملة على الغاز الروسي مما يضع دول الاتحاد في معضلة كبيرة، بحسب صلاح، وذلك في حال قامت روسيا بمنع تدفق هذه الموارد، ومن ثم لجأت الدول الأوروبية إلى الاعتماد على مصر باعتبارها إحدى الدول ذات الأهمية الكبرى بالنسبة لخريطة توزيع الغاز في المنطقة بعد الاكتشافات الكبيرة من هذا الخام والمواد الكربونية وغيرها من الموارد الطبيعة التي جعلت مصر ضمن أولويات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتعزيز التعاون الاقتصادي في الاستفادة من هذه الموارد، وتأسيساً على ذلك.

يمكن للقاهرة الاستفادة من هذه التوجهات لدعم سياساتها الإقليمية في مواجهة تركيا

ولفت إلى أنه يمكن للقاهرة الاستفادة من هذه التوجهات لدعم سياساتها الإقليمية في مواجهة تركيا بعدما أصبحت تركيا تهدد أمن واستقرار هذه المنطقة التي ترتبط بصورة أو بأخرى بحماية الأمن الإقليمي الأوروبي.

تبرز أهمية الدور المصري فيما يمكن أن يمثله كبديل لمصادر طاقة كبيرة كروسيا بالنسبة أوروبا

ويتابع الباحث في العلاقات الدولية: من ناحية أخرى فإنّ وضعية مصر الإقليمية تتزايد بصورة كبيرة في استراتيجة الدول الأوروبية الأمنية كونها تعول على القاهرة في مواجهة أزماتها كقضية اللاجئين وتدفق الجماعات المتطرفة إلى هناك، وهو ما ساهم في دعم الاتحاد الأوروبي لمصر ودول منطقة شرق المتوسط لوضع آليات قانونية تتعلق بترسيم الحدود البحرية بينهم لمواجهة التدخلات التركية غير المشروعة في التنقيب عن الغاز.

وفيما يتعلق بخريطة التحالفات يقول صلاح إنّ مصر أصبحت في مكانة استراتيجية لدول المنطقة بصورة عامة والدول الأوروبية على وجه التحديد، في حين تشهد تركيا مجموعة متعددة من الضغوط الإقليمية والدولية بسبب سياستها القائمة على تعزيز الصراعات، وهو الأمر الذي أفقدها كثيراً من حلفائها السابقين، ووفق هذه التغيرات فمن المحتمل أن يتم التنسيق بين مصر والدول الأوروبية لكي يتم نقل الغاز بين دول شرق المتوسط المختلفة والدول الأوروبية في إطار تمكن مصر من أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية