بعد اتفاقية الدبيبة مع تركيا... هل تؤرق ليبيا دول شرق المتوسط من جديد؟

بعد اتفاقية الدبيبة مع تركيا... هل تؤرق ليبيا دول شرق المتوسط من جديد؟

بعد اتفاقية الدبيبة مع تركيا... هل تؤرق ليبيا دول شرق المتوسط من جديد؟


10/10/2022

من جديد، عادت ليبيا أزمة ساخنة تؤرق دول شرق البحر المتوسط، بعد أن قامت حكومة عبد الحميد الدبيبة، المنتهية ولايتها، بتوقيع مذكرة تفاهم جديدة مع تركيا تتعلق بالتنقيب عن الغاز والنفط في الأسبوع الماضي.

 هذا الاتفاق بين تركيا والدبيبة طرح الأزمة الليبية مرّة أخرى كمنغص من زاوية اقتصادية أكثر منها سياسية وأمنية، فهي لم تعد تقلق فقط محيطها الإقليمي؛ بل تمتد إلى أكثر من ذلك؛ إذ إنّ الخطوة استفزت من جهة أخرى فرنسا أيضاً التي أعلنت رفضها لها رسمياً؛ خصوصاً أنّ باريس تمتلك نفوذاً اقتصادياً في الأراضي الليبية ولا تريد التفريط فيه.

 في الأثناء، بدأت دول إقليمية بارزة مباحثات مشتركة لدراسة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ حقوقها التي تتعدى عليها الاتفاقية بين طرابلس وأنقرة من وجهة نظرها، في مقدمتها مصر واليونان ومالطا وإيطاليا.

وتأتي مذكرة التفاهم التي وُقّعت خلال زيارة وفد تركي رفيع المستوى لطرابلس، بعد (3) أعوام على إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المثيرة للجدل في 2019، التي أثارت حفيظة الاتحاد الأوروبي حينها.

 ويسمح الاتفاق البحري لأنقرة بتأكيد حقوقها في مناطق واسعة في شرق البحر المتوسط، الأمر الذي يثير استياء اليونان والاتحاد الأوروبي.

 تركيا تجسّ النبض

بالرغم من أنّه لم يتم الإعلان عن تفاصيل مذكرة التفاهم، غير أنّ التوترات قد تتصاعد في شرق المتوسط بعد أن تم توقيع مذكرة التفاهم للتنقيب عن النفط والغاز في منطقة بحرية متنازع عليها، ويعتبر دبلوماسيون هذه الخطوة بمثابة الرسالة التي تحاول من خلالها تركيا جسّ نبض القوى المعنية بتمددها في ليبيا ورغبتها في توسيع نفوذها في شرق المتوسط.

يسمح الاتفاق البحري لأنقرة بتأكيد حقوقها في مناطق واسعة في شرق البحر المتوسط، الأمر الذي يثير استياء اليونان والاتحاد الأوروبي

 تركيا تحاول الوصول إلى تنفيذ مشروعها المتمثل في (الوطن الأزرق)، مستغلّة في ذلك الهشاشة السياسية لحكومتي فايز السراج سابقاً، وعبدالحميد الدبيبة حالياً، لتحقيق مكاسب تساعدها على أن تكون في موقف قوة، باستغلال حقول النفط والغاز في ليبيا.

الاتفاقية بين تركيا والدبيبة استفزّت فرنسا أيضاً التي أعلنت رفضها لها رسمياً

 

 وتلتقي أغلب القراءات لهذا الاتفاق في أنّ "تركيا تعاني نقصاً في الطاقة وتستورد 90% من احتياجاتها من الخارج، وهي تعلم أنّ ليبيا دولة غنية سواء في الأرض أو البحر، معتبرين أنّها تريد البحث عن مصادر الطاقة، إضافة إلى أنّ تركيا في مواجهه ليبيا في البحر المتوسط، لذلك فهي تريد توسيع المناطق الاقتصادية والحدود البحرية لتركيا في البحر المتوسط من خلال ليبيا بما أنّها دولتان متقابلتان.

 ولا يُستبعد سعي تركيا للحصول على حصة في إعادة إعمار ليبيا بعد الانتهاء من المرحلة الانتقالية، وربما فرض سياسة الأمر الواقع فيها.

 مصر واليونان على الخط

بادرت مصر واليونان إلى التشاور ورفض المذكرة الثانية، وقد أعرب وزيرا خارجية البلدين عن رفضهما لمذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين بشأن التنقيب عن النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، واعتبرا أنّ حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة ليست لها سيادة على المنطقة، وأنّ المذكرة "غير قانونية".

 وقال وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس خلال زيارة للقاهرة: إنّ الاتفاقية "تهدد الاستقرار والأمن في البحر المتوسط"، مضيفاً أنّ طرابلس "لا تتمتع بالسيادة على هذه المنطقة" التي وقعت اتفاقية التنقيب فيها، مشدّداً على أنّها "غير قانونية وغير مقبولة".

 من جهته، شدد وزير الخارجية المصري سامح شكري على أنّ حكومة طرابلس "المنتهية ولايتها ليس لديها الشرعية لتوقيع مثل هذه الاتفاقيات"، داعياً إلى أن يتخذ المجتمع الدولي "موقفاً من عدم شرعية الحكومة الليبية"، مُضيفاً أنّ "الحكومة أتت بحكم اتفاق وتفاهم تمّت صياغته من قبل الأمم المتحدة، وبالتالي يجب ألّا تكون الأمم المتحدة صامتة فيما يتعلق بالتنفيذ الكامل والأمين لما صاغته واعتمدته".

وزير الخارجية اليوناني: الاتفاقية تهدد الاستقرار والأمن في البحر المتوسط

 ومن المرجح أن يشمل التنسيق بين مصر واليونان دولاً أخرى منتمية إلى منتدى شرق المتوسط، والتي تنظر إلى التوجهات التركية حيال حكومة الدبيبة على أنّها لا تخلو من مساومات، كي تضمن أن يكون لها تأثير على خارطة الغاز المقبلة في المنطقة، بالتوازي مع دبلوماسية البوارج الحربية التي تلمّح بها من حين إلى آخر.

خلاف ليبي ليبي

الاتفاقية أثارت أيضاً خلافاً ليبياً ـ ليبياً جديداً، فقد رفضها كلٌّ من رئيس مجلس النواب الذي يتخذ من شرق ليبيا مقراً له، وحكومة فتحي باشاغا المعينة من قبل المجلس، معتبرين أنّ توقيع الاتفاق "غير قانوني ومرفوض".

 ويرى رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح أنّ "أيّ اتفاقية أو معاهدة أو مذكرة تفاهم يتم إبرامها من قبل رئيس حكومة الوحدة الوطنية (عبد الحميد الدبيبة) مرفوضة وغير قانونية؛ نظراً لانتهاء ولايتها قانوناً وانعدام أيّ إجراء تتخذه منذ انتهاء ولايتها في 24 كانون الأول  (ديسمبر) 2021".

 وفي بيان نشره الناطق باسم المجلس عبد الله بليحق على صفحته بموقع "فيسبوك" أكد صالح أيضاً أنّ توقيع أيّ مذكرة تفاهم أو معاهدة أو اتفاقية من قبل حكومة الدبيبة "غير ملزمة لدولة ليبيا والشعب الليبي".

بادرت مصر واليونان إلى التشاور ورفض الاتفاق، كما أثارت الاتفاقية أيضاً خلافاً ليبياً ـ ليبياً جديداً

 

 من جانبه، أكد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب فتحي باشاغا أنّه ليس من حق حكومة الوحدة الوطنية بوصفها حكومة منتهية الولاية إبرام أيّ اتفاقيات أو تعهدات.

 وأوضح باشاغا في لقاء تلفزيوني أنّ الليبيين عبّروا عن رفضهم لما تم الاتفاق عليه مع الجانب التركي، وأنّ هذه الاتفاقية لا تمثل ليبيا، وأنّ موقفه من الاتفاقية يعتبره لصالح ليبيا، خاصة ما يتداول عن آجار المنطقة البحرية، وضبابية النصوص الفنية.

 في السياق نفسه، رأى (73) عضواً بالمجلس الأعلى للدولة، في بيان، أنّ "توقيع مثل هذه المذكرات الغامضة البنود والأهداف في مثل هذا التوقيت والظرف السياسي المنقسم يمثل محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع".

 وشددوا على رفضهم ما وصفوها بـ"الانتهازية السياسية من الأتراك"، معتبرين أنّ ذلك "قد يضعهم مستقبلاً في مواجهة المصالح الوطنية الكبرى لليبيا، وكلّ المحاولات الوطنية الجادة للتوافق بين الليبيين نحو استعادة الدولة وقرارها الوطني".

 رئيس مجلس النواب الليبي: أيّ اتفاقية أو معاهدة أو مذكرة تفاهم يتم إبرامها من قبل رئيس حكومة الوحدة الوطنية (الدبيبة) مرفوضة وغير قانونية

 في المقابل، جدّد رئيس حكومة الوحدة الليبية المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة تمسكّه بمذكرة التفاهم الموقعة، معتبراً أنّها مبنية على اتفاقيات سابقة حتى قبل عام 2011، وتمّت مناقشتها لمدة عام كامل، "ولا تهمنا مواقف الدول التي عارضتها".

وأردف: "سنواصل عقد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع جميع الدول في مجال النفط والغاز، ولدينا الحق في توقيع أيّ مذكرة تفاهم، ووقعنا المئات منها لتحقيق التعاون مع البلدان الأخرى".

 وكانت حكومة الوحدة الوطنية قد أعربت عن رفضها "التطرق والتدخل" في مذكرة التفاهم الموقعة مع تركيا، مؤكدة أنّها "في صالح الشعب الليبي".

 وتتنافس حكومتان على السلطة في ليبيا منذ آذار (مارس)؛ الأولى هي حكومة طرابلس التي ولدت عام 2021 كجزء من عملية سلام برعاية الأمم المتحدة، والثانية يقودها منذ مارس (آذار) وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا.

 وفي 24 أيلول (سبتمبر) الماضي، قال السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند: إنّ رئيس حكومة "الوحدة الوطنية" عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الحكومة المكلَّف من مجلس النواب فتحي باشاغا، المتنافسين على السلطة، لا يمكنهما إدارة البلاد، مشدداً على "ضرورة الاتفاق على حكومة شرعية تأتي عبر انتخابات".

مواضيع ذات صلة:

استئناف إرسال مرتزقة بالتزامن مع اتفاقية التفاهم النفطي.. تركيا تصر على التواجد في ليبيا

هل أحكمت تركيا سيطرتها على ليبيا؟

قطر وتركيا في ليبيا: صديقتان دائماً



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية