بعد أنباء عن إصلاح العلاقات.. هل يجلس أردوغان على طاولة الحوار مع الأسد؟ ‎

بعد أنباء عن إصلاح العلاقات.. هل يجلس أردوغان على طاولة الحوار مع الأسد؟ ‎


06/04/2022

فجّرت صحيفة "حرييت" التركية أمس مفاجأة من العيار الثقيل عندما كشفت وجود توجّه جديد لدى الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته لفتح حوار مع النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، لإعادة العلاقات بين البلدين إلى صورتها الطبيعية.

يأتي هذا التوجه في إطار استراتيجية أردوغان الجديدة مع الدول التي دخلت في صدام معها، وخاصة بعد ما يُسمّى بـ"الربيع العربي" طوال الأعوام الـ10 الماضية، حيث انخرطت في هذا المشروع، وتبنّت حركة الإخوان المسلمين، ودعمت الإسلام السياسي وفصائل مُسلّحة.

وزعمت الصحيفة التركية، في تقرير نشر أول من أمس، أنّ أردوغان يخطط لإصلاح العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، مرجحة أن يكون الأسد في قائمة المصالحات التي يُقدم عليها أردوغان لاستعادة علاقاته السلمية القديمة.

ونقلت صحيفة "حرييت" عن مصدر، لم تحدده، القول إنّ الغزو الروسي لأوكرانيا ودور الوساطة الذي لعبته تركيا بين البلدين، قد يخلق فرصة مناسبة لحل الخلافات مع الأسد.

هناك توجّه جديد لدى الرئيس التركي وحكومته لفتح حوار مع النظام السوري

وأشارت الصحيفة إلى أنّ الطرفين قد يلتقيان قريباً لمناقشة القضايا الأساسية التي ستدور حول حماية الهيكل الموحد للدولة السورية، والحفاظ على وحدة أراضي سوريا، وضمان العودة الآمنة للاجئين.

وبيّن التقرير أنّ تركيا لديها (3) شروط لا غنى عنها في جميع الاتصالات، وهي: الحفاظ على البنية الوحدوية في سوريا، والحفاظ على وحدة أراضي سوريا، وضمان أمن المهاجرين العائدين.

 

الصحيفة ترجح أن يكون الأسد في قائمة المصالحات التي يُقدم عليها أردوغان لاستعادة علاقاته السلمية القديمة

 

وأفادت الصحيفة، المحسوبة على الحكومة، أنّ وحدة الأراضي السورية تنطوي على أهمية كبيرة، من حيث منع أنشطة حزب العمال الكردستاني الانفصالي في سوريا، ومنع إقامة منطقة الحكم الذاتي الكردية.

وادّعت الصحيفة أنّ الحكومة التركية أبلغت الحكومة السورية مدى أهمية وحدة سوريا لكلا الجانبين، وذلك قبل الزيارة التي أجراها الرئيس السوري بشار الأسد للإمارات العربية المتحدة، بعد شهر من استضافة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في تركيا لإجراء محادثات بهدف إصلاح العلاقات المتصدعة.

وصرّح المصدر التركي المذكور للصحيفة أنّه إذا توصّل الجانبان السوري والتركي إلى الاتفاق، فإنّه يمكن أن يعود نصف اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا إلى بلادهم.

اقرأ أيضاً: دور مهم للإمارات في سوريا

ولم يَصدُر أيّ تأكيد أو نفي لهذا الخبر من الجانبين التركي أو السوري، ويعتبره البعض مُجرّد شائعات، ورغبة من قِبَل الرئيس أردوغان "لترميم" صُورته التي اهتزّت في أوساط جيرانه العرب، بعد فشل خطط تغيير النظام في سوريا، ومُبالغته في التطبيع مع إسرائيل، والعمل على استعادة العلاقات الاقتصادية مع الدولة السعودية، بالاضافة  إلى تحسين العلاقات مع الإمارات، وفتح قنوات حوار مع مصر.

 الحكومة التركية أبلغت الحكومة السورية مدى أهمية وحدة سوريا لكلا الجانبين

ووفق استطلاع نقله الكاتب عبد الباري عطوان في مقالته التي نُشرت اليوم عبر موقع "الرأي اليوم"، فإنّ هناك من يقول إنّ التقارير الصحفية حول رغبة تركيا في فتح حوار مع "الجار" السوري غير دقيقة، وتلجأ جهات مُقرّبة من الرئيس أردوغان إلى تسريبها بين الحين والآخر لتوجيه رسائل إلى أكثر من جهة، على رأسها الحكومة السورية، والأكراد واللاجئين السوريين على الأراضي التركية لتهيئتهم لمُخطّط قادم بترحيلهم، أو نسبة كبيرة منهم، بعد أن أصبح هؤلاء قضية أساسية في الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية، وخاصّة من قِبَل المعارضة التركية التي تُرجّح استطلاعات الرأي فرص نجاحها.

اقرأ أيضاً: عبداللهيان وزياراته المتكررة لسوريا... عين على أوكرانيا وأخرى على الإمارات

أمّا الرأي الآخر من المستطلعين، فيعتقدون أنّ هناك بعض الصحة في هذه التقارير، ولا دخان بدون نار؛ لأنّ دولة الإمارات العربية المتحدة التي زارها الرئيس الأسد ونظيره التركي أردوغان تقوم بدور الوساطة لإزالة الخلاف بين الجانبين، وأنّ لقاءات جرت بينهما سابقاً على مستوى رئيسيّ جهاز المخابرات، وربما تكون هذه الوساطة الإماراتية قد حقّقت بعض النجاح في كسر جبل الجليد، وحدوث "اختراق ما" لنَقل هذه اللقاءات إلى المستوى السياسي، وبمباركة روسية.

اقرأ أيضاً: محللون لـ "حفريات": هذه شروط عودة سوريا إلى الجامعة العربية

ولفت عطوان إلى أنّ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي ستُعقد العام المقبل، وتتراجع فيها حظوظ الرئيس أردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) بالفوز، باتت تُحتّم عليه الانفتاح على سوريا، لسحب ورقة اللاجئين السوريين القوية من أيدي المعارضة، وإعادة أكبر قدر ممكن من اللّاجئين السوريين إلى بلادهم في الأشهر القليلة المقبلة، وكان لافتاً أنّ الرئيس الأسد تجنّب في تصريحاته الأخيرة شنّ هجمات شرسة على الرئيس أردوغان، مثلما كان يفعل في خطاباته وتصريحاته السابقة.

اقرأ أيضاً: وزير الخارجية الإيراني يتوجه إلى سوريا ولبنان.. ما هي أجندته؟

أمّا الباحث السياسي المختص بالشأن التركي محمود علوش، فقد وضّح أنّ "مشكلة الوحدات الكردية واللاجئين تضغط بشدة على سياسة تركيا في سوريا".

وهذه المشكلة كانت قد غيّرت في الواقع من أولويات أنقرة في الأعوام الأخيرة، وباتت تُركز بشكل أكبر على كيفية مواجهة التحديات المتعلقة بهاتين المشكلتين، مع ميل إلى الإقرار الضمني بأنّ الأسد انتصر في الحرب.  

ويقول الباحث في تصريح لموقع "الحرة": "هناك تواصل قائم بالفعل بين أنقرة ودمشق على مستوى الاستخبارات، ويمكن لهذا التواصل أن يتناول مثل هذه القضايا، لكنّه من المستبعد أن يتطوّر إلى ما هو أبعد من ذلك في المستقبل المنظور".

ويشير علوش إلى أنّ "انشغال روسيا في صراع أوكرانيا قد يُشكّل فرصة لتركيا لفرض شروطها في أيّ حوار سياسي مع النظام، الشروط التي تضعها تركيا تتطلب في نهاية المطاف تسوية سياسية للحرب، نحن ما نزال بعيدين عن مثل هذه التسوية".

 

تركيا لديها (3) شروط، وهي: الحفاظ على البنية الوحدوية في سوريا، والحفاظ على وحدة أراضيها، وضمان أمن المهاجرين العائدين

 

من جهته، قال الباحث السياسي التركي هشام جوناي: إنّ "انتقال الاتصالات من الاستخبارات إلى السياسة والدبلوماسية سيكون موضوعاً متعلقاً بمدى استطاعة أردوغان في القيام بمراوغة سياسية لا تضرّ بنفوذه وسمعته التي يعوّل عليها كثيراً".

وأضاف جوناي أنّ "أردوغان من المعروف أنّه من أكبر المساندين للمعارضة السورية والملايين من السوريين في تركيا، وهؤلاء يشكّلون ضغطاً كبيراً".

وبحسب الباحث، فإنّ "إعادة العلاقات لن تكون بهذه السهولة والسلاسة، يمكن أن يكون هناك اتصالات بين المؤسسات، ولا سيّما أنّ هناك توجهاً من المعارضة التركية لاستخدام بطاقة اللاجئين في الانتخابات المقبلة".

اقرأ أيضاً: المقاتلون الأجانب في سوريا بين اختلاف المرجعيات والتوظيف

وبحسب مدير "معهد إسطنبول للفكر" باكير أتاجان، فإنّ "تركيا من حيث المبدأ والأخلاق لا تستطيع أن تؤهل وتعترف بنظام الأسد لأسباب عديدة".

ومن هذه الأسباب وجود أكثر من (3) ملايين ونصف المليون لاجئ سوري على أراضيها، ومثلهم في مناطق الشمال السوري.

كان الرئيس بوتين قد قدّم لأردوغان في قمّة سوتشي الأخيرة مقترحاً لإصلاح العلاقات مع سوريا

ويضيف أتاجان لموقع "الحرة": "هؤلاء وجدوا تركيا الحامي، والاعتراف بالنظام هو إهانة لهم، خاصة أنّ تركيا سبق أن أكدت أنّها تدعم مواقفهم في الحرية والكرامة".

ويوضح أنّ تركيا تريد تحسين علاقاتها مع الشعب السوري، وليس بالضرورة نظام الأسد، مشيراً إلى أنّ "الأسد شيء مختلف، والتقارير الإعلامية ترى ضرورة في العلاقات الجيدة، لكنّ ذلك لا يعني بقاء الأسد".

اقرأ أيضاً: عودة سوريا إلى النظام العربي

يُذكر أنّ التواصل الأمني الاستخباراتي بين البلدين طوال أعوام الخصومة لم ينقطع، وقد وصفه أردوغان في شباط (فبراير) 2019 بـ"الخيط الوحيد".

لكن أوضح أردوغان للتلفزيون الحكومي "trt"، في ذلك الوقت: أنّه "لا يمكن للأنظمة الاستخباراتية أن تقوم بما يقوم به الزعماء، عليكم ألّا تقطعوا هذا الخيط تماماً، لأنّ هذا الخيط يلزمكم في يوم من الأيام".

أمّا وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، فقد تحدث في آب (أغسطس) 2021 عن مفاوضات دبلوماسية مع دمشق، لكنّها لا تتعلق بالحوار السياسي، بقوله: "حدوث لقاء سياسي مع النظام السوري في دمشق غير ممكن، أنقرة تتواصل في القضايا الأمنية فقط".

اقرأ أيضاً: ما هي تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على سوريا؟

وأضاف أوغلو أنّ النظام السوري غير معترف به من قبل العالم، فما من شك أنّ تركيا لن تجري مفاوضات سياسية معه، "بل في قضايا أمنية متعلقة بالإرهاب".

وفي مقابل السياسة التركية حيال دمشق، كان لافتاً السياسة المتذبذبة التي اتبعها النظام السوري في تأكيده أو نفيه للقاءات الأمنية مع أنقرة، أو حتى طبيعة العلاقات التي يريدها مستقبلاً.

وفي كانون الثاني (يناير) 2020 تحدثت وكالة الأنباء السورية "سانا" عن أول لقاء منذ 2011 بين رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك ورئيس المخابرات التركية حقان فيدان، وذلك في العاصمة الروسية موسكو.

كان وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد قد أبدى استعداداً لتطبيع العلاقات مع الحكومة التركية

بدوره، كان وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد قد أبدى في شباط (فبراير) الماضي استعداداً لتطبيع العلاقات مع الحكومة التركية، "لكن وفق شروط".

وقال المقداد في مؤتمر صحفي خلال فعاليات منتدى "فالداي" بموسكو: "سوريا وتركيا جيران، ويربطنا تاريخ طويل، و(500) عام احتلال تكفي حتى نفهم بعضنا بعضاً".

وأضاف أنّ "هنالك عدة أشياء يجب أن تتحقق لتعود العلاقات السورية- التركية؛ وهي سحب تركيا قواتها من الأراضي السورية، والكفّ عن دعم الإرهابيين وحرمان السكان السوريين من الموارد المائية، وبناء علاقات مع سوريا على أساس الاحترام المتبادل"، حسب تعبيره.

اقرأ أيضاً: أمريكا تُدرج كتيبة جديدة في سوريا على قائمة الإرهاب

وسبق أن أبدت روسيا وإيران استعدادهما للعب دور الوسيط في التفاوض بين تركيا ونظام الأسد، لكنّ هذا الأمر لن يكون على المستوى القريب لاعتبارات سياسية وعسكرية.

وكان الرئيس بوتين قد قدّم لأردوغان في قمّة سوتشي الأخيرة مقترحاً لإصلاح العلاقات مع سوريا، وإعادة تفعيل مُعاهدة "أضنة عام 1998" التي تُحقّق الأمن للبلدين، وتُشكّل أرضية للتعاون في المجالات كافة، وخاصّة محاربة الإرهاب، ولكنّ الرئيس التركي تهرّب من الجهود الروسية لإحيائها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية