تتعدد الملفات والقضايا الملحة والشائكة، التي تقبع فوق طاولة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ومن أبرزها؛ أزمة فيروس كورونا الذي تسبب في مشاكل صحية وسياسية واقتصادية عالمية، لاسيما وأنّه سجل أرقاماً قياسية في الولايات المتحدة، مؤخراً، وكذا الانخراط في مجموعة من السياسات التي سبق وأعلن عنها أثناء فترة الانتخابات، لجهة تعديل مجموعة من الإجراءات السياسية التي مررها الرئيس السابق، دونالد ترامب، خاصة في ما يتصل بقانون الهجرة، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.
فوز بايدن لا ينبغي أن يستدعي التفاؤل الكبير، في ما يخص العلاقة مع إيران، مهما بدا أنّ سياساته تتجه إلى الانفتاح والتفاوض مع طهران
بيد أنّ سياسة الولايات المتحدة الخارجية، تحتل أولوية قصوى، في ظل الاستقطاب الإقليمي المحتدم، والصراعات المتباينة في منطقة الشرق الأوسط، لتحقيق النفوذ السياسي والجيوستراتيجي، من ناحية، والحصول على ثروات شرق المتوسط، من ناحية أخرى.
محددات الصراع
في ضوء ذلك، فإنّ مجموعة من المحددات والأهداف السياسية والإستراتيجية، التي تفرضها أطر الصراع القائم بين اللاعبين الإقليميين والدوليين، ستفرض على الإدارة الأمريكية الجديدة بلورة سياساتها الخارجية، خاصة مع روسيا والصين، من جهة، وإيران، من جهة أخرى؛ إذ إنّ الأخيرة تتفاعل بصورة مضطردة في العديد من الأزمات التي تتماس ومصالح الولايات المتحدة، في العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، وغيرها من المناطق.
كما أنّ مشروع طهران النووي الذي يحكم علاقتها التقليدية مع واشنطن، وذلك على ضوء الموقف من إسرائيل، ويحدد بالتبعية درجة الصراع وحدته، ومن ثم، سبل المواجهة، لايزال أمامه سيناريوهات متفاوتة.
اقرأ أيضاً: هل تنقذ سياسة بايدن العراق أم تطلق يد إيران فيه؟
وضعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق صيغة حادة في التعاطي مع إيران، اعتمدت إستراتيجية "الضغط القصوى"، بهدف "تعديل سلوك طهران في المنطقة". ولئنّ تعد العقوبات الأمريكية على إيران أحد الملفات المثيرة التي سيتعين على بايدن التعامل معها، ويتوقع مراقبون أن يخفف من حدتها، فإنّ ترامب، على ما يبدو، يعد خطة لفرض المزيد من العقوبات، وذلك قبل أن يؤدي الرئيس المنتخب، جو بايدن اليمين، في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل، حسبما كشف موقع "أكسيوس" الأميركي، الأحد الماضي، مضيفاً أنّ "مبعوث إدارة ترمب الخاص بإيران إليوت أبرامز، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات، في القدس، لمناقشة خطة العقوبات الجديدة، التي تتصل ببرنامج الصواريخ الباليستية، ودعم إيران للمنظمات الإرهابية، وانتهاكات حقوق الإنسان، حيث تستهدف وضع كافة المعوقات أمام بايدين، لو قرر رفع العقوبات، واتجهت إدارته إلى إعادة الاتفاق النووي، مرة أخرى".
ترامب وبايدن.. الثابت والمتغير
بايدن أعلن خلال الحملة الانتخابية عن الاستعانة بـ"مسار موثوق به للعودة إلى الدبلوماسية مع إيران"، وذلك في حال فوزه بالرئاسة، إضافة إلى العوة للاتفاق المعروف رسمياً باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، غير أنّه، في الوقت ذاته، أكد على مواصلة "استخدام العقوبات الموجهة ضد انتهاكات إيران لحقوق الإنسان، ودعمها للإرهاب، وبرنامج الصواريخ الباليستية".
وإلى ذلك، حظيت الانتخابات الأمريكية بمتابعة هائلة ودقيقة في الصحف الإيرانية، والتي بدورها نقلت ردود الفعل الرسمية، واتجاهات ومواقف النظام والسياسيين الإيرانيين على اختلاف وتباين آرائهم؛ إذ اعتبر الجناح الراديكالي القريب من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، أنّ "العدو غير المقنع قد ذهب، بينما العدو المقنع أتى"، في إشارة إلى عدم وجود ثمة فروقات جوهرية بين بايدن وترامب، في حين نظر التيار المنتمي للرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى نتائج فوز بايدن وخسارة ترامب، بصورة مغايرة، تحمل أفقاً إيجابياً أمامها، يترتب عليه تعديل المواقف المتشددة باتجاه النظام، لاسيما العقوبات الاقتصادية، ورفع حدة التوتر إلى درجاتها القصوى.
الباحث العراقي المتخصص في الشأن الإيراني علي ناجي لـ"حفريات": العلاقات الامريكية الايرانية ستشهد تغييرات كبيرة؛ حيث ستكون رئاسة بايدن بمثابة "شهر العسل" للإيرانيين
وقال روحاني في بيان رسمي، نشر على المنصة الإلكترونية للرئاسة الإيرانية إنّ "سياسة الإدارة الأمريكية المؤذية والخاطئة، في الأعوام الثلاثة الماضية، لم تكن مدانة من قبل الناس في كل أنحاء العالم فحسب، بل أيضاً لقيت معارضة من سكان هذا البلد ( يقصد الولايات المتحدة) في الانتخابات الأخيرة، والآن، ثمة فرصة للإدارة الأميركية المقبلة للتعويض عن أخطائها السابقة، والعودة إلى مسار احترام الالتزامات الدولية".
ما موقف إيران؟
من جهته، غرد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أنّ "العالم يراقب الآن ما إذا كان القادة الجدد سيتخلون عن الأسلوب المدمر وغير القانوني والبلطجي للنظام الراحل، ويختارون التعددية والتعاون واحترام القانون أم لا... العمل هو المهم أكثر من كل شيء آخر".
اقرأ أيضاً: هل ترفض إيران التباحث مع بايدن حول الاتفاق النووي؟
كما قال إسحاق جهانغيري، النائب الأول للرئيس الإيراني حسن روحاني، إنّه يتطلع إلى تغيير "السياسات التخريبية" للولايات المتحدة بعد فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقد غرد على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "أخيراً مع الإعلان عن نتائج الانتخابات الأميركية، يصل عهد ترمب وفريقه المغامر والعدائي إلى نهايته، مضيفاً: "انتهاك المعاهدات الدولية من البيئة إلى الاقتصاد، والعقوبات، غير الإنسانية، ضد الأمة الإيرانية، ودعم الإرهاب والعنصرية، كانت أساس سياسات ترامب، نأمل أن نشهد تغييراً في السياسات التخريبية، وعودة إلى القانون والالتزامات الدولية واحترام الأمم".
وفي حديثه لـ"حفريات"، يشير الباحث العراقي المتخصص في الشأن الإيراني، علي ناجي، إلى أنّ العلاقات الامريكية الايرانية سوف تشهد تغييرات كبيرة؛ حيث ستكون سنوات بايدن في البيت الأبيض بمثابة "شهر العسل" للإيرانيين، حسب تعبيره؛ ومن ثم، ستنخفض حدة التوترات التي وصلت ذروتها مع استهداف قاسم سليماني، وأبي مهدي المهندس، في بغداد، وهو ما لن يتكرر في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة، أو بالأحرى ستكون المواجهات الخشنة مستبعدة، وليست في قائمة أولويات الرئيس الأمريكي، الذي سيتحرى الاعتماد على الشكل الدبلوماسي مع طهران، والعودة لطاولة المفاوضات، كما حدث في عهد أوباما، حتى في ظل التغيرات السياسية والإقليمية القائمة.
اقرأ أيضاً: محاكمة زعيم ميليشيات الحوثي والسفير الإيراني... هل تجد أصداء دولية؟
كما قد تتجه الإدارة الأمريكية الجديدة، بحسب الباحث العراقي، إلى مراجعة سياسة العقوبات الأمريكية المفروضة ضد طهران، وبالتالي، العدول عن سياسة الضغط القصوى التي مارسها ترامب في السابق، وهو الأمر الذي سوف ينعكس على الشارع الإيراني، مضيفاً: "المشكلة الأكبر لدى إيران ستكون بالعراق، من خلال سعي وطموح بايدن لإنشاء حكم فيدرالي، في العراق، وهذا ما يعترض عليه الإيرانيون".
اقرأ أيضاً: قلق أردني من تمدد نفوذ "حزب الله" وإيران في جنوب سوريا
وبحسب ناجي، فإنّ فوز بايدن بالانتخابات الأمريكية لا ينبغي أن يستدعي التفاؤل الكبير، برغم كل الاعتبارات السابقة، في ما يخص العلاقة مع إيران، مهما بدا أنّ سياساته تتجه إلى الانفتاح على الحوار والتفاوض معها؛ إذ إنّ إستراتيجية الإدارة الجديدة لن تتراجع عن موقفها إزاء منع تغول طهران وميلشياتها في المنطقة، لاسيما العراق، على وجه الخصوص، كما لنّ تستطيع الإدارة الأمريكية أن تتجاهل التهديدات التي تمثلها الميلشيات الإيرانية على المصالح الأمريكية، وكذا اعتداءاتها المتكررة على البعثات الدبلوماسية، في المنطقة الخضراء ببغداد، ناهيك عن اعتراف طهران بمخالفة بنود الاتفاق النووي، وإنتاج كميات من اليورانيوم.