باحث فرنسي: بدون الأمم المتحدة سيكون الوضع العالمي أسوأ بكثير

باحث فرنسي: بدون الأمم المتحدة سيكون الوضع العالمي أسوأ بكثير


كاتب ومترجم جزائري
07/10/2020

ترجمة: مدني قصري

عمر الأمم المتحدة 75 عاماً، بالإضافة إلى التجمّع الافتراضي، الذي فرضه فيروس كورونا، فإنّ المنافسات بين دول المنظمة تفسد ما كان سيصبح احتفالاً بالتعددية Multilateralism" " تعددية الأطراف. (1)

 هل منظمة مثل الأمم المتحدة ما يزال لها مكان في عالم اليوم؟ مقابلة مع الباحث الفرنسي باسكال بونيفاس، العالم في الجغرافية السياسية  ومدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (IRIS).

اقرأ أيضاً: هل تتخلى الأمم المتحدة عن جياع اليمن؟

تحتفل الأمم المتحدة بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها، في سياق معيّن مرتبط بفيروس كورونا، لكن إلى جانب الوضع الصحي؛ فإنّ القلب غير مطمئن: "التعددية ليست خياراً، لكنّها ضرورة"، هكذا أشارت المنظمة تمهيداً لأسبوعها السنوي من خطب القادة - الافتراضية. فمنذ بداية العام، في مواجهة الوباء، تصرّفت البلدان بشكل فردي، مع عمليات الحظر وإغلاق الحدود، دون استشارة أو تعاون حقيقي.

التعددية ليست خياراً، لكنّها ضرورة

ما هو مستقبل الأمم المتحدة، في وقت أصبحت المنظمة مشلولة، أكثر فأكثر، بسبب التنافس والعداء الصيني الأمريكي، الذي وصل إلى حدٍّ جعل واشنطن في مواجهة حلفائها الأوروبيين، كما هو الحال في الملف الإيراني؟

هنا تفاصيل الحوار:

هل لمنظمة مثل الأمم المتحدة مكانها في عالم اليوم، بعد 75 عاماً من إنشائها؟ هل ما يزال لها معنى؟

باسكال بونيفاس (IRIS): نحن ننتقد الأمم المتحدة كثيراً، لكنّها تضع الكثير من الزيت في تروس الحياة الدولية؛ فهي ضرورية أكثر من أيّ وقت مضى، لأنّ أزمة فيروس كورونا جاءت كتذكير بأنّه، في عالم معولَم، هناك تضامن إلزامي، إذا أردنا تجنّب الأسوأ، وفي الوقت نفسه؛ لم يسبق لتعددية الأطراف أن وجدت نفسها في أزمة كالتي حدثت هذا العام.

لأنّ الجلسة العامة لاجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة تُعقد عن طريق الفيديو فهي لا تساعد، والتوترات عالية، وهناك تساؤل عام حول تعددية الأطراف، لا سيما من جانب أقوى دولة: الولايات المتحدة.

ما تزال هناك بلدان عديدة لا تملك مفهوم تعددية الأطراف، ويعتقد أصحابها أنّ بإمكانهم الخروج من القاعدة الجماعية، أو أنّه يمكنهم فرض قواعدهم الوطنية على المستوى الجماعي

 أظهر خطاب دونالد ترامب ذلك بوضوح، كما يتسبّب هجومها أيضاً في تشنّج الصين على المستوى نفسه.

إنّ الأمم المتحدة أساسية، فهي تظلّ الإطار الذي يسمح بإجراء المفاوضات، لكن في الوقت نفسه، فإنّ العديد من الدول تتعرض لإغراء متزايد بالسياسات التي تشوبها الأحادية.

هل يمكننا أن نعدّ عملها فعّالاً ومناسباً؟

فيما يتعلق بأهداف الأمم المتحدة لضمان السلام وحماية الحريات والتنمية الاقتصادية، نرى أنّ المقياس ليس كاملاً؛ ما تزال هناك العديد من النزاعات التي لم تنطفئ، والتنمية الاقتصادية ما تزال متفاوتة، وحالة حماية الحريات ليست كاملة، لكنّ الأمور تحسنت مقارنة بما كانت عليه قبل 30 عاماً: نزاع أقل، وتنمية أكثر، وقيود أقلّ على الحرية.

الأمم المتحدة، كمنظمة دولية، ليست مذنبة، لكنّ الذنب يقع على السلطات التي تتكون منها

الأمم المتحدة، كمنظمة دولية، ليست مذنبة، لكنّ الذنب يقع على السلطات التي تتكون منها، لا سيما الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن. يمكننا أن نشير إلى الدول الثلاث التي تستخدم في أغلب الأحيان حقّ النقض: الولايات المتحدة، وروسيا والصين؛ إنها تحمي حلفاءها، خاصة إسرائيل، بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وسوريا بالنسبة إلى روسيا، لمنع أيّ تقدّم حقيقي؛ لذلك فإنّ الأمم المتحدة غير قادرة على حلّ القضية الإسرائيلية الفلسطينية، والمسألة السورية.

إننا نأتي إلى هذا النوع من المواقف عندما لا يستطيع الأعضاء الدائمون الرئيسون التوصّل إلى اتفاق.

بالتالي؛ فقد تعطّل الأداء السليم للأمم المتحدة بسبب النزعة القومية المتزايدة باستمرار عند بعض البلدان والصراعات ما بين الدول، مثل الصراع بين الصين والولايات المتحدة في الوقت الحاضر؟

طبعاً؛ في السابق، كان التنافس السوفييتي الأمريكي هو عامل الانسداد، واليوم نحن أمام التنافس الصيني الأمريكي.

بُنيت الأمم المتحدة على نماذج التفاهم بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، من مبدأ أنّ الحلفاء سيظلون متحدين، لكنّهم، في النهاية، ظلّوا منقسمين بسبب الحرب الباردة، وقد حال الصراع بين الشرق والغرب، دون الأمم المتحدة، في أن تكون فعّالة بشكل كامل.

بعد الحرب الباردة، كان هناك أمل في "النظام العالمي الجديد" الشهير، لكن سرعان ما اعتقدت الولايات المتحدة أنّه من الأفضل الظهور على أنّها المنتصر في الحرب الباردة

بعد الحرب الباردة، كان هناك أمل في "النظام العالمي الجديد" الشهير، لكن سرعان ما اعتقدت الولايات المتحدة أنّه من الأفضل الظهور على أنّها المنتصر في الحرب الباردة، بدلاً من كونها أساس هذا النظام العالمي الجديد. لقد أرادت الولايات المتحدة أن تفرض قانونها، ومن هنا نشأت المسافة بينها وبين روسيا، لقد اعتقدت أنّها لن تواجه منافسين بحجمها، لكنّها لم تفكر في صعود الصين في ذلك الوقت.

عندما نفكر في الأمم المتحدة، فإنّنا نفكر في الجمعية العامة لأعضائها، لكنّ المنظمة تلعب أيضاً دوراً على الأرض، من خلال تمويل البرامج الصحية والإنسانية وبرامج حلّ النزاعات.. في النهاية؛ ألا يوجد في هذا تأثيرها الملموس الأكثر فعالية ؟

بالفعل، هناك كلّ عمل الوساطة هذه: هناك الكثير من النزاعات التي تمّ إيقافها بفضل الأمم المتحدة، لكن يمكننا أيضاً أن نأخذ في الحسبان كلّ النزاعات التي لم يتمّ إطلاقها لأنّ الأمم المتحدة موجودة؛ لأنّها أتاحت الوقاية منها، هذا أمر غير مرئي، لكن كلّ هذا يمثل جزءاً من عمل حفظ السلام هذا.

 لو لم تكن الأمم المتحدة موجودة لكان الوضع أسوأ بكثير. الجمعية العامة كانت افتراضية هذا العام، لكنّها بشكل عام مكان، فهي حيّز لاتصالات غير رسمية ومفاوضات السرية تتيح إمكانية ربط الجسور.

لو لم تكن الأمم المتحدة موجودة لكان الوضع أسوأ بكثير

خارج مجلس الأمن، هناك هيئات تابعة للأمم المتحدة تقوم بعملها، كانت منظمة الصحة العالمية موضع شبهة خلال أزمة "كوفيد -19"، لكن لو لم تكن موجودة لكان الفيروس قد انتشر بقوة أكبر وبسرعة أكبر.

 هذا الشهر، على سبيل المثال، تمكّنت منظمة الصحة العالمية من الإعلان عن القضاء على شلل الأطفال في أفريقيا بفضل سياستها.

هل من مثال على عملٍ قامت به الأمم المتحدة على الأرض، أو في ملفّ دولي، كان له وزن وتأثير؟

كانت هناك نجاحات؛ تفكيك نظام الفصل العنصري هو، إلى حدّ كبير، مهمّة الأمم المتحدة، وفي إنهاء الاستعمار، لعبت الأمم المتحدة أيضاً دوراً رئيساً.

يمكننا أيضاً التحدث عن أهداف التنمية المستدامة، تمّ تحقيق الأهداف الموضوعة عام 2000، وتحققت عام 2015: الحدّ من الفقر، وتحسين التعليم للأطفال، خاصة الفتيات، وقد تمّ تنفيذ هذا على نطاق واسع وناجح، وهو شيء ملموس للغاية.

إنّ الأمم المتحدة هي التي طورت هذه الإستراتيجية وأعطت الزخم، لقد حددت إطاراً  كان بمثابة نجاح.

في رأيك؛ ما هو المستقبل الذي يمكن أن نراه في عالم اليوم بالنسبة إلى التعددية؟

علينا أن نعمل عليها باستمرار؛ تعددية الأطراف ليست خياراً، إنّها ضرورة؛ لا يوجد بديل حقيقي للتعددية في عالم معولم، جميع التحديات الكبرى التي تواجه البشرية تحديات عالمية؛ لذلك نعلم أنّه لا يمكن تقديم الإجابة إلا من خلال الحلول المتعددة الأطراف، وهو الحال أيضاً، على سبيل المثال، بالنسبة لمكافحة الاحتباس الحراري، ومكافحة الأوبئة. من خلال العمل الجماعي يمكننا تحقيق ذلك، لكن ما تزال هناك بلدان عديدة لا تملك هذا المفهوم، ويعتقد أصحابها أنّ بإمكانهم الخروج من القاعدة الجماعية، أو أنّه يمكنهم فرض قواعدهم الوطنية على المستوى الجماعي.

هوامش:

(1) تعددية الأطراف "Multilateralism": مفهوم يستخدم في مجال العلاقات الدولية، يتمّ تعريفه على أنَّه "طريقة تنظيم العلاقات بين الدول"، ويؤدي إلى تعاون ثلاث دول، على الأقل، بهدف وضع قواعد مشتركة.

يتعلق الأمر بشكل أساسي بالشكل المؤسسي لهذه العلاقات (داخل المنظمات الدولية).

(2) باسكال بونيفاس: مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (IRIS)، ومحاضر في معهد الدراسات الأوروبية بجامعة باريس الثامنة، كتب العديد من الكتب حول المسائل الجيوسياسية ونشر مؤخراً "الأطلس الجيوسياسي للعالم الشمولي"، (دار نشر إد. أرماند كولين) مع هوبير فيدرين.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.levif.be


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية