باحثون لـ"حفريات": لن تستعيد أوكرانيا أراضيها ولن يتقدم الروس أكثر

باحثون لـ"حفريات": لن تستعيد أوكرانيا أراضيها ولن يتقدم الروس أكثر

باحثون لـ"حفريات": لن تستعيد أوكرانيا أراضيها ولن يتقدم الروس أكثر


28/02/2023

تعتبر مبادرة السلام التي طرحتها الصين أبرزَ الأحداث التي شهدتها الحرب الروسية - الأوكرانية الغربية، مع اكتمال عامها الأول. وبينما رحبت روسيا بالإعلان الصيني ولو من باب المجاملة الدبلوماسية لحليف إستراتيجي، شكك الغرب في النوايا الصينية. ومن ناحية أوكرانيا رحبت كييف بالنقطة التي تحدثت فيها الصين عن سيادة أراضي الدول.

ويرى الأكاديمي التونسي والباحث في الشؤون الأمريكية - الآسيوية، جلال بن الحاج رحيم، أنّ مبادرة سلام بكين تتلخص في مبدأين أساسيين؛ هما وقف الحرب وانسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية، مقابل حياد أوكرانيا، أي عدم توسع الناتو وضم أوكرانيا له.

وتابع لـ"حفريات"، بأنّ هذا في الواقع هو ما طلبته روسيا قبل الحرب، ورفضته الولايات المتحدة حتى تستدرج بوتين للمستنقع الأوكراني لتُضعف وتهين روسيا، ومن ثمة تنفرد بالصين، وهي التحدي الإستراتيجي الحقيقي لواشنطن. ولهذا السبب لا يرى الأكاديمي التونسي حظوظاً كبيرةً لمبادرة السلام الصينية، والتي لن تقبل بها واشنطن؛ حتى لا تمنح بكين مكسباً دبلوماسياً وسياسياً يتمثل في وساطة ناجحة  لإنهاء حرب بالوكالة خططت لها واشنطن، لتكون طويلة ومعقدة استنزافية لروسيا.

وبحلول 24 شباط (فبراير) أنهى الغزو الروسي لأوكرانيا عامه الأول، دون تحقيق الأهداف التي حددتها موسكو من الحرب، رغم تعديلها مرة ثانية؛ لتصبح بدلاً من تغيير النظام الحاكم في كييف بآخر موالٍ لها، إلى السيطرة على المقاطعات الأربع التي ضمتها؛ دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا.

واقع الحرب بعد عام

يقول الباحث في العلاقات الدولية والتاريخ، أحمد دهشان، بأنّ كلا الطرفين استنزفا من الناحية العسكرية؛ عدد قتلى وجرحى كبير، واستنزاف في الذخائر والمخزونات. وأضاف لـ"حفريات" بأنّ مخزونات روسيا من الحقبة السوفيتية قاربت على النفاد، ولهذا لجأت إلى كوريا الشمالية وإيران، في ظل تأثر  المجمع الصناعي الروسي بالعقوبات الغربية، لكن تدخر روسيا مخزونات تحسباً لأي مواجهة أكبر.

د. جلال بن الحاج رحيم: الحرب تحولت إلى ما يشبه الكر والفر

ولفت الباحث المقيم في موسكو، إلى أنّ لدى روسيا مشكلة منذ الحقبة السوفيتية؛ وهي التركيز على الصناعات الثقيلة جداً، بينما الصناعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر التي تخدم على تلك الصناعات الثقيلة متخلفة تكنولوجياً وغير موجودة، والمنفذ الوحيد هو الصين التي ما تزال مترددة، وغير مستعدة لتزويد موسكو بالرقائق. وبخصوص الغرب، يقول دهشان، بأنّ جزءاً كبيراً من مخزونات الغرب العسكرية استنفد هو الآخر. 

من جانبه، أضاف الأكاديمي جلال بن الحاج رحيم، بأنّ الحرب تحولت إلى ما يشبه الكر والفر، وبات الطرفان يناوران في نفس الأماكن، في شرق وجنوب أوكرانيا، بعيداً جداً عما حققه الجيش الروسي في الـ 72 الأولى من الغزو، بعد أنّ وصل إلى مشارف كييف.

الحرب الحالية تتم بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، بعد أن نجحت الأولى في توريط موسكو في حرب لم تكن مدركة لأبعادها، ومن المؤكد أنّها ستكون طويلة الأمد

وشدد الأكاديمي التونسي، على أنّه منذ ذلك الانسحاب المذل للجيش الروسي اتضح أنه يعاني من عديد المشاكل اللوجيستية والتموينية والإمداد والتجهيزات، حتى إنّ كثيراً من المصادر تتحدث عن افتقار الجنود الروس لأبسط المعدات الحربية.

وفي سياق العمليات الحربية، يردد كثير من مسؤولي الطرفين والمراقبين بأنّ الربيع المقبل سيشهد معارك واسعة من الروس والأوكرانيين، وفي ظل ذلك يزيد الغرب وخصوصاً واشنطن من الدعم العسكري لكييف، بينما تحشد روسيا قواتها وتستميت للسيطرة على مدينة باخموت.

ولا يتوقع الباحث دهشان، وقوع هجمات واسعة في الربيع، ويعلل ذلك، بأنّ الحرب لم تتوقف في جبهات القتال، ولم تشهد أحداثاً فارقة لأنّ الطرفين غير قادرين على إحداث خرق عسكري كبير.

ويتفق مع هذا الرأي الأكاديمي جلال بن الحاج رحيم، ويرى أنّه بالرغم مما يدور من حديث عن التحضيرات العسكرية استعداداً للتوسع في الربيع، فلن تتمكن كييف من استعادة أراضيها، ولن يتقدم الروس أكثر مما هو الآن، حتى لو سيطروا على باخموت.

حرب طويلة الأمد

ورغم التباين بين الولايات المتحدة وأوروبا حيال مفاوضات السلام، إلا أنّ القرار يبقى بيد واشنطن، التي تعتبر الأقل تأثراً بتبعات الحرب، بخلاف جميع الأطراف.

وجاءت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن رداً على المبادرة الصينية التي وصفها بأنّها تخدم روسيا، لتؤكد على أنّ الحرب مستمرة، ولا آمل في انفراجة قريباً، خصوصاً أنّ الوضع الميداني ليس في صالح أي من طرفي الصراع.

في ذلك، يقول الباحث المقيم في موسكو، أحمد دهشان، بأنّ الوضع الحالي مثالي للغاية للغرب؛ أوكرانيا غير قادرة على حسم نهائي بما قد يدفع روسيا إلى مواجهة أكبر، وفي نفس الوقت قادرة على وقف تقدم الروس، وحشرهم في منطقة الشرق واستنزافهم.

أحمد دهشان: أي تقدم كبير لموسكو يعني هزيمة كبيرة للغرب

ولهذا يتوقع دهشان أنّ يستمر الصراع لفترة طويلة، وربما تحدث بعض الاختراقات لخدمة أغراض سياسية، مثل الانتخابات الرئاسية في روسيا والولايات المتحدة، لكن حدوث تغيير ضخم أو حدث يغير الموازين لا يبدو متاحاً. وشدد دهشان على أنّ الغرب لن يسمح بذلك، بعد دخوله بثقله في المعركة، حيث أي تقدم كبير لموسكو يعني هزيمة كبيرة للغرب الجماعي والناتو وحلفائهم من كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا.

وفي موسكو تتردد التصريحات الرسمية التي ترى الغرب يعمل على محو روسيا من الوجود. وتطالب موسكو بالاعتراف بمكتسباتها الميدانية كشرط للدخول في مفاوضات سلام، وهو الأمر الذي ترفضه أوكرانيا والغرب.

ويرى الباحث في الشؤون الأمريكية - الآسيوية، جلال بن الحاج رحيم، بأنّ الحرب الحالية هي حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، بعد أن نجحت الأولى في توريط موسكو في حرب لم تكن مستعدة ومدركة لأبعادها، ولهذا فمن المؤكد أنّها ستكون طويلة الأمد بهدف استنزاف الروس.

ونوه بأنّ حروب الوكالة تكون طويلة الأمد ومتداخلة، وهي عبارة عن حرب عالمية باردة بين قوى عظمى، ولهذا لا يملك أي من الطرفين خيار التنازل لتحقيق السلام.

المكاسب والخسائر

وبعد عام من الحرب بما خلفته من تبعات اقتصادية طالت جميع دول العالم، لا يبدو أي من الأطراف قد حقق مكاسب ملموسة، سوى الولايات المتحدة التي أعادت هيمنتها على أوروبا، ونجحت في توريط روسيا وعزلها عن العالم. وكان المفكر والفيلسوف الروسي إلكسندر دوغين تحدث عن أنّ الوضع الحالي يشبه المرحلة الانتقالية في سبيل عالم متعدد الأقطاب، شريطة تحقيق روسيا نصراً، يمنع الأزمة من الارتداد إلى الداخل وإحداث فوضى كبيرة.

الأكاديمي  التونسي جلال بن الحاج رحيم لـ"حفريات": أنّ السيناريو المرجح لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية شبيه بالحرب الكورية منتصف القرن الماضي وسيتخذ شكل هدنة رسمية أو غير رسمية

وبدايةً بروسيا، يقول الباحث أحمد دهشان، بأنّ ما وصلت إليه الحرب مفيد للرئيس بوتين داخلياً؛ لأنه يعبىء الدولة والمجتمع، ويرسخ قدرة الكرملين وقوته، من زاوية أنّ الغرب الجماعي متحد خلف أوكرانيا لتدمير روسيا. وأشار دهشان إلى أنّ كل هذه الدعايات تدفع الروس لمزيد من الدعم لبوتين وبقائه، ورفض فكرة التغيير السياسي، رغم الإدراك بوجود مشاكل كبيرة في نظام الحكم.

وأفاد بأنّ الهدف الروسي إجبار الغرب على تفاهمات جديدة لإعادة النظر في العلاقات بين الطرفين، ودمج روسيا في المنظومة الغربية بشكل أكبر، وعلى قدم المساواة من وجهة نظر موسكو. وكان الفيلسوف دوغين تحدث عن ذلك الهدف باعتباره رؤية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وانتقد دوغين تلك الرؤية، مؤكداً أنّها أدت إلى أخطاء إستراتيجية كبيرة للكرملين، ومشدداً على ضرورة اعتبار الغرب عدو لروسيا، التي يراها غير غربية، بل أوراسية.

انتقد إلكسندر دوغين تمسك بوتين بأنّ روسيا جزء من الغرب

وبخصوص أوكرانيا التي تعرضت لدمار واسع في بنيتها التحتية واقتصادها، إلى حد التحذير من أنّها لن تعود دولة واحدة جراء ذلك، يرى دهشان أنّ النخب الحالية في كييف مستفيدة من هذا الصراع؛ بدونه لا دعم ولا تسليط أضواء غربي، وهؤلاء تعودوا على هذا الوضع.

أما عن أوروبا، فيذهب دهشان إلى أنّها الطرف الأكثر تضرراً؛ في ظل اعتقاد البعض بوجود مخطط أمريكي واعي للسيطرة على القرار الأوروبي تهميداً لحشدها ضد الصين. وحققت واشنطن مكتسبات كبيرة منها إعادة إحياء الناتو، وتوسعه بالانضمام المرتقب لفنلندا والسويد، والقضاء على هامش استقلال القرار الأوروبي.

وبسؤاله حول الكيفية المتوقع أنّ تنتهي بها الحرب الروسية الأوكرانية، يرى الأكاديمي جلال بن الحاج رحيم، أنّ السيناريو المرجح هو وضع شبيه بالحرب الكورية في منتصف القرن الماضي. وأوضح أنّ ذلك سيتخذ شكل هدنة رسمية أو غير رسمية، معلنة أو غير معلنة، عند خطوط التماس الحالية تقريباً، سواء تغيرت مواقع السيطرة أم لا؛ الصراع سيظل يراوح مكانه.

وشدد على أنّ كل حرب في التاريخ يجب أن تنتهي على طاولة المفاوضات، وكل الأطراف خاسرة؛ الفرق بين من يخسر أو يفوز هو من يفوز يخسر أقل من الطرف الذي خسر الحرب.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية