بأي ذنب اغتالت إيران الناشطة والطبيبة العراقية ريهام يعقوب؟

بأي ذنب اغتالت إيران الناشطة والطبيبة العراقية ريهام يعقوب؟


27/08/2020

في ظلّ الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية والحقوقية التي يشهدها العراق، منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2018، والتي تتوجه بالأساس ضدّ فساد بعض الأطراف السياسية الحليفة لقوى إقليمية، يتعرض الناشطون في الحراك المجتمعي لموجات متفاوتة من القمع والاغتيال، إضافة إلى حملات تشويه عنيفة، ووصم بالعمالة والتخريب لحساب جهات أجنبية، الأمر الذي تتبنى تنفيذه التنظيمات الميليشياوية، التابعة لإيران، التي تعمد إلى فرض السيطرة والنفوذ على مفاصل الدولة، وتفكيكها لحساب أدوارها المحلية، وتبعيتها الخارجية.

إيران تحرّض وتقتل

لا يعدو اغتيال الناشطة والطبيبة العراقية، ريهام يعقوب، قبل أيام قليلة، في البصرة، أمراً استثنائياً، أو حادثة عشوائية، لكنّه يعكس سياسة وحملة ممنهجة، تتحرى استهداف وتصفية الناشطين المعارضين، في المدينة الواقعة جنوب العراق، كما في غيرها، وهو ما يلاحَظ على مستويين، في وقائع سابقة مماثلة؛ تتمثّل إحداهما في تكرار تلك الوقائع وتراكمها، مثلما جرى مع المراسل الصحفي، أحمد عبد الصمد، وحسين العابدي وزوجته، وكذا الصحفي المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، هاشم الهاشمي.

 سياسة وحملة ممنهجة لاستهداف وتصفية الناشطين المعارضين

والأخرى؛ وجود حملات إعلامية إيرانية تحريضية، تسبق حوادث التصفية الجسدية، تعمد إلى وصم المعارضين لسياسات طهران في العراق بالعمالة الخارجية، لا سيما الولايات المتحدة، كما حدث مع الناشطة العراقية قبل اغتيالها؛ حيث ورد اسمها ضمن تقرير صحفي في وكالة "مهر" الإيرانية، شبه الرسمية، وذلك ضمن أسماء آخرين من الناشطين المدنيين العراقيين، وقد اتهمتهم مباشرة بالعمل لحساب القنصلية الأمريكية، في البصرة.

اقرأ أيضاً: العراق.. "الفساد لا يزال مستشريا" والوباء زاد نسبة الفقر 10 بالمئة

وجاء في التقرير المنشور للوكالة الإيرانية: "عكست أعمال الشغب التي سيطرت على تظاهرات مدينة البصرة العراقية، وجود شبكة أمريكية الصنع تستهدف مكانة إيران في المنطقة، وتسعى إلى تقسيم الشرق الأوسط، لا سيما العراق. ووفقاً للمعطيات المتاحة؛ فإنّ الحرب الناعمة ضدّ الشعوب في الشرق الأوسط تدار الآن من قبل السفير الأمريكي في العراق، دوغلاس سيليمان".

الناشطة العراقية ليست الأولى

ولفت موقع "واير" الإيراني المعارض، مقره لندن، إلى أنّ وسائل الإعلام الإيرانية تنشط في عملية التحريض ضدّ النشطاء العراقيين، كما فعلت وكالة أنباء "مهر"، والأخيرة اتّهمت ثلاثة نشطاء مدنيين، من بينهم الناشطة والطبيبة، ريهام يعقوب، ومصمم الجرافيك، هشام أحمد، والمدوّن العراقي، علي نجيم، بأنّهم على تواصل مع السفارة الأمريكية داخل العراق، وتستخدمهم الأخيرة في حشد المحتجين ضدّ إيران، ووكلائها في بغداد.

تزامن مع زيارة الكاظمي لواشنطن وقوع حادثة اغتيال الناشطة العراقية، الأمر الذي ترتّب عليه صدور قرار بإقالة قائد شرطة البصرة، وعدد من مدراء الأمن

كما كشف الموقع ذاته؛ أنّ الميليشيات التابعة لإيران في العراق، تقوم بإعداد قوائم اغتيالات، حسبما ذكر، تتضمّن أسماء الناشطين في الاحتجاجات، وتضمّ 70 شخصاً، على الأقل، كما حدث مع الناشطة العراقية، وقبلها بأيام قليلة، تعرّض ناشط آخر للاغتيال، بينما نجا اثنان من محاولات قتلهما في الفترة ذاتها.

بيد أنّ عدداً قليلاً من المشاركين في الحراك، تمكنوا من الهرب خارج مدينة البصرة، خشية تعقّبهم وملاحقتهم.

يعدّ اغتيال الناشطة العراقية، واستهداف آخرين، جزءاً من حالة الانحسار والضغط التي تقع تحت وطأتها المصالح الإيرانية في العراق، مؤخراً، إثر التحركات الخارجية لرئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، الذي يخطو باتجاه فضّ سيطرة طهران وميلشياتها، الميدانية والسياسية، عن العراق، والتي امتدت لأعوام، إضافة إلى تحرير الدولة ومؤسساتها من قبضتها الثقيلة، وإلغاء حالة التبعية المريرة، وذلك عبر توسيع مصادر علاقاته مع شركاء إقليميين، داخل محيطه السياسي الحيوي، مثل مصر ودول الخليج، وكذا الولايات المتحدة.

هل يتحرّر العراق من سلطة الميليشيات؟

في منتصف الشهر الجاري؛ زار رئيس الوزراء العراقي الولايات المتحدة، وكانت الزيارة الأولى منذ توليه السلطة؛ حيث ناقش عدة ملفات، من بينها، وضع القوات الأمريكية في بغداد، والمساعدات العسكرية الأمريكية، فضلاً عن الوجود الإيراني، وبقايا التنظيمات الإرهابية، مثل داعش.

وأعقب الزيارة الأخيرة الإعلان عن انعقاد قمة ثلاثية بين بغداد وعمّان والقاهرة؛ إذ قال الناطق الرسمي بلسان الرئاسة المصرية، بسام راضي، إنّ مشاركة الرئيس السيسي تأتي في إطار مسار آلية التعاون بين الدول الثلاث، والتي انطلقت جولتها الأولى في القاهرة، في آذار (مارس) 2019.

اقرأ أيضاً: اغتيال ريهام يعقوب.. لماذا تستهدف إيران النشطاء العراقيين؟

وأضاف: "تهدف قمّة عمّان البناء على ما تحقق خلال القمتين السابقتين في كلّ من القاهرة ونيويورك، وتقييم ومتابعة خطوات التطور في مختلف مجالات التعاون، الاقتصادي والتجاري والاستثماري، بين مصر والأردن والعراق، وذلك في إطار آلية التعاون الثلاثي، إضافة إلى تعزيز التشاور السياسي والأمني بينهم حول سبل التصدي للتحديات الإقليمية، غير المسبوقة، التي تواجه منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي".

كما صرّح السفير العراقي في الرياض، قحطان الجنابي، بأنّه ثمة زيارة قريبة ومرتقبة للكاظمي إلى المملكة العربية السعودية، موضحاً أنّ "السفارة العراقية في الرياض على تواصل مع الخارجية السعودية لتحديد الموعد النهائي لهذه الزيارة، وهناك حرص من الطرفين على إنجاحها والمضي قدماً في تطوير العلاقات".

وتابع: "هناك توجه بين حكومتَي العراق والسعودية على أن تكون العلاقة بينهما إستراتيجية وقوية ومتينة، ولذلك كانت أول زيارة لمسؤول عراقي من الحكومة الحالية لوزير المالية، علي عبد الأمير علاوي، نائب رئيس الوزراء".

الكاظمي بين رسائل الموت والرصاص

وتزامن مع زيارة الكاظمي لواشنطن وقوع حادثة اغتيال الناشطة العراقية، الأمر الذي ترتب عليه صدور قرار بإقالة قائد شرطة البصرة، وعدد من مدراء الأمن، وغرّد رئيس الوزراء العراقي من واشنطن، عبر حسابه الرسمي، في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "سنقوم بكلّ ما يلزم لتضطلع القوى الأمنية بواجباتها؛ فالتواطؤ مع القتلة أو الخضوع لتهديداتهم مرفوض، وسنقوم بكل ما يلزم لتقوم أجهزة وزارة الداخلية والأمن بمهمة حماية أمن المجتمع من تهديدات الخارجين على القانون".

وإلى ذلك، تصاعدت الاحتجاجات العراقية ضدّ عدد من مواقع الميلشيات الإيرانية؛ إذ أحرق المتظاهرون بعض المقار الحزبية التابعة لإيران، وميلشياتها، وهدم بعضها الآخر، في مدينة الناصرية، جنوب العراق، ومن بينها، حزب الدعوة، الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، وتيار الحكمة، برئاسة عمار الحكيم، ومنظمة بدر، التابعة لهادي العامري، ومقرّ عصائب أهل الحقّ، بزعامة قيس الخزعلي.

الصحفي العراقي علي ناجي لـ"حفريات": عمليات الاغتيالات في العراق تحوّلت إلى ظاهرة وليست مجرد حالة فردية؛ وبدأت بصورة مبكرة في البلد، بالتزامن مع خروج المظاهرات والاحتجاجات

وفي محاولة لتهدئة الأوضاع الاحتجاجية بين المواطنين، قال الناطق الرسمي بلسان وزارة الداخلية، اللواء خالد المحنا: إنّ "القوات الأمنية تعمل في اتجاهين؛ الأول يتمثل في ضرورة تعقب الجناة، وتقديمهم للعدالة في أقرب وقت، وقد حصل تنسيق بين الأجهزة التحقيقية الاستخبارية في المحافظة، وتوحيد جهودها من أجل هذا الهدف".

والاتجاه الثاني، بحسب المصدر ذاته؛ يتمثّل في دعم الأجهزة الأمنية داخل المحافظة بواسطة جملة من القرارات، من ضمنها عدم السماح للداراجات النارية، التي لا تحمل لوحات رقمية بالمرور في المحافظة، وكذا منع السيارات المظللة، والسيارات الحكومية التي لا تحمل تصريحاً بالحركة أو السير، ومن ثم، تنفيذ جميع أوامر القبض غير المنفذة في المحافظة، ودعم المديريات المهمة، مثل مكافحة المخدرات والجريمة".

الدولة العراقية في مخاض صعب

وفي حديثه لـ "حفريات"؛ يصف الصحفي والباحث العراقي، علي ناجي، عمليات الاغتيالات في العراق، بأنّها تحوّلت إلى ظاهرة وليست مجرد حالة فردية؛ إذ إنّها بدأت بصورة مبكرة في البلد، بالتزامن مع خروج المظاهرات والاحتجاجات، كما سبقتها عمليات اختطاف لعدد غير قليل من الناشطين والمحتجين من قلب ساحات التظاهر، من خلال العناصر الأمنية التابعة للأحزاب السياسية، بيد أنّه، خلال الأشهر الماضية، تكرّرت حوادث الاغتيال، ما يعدّ استهدافاً مباشراً من تنظيمات مسلحة معروفة لدى الجميع، سلاحها أقوى من سلاح الدولة.

اقرأ أيضاً: شبع إيران بجوع العراق.. والمياه جزء من سرقة إيرانية موصوفة

ويضيف ناجي: "تلك التنظيمات والفصائل المسلحة، تارة هي جزء من منظومة القوات الأمنية، بسبب حصول بعضها على ترخيص من الأجهزة الأمنية والعسكرية بحمل السلاح، في فترة سياسية معينة، شهدت اضطرابات عنيفة، وعدم استقرار، وتارة أخرى تلعب دور الميليشيات الخارجة عن القانون، بما يعكس حالة انفلات وسيولة أمنية، كما حدث في البصرة، مؤخراً، لا سيما وقوع ستّ محاولات اغتيال.

وتعدّ البصرة مركزاً اقتصادياً مهماً وحيوياً للعراق، الأمر الذي يجعل تصاعد دور الميليشيات في المدينة الغنية بالنفط مقصوداً، بهدف إخماد تلك التظاهرات وقمعها بالقوة، حسبما يوضح الصحفي والباحث العراقي، غير أنّه يلمح إلى ضعف الحكومة العراقية، حتى الآن، في تجميد ووقف تلك الفصائل المسلحة التي تستهدف قتل المتظاهرين، بينما ينحصر دورها في مجرد تشكيل لجان تحقيق، ليس بمقدورها الوقوف على الأسباب السياسية الحقيقية، كما يتوقع أن تتجدّد موجة الاغتيالات حتى إجراء الانتخابات العراقية، المزمع عقدها في منتصف العام المقبل.

اقرأ أيضاً: "حزب الله" العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

يتفق والرأي ذاته، الصحفي والمترجم العراقي، حسن حبيب، الذي يرى أنّ الاغتيالات في العراق، بغضّ النظر عن المتسبّب فيها، فإنّها دليل على هشاشة مؤسسات الدولة وضعف قوتها الرادعة، مضيفاً لـ "حفريات": "نحن أمام كارثتين؛ إذا كانت أجهزة الأمن والمخابرات لا تستطيع ردع ممارسة الجريمة ذات الغطاء السياسي، فهذه كارثة، أما إذا كانت هذه الأجهزة تمثل طرفاً مساهماً في هذه الاغتيالات، فهذه الطامة الكبرى".

اقرأ أيضاً: ميليشيات إيران تغرق الجنوب العراقي بتجارة البشر والمخدرات

قضت حركة الاحتجاج العراقية، في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، على ما تبقى من علاقة هشّة بين المواطن العراقي والدولة، بحسب حبيب؛ إذ إنّ عمليات الاغتيال الراهنة ما هي إلا رصاصات في جسد المواطن العراقي، الذي لم يعد يثق بأيّ طرف من أطراف السلطة، بيد أنّ بعض أطراف السلطة ما تزال تحاول الحفاظ على نسبة معينة من الجمهور المؤيد لها، من خلال المال السياسي، والتحشيد الديني المؤدلج، والإعلام المسيس.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية