انقلاب الغابون يقطع الحبل السري بين فرنسا ومستعمراتها في الساحل والصحراء

انقلاب الغابون يقطع الحبل السري بين فرنسا ومستعمراتها في الساحل والصحراء

انقلاب الغابون يقطع الحبل السري بين فرنسا ومستعمراتها في الساحل والصحراء


03/09/2023

في 30 آب (أغسطس) الماضي أعلن ضباط عسكريون في الغابون الاستيلاء على السلطة، ووضع الرئيس علي بونغو قيد الإقامة الجبرية، وذلك في أعقاب إعلان اللجنة الانتخابية في البلاد فوز بونغو بولاية ثالثة.

وكانت هيئة الانتخابات قد أعلنت قبيل الانقلاب فوز بونغو في الانتخابات بنسبة 64.27% من الأصوات، وقالت: إنّ منافسه الرئيسي ألبرت أوندو أوسا حصل على 30.77%.

الانتخابات الرئاسية اتسمت بالمخالفات الفجة، وشهدت قطع الإنترنت في البلاد، وانتهى المشهد باقتحام ضباط من الجيش مبنى التلفزيون الحكومي يوم الأربعاء الماضي، وقالوا إنّهم أصبحوا مسؤولين الآن عن السلطة، وأعلنوا إلغاء النتائج الانتخابية، وحل الدستور، وإغلاق الحدود. ودوت أصوات إطلاق النار في شوارع العاصمة ليبرفيل، مع إعلان الجيش نهاية (5) عقود من حكم عائلة بونغو.

وبحسب وكالة (رويتر) للأنباء، اتفق الجنرالات بالإجماع على تعيين الجنرال بريس أوليغي نغويما، الرئيس السابق للحرس الرئاسي، رئيساً للبلاد، واحتجاز الرئيس السابق وعائلته.

ومن موقع احتجازه في مقر إقامته ناشد الرئيس المخلوع علي بونغو، في بيان عبر مقطع فيديو، الأصدقاء بمساعدته في محنته. وأضاف: "أنا موجود في مقر إقامتي، ولا أدري ماذا يحدث، وابني محتجز في مكان ما، وزوجتي مفقودة".

من جهة أخرى، احتفل مئات الأشخاص في شوارع العاصمة الغابونية ليبرفيل بتدخل الجيش، في حين أدانت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وفرنسا ما وصفته بالانقلاب.

تصاعد وتيرة الانقلابات

انقلاب الغابون هو الثامن في غرب ووسط أفريقيا منذ العام 2020، والثاني توالياً بعد انقلاب النيجر، حيث استولى العسكريون على السلطة في مالي، وغينيا، وبوركينا فاسو، وتشاد.

أعلن ضباط عسكريون في الغابون الاستيلاء على السلطة

وتولى الرئيس بونغو السلطة في العام 2009، بعد وفاة والده عمر الذي حكم البلاد منذ العام 1967. وهيمنت الأسرة الحاكمة على ثروات البلاد، من النفط والتعدين، بينما يعيش أغلب شعب الغابون البالغ عدد سكانها (2.3) مليون نسمة في ظروف معيشية صعبة.

وعلى عكس النيجر ودول الساحل الأخرى، فإنّ الغابون، التي تقع إلى الجنوب على ساحل المحيط الأطلسي، لم تواجه خطر الإرهاب الإسلاموي، لكنّ البلاد شهدت اضطرابات عنيفة بعد فوز بونغو المتنازع عليه في انتخابات العام 2016، وكانت هناك محاولة انقلاب فاشلة في العام 2019.

أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والاتحاد الأفريقي، ما وصفوه بالانقلاب، ودعوا الجيش إلى ضمان سلامة بونغو وأسرته.

قادة الانقلاب أعلنوا تأسيس لجنة الانتقال واستعادة المؤسسات، وأكدوا أنّ البلاد تواجه "أزمة مؤسسية وسياسية واقتصادية واجتماعية حادة"، وأنّ الانتخابات التي تمت في 26 آب (أغسطس) الماضي لم تجر بشفافية. وأعلنوا عن اعتقال نجل الرئيس نور الدين بونغو فالنتين، و(6) آخرين بتهمة الفساد والخيانة.

من جهته، قال الرئيس النيجيري بولا تينوبو، الرئيس الحالي لمجموعة إيكواس: إنّ "عدوى الاستبداد" تنتشر في جميع أنحاء أفريقيا. وأعلن أنّه يعمل بشكل وثيق مع الزعماء الأفارقة الآخرين لبحث كيفية الردّ على انقلاب الغابون.

وأدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والاتحاد الأفريقي، ما وصفوه بالانقلاب، ودعوا الجيش إلى ضمان سلامة بونغو وأسرته، في حين قالت الصين وروسيا إنّهما تأملان في العودة سريعاً إلى الاستقرار، وقالت الولايات المتحدة إنّ الوضع مقلق للغاية.

فرنسا تبحث عن موضع قدم

كانت الغابون إحدى أهم المستعمرات الفرنسية في منطقة الساحل، وعندما أطاح الجيش الغابوني بالرئيس ليون مبا، في العام 1964، سارع الرئيس الفرنسي، آنذاك، شارل ديجول إلى التحرك، وأرسل على الفور قوات فرنسية لإعادة مبا إلى السلطة.

وبفضل المخزون الهائل لخام الحديد وغيره من الموارد المعدنية الحيوية، أصبحت الغابون بعد الاستقلال بمثابة "الجوهرة" في تاج المستعمرة الفرنسية السابقة، بحسب تعبير شبكة (سي إن إن) الأمريكية، وكان شارل ديغول حريصاً على حماية مصالح فرنسا هناك.

ظلّت المستعمرات السابقة لفرنسا تقوم بوظيفة الحبل السري لتغذية باريس بما تحتاج إليه من نفط ومعادن نفسية، حتى باتت فرنسا تمتلك احتياطيات هائلة من معادن غير موجودة في أراضيها

والآن تواجه فرنسا انقلاباً جديداً ضد مصالحها في الغابون، لكنّها تفتقر إلى القوة اللازمة للتحرك من أجل إعادة حلفائها، وكذلك فإنّ السياق التاريخي اختلف تماماً، بعد مرور ما يقرب من (60) عاماً.

في أعقاب الانقلاب، قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن: إنّ فرنسا تراقب الانقلاب في الجابون "بأقصى قدر من الاهتمام". وأعلن أوليفييه فيران، المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، إدانة بلاده للانقلاب العسكري، مطالباً بإجراء انتخابات حرة وشفافة.

ولفرنسا نحو (350) جندياً في إحدى القواعد العسكرية في الغابون، بينما تمّ طرد قواتها من مالي وبوركينا فاسو بعد انقلابات ممثالة في العامين الماضيين، في حين طلبت سلطة الانقلاب في النيجر من فرنسا ترحيل قواتها فوراً من نيامي.

شركة التعدين الفرنسية إيراميت، التي تعمل في مجال تعدين المنغنيز في الغابون، قالت إنّها أوقفت عملياتها هناك. وتنتج الغابون نحو (200) ألف برميل من النفط يومياً، ومن بين الشركات العالمية التي تعمل في مجال النفط هناك شركة توتال إنيرجي الفرنسية، وشركة بيرينكو الأنجلو-فرنسية.

قطع الحبل السري

ظلّت المستعمرات السابقة لفرنسا تقوم بوظيفة الحبل السري لتغذية باريس بما تحتاج إليه من نفط ومعادن نفيسة، حتى باتت فرنسا تمتلك احتياطيات هائلة من معادن غير موجودة في أراضيها.

وحتى الآن، وخلال (3) أعوام فقط سقطت (8) مستعمرات فرنسية سابقة في غرب ووسط أفريقيا في أيدي قادة عسكريين لا يكنون مشاعر الودّ تجاه باريس، فقد طردت مالي القوات الفرنسية من أراضيها، وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع باريس، كما قامت بتغيير اللغة الرسمية من الفرنسية لصالح اللغات الوطنية المالية، وفي السنغال  تعرضت المصالح التجارية الفرنسية للهجوم.

وتزايدت وتيرة الاحتجاجات ضدّ الوجود الفرنسي في الساحل، وبات الغاضبون يهاجمون الشركات الفرنسية التي تمثل بالنسبة إليهم واجهة للاستعمار الفرنسي الجديد.

كانت الغابون إحدى أهم المستعمرات الفرنسية في منطقة الساحل

ويمكن القول إنّ انقلاب الغابون سلّط الضوء مرة أخرى على علاقات فرنسا المختلة مع مستعمراتها السابقة في أفريقيا، ممّا أدى في نهاية الأمر إلى تآكل الحكم الديمقراطي، وانتشار الانقلابات العسكرية، بالتزامن مع تزايد مشاعر الكراهية تجاه فرنسا، وهو أمر ترجعه تقارير أمريكية إلى حدوث تحول في الوعي السياسي الأفريقي، والذي تحركه إلى حد كبير التركيبة السكانية الشبابية في القارة، التي تمتلك جملة من المشاعر المناهضة لفرنسا، والتي تسبب في حدوثها الاستغلال الاقتصادي الذي مارسته باريس على مدار عقود. فعلى سبيل المثال يتعين على البلدان التي تستخدم الفرنك الأفريقي (14 دولة في غرب ووسط أفريقيا) أن تقوم بتخزين 50% من احتياطياتها من العملات لدى بنك فرنسا، وتكون العملة مرتبطة باليورو. وبحسب (سي إن إن)، يُنظر إلى هذه الودائع الإلزامية على أنّها بقايا الجزية الاستعمارية.

يتعين على البلدان التي تستخدم الفرنك الأفريقي (14 دولة في غرب ووسط أفريقيا)  أن تقوم بتخزين 50% من احتياطياتها من العملات لدى بنك فرنسا.

وبينما تؤكد باريس أنّ هذا النظام يعزز الاستقرار الاقتصادي، يقول آخرون إنّه يسمح لفرنسا بممارسة السيطرة على اقتصاد الدول التي تستخدم الفرنك. وقد طالب الخبير الاقتصادي السنغالي ندونغو سامبا سيلا بإلغاء الفرنك الأفريقي قائلاً: "بالنسبة إلى أولئك الذين يأملون في تصدير منتجات تنافسية، أو الحصول على ائتمان بأسعار معقولة، أو العمل من أجل تكامل التجارة القارية، أو النضال من أجل أفريقيا خالية من السيطرة الإمبريالية، فإنّ فرنك الاتحاد المالي الأفريقي يمثل مفارقة تاريخية تتطلب الإلغاء المنظم والمنهجي"، بحسب (سي إن إن).

مواضيع ذات صلة:

عودة العنف: هل تتجه تشاد إلى صراع أهلي مسلح أم انقلاب عسكري؟

أيادي الخير الإماراتية تمتد إلى مناطق تشادية جديدة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية