لم تمر أيام قليلة على رفع واشنطن للحوثيين من قائمة الكيانات الإرهابية، حتى شنّ الحوثي أكبر هجوم منذ بداية الصراع على محافظة مأرب الإستراتيجية، وكأنّ خطوة واشنطن كانت ضوءاً أخضر له لتعزيز مكاسبه الميدانية، قبيل الجلوس على مائدة المفاوضات.
وتعدّ الحرب في مأرب بمثابة رهان على مستقبل الشمال اليمني، فإذا نجح الحوثي في السيطرة عليها، بما تحويه من ثروات نفط وغاز كبيرة، فمن المرجح أن يقبل بالمفاوضات بهدف تحصين مكاسبه، في الوقت الذي ستزداد فيه حدة الانقسامات بين بقية المكوّنات اليمنية، خاصة الإصلاح والانتقالي والساحل الغربي.
وجه مراقبون انتقادات لاذعة إلى الإخوان المسلمين بعد انكشاف ضعف جبهة مأرب مع بداية الهجوم الحوثي، نتيجة استنزاف الجيش في معارك عدة
وإذا نجحت قوات الشرعية في صدّ عدوان الحوثي، فستكون دفعة قوية لشنّ هجوم عكسي على مناطق سيطرة الحوثي، وتحقيق مكاسب ميدانية كبيرة، لتكون تلك بداية النهاية للحوثيين.
لماذا مأرب؟
منذ التاسع من الشهر الجاري، بدأ الحوثيون هجوماً عسكرياً كبيراً، على أكثر من جبهة في محافظة مأرب، بهدف احتلال مدينة ومحافظة مأرب الإستراتيجية، والغنية بالثروات الطبيعية، والتي تعدّ معقل حزب الإصلاح؛ الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين.
وشهدت الجبهة معارك شديدة بين الحوثيين من جانب، والجيش اليمني والقبائل من جانب آخر، حقق فيها الحوثي تقدماً ميدانياً في البداية، قبل أن تقوم قوات الشرعية بهجمات عكسية، استطاعت خلالها تكبيد ميليشيات الحوثي خسائر فادحة.
واستعادت قوات الشرعية بمساعدة القبائل مناطق إستراتيجية سبق أن استولى الحوثيون عليها، في مديرية صرواح.
وتعدّ قبائل مراد أكبر القبائل التي تقاتل الحوثيين في مأرب، وعززت الشرعية اليمنية الجبهة عسكرياً بألوية الحماية الرئاسية، التي شنت هجمات على الحوثيين في جبهات؛ رغوان ووادي ذنة، وتقدمت في محور منطقة الكسارة في جبل هيلان، واستعادت العديد من المواقع التي فقدتها قوات الجيش التابع للمنطقة الثالثة والسادسة.
وبحسب مصادر محلية، تحدثت لصحيفة "الأيام" اليمنية، فقد تكبّد الحوثيون خسائر فادحة في الأرواح، تقدر بالمئات، منذ بداية الهجوم على مأرب.
ويقول السكرتير الإعلامي بالرئاسة اليمنية، الكاتب والباحث ثابت الأحمدي، عن توقيت ودلالات الهجوم الحوثي العنيف: إنّ "الهجوم على مأرب ليس جديداً، لكنّه الأشدّ، ويبدو أنّه الأخير، وهناك ارتباط بينه وبين تولي إدارة بايدن السلطة، التي نراها امتداداً لإدارة أوباما، الذي أوصل الحوثيين إلى صنعاء".
ويردف الأحمدي، في حديثه لـ "حفريات"، عن أهمية مأرب؛ بأنها "تتمتع بموقع إستراتيجي؛ إذ إنّها بوابة المحافظات الجنوبية، ولها أهمية اقتصادية كبيرة، حيث ثروات النفط والغاز".
ويشدد الصحفي والباحث اليمني، همدان العليي، على أنّ الحوثي لا يريد السلام، ولم يتوقف يوماً عن الصراع، "لأنّ طبيعة الحوثيين كأداة للمشروع الإيراني، تجعلهم في صراع دائم ضمن الأطماع الإقليمية لإيران، التي تريد تطويق المملكة من الجنوب، بعدما تمكنت من السيطرة على معظم العراق".
اقرأ أيضاً: ميليشيات الحوثي تزج بأطفال اليمن في "محارق الموت"
وعن أهمية مأرب في الإستراتيجية الحوثية، يوضح العليي لـ "حفريات"، أنّ "الحوثي يخشى من النازحين من مناطق سيطرته إلى مأرب"، ويقول: "فضلاً عن الثروات النفطية، والغاز الذي يريده الحوثي بشدة لتأمين احتياجاته من الطاقة، فهو يخشى من وجود 2 مليون نازح من مناطق سيطرته في المحافظة، ويريد بسيطرته عليها أن يقطع الطريق على آمالهم بالعودة".
ويؤكد على ذلك؛ اقتحام الحوثيين لمخيم النازحين في مديرية صرواح، وزرع ألغام وعبوات ناسفة في الطريق المؤدي إلى مخيم روضة جهم، القريب من المنطقة، لمنع دخول وخروج النازحين، وذلك في 21 من الشهر الجاري.
الإخوان في ميزان المعركة
وتعدّ محافظة مأرب معقل حزب الإصلاح الإخواني، الذي يهيمن على قوات الجيش اليمني، ووجه مراقبون انتقادات لاذعة إلى الإخوان بعد انكشاف ضعف جبهة مأرب مع بداية الهجوم الحوثي، نتيجة استنزاف الجيش في معارك مع القوات الجنوبية، وقوات أخرى.
وعلى الرغم من الهيمنة الإخوانية على مأرب، إلا أنّ الهجوم الحوثي وحّد الجميع لصدّ عدوانه، وتقاتل في جبهة مأرب قوات موالية لحزب المؤتمر الشعبي، والحزب الاشتراكي، إلى جانب القوات القبلية التي تعدّ عماد الدفاع عن المحافظة.
ورغم التضحيات القبلية الكبيرة، إلا أنّ القبائل تشكو من تهميشها لصالح حزب الإصلاح الإخواني، الذي انفرد بالثروات والوظائف.
وكان بيان صادر عن "تكتل شباب مأرب" قد دعا إلى؛ إعادة تقييم العلاقة بين قبائل مأرب والشرعية، متهماً الشرعية التي يهيمن عليها الإخوان، بأنّها "تستأثر بكل خيرات المحافظة، ورغم وعودها الكثيرة لأبناء القبائل بإعطائهم حقهم في التمثيل العادل في المؤسسات الحكومية، وحصتهم من الثروة كمشاريع خدمية ووطنية، إلا أنّها لم تفِ بأيّ من ذلك".
الصحفي همدان العليي لـ"حفريات: طبيعة الحوثيين كأداة للمشروع الإيراني، تجعلهم في صراع دائم ضمن الأطماع الإقليمية لإيران، التي تريد تطويق السعودية من الجنوب
واتّهم البيان الإخوان بشكل غير مباشر بالمسؤولية عن ضعف جبهة مأرب: "هجوم الحوثيين على المحافظة يأتي في مقابل انكشاف واضح لبعض الأطراف المتكسبة من الحرب، وإصرارها على الاستمرار في تجيير تضحيات أبناء مأرب لصالحها".
وشهدت مأرب زيارة دعم من وفد القوات المشتركة وأبناء الساحل الغربي، بقيادة العميد طه الجمعي، الذي وصل على رأس قافلة غذائية دعماً للجيش والمقاومة وقبائل مأرب. وأكد الجمعي في لقائه رئيس هيئة الأركان العامة، الفريق صغير بن عزيز، على جاهزية القوات المشتركة وأبناء الساحل الغربي لمساندة جبهة مأرب، وتعتبر تلك التصريحات الأولى من نوعها، نظراً للخلافات بين الشرعية التي يهمين عليها الإصلاح، والقوات المشتركة بقيادة العميد طارق صالح.
وكانت قبائل مأرب أصدرت بياناً، الشهر الماضي، ندّدت فيه بقرارات الرئيس الهادي، التي تضمنت عزل النائب العام، علي الأعوش، المنتمي إليها، واصفة ذلك بأنّه عدم تقدير لتضحياتها في التصدي لعدوان الحوثي.
تخبّط المجتمع الدولي
وكانت جماعة الحوثي قد رفضت دعوات أممية وأوروبية لوقف الهجوم على مأرب، في الوقت الذي تكثف فيه الأمم المتحدة من جهودها للضغط على أطراف الصراع بقبول الإعلان المشترك، الذي يتضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار.
وفي إطار الجهود السياسية، بدأ وزير الخارجية اليمني، أحمد عوض بن مبارك، جولة خارجية، بدأت بالإمارات، ومن المحتمل أن يزور قطر، وكان بن مبارك التقى المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، في الرياض، التي تستضيف المبعوث الأمريكي إلى اليمن.
وذكرت مصادر سياسية لـصحيفة "العرب" اللندنية؛ أنّ الحديث يتصاعد في بعض المحافل الدولية حول صيغة قرار جديد عن مجلس الأمن، يمهد لتسوية سياسية قائمة على مبادرة الإعلان المشترك، تكون بديلاً عن كافة القرارات السابقة الصادرة عن مجلس الأمن، وفي مقدمتها القرار 2216، الذي يعدّه الحوثيون أحد عوائق التوصل للتسوية، نتيجة تشبّث الحكومة اليمنية به كأحد المراجع الضرورية للحلّ النهائي في اليمن.
وينصّ الإعلان المشترك، الذي نشرت صحيفة "الأيام" اليمنية، نسخة مسرّبة منه، على الوقف الفوري الشامل للعمليات العسكرية من قبل جميع الأطراف، وتوسيع دائرة التدابير الإنسانية والاقتصادية، لتخفيف معاناة المواطنين، والتصدي لجائحة كورونا، وضمان حرية التنقل، وإعادة فتح المطارات، وبناء الثقة بين الطرفين، تمهيداً لاستئناف المشاورات السياسية.
ويشمل وقف إطلاق النار العمليات العسكرية للتحالف العربي، سواء الجوية والبرية والبحرية، مع التزام الحوثيين بوقف الأنشطة العدائية تجاه السعودية.
ولمراقبة وقف إطلاق النار؛ اقترح الإعلان تشكيل لجنة تنسيق عسكري، برئاسة الأمم المتحدة، وعضوية ممثلين عسكريين، رفيعي المستوى، عن طرفي الاتفاق.
وستشرك الأمم المتحدة طرفاً ثالثاً لمراقبة وقف إطلاق النار، يقوم بتسيير طلعات جوية للمراقبة والاستطلاع، لضمان الالتزام من الطرفين.
اقرأ أيضاً: استقرار اليمن هدف إماراتي
ولم ينصّ الإعلان على المرجعيات الثابتة للحلّ في اليمن، وهي؛ المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الدولية حول اليمن، كما لم يشر بأيّ شكل إلى دور التحالف العربي، وطالبه بوقف العمليات العسكرية، ورفع الرقابة عن الموانئ والمطارات اليمنية، وبشكل واضح أنهى أيّ دور للتحالف العرب.