الوضع الميداني في دارفور يبعثر أوراق اللعبة السياسية في السودان

الوضع الميداني في دارفور يبعثر أوراق اللعبة السياسية في السودان

الوضع الميداني في دارفور يبعثر أوراق اللعبة السياسية في السودان


30/05/2023

في تطور جديد للوضع الميداني في دارفور، دعا ميني ميناوي، والي الإقليم، ورئيس حركة جيش تحرير السودان، إلى حمل السلاح، معرباً عن دعمه للجيش السوداني في قتاله ضدّ قوات الدعم السريع شبه العسكرية. ودعا ميناوي عبر صفحته الرسميّة على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) مواطني دارفور، كباراً وشباباً ورجالاً ونساءً، إلى حمل السلاح لحماية ممتلكاتهم. وناشد القيادي بإعلان الحرية والتغيير "جميع فئات الشعب في دارفور، للابتعاد عن استغلال الصراع  في الانحراف إلى القبلية أو الإثنية أو أيّ تعصب".

ولهذا التحول الميداني دلالات متعددة، تؤكد ارتباك الفرقاء، وغرابة التحالفات العسكرية، التي تختلف تماماً في دارفور عن طبيعة التحالفات السياسية، حيث إنّه من المفترض، وفقاً للتوافقات السياسية السابقة على انفجار الصراع، أن تتكتل قوى إعلان الحرية والتغيير خلف قوات الدعم السريع، إلّا أنّ طبيعة التركيبة العرقية في دارفور، وميراث الماضي بين الأفارقة وميليشيات الجنجويد، دفعت ميناوي إلى الانحياز إلى الجيش السوداني.

كان ميناوي قد أعلن في منتصف أيّار (مايو) الجاري عن عقد قادة جيش مسار دارفور اجتماعاً، اتفقوا فيه على تكوين وتفعيل قوة مشتركة من مكونات المسار، تحت رعاية والي الإقليم، بقيادة وسيطرة عسكرية مشتركة من جميع القوات؛ مهامّها حماية الممتلكات العامة والخاصّة، والفصل بين المتحاربين، وتأمين الطرق العامة، وحماية مقار المنظمات والبعثات الدولية. وسبق لميناوي أن قاتل ضد ميليشيات الجنجويد، التي تحولت في النهاية إلى قوات الدعم السريع ذات الطابع الرسمي.

 دعا ميني ميناوي، والي الإقليم، ورئيس حركة جيش تحرير السودان، إلى حمل السلاح

وعلى صعيد الهدنة الأخيرة، وبحسب "دويتشه فيله"، سُمع دوي اشتباكات ليل ويوم الأحد الماضي في الفاشر، وهي إحدى المدن الرئيسية في دارفور. وقالت السعودية والولايات المتحدة في بيان مشترك: "كانت هناك انتهاكات من قبل الطرفين، أعاقت بشكل كبير إيصال المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية". وأشار البيان إلى حدوث خروقات للهدنة، بما في ذلك الضربات الجوية، والاستيلاء على الإمدادات الطبية من قبل الجيش، ونهب واحتلال المباني المدنية من قبل قوات الدعم السريع.

اندلعت اشتباكات دامية، تركزت بشكل أساسي في مدينة الفاشر، وسُجلت أيضاً اشتباكات في قبقابية وطويلة

جدير بالذكر أنّه منذ بدء النزاع سيطرت قوات الدعم السريع على العديد من المواقع الاستراتيجية، بما في ذلك السيطرة القصيرة على مطار مروي في الولاية الشمالية، ومطار نيالا في جنوب دارفور، والعديد من المناطق المهمة الأخرى في الخرطوم. ويتنافس الجانبان للسيطرة على المواقع الاستراتيجية في العاصمة، بما في ذلك القصر الرئاسي والمطارات والقواعد العسكرية، وكذلك الطرق اللوجستية من وإلى الخرطوم.

دارفور على خط النار

سجل إقليم غرب دارفور أكبر عدد من الوفيات المبلغ عنها خلال الفترة من 15 نيسان (أبريل) الماضي إلى 19 أيّار (مايو) الجاري، فقد تم تسجيل (720) حالة وفاة على الأقل خلال الفترة المشمولة بتقرير بالإنجليزية، أصدره مشروع بيانات أحداث النزاع المسلح (ACLED) الأمريكي.

ومنذ اندلاع الصراع تصاعد العنف بشكل حاد في دارفور، حيث قامت كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بتجنيد وتدريب المقاتلين في دارفور في الأشهر الأخيرة، واستهدفت في الغالب الشباب العرب من قبائل الرزيقات والتعايشة. ومع ذلك، نفى الجيش قيامه بالتجنيد على أساس الانتماءات القبلية، في منطقة تشهد احتقاناً عرقياً منذ عقود.

وتعود حدة الصراع في دارفور إلى الأهمية الاستراتيجية للإقليم، وخاصّة بالنسبة إلى قوات الدعم السريع، التي ينتمي جنودها في الغالب إلى مجموعات عربية في المنطقة، كما يشترك الإقليم في الحدود مع ليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث ساعد نفوذ حميدتي في المنطقة قوات الدعم السريع في الحصول على الإمدادات والمقاتلين.

وقعت اشتباكات في شرق ووسط دارفور، وإن كانت بمستويات أدنى، ووردت أنباء عن اندلاع قتال في الضعين بمنطقة شرق دارفور في بداية الصراع

ومنذ 15 نيسان (أبريل) الماضي تركز القتال في غرب دارفور في العاصمة الجنينة، وخلال الأسبوع الثاني من القتال تضاعف العنف في غرب دارفور أكثر من (3) أضعاف، حيث اندلعت اشتباكات دامية بين المساليت والميليشيات العربية المرتبطة بقوات الدعم السريع، وبحسب (ACLED)، هدأ الوضع مؤقتاً في المدينة بعد الهدنة التي وقّعها زعماء القبائل في بداية أيّار (مايو) الجاري، ثم تصاعدت موجات العنف مرة أخرى في 12 أيّار (مايو)، واندلعت اشتباكات دامية على مدار عدة أيام بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وبين الميليشيا العربية والمساليت، ممّا أسفر عن سقوط مئات القتلى. كما وردت تقارير عن قيام مدنيين بتسليح أنفسهم، وقيامهم بتدمير وحرق الممتلكات على نطاق واسع، بالتزامن مع أعمال السلب والنهب، التي طالت مستشفى الجنينة التعليمي. ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، نزح أكثر من (240) ألف شخص من إقليم غرب دارفور منذ اندلاع الصراع.

الفاشر مدينة مقسَّمة

في شمال دارفور اندلعت اشتباكات دامية، تركزت بشكل أساسي في مدينة الفاشر، وسُجلت أيضاً اشتباكات في قبقابية وطويلة، وزعمت القوات المسلحة السودانية أنّها سيطرت على معسكرات قوات الدعم السريع في الفاشر، وصادرت ما يقرب من (100) مركبة عسكرية.

في شمال دارفور اندلعت اشتباكات دامية

ونتيجة لجهود السلطات المحلية، تمّ التوصل إلى وقف لإطلاق النار في المدينة، في 20 نيسان (أبريل) الماضي، ممّا أدى إلى تقسيم المدينة فعلياً بين الجانبين. ووفقاً لتقرير ميداني نشره (ACLED)، سمح الاتفاق للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بالحفاظ على مواقعهم غرب وشرق المدينة، على التوالي، مع وضع المنطقة الوسطى تحت سيطرة الشرطة، بوصفها منطقة عازلة بين الطرفين المتحاربين. وبعد نحو أسبوع نشرت (5) مجموعات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا مئات المقاتلين؛ لتأمين القوات المسلحة السودانية، وفي 8 أيّار (مايو) الجاري سحب ميناوي قواته المتمركزة في شمال أم درمان، وأرسلها إلى شمال دارفور.

العنف يجتاح نيالا

في جنوب دارفور كانت مدينة نيالا مسرحاً لقتال عنيف بين الجانبين، وبحسب تقارير ميدانية، حصل سكان المدينة على أسلحة لحراسة أحيائهم، بعد أن فشلت مبادرة محلية أطلقها نشطاء من أجل الحفاظ على الأمن في المدينة. وبحسب (ACLED)، استمر القتال بين الجانبين طيلة أيّار (مايو) الجاري، حيث تسيطر القوات المسلحة السودانية على النصف الغربي الذي يستضيف مقر الحكومة.

بالمثل، وقعت اشتباكات في شرق ووسط دارفور، وإن كانت بمستويات أدنى، ووردت أنباء عن اندلاع قتال في الضعين بمنطقة شرق دارفور في بداية الصراع.

وفي وسط دارفور تركز القتال في العاصمة زالنجي. وبحسب وزارة الصحة قُتل ما لا يقلّ عن (59) شخصاً، وأصيب (80)، في (3) مدن هي: زالنجي ووادي صالح، وأم دخون بوسط دارفور، وذلك في الفترة من 15 إلى 25 نيسان (أبريل) الفائت، قبل أن تنخفض وتيرة العنف منذ ذلك الحين في الولايتين.

انتشرت حوادث النهب في جميع أنحاء دارفور، وقام مقاتلون بمداهمة المنازل والمستشفيات والأسواق، وكذلك مقار المنظمات الدولية

وفي شمال كردفان استمر القتال في الأبيض، وتحاول قوات الدعم السريع حلحلة سيطرة القوات المسلحة السودانية على المدينة. وسجل (ACLED) أكثر من (65) حالة وفاة، تمّ الإبلاغ عنها في الأبيض منذ بدء النزاع، حيث حاولت قوات الدعم السريع الاستيلاء على المدينة الاستراتيجية، بوصفها نقطة انتقالية تربط بين جميع الطرق المؤدية إلى دارفور والخرطوم، وفيها مطار، وهي أيضاً مركز تجاري للولايات الغربية في السودان.

بالتزامن مع القتال الدامي، انتشرت حوادث النهب في جميع أنحاء دارفور، وقام مقاتلون بمداهمة المنازل والمستشفيات والأسواق، وكذلك مقار المنظمات الدولية، وفي هذا السياق، أفاد برنامج الغذاء العالمي أنّ ما يقرب من (17) ألف طن متري من المنتجات الغذائية نُهبت في السودان منذ بدء الصراع، ممّا أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني في البلاد.

مواضيع ذات صلة:

المواجهة المسلحة في السودان: الفضاء السيبراني ميدان لحرب أخرى

موقع الإخوان المسلمين في خارطة النزاع بين الفرقاء السودانيين

الإخوان يشعلون الحرب في السودان... ما أهدافهم؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية