النجاح المتميز فى مُحاصرة الإخوان وكسر شوكتهم

النجاح المتميز فى مُحاصرة الإخوان وكسر شوكتهم

النجاح المتميز فى مُحاصرة الإخوان وكسر شوكتهم


17/01/2023

سعد الدين إبراهيم

تُعتبر جماعة الإخوان المسلمين، منذ تأسيسها على يد الداعية حسن البنا، منذ عام 1928، التنظيم الشعبى السلفى الذى قدم نفسه بديلًا للأنظمة والأحزاب السياسية المدنية المُعاصرة. ولكن أساليبهم السرية، ولجوءهم للعُنف واغتيال مُعارضيهم، جعلتهم يصطدمون بكل الحكومات المُعاصرة- من حكومتى أحمد ماهر، ومحمود فهمى النُقراشى فى أربعينيات القرن العشرين، فى ظل النظام الملكى، لأسرة محمد على، ثم بعد ثورة يوليو 1952، بعد مُحاولتيها اغتيال زعيم تِلك الثورة، جمال عبد الناصر، فى عامى 1954، ثم عام 1956؛ وهو ما أدى إلى مُحاكمتهم، وإعدام بعض زعمائهم، وإيداع مئات منهم السجون.

وبعد كل نكسة للإخوان، يعودون إلى مسرح الأحداث والحياة العامة تدريجيًّا، ويُروجون لخطاب المظلومية، أى أنهم أبرياء من كل ما اتهمتهم به الأنظمة الحاكمة، وأنهم لم يأخذوا فُرصتهم أبدًا فى حُكم البلاد، مع أنهم يدعون إلى الحُكم بشرع الله، وأن الإسلام هو الحل لكل مشكلات البلاد والعباد.

وكان ذلك الخطاب يجد آذانًا مصغية من بُسطاء المصريين، وحتى من بعض شرائح الطبقة الوسطى.

وبعد ثورة الشباب فى يناير 2011، والتى لم يلتحقوا بها إلا فى يومها الرابع، وبعد أن رأوا مئات الآلاف من المصريين يلتفون حولها، وحول شعاراتها البسيطة.

فحاول الإخوان اختطافها، ونجحوا فعلًا فى إقرار دستور على هواهم، وانتخابات مُبكرة، كانوا هم الأكثر موارد واستعدادًا لها، ومع برنامجهم الخادع للبُسطاء، تحت شعار «الإسلام هو الحل».

ورغم أنهم لم ينالوا أغلبية الأصوات فى تِلك الانتخابات، فإنهم حصلوا على أكبر كتلة من الأصوات، وهددوا بتفجير المتحف المصرى، ومبنى الجامعة العربية، ومُجمع التحرير، والجامعة الأمريكية.

وأرسلوا بالفعل مجموعات من شبابهم مُسلحين ويحملون كُتلًا كبيرة من الديناميت وبدأوا فعلًا فى وضعها حول أركان مبانى تِلك المؤسسات.

وطبقًا لشهادة سمعتها مُباشرة من الفريق أحمد شفيق، الذى حصل على أكثرية مُماثلة للمُرشح الإخوانى محمد مُرسى، وبالتالى له أن يخوض جولة انتخابات ثانية تحسم الموقف، فإن روح المسؤولية الوطنية، والحِرص على سلامة المتحف المصرى، الذى لا تُعوض محتوياته بأى ثمن، وأن تِلك المحتويات بالنسبة للإخوان لا قيمة لها- حيث إنها مُجرد أحجار لأصنام، جعلته يتنازل عن حقه الدستورى فى جولة انتخابات ثانية، وأقر للمُنافس محمد مُرسى بالفوز فى الانتخابات.

ورغم تهليل الإخوان لذلك القرار، ومُسارعة محمد مُرسى لحلف اليمين الدستورية، أمام المحكمة العُليا فى البلاد، ثم التوجه لجامعة القاهرة، وحلف اليمين مرة ثانية أمام مجلس أمنائها، ثم الذهاب إلى مدينته الزقازيق شرقية، لحلف اليمن مرة ثالثة.

وكان ذلك أشبه بمن لا يُصدق أنه فاز فى الانتخابات، ويُريد تأكيد ذلك. ومع ذلك فليت الرئيس الإخوانى أحسن التصرف فى قصر الرئاسة، ولكنه سمح لمكتب إرشاد الجماعة بأن يُملى عليه مجموعة من القرارات، التى تُمكّن الجماعة من احتلال مفاصل الدولة المصرية.

ولكن حينما أراد مُرسى ومكتب الإرشاد أن يفعلوا ذلك فى وزارة الدفاع، والقوات المُسلحة، انتفضت الجماهير، وجمع شباب الثورة توكيلات موقعة من ثلاثين مليون ناخب، وطالبت بانتخابات رئاسية جديدة، حقنًا للصراع ودماء المصريين. لقد كانت «الإخوان المسلمين» منذ أربعينيات القرن العشرين قد دخلت فى خمس مواجهات مُسلحة مع الدولة المصرية- منها مواجهتان فى العهد الملكى، وكذلك دخلت فى ثلاث مواجهات مع حكومات ثورة يوليو 1952.

واستمر نهج الجماعة الذى يقوم على التنظيم السرى، والمُواجهات المُسلحة.

وقد برعت الجماعة فى تصوير نفسها كجماعة صالحة شهيدة، تتعرض دائمًا للتنكيل والعقاب، رغم أن كل ما تبغيه هو مجتمع يعيش ويُحكم طبقًا لما أنزله الله. وإن منَ يمنعهم من تحقيق ذلك هو دولة الطاغوت.

ولأنهم منذ البداية توقعوا ذلك، فقد اختار مؤسس الجماعة شعارًا لها وهو سيفان يحميان القرآن، وتحته كلمة «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»، والمعنى هنا واضح، وهو أن تحقيق المجتمع الذى يحكم بما أنزل الله، يتطلب من المؤمنين القوة. وقد زاد أحد أكبر دُعاتهم وهو سيد قُطب، كل ذلك فى كتابه: «فى ظلال القرآن». اعتقد الإخوان أنهم بانتخاب أحد قادتهم، وهو د. محمد مُرسى، قد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من بلوغ أحد أهدافهم.

وهو تسخير الدولة المصرية تحت قيادتهم، وبدء تطبيق الشريعة الإسلامية، كما يُريدونها هم، دون غيرهم من مرجعيات إسلامية أخرى مثل الأزهر الشريف، ودار الإفتاء، فى مصر، فضلًا عن مرجعيات أخرى فى البلاد الإسلامية الرئيسية مثل السعودية، وتركيا، وإيران، وباكستان، وإندونيسيا. لذلك كانت المواجهة مع الجماعة أمرًا حتميًّا، إن عاجلًا أو آجلًا؛ لذلك حزم السيسى أمره بالرجوع إلى المؤسسات الرئيسية فى المجتمع والدولة وأهمها الجيش، والداخلية، والقضاء، واطمأن إلى تأييدها ودعمها.

وزيادة فى التعبئة المعنوية، لجأ إلى طلب التفويض الشعبى لرئاسة الدولة بالحرب على الإرهاب، وجاءت النتيجة بأغلبية ساحقة بالموافقة بنعم.

ورغم كل تِلك التحوطات، التزم السيسى فى المواجهة فى حربه على الإرهاب بوسائل سِلمية. والشاهد أنه بذلك، من وجهة نظر هذا الكاتب، نجح فى توسيع نطاق المواجهة مع جماعة الإخوان، بجعلها مواجهة مجتمع بأسره، وليس الدولة فقط بأجهزتها الأمنية المعُتادة.

وفى ذلك السياق ربما كانت قوة مصر الناعمة، وليس قوتها الخشنة، هى كلمة السر. وضمن تِلك القوة الناعمة، مثلًا، المسلسل التليفزيونى، «الاختيار»، الذى استمرت حلقاته ثلاث سنوات متتالية، بسبب المناخ الذى أشاعته الرئاسة بروحها، وليس بمجاليها. وبهذا الإنجاز، تمتعت مصر باستقرار أمنى داخلى، غير مسبوق خلال نصف القرن.

وعلى الله قصد السبيل

عن "المصري اليوم"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية