الناشطة نسرين الريش لـ"حفريات": حزب الله مسؤول عن معاناة السوريين في لبنان (2-2)

الناشطة نسرين الريش لـ"حفريات": حزب الله مسؤول عن معاناة السوريين في لبنان (2-2)


07/08/2022

أجرى الحوار: حامد فتحي

تناولت الناشطة السورية نسرين الريش في الجزء الأول من هذا الحوار الخطة الحكومية اللبنانية لترحيل 15 ألف نازح سوري شهرياً، فيما أسمتها العودة الطوعية، وهي في حقيقتها ليست طوعية؛ إذ إنّ سوريا ليست أمنة لعودة النازحين، وهو أمر رصدته المنظمات المحلية والدولية العاملة في حقل الإغاثة وقضايا اللجوء، وصدر عنها تقرير بعنوان "أنت ذاهب إلى الموت".

"في الجزء الثاني من هذا الحوار، تتطرق المهندسة السورية، نسرين الريش، رئيسة مجلس إدارة منظمة "جنى وطن" السورية، المعنية بمناصرة قضايا اللجوء، إلى تأثير منظومة الفساد في لبنان على المنح والدعم الذي قدمته الجهات والدول والمنظمات إلى النازحين واللاجئين السوريين في لبنان."

هنا الجزء الثاني والأخير من الحوار

كيف طال الفساد في لبنان الدعم الممنوح للسوريين؟

لا يصل الدعم إلى النازحين السوريين مباشرةً عبر الجهات المانحة، بل عن طريق خمس جمعيات لبنانية، كل واحدة منها تمثّل تياراً أو تابعة لتيار سياسي، ومنهم دار الفتوى، وعملت السلطات اللبنانية على حصر تقديم الإغاثة باللبنانيين، فلم تكن تسمح وقت أزمة عرسال بدخول إغاثة إلا عن طريق جمعيات لبنانية.

وهذه الجمعيات الخمس تمثّل الكتلة السياسية التي تدير دفّة الفساد في لبنان، ولهذا تعرضت أموال المنح إلى الاختلاس والنهب، واستغلت الحكومة احتكار اللبنانيين للدور الإغاثي في طلب المنح وابتزاز المجتمع الدولي باسم السوريين، وكنا نرى ممثلي الحكومة في الاجتماعات الدولية يطلبون تمويل مشاريع المرافق العامة بحجة استغلال السوريين لها.

 سوريا ليست أمنة لعودة النازحين

وطريقة أخرى للفساد كانت في عملية تسجيل مستحقي الإغاثة؛ أولاً لم يشمل الدعم كلّ السوريين، فقط حوالي 50% تقريباً، ومن هذه النسبة كان عشرات الآلاف يتم فصلهم لأسباب اعتباطية، منها؛ تغيير المستفيد رقم هاتفه، أو عدم امتلاكه بريداً إلكترونياً ليستقبل عليه الرسائل، أو لأسباب تحديث البيانات، وفي إحدى المرات تمت إزالة أسماء 5 آلاف سوري اعتباطاً، وحتى الدعم الذي كان يصل لم يكن يتعدّى الـ 20 دولاراً للفرد شهرياً.

في ظلّ هذا الفساد؛ هل تم إنشاء منظمات للتربّح على حساب السوريين؟

نعم حدث هذا، أنشأ لبنانيون منظمات للتربح على حساب السوريين، غير الموجودة من قبل، وأثر ذلك بشكل كبير على أصحاب المصلحة من السوريين، كون الحصة الإغاثية تصل إلى المنظمات اللبنانية، والتي تنفق جزءاً منها لصالح السوريين وجزءاً آخر لا يصل، وهذا فقط شكل واحد من أشكال الفساد.

يشعر السوري برعب هائل، يهيمن عليه الخوف من الترحيل القسري إلى الموطن الذي فرَ منه خوفاً على حياته، فضلاً عن معاناته اليومية لتأمين كفاف العيش

وشكل آخر حين انهارت الليرة اللبنانية، وصار هناك سعران للصرف؛ السعر الرسمي المتدني جداً، والسعر الحقيقي في السوق السوداء، ولأنّ أموال الإغاثة كانت تصل إلى مصرف لبنان المركزي، فكانت تُصرف وفق السعر الرسمي، مما أهدر أموالاً طائلة من حقّ السوريين، وحدث الأمر نفسه مع التحويلات إلى السوريين من الخارج.

تحدثتِ عن تحولات الموقف الشعبي في لبنان تجاه النازحين السوريين من الترحيب إلى مظاهر العنصرية؛ فماذا حدث؟

في بداية الثورة السورية، عام 2011، كانت الحدود مفتوحة بين القلمون والقصير وريف حمص الغربي مع لبنان، بعد انسحاب الهجانة السورية عقب وقت قصير من اندلاع الثورة، وجدنا دعماً واسعاً من اللبنانيين، كنا ننقل الجرحى إلى المستشفيات في لبنان للعلاج، ووجد كثيرون من السوريين الأمن في النزوح إلى لبنان.

وخلال حصار الجيش مناطق في حمص انقطع الخبز لمدة أربعة أشهر، فمدّنا به اللبنانيون، وحين خرجنا كنازحين استقبلنا اللبنانيون بترحاب كبير، ومنحونا في عرسال البيوت، كانوا يؤثرون النازحين السوريين على أنفسهم، وعندما اعتُقلت على يد الأمن اللبناني وقف إلى جانبي كثيرون من الناشطين والمحامين اللبنانيين، وحتى بعد أن غادرت إلى تركيا ما أزال على تواصل مع كثيرين من الأصدقاء في لبنان.

حزب الله مسؤول عن النزوح السوري باتجاه لبنان، بعد اشتراكه في الحرب ضدّ الشعب السوري

الفكرة أنّ الترحاب كان السمة السائدة، وصوت الرفض كان ضعيفاً، لكن خلال الأعوام الأربعة الأخيرة تغير الموقف، فصار صوت الرفض والعنصرية هو المسموع، ورغم ذلك هناك لبنانيون يحملون قضية اللاجئين، ويدعمونهم ويتصدّون لمظاهر العنصرية، هؤلاء يرون أنّ القضية السورية واللبنانية واحدة؛ لأنّ الظرف الأمني من هيمنة حزب الله والتدخل الإيراني لن ينتهي دون انتصار الثورة السورية.

متى، ولماذا، ظهرت الظواهر العنصرية ضدّ النازحين السوريين؟

باتت الظواهر العنصرية ملحوظة بشكل واسع بحدود العامين 2018 و2019، وقبل ذلك كان الأمر يتخذ شكل اللوم البسيط للوجود السوري، لكن ما كانت بالعنصرية الفجة التي تضخّمت، وتدعّمت، من خلال تحويل التمييز إلى قوانين مثل قانون العمل.

ونحن في القلمون استقبلنا نزوحاً لبنانياً عام 2006 لكن لم يمكث هؤلاء سوى بضعة أشهر، ووقتها فتحنا بيوتنا لهم، وهم فعلوا ذلك، لكن هناك اختلافات جوهرية؛ فعدد النازحين من لبنان كان محدوداً، والأزمة السورية طالت، وكلما طالت ظهرت العديد من القضايا، مثل اللجوء، والذي لم يكن واسعاً ويمثل أزمة قبل 2014. من جانب آخر فرضت الأزمة الاقتصادية في لبنان ضغوطاً على المواطنين، حتى باتت تنطبق عليهم مقولة "الميت ما يحمل الميت"، ولتوضيح هذه التحولات كان اللبناني يتبرع بنصف ربطة الخبز للسوريين، واليوم ينتقد وقوف السوري في الطابور معه من أجل الخبز؛ ذلك لأنّه بسبب الأزمة الاقتصادية لم يعد قادراً على تأمين ربطة الخبز بسهولة، وبات يرى أنّ السوري يزاحمه في الطابور.

كيف ساهمت الأزمة الاقتصادية اللبنانية في نمو العنصرية تجاه النازحين السوريين؟

مع سوء الأحوال الاقتصادية في لبنان نمت الخطابات العنصرية، وصار اللبناني كشخص يبحث عن كلّ فرصة كي يستطيع العيش، وحدثت مطاردة للوظائف التي يعمل بها سوريون، مثل المنظمات الإغاثية، التي تعرضت للهجوم الإعلامي وغير ذلك من اللبنانيين، حتى تمّ استبدال السوريين بهم.

والممارسات العنصرية كثيرة على المستوى اللفظي، نتيجة شيوع مفاهيم مغلوطة بشأن اللاجئين السوريين، مثل أنّهم يحصلون على الخدمات العامة بالمجان، وأنّهم يخربون لبنان، وكردّ فعل على ذلك شهدنا حوادث هجوم على المخيمات، وهجوم على المحلات التي افتتحها سوريون رغم أنّ أغلبها متواضع، وهناك حالات قتل لعمال سوريين طالبوا أرباب العمل بالأجور، والقصة المشهورة لزوج نانسي عجرم واحدة من ذلك.

مع سوء الأحوال الاقتصادية في لبنان نمت الخطابات العنصرية

وعلى المستوى الرسمي لا تبذل الحكومة جهوداً لمكافحة العنصرية، بل تساهم في زيادتها عبر الانتهاكات التي يتعرض لها السوريون على يد عناصر الأمن، والتعامل مع السوري على أنّه إرهابي حتى يثبت العكس، والإساءة للنساء.

وأذكر مثالاً على العنصرية، ما حدث حين دخل السوريون إلى عرسال، ولم يجدوا فيها سوى مدرسة واحدة ومستشفى متواضع، فقاموا بجلب الدعم وتأسيس عشرة مدارس نموذجية وثلاثة مشافٍ، فما كان من الحكومة اللبنانية إلا أن تدخلت لإجبار السوريين على ترك وظائفهم ليحلّ محلّهم لبنانيون، وكان لحزب الله دور في ذلك؛ حيث طلبت سرية أمن المعلومات في حاجز اللبوة، التابع لحزب الله، من المؤسسات في عرسال عدم منح الوظائف ورخص المشروعات إلا للبنانيين.

ذكرتِ دور حزب الله في دعم العنصرية تجاه النازحين السوريين، كيف تعامل الحزب مع النزوح السوري؟

بدايةً حزب الله مسؤول عن النزوح السوري باتجاه لبنان، بعد اشتراكه في الحرب ضدّ الشعب السوري، حيث كانت مناطق عملياته في القلمون والقصير وريف حمص، وهي التي بدأت منها موجات النزوح الأولى بإتجاه عرسال اللبنانية ومناطق أخرى، وحين وصلتُ نازحة إلى عرسال عام 2014 كانت هناك 20 ألف أسرة نازحة.

ومارس حزب الله ضغوطاً أمنية كبيرة، وشهدنا اعتقالات وانتهاكات بحقّ السوريين، الذين لم يكن توصيفهم وقتها "لاجئون" كون لبنان بلد غير موقِّع على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن اللاجئين، وفي هذا الوقت نشطنا في منظمة "جنى وقت" التي أسسناها في عرسال اللبنانية لتقنين وضع النازحين.

ويعرف كثيرون من النازحين حاجز اللبوة  الذي يفصل عرسال عن الداخل اللبناني، وهو حاجز يديره حزب الله، وله صفة أمنية مخيفة جداً، وكلّ من اجتازه من السوريين لم يكن يعرف ماذا سيتعرض له، وكان الحلّ اللجوء إلى التهريب لتلافي الحاجز، وتعرّض كثيرون لمخاطر كبيرة بسبب ذلك.

وبسبب أحداث عرسال، عام 2014، صار كلّ نازح سوري إرهابي محتمل بنظر حزب الله والأمن اللبناني، وطالت الاعتقالات الأطفال القُصّر والنساء.

ظلّ الترحيل إلى سوريا معمولاً به حتى صدر قرار وزير الداخلية السابق، نهاد المشنوق، بمنع تسليم السوريين إلى النظام السوري

عام 2017 شهدت مخيمات عرسال انتهاكات كبيرة على يد الجيش اللبناني، والأخطر أنّ كلّ نازح سوري مُعرض لتهمة "الدخول خلسة"، التي بسببها تمّ اعتقال كثيرين، وكانوا يرحلون إلى السجن سيئ السمعة "رومية"، وقضى عددٌ من المعتقلين أعواماً في السجن، وتعرّضت أنا أيضاً للسجن بتهمة الدخول خلسة حتى الإفراج عني بمهلة عشرة أيام لمغادرة البلاد، وما أنقذني من الترحيل إلى سوريا هي ورقة اللاجئ التي كانت بحوزتي من الأمم المتحدة.

وظلّ الترحيل إلى سوريا معمولاً به حتى صدر قرار وزير الداخلية السابق، نهاد المشنوق، بمنع تسليم السوريين إلى النظام السوري، وخاصة حملة أوراق اللجوء من الأمم المتحدة، وعقب ذلك موّلت دولة خليجية سائر إقامات السوريين لمدة 4 أعوام، حيث كانت تكلفة الإقامة السنوية 650 دولار.

يحضر البعد الطائفي في وجود حزب الله وتدخّله في الحرب السورية، وكذلك تعدّ الطائفية مكوّناً أساسياً في الدولة اللبنانية؛ فهل تأثر النزوح السوري إلى لبنان بالطائفية؟

كسوريين نازحين في لبنان لم يكن للمنظور الطائفي حضور، بل معيار الأمن، والذي يعني أنّ هناك مناطق تمنح أمناً للسوريين، وتجعلهم في أمان من يد حزب الله، بالنسبة للسوري لبنان هو بلد فيه الجميع ويقبل الجميع، ونزح من سوريا مواطنون من طوائف مختلفة، وغالبيتهم من المسلمين السنّة، بحكم التركيبة الديموغرافية لسوريا، ونزحوا إلى كلّ المناطق في لبنان.

ولهذا سكن سوريون في عالية لأنّ فيها الدروز من جماعة وليد جنبلاط المعارضين للنظام السوري، وآخرون ذهبوا تجاه الشمال حيث طرابلس، لأنّها أقرب للبيئة السورية، ومنهم الغالبية السنّية، لكن السوري لا يفكر بالطائفة، بل يذهب لطرابلس لأنهم ليسوا منطقة سيطرة حزب الله، وهناك وجود سوري في مناطق فيها شيعة مثل صيدا جنوب لبنان، ورغم الخوف من يد حزب الله، إلا أنّ ظروف الحياة الرخيصة تجعلهم يتحملون المخاطر.

لكن هناك فرق بين حزب الله والطائفة الشيعية؛ فهناك ناشطون في حقوق الإنسان من الشيعة، مثل الشهيد لقمان سليم، دافعوا عن النازحين السوريين، وعلى المستوى الشعبي ساعد لبنانيون شيعة العديد من السوريين في المناطق الشيعية، سواء في تخليص إجراءات أمنية، وحتى وقت حصار مناطق في القلمون في سوريا كان هناك شيعة يساعدون السوريين، حتى العنصرية تجاه السوريين لا تنبع من كوّنهم سنّة.

وأذكر خلال وجودي في لبنان أني عبرت من منطقة شيعية فيها حواجز لحزب الله، وكان وقتاً عصيباً؛ حيث صور المقاتلين الذين ارتكبوا المذابح بحقنا في سوريا تملأ الشوارع على أنّهم شهداء، وسمعت كثيراً من الكلام عن كوني سورية.

كيف ينظر السوري لاستقبال الشعب اللبناني له في ظلّ هذه المعاناة؟ وكيف تؤثر على صورة لبنان في الذاكرة السورية؟

سؤال مهم، هناك تراث لبناني سوري مشترك، وعلاقات النسب والمصاهرة القوية، خصوصاً في المناطق الحدودية، والتقارب في العادات والتقاليد والتراث، وهنا أحكي من حياتي في منطقة القلمون القريبة من الحدود مع لبنان، حيث عائلتي عابرة النسب عبر الحدود، وفي القلمون نحن أقرب إلى لبنان حتى في الطبيعة الجبلية، التي تعدّ الجزء الشرقي من جبل لبنان.

وحتى في الأغاني، بالنسبة لأهل القلمون، تعبّر عنا فيروز ووديع الصافي، ونتشارك حتى سقوط الثلج، وخلال الحرب الأهلية اللبنانية نزحت عائلات إلى سوريا، ونشأ لبنانيون فيها، وفي ذلك تُحكى القصص، لكن تغير الكثير نتيجة الوجود العسكري السوري في لبنان، الذي ارتكب انتهاكات وجرائم بحقّ اللبنانيين، ولم نكن ندرك مدى بشاعتها حتى النزوح إلى لبنان، عام 2014، ولا يتحمّل الشعب السوري المسؤولية عن هذه الانتهاكات، بل يتحملها النظام السوري.

هناك مجتمع أعمال سوري في لبنان؛ فهل هناك تكاتف منهم مع النازحين؟

لا يوجد شيء من هذا، حرص مجتمع الأعمال السوري أو الأغنياء السوريون في لبنان، على عدم التواصل مع النازحين، حتى لا تُحرق أسماؤهم لدى الحكومة السورية، فلديهم أعمال في سوريا إلى اليوم.

كيف يشعر السوري في لبنان اليوم وهو يسمع عن خطط الحكومة لإعادته، فضلاً عما يعانيه من عنصرية؟

يشعر برعب هائل، يهيمن عليه الخوف من الترحيل القسري إلى الموطن الذي فرَ منه خوفاً على حياته، فضلاً عن معاناته اليومية لتأمين كفاف العيش، في حياة قاسية في المخيمات، وهو الشعور نفسه في تركيا، لكّن الأمر مُضاعف في لبنان؛ لأنّه لا سيادة للقانون، ولا تعرف عدوك من حليفك، ولماذا أنت مُلاحق أمنياً، وربما لن تسلم من القصص الكيدية، لهذا حتى لو لم يتم تطبيق الخطة اللبنانية لترحيل السوريين ستبقى التخوفات قائمة، وهناك نازحون ماتوا بسبب الضغوط النفسية التي يعيشونها/ ولهذا أشدّد على أنّه دون حلّ سياسي شامل، وتغيير حقيقي، لن يرغب سوري في العودة الطوعية إلى سوريا.

مواضيع ذات صلة:

الناشطة نسرين الريش لـ "حفريات": ترحيل السوريين من لبنان حكمٌ بالموت (1-2)

هل يستطيع لبنان ضمان عودة آمنة للنازحين السوريين؟

حوادث عنف ووعود حكومية.. أزمة الخبز تتفاقم في لبنان.. ما الجديد؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية