هل يستطيع لبنان ضمان عودة آمنة للنازحين السوريين؟

هل يستطيع لبنان ضمان عودة آمنة للنازحين السوريين؟


25/07/2022

فيما يبدو تحدياً للتوصيات الدولية، تتمسك الحكومة اللبنانية بخطتها الرامية إلى ترحيل 15 ألف نازح سوري شهرياً، بالتنسيق مع النظام السوري بقيادة بشار الأسد، دون اعتبار للمخاطر الأمنية التي تتربص بالمُرحَّلين، استناداً إلى تطمينات حكومية سورية.

وتعلل الحكومة اللبنانية خطتها بالأعباء الاقتصادية التي تتحملها جراء وجود ما يقرب من 1.5 مليون سوري ما بين لاجئ وعامل بحسب التقديرات اللبنانية، وهو أمر يحمل بعض المصداقية؛ إذ يستفيد السوريون من السلع الغذائية والكهرباء والمحروقات المدعومة مثل اللبنانيين، فضلاً عن ما يمثلونه من ضغط على سوق العمل والمرافق العامة.

ولكن ما تجاهلته الحكومة اللبنانية هو الكشف عن حجم المساعدات الدولية والإقليمية التي تلقتها باسم السوريين من جانب، فضلاً عما استفاده الاقتصاد اللبناني من الإنفاق السوري في قطاع الخدمات والإسكان.

وعلاوةً على ذلك، فمن المؤكد أنه لا قدرة لحكومة لبنان على إلزام النظام السوري بالحفاظ على التعهدات التي أعلنها بشأن العائدين، إلى جانب تجاهل لبنان للمسؤولية الكبيرة لحزب الله في الأزمة السورية وتبعاتها الإنسانية، وتجاهل التاريخ المشترك للشعبين السوري واللبناني.

الخطة اللبنانية

وفي 20 من حزيران (يونيو) الماضي، دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، المجتمع الدولي للتعاون مع لبنان لإعادة اللاجئين السوريين، مهدداً الدول الغربية باتخاذ موقف لن يكون مستحباً بالنسبة للغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بما وصفها بـ"الطرق القانونية"، عبر تطبيق القوانين اللبنانية بحزم.

يعاني النازحون السوريون من ممارسات حزب الله الأمنية

وتبع ذلك عدة تصريحات لوزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال، عصام شرف الدين، أكد فيها رفض بلاده "عدم عودة اللاجئين السوريين في لبنان إلى سوريا".

وقال شرف الدين، في الرابع من شهر تموز (يوليو) الجاري، خلال لقائه الرئيس اللبناني، إنه "مرفوض كلياً ألا يعود (النازحون) السوريون إلى بلادهم بعدما انتهت الحرب فيها وباتت آمنة"، وفق تعبيره.

واعتبر الوزير اللبناني أنّ الدولة السورية تمد يدها للتعاون في هذا الملف، لافتاً في الوقت نفسه إلى خطة لبنانية تنص على إعادة 15 ألف نازح بشكل شهري، وبحسبه هي خطة تمت مناقشتها شفهياً مع الحكومة السورية، وعرضها على مفوضية شؤون اللاجئين الأممية، والتي أعلنت رفضها لها.

وخلال جلسة مجلس الأمن التي عُقدت في 29 من حزيران (يونيو) الماضي، شددت العديد من الدول بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا، على أنّ الظروف في سوريا "غير مواتية ولا تتناسب مع عودة كريمة وآمنة للاجئين السوريين". وشكّك ممثلو الدول الغربية في جدية "مرسوم العفو" الذي أصدره النظام في 30 من نيسان (أبريل) الماضي، وطالب المندوب الأمريكي بعدم استخدامه ذريعة لإعادة اللاجئين، باعتبار أنّ الظروف غير مواتية لعودة كريمة.

ما تجاهلته الحكومة اللبنانية هو الكشف عن حجم المساعدات الدولية والإقليمية التي تلقتها باسم السوريين من جانب، فضلاً عن ما استفاده الاقتصاد اللبناني من الإنفاق السوري

ودخل مدير الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، على خط الدعوات لعودة النازحين السوريين، وصرح في 14 الماضي بأنّ "​لبنان​ ليس حاضراً على طاولة المجتمعيْن الإقليمي والدولي إلا كونه وطناً جديداً للاجئين و​النازحين​ وهذا ما نرفضه جميعاً".

وانعكس الخطاب الحكومي على تعامل السلطات المحلية مع اللاجئين السوريين، ففي 14 من الشهر الماضي، ذكر المركز اللبناني لحقوق الإنسان أنّ بلدية الدكوانة في قضاء المتن في محافظة جبل لبنان داهمت بيوت عددٍ من السكّان السوريين والسوريات، وأجبرت غير الحائزين على شهادات لجوء على التوقيع على تعهّد بالعودة إلى سوريا، كما احتجزت عدداً من النازحين في سجن البلدية.

وعلى الصعيد الشعبي تتصاعد حدة الخطاب العنصري تجاه السوريين منذ العام 2019 الذي شهد انفجار الأزمة الاقتصادية في البلاد.

أنت ذاهب إلى الموت

وغير خافٍ الوحشية التي يتصف بها النظام السوري الحاكم في تعامله مع المدنيين، وهو أمر طالما اتصفت به سوريا منذ عهد الرئيس السابق، حافظ الأسد، ولهذا فالحديث عن ضمانات أمنية وعفو النظام الشامل عمن حمل السلاح أمور لا تلقى مصداقية لدى المجتمع الدولي، فضلاً عن المخاطر التي تتربص بالشباب العائد جراء التجنيد العسكري، والزج بهم في جبهات القتال.

أمين بشير: الأزمة الاقتصادية تخلق أعباءً كل يوم على لبنان تجاه النازحين

ويقول الصحفي السوري، والناشط الحقوقي، حسام النهار إنّ "نظام الأسد يعتبر أنّ كل اللاجئين السوريين مجرمون وإرهابيون ثاروا من أجل إسقاطه، لذلك لم تنفع كل التطمينات التي يحاول النظام ترويجها من أجل عودة اللاجئين السوريين، وهذا ما أكده تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في أيلول (سبتمبر) الماضي، باسم (أنت ذاهب إلى الموت)، والذي يلخص ما سوف يجري للاجئين في حال عودتهم، اعتماداً على رصد ما حدث لعدد من اللاجئين من اعتقالات وتعذيب وانتهاكات جنسية وإخفاء قسري".

ومن جانبه قال المحامي والسياسي اللبناني، أمين بشير: "طبيعي في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة أن يصبح الوجود السوري عبئاً كبيراً على القدرة المحدودة للدولة اللبنانية؛ إذ إنّ الأزمة الاقتصادية تخلق أعباءً كل يوم على لبنان تجاه النازحين".

وتابع السياسي اللبناني: "هناك استغلال سياسي ومزايدة بشأن قضية النازحين السوريين، ليس من ناحية علمية بخصوص مدى تكلفة وجودهم على الاقتصاد والبنى التحتية والآثار الاجتماعية. ويُوظَف الإعلام سواء للتهويل من خطر الوجود السوري، أو الدفاع الشديد عن وجود السوريين".

الصحفي السوري، حسام النهار لـ"حفريات": في حال بدأت حكومة لبنان في تنفيذ خطة إعادة اللاجئين قسرياً ستحكم على نفسها بأن تكون منبوذة عالمياً

وأضاف: "هناك تخوفات من تجارب اللجوء الفلسطيني؛ لهذا البعض لا يريد بقاء السوريين في مخيمات منعاً لتكرار تجارب المخيمات الفلسطينية التي تحولت إلى بؤر خارجة عن سيطرة الدولة، وهناك فئة تخشى من التحولات الاجتماعية جراء دمج السوريين البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، في مجتمع له توازنات دقيقة ووضع اجتماعي معقد".

وحول خطط الحكومة لإعادة النازحين، قال السياسي اللبناني، أمين بشير: "الوضع اللبناني ما عاد يحتمل، إذ إنّ الدولة عاجزةٌ عن توفير أبسط مقومات الحياة لمواطنيها، فكيف بنازحين يستفيدون من السلع المدعومة ويشكلون ضغطاً على المرافق العامة، ولأنّ المجتمع الدولي يرفض خطط الحكومة لإعادة النازحين السوريين، فقد يتحرك حزب الله بما له من سيطرة على قطاعات أمنية للضغط على السوريين لإجبارهم على العودة، إلا أنّهم لن يعودوا، وسيفضلون الجحيم في لبنان على جحيم أشد ينتظرهم في سوريا، ولهذا فهي أزمة معقدة تحتاج إلى حل سياسي بدعم المجتمع الدولي".

ضغوط الأزمة الاقتصادية

ومن غير المقبول تناول أزمة النازحين من الناحية الإنسانية فقط، دون مراعاة الواقع اللبناني الذي ينعكس على حياة المواطنين، إذ إنّ الاقتصار على الناحية الإنسانية على حساب المواطن اللبناني يخلق ردود أفعال شعبية تجاه السوريين، مثل العنصرية والصدام المجتمعي.

ومن جانب آخر، فالأزمة السورية التي تجاوزت عشرة أعوام دون حل في الأفق شكلت أعباءً كبيرة على الدولة اللبنانية الهشة، والتي لم تكن بعيدةً عن مجريات الحرب السورية، سواء بتدخل حزب الله المباشر في سوريا، وتسببه بشكل كبير في أزمة النزوح السوري تجاه لبنان، وتبعية قوى سياسية لبنانية لمحور إيران وسوريا، بجانب التبعات الاقتصادية.

وكان وزير شؤون المهجرين اللبناني صرح بأنّ لبنان تكلف 13 مليار دولار تكلفة النزوح السوري منذ العام 2014، دون أنّ يأتي على ذكر ما حصل عليه لبنان من منح دولية لمساعدته على مواجهة أعباء هذا النزوح.

ويقول الصحفي السوري، حسام النهار: "لا أنكر أنّ اللاجئين السوريين في لبنان يتحملون جزءاً من المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية الراهنة في لبنان، ولكنّ جذور الأزمة ممتدة لما قبل لجوء السوريين، وما يظهر أنّ الحكومة اللبنانية تريد شماعة لتعليق فشلها وفسادها المستمرين من قبل 2011 وحتى الآن، ولم يجدوا أفضل من اللاجئين السوريين".

وأفاد الصحفي السوري بأنّ "لبنان تلقى حوالي 9 مليارات دولار كمساعدات من خلال "خطة لبنان للاستجابة للأزمة" منذ العام 2105،  هذا غير المساعدات المقدمة للاجئين السوريين كمنح من الدول المانحة، والتي تُخصص نسبة 18% منها للاستثمار في البنية التحتية من تعليم وصحة والمياه والصرف الصحي، وغير ذلك، إضافةً لمساهمة السوريين في الاقتصاد اللبناني؛ من خلال المساعدات المقدمة لهم من الجهات المانحة، ومن خلال الحوالات الخاصة التي تصلهم من ذويهم في بلدان الاغتراب واللجوء في أوروبا، وكل هذه الأموال تصب في عجلة الاقتصاد اللبناني".

الحكومة اللبنانية تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن النزوح السوري

ويرى الصحفي السوري أنّ الحكومة اللبنانية تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن النزوح السوري؛ لأنّ أكثرية اللاجئين السوريين المتواجدين في لبنان تم تهجيرهم على يد نظام الأسد وحزب الله اللبناني من منازلهم في ريف حمص والقلمون وقرى وادي بردى وريف دمشق".

وحول الجهود اللبنانية لنيل تأييد دولي لخطة ترحيل اللاجئين، قال: "لا يستطيع أحد في العالم منح لبنان الإذن بإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم؛ لأنّ ذلك يخرق المواثيق الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين، ولا أعلم مدى استعداد الحكومة اللبنانية على تحدي العالم بملف اللاجئين، ولكن في حال بدأت في تنفيذ خطة إعادة اللاجئين قسرياً ستحكم على نفسها بأن تكون منبوذة عالمياً لأجيال، مع وصمة عار ستلاحقها عبر التاريخ".

وشيء آخر يراه الصحفي السوري، في طرح لبنان خطة إعادة النازحين، وهو "ابتزاز الدول المانحة لتقديم دعم أكبر، حيث طلبت الحكومة 3.2 مليار دولار لتمويل احتياجات النازحين بالتزامن مع تصريحات ميقاتي السابقة بشأنهم".

وبحسب تصريحات المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، شابيا مانتو، تتصدّر سوريا أعداد اللاجئين حول العالم، إذ فر منها 6.8 مليون شخص، يتوزعون على دول تركيا ولبنان والأردن ومصر ودول أوروبية وغيرهم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية