باهرة الشيخلي
يتبجح قادة الميليشيات الطائفية، متناغمين مع إيران، بأنهم و”الشعب العراقي وجمهور المقاومة” سيقاتلون القوات الأميركية على أرض العراق، كما قاتلوا تنظيم داعش وأنهم سيطردون المحتلين من العراق.
لكن الشارع العراقي الذي يعاني من وطأة نقص الخدمات الناجم عن فساد الطبقة السياسية ومصاعب العيش في ظل ندرة فرص العمل، يعي لعبة الميليشيات وصدرت عنه تعليقات ردا على هذه التصريحات، مثل “أرسلوا في طلب مجاهدي رفحاء، الذين تنفقون عليهم عشرات المليارات من الدولارات شهريا ليقاتلوا الأميركان”، أو “اذهبوا أنتم وقاتلوا إنا ها هنا قاعدون”، كما انطلقت دعوات كثيرة إلى أن يلزم العراقيون بيوتهم في حال جرت مصادمات بين القوات الأميركية والميليشيات الموالية لإيران.
والواقع أن الميليشيات التي ضمها الحشد الشعبي، أسست لتطويق العراقيين وانتزاع حريتهم وإذلالهم واغتيال من يناوئ الوجود الإيراني في العراق، وآخر دليل على ذلك اغتيال الروائي والأكاديمي علاء مشذوب في كربلاء لأنه دافع عن العراق، فأصبح شهيد الذود عن الحرية والجمال والشعب المغلوب وعن حق وطنه في العيش الرغيد.
وإذا افترضنا أن طهران يمكن أن تخوض حربا ضد واشنطن فإنها ستجمع لهذه الحملة “المفترضة” كل أدواتها من أحزاب وميليشيات وهو ما سبق أن أقدمت عليه في لبنان وسوريا والبحرين واليمن، رغم أنها تدرك أن من يخون بلده لا يمكن أن يخلص له. إن نظام الولي الفقيه في إيران يتآكل من داخله منذ زمن، لذلك لا نعجب إذا تهاوى فجأة، ويومها لن تحميه ميليشيات ولا مرتزقة ولا أي أداة أعدها لتأجيل المصير المحتوم.
إن الميليشيات في العراق إيرانية التصميم والإعداد والتمويل والمرامي والأهداف، وقد خرج الحشد الشعبي من تحت عباءتها، و”مشروع الحشد” هو نواة للحرس الثوري الساعي إلى اقتطاع العراق وإلحاقه بولاية الفقيه الإيرانية وغالبية الأحزاب الدينية تعمل بهذا الاتجاه. تأسست أولى الميليشيات العراقية في إيران في فبراير 1980 تحت إشراف الحرس الثوري، قبل شهور من شن إيران حربها على العراق، التي انتهت بتجرع زعيم الثورة الإيرانية الخميني كأس السم، وجرى ضم هذه الميليشيات إلى مكتب حركات التحرر العالمية برئاسة سيد مهدي هاشمي، الذي أعدم لاحقا بسبب فضحه العلاقة السرية بين طهران وواشنطن.
وعندما اندلعت حرب الخليج الأولى في سبتمبر 1980، كلفت إيران عناصر الميليشيا العراقية بتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب داخل العراق طوال سنوات الحرب 1980-1988 وقد تحولت هذه الميليشيا أثناء الحرب إلى ما يسمى بفيلق بدر تحت قيادة أبي مهدي المهندس ثم محمود الهاشمي شاهرودي.
في السادس من أبريل 1981 بايعت الأحزاب الطائفية العراقية في مؤتمرها بطهران، الخميني إماما ووليا مرشدا، وتبنت مشروع ولاية الفقيه المطلقة وأعلنت الانضمام إلى جبهات القتال ضد العراق، وكان في مقدمة هؤلاء محمد باقر الحكيم وحزب الدعوة ومنظمة العمل الإسلامية.
لم تتوقف العمليات التخريبية داخل العراق منذ بداية الثورة الإيرانية، بل أسهم فيلق بدر بقيادة هادي العامري وبإشراف عبدالعزيز الحكيم في دخول الأراضي العراقية أثناء العدوان الأميركي والوصول إلى معسكر تابع لحزب جلال الطالباني حيث تمت إعادة تنظيم فصائل ميليشيا بدر وتحديد أهداف لها دعما للجهد العسكري الأميركي بالتنسيق مع ميليشيا الاتحاد الكردستاني تحت إشراف جلال الطالباني.
بالنسبة لحزب الدعوة، فبالرجوع إلى تاريخه يتبين أن الخميني، بعد الإطاحة بالشاه، شجع على مجيء جميع أعضاء الحزب إلى إيران لتنشأ أربع قيادات لهذا الحزب باسم واحد يختلف بعض الشيء حسب أعمالهم، وأقامت إيران للحزب معسكرات تدريب عدة منها معسكر “الشهيد الصدر” في الأحواز، وقد استمر هذا المعسكر يشكل أكبر تجمع لحزب الدعوة في إيران حتى عام 1981 وتمكن من تدريب 7000 مقاتل لغرض تنفيذ عمليات سرية داخل العراق لصالح المخابرات الإيرانية. وبمجرد دخول قوات الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 عمل حزب الدعوة على إطلاق تصريحات طائفية وإبراز حقد وكراهية لا مثيل لهما، فأغلب الدوائر التي تعرضت للسرقة كان حزب الدعوة قد خطط لها.
لم يعد أحد في العراق يستمع إلى إيران وعناصرها الميليشياوية وهي تعزف مزاميرها، وما من عراقي الآن إلا ويزدري هذه الميليشيات التي سينتهي بها المآل إلى مأدبة كبرى تأكل فيها كل واحدة لحم أختها.
عن "العرب" اللندنية