المواقف التركية تجاه فلسطين عبر 7 عقود: ما أبرز التحوّلات؟

فلسطين

المواقف التركية تجاه فلسطين عبر 7 عقود: ما أبرز التحوّلات؟


05/02/2020

بين حقيقة كونها الدولة المسلمة الأولى المعترفة بـ "إسرائيل"، وإحدى أكبر الدول من حيث حجم التبادل التجاري اليوم مع "إسرائيل" من جهة، ومشاهد التنديد بالحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، والاعتداءات على القدس، من جهة أخرى؛ في أي سياق يأتي كلّ من الاتجاهين؟ وكيف استطاعت السياسة التركية الجمع بينهما؟ 
لحظة الانحياز الكامل لـ "إسرائيل"
كانت تركيا أول دولة من العالم الإسلامي تعترف بدولة "إسرائيل"، وكان ذلك بعد إعلان قيامها بعام واحد، عام 1949، وجاء الموقف التركي حينها متفقاً مع الخطّ العام للتوجه القائم على التحالف مع المعسكر الغربي، وإحداث القطيعة مع المحيط العربي والإسلامي.

كانت تركيا أول دولة من العالم الإسلامي تعترف بدولة "إسرائيل"، وكان ذلك بعد إعلان قيامها بعام واحد

مع انضمام تركيا لحلف "الناتو"، عام 1952، ومن ثم الانضمام إلى حلف بغداد، عام 1955، والتوافق بذلك مع مبادئ ورؤى الإستراتيجية في عهد أيزنهاور ومبدئه الشهير "ملء الفراغ"، تعزّز التقارب التركي مع "إسرائيل"، وذلك في مقابل الدول العربية، التي أعلنت عداءها للأخيرة.
في حرب عام 1967؛ التزمت تركيا الحياد، وبعد الحرب، ساندت قرار الأمم المتحدة رقم (242) القاضي بانسحاب "إسرائيل" من الأراضي الفلسطينية المحتلّة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

السفير التركي الأول إلى تل أبيب يتوسط حاييم وايزمان (يسار) ووزير الخارجية الإسرائيلي موسى شاريت (يمين)

السبعينيات.. بداية التحوّل
بدءاً من عقد السبعينيات، وبعد عام 1973 تحديداً، بدأت تركيا توجهاً جديداً للتقارب مع الدول العربية، وجاء ذلك بعد ارتفاع أسعار النفط، وتصاعد حجم الواردات النفطية من الدول العربية إلى تركيا، وازدياد حجم الصادرات التركية إلى الدول العربية.

اقرأ أيضاً: الجزائر وفرنسا وتركيا: آلام الماضي وأطماع المستقبل
وجاءت سلسلة من المواقف التركية المناصرة لفلسطين، بداية من التصويت عام 1975 لصالح اعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، والاعتراف بمنظمة التحرير عام 1976، ومن ثم تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع "إسرائيل" عام 1980، احتجاجاً على إعلان "إسرائيل" القدس عاصمة لها، ومن ثم جاء الاعتراف التركي بالدولة الفلسطينية بعد إعلان الجزائر عام 1988.
رغم ذلك؛ استمرت العلاقات الجيدة بين تركيا و"إسرائيل"، وتعزز مستوى التبادل التجاري بينهما خلال الثمانينيات، وارتفع حجم التجارة بينهما إلى (29) مليون دولار عام 1986، و(140) مليون دولار عام 1990.
البحث عن أدوار جديدة
في أعقاب نهاية الحرب الباردة، بدأت تركيا تتجه للبحث عن أداء أدوار جديدة لها على الساحة الدولية، ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، عام 2002، أخذ هذا الدور الجديد شكله عبر توجّه تركيا نحو لعب دور قيادي على مستوى إقليم الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي، ومن جملة ما اقتضاه هذا الدور؛ إبداء التعاطف مع الفلسطينيين، والاهتمام بهم، ورفض ومعارضة الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحقّهم، وهيأت هذه التحولات لخلق حالة من التوتر المحتملة مع "إسرائيل"، خصوصاً مع استمرار سيطرة اليمين على الحكم فيها.

 

غزة وحماس.. عنوان التوجه الجديد
وجاء الموقف الرسمي التركي الأول ضمن هذا التوجه؛ عندما وصف أردوغان اغتيال "إسرائيل" لقائد حماس، الشيخ أحمد ياسين، عام 2004، بـ "العمل الإرهابي".
وبعد نجاح حركة حماس في الوصول إلى الحكم في فلسطين، عام 2006، بادرت أنقرة إلى تقديم دعوة غير رسمية لخالد مشعل، لزيارة تركيا، وهو ما مثّل حينها تعارضاً صريحاً مع جهود واشنطن وتل أبيب العازمة آنذاك على عزل حركة حماس دولياً.

اقرأ أيضاً: هل توقيع اتفاقية أمنيّة مع تركيا وراء استقالة رئيس وزراء قطر؟
وتصاعد التوتر مع موقف تركيا المندد بشدّة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، نهاية عام 2008، وتلا ذلك موقف رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، عندما غادر جلسة حوار في منتدى دافوس، عام 2009، بعد مشادّة مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز.
بالنسبة إلى تركيا كانت هذه المواقف الجديدة ذات فائدة لمصالحها أيضاً، وبسببها اكتسبت تركيا المزيد من التأييد الشعبي العربي، لتساهم بذلك في تعزيز القوة الناعمة التركية.

لحظة مغادرة أردوغان جلسة الحوار في منتدى دافوس 2009

لحظة صدام وتوتر
وبلغ التوتر بين تركيا و"إسرائيل" ذروته بعد حادثة الهجوم الإسرائيلي، في أيار (مايو) 2010، على سفينة "مرمرة" التركية من "أسطول الحرية"، الذي كان متجهاً إلى قطاع غزة بهدف كسر الحصار المفروض عليه، وأدى الاعتداء إلى مقتل تسعة من أفراد طاقم السفينة.

استمرت العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل وقد تخطى حجم التبادل التجاري بينهما حاجز الأربعة مليارات دولار عام 2018

وجاء الردّ التركي عبر تنديد شديد اللهجة، وقرار تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع تل أبيب، وتجميد الاتفاقات العسكرية معها، وتقديم شكوى في محكمة العدل الدولية، والمطالبة بتقديم الاعتذار والتعويض، ورفع الحصار عن قطاع غزة.
ورغم احتدام الأزمة، إلا أنّها لم تعِق استمرار نمو التبادل التجاري بين البلدين، وبرز في هذه المرحلة دور القطاع الخاص والشركات غير الحكومية في البلدين، ذلك أنّ تجميد العلاقات لم يسرِ على القطاع الخاصّ في تركيا، مما ساهم في الحفاظ على استمرار العلاقات التجارية، وقد تخطى حجم التبادل التجاري بين البلدين حاجز الأربعة مليارات دولار عام 2018.

لم تعق الأزمة السياسة بين تركيا و"إسرائيل" استمرار نمو التبادل التجاري بينهما

المصالحة والتطبيع من جديد
على الصعيد السياسي؛ استمرت الأزمة دون إبداء بوادر لحلّها حتى عام 2014؛ حين أعلنت "إسرائيل" إنشاءها صندوقاً لتعويض ضحايا السفينة، وذلك كخطوة منها مقابل إعادة السفراء وإلغاء تركيا دعاوى مرفوعة على عسكريين إسرائيليين، وإبعاد صالح العاروري، أحد قادة حماس، عن تركيا.
وفي آب (أغسطس) 2016؛ توصّل الجانبان إلى اتفاق مصالحة بشكل رسمي ونهائي، والعودة إلى تطبيع العلاقات بالكامل، مع عودة التنسيق الأمني والاستخباري بالكامل بين البلدين، وتضمّن الاتفاق التفاهم بين الجانبين على الالتزام بعدم العمل ضدّ بعضهما في المنظمات الدولية، وتنازل تركيا عن شرط رفع الحصار عن القطاع، والتزامها بعدم السماح لقادة حماس من العمل ضدّ "إسرائيل" على أراضيها.

وفي كانون الأول (ديسمبر) 2017؛ برز موقف تركيا الرافض لقرار دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"، وإعلانه نقل سفارة بلاده إليها، وجاء ردّ الفعل التركي قوياً عبر استضافة تركيا مؤتمراً إسلامياً أكّد رفض القرار بعد صدوره بأيام.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية