
دخلت إيران وإسرائيل في مواجهة عسكرية مباشرة وغير مسبوقة، بعد سنوات من التصعيد غير المعلن والاشتباكات غير النظامية في ساحات متعددة. وقد أثار هذا التصعيد مخاوف عالمية من تدحرج الموقف إلى حرب شاملة ذات أبعاد نووية واقتصادية وجيوسياسية مدمرة.
المواجهة بدأت بهجوم إسرائيلي مباغت على مواقع داخل إيران، أسفر بحسب طهران عن مقتل قادة عسكريين وعلماء نوويين ومدنيين. وردّت إيران بسلسلة من الصواريخ والمسيّرات استهدفت مواقع عسكرية داخل إسرائيل، وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى، بينهم مدنيون وفق الرواية الإسرائيلية.
وعلى الرغم من النداءات الدولية لضبط النفس، فإن الردود المتبادلة استمرت لعدة أيام، وسط مؤشرات على احتمال توسع المواجهة جغرافيًا وتعدد أطرافها، وسط الحديث عن عدة سيناريوهات قد تنجر عن هذا التصعيد.
انخراط الولايات المتحدة في القتال
رغم النفي الرسمي، تشير بعض التقديرات إلى أن إيران قد تعتبر أن واشنطن ضالعة بشكل غير مباشر في الهجوم الإسرائيلي، ما قد يدفعها لاستهداف قوات أو مصالح أمريكية في المنطقة. وتنتشر القوات الأمريكية في قواعد متعددة في العراق والخليج، ما يجعلها عرضة لأي تصعيد محتمل.
وقد حذرت إدارة البيت الأبيض إيران من أي تصعيد ضد أهداف أمريكية، مع الحفاظ على مستوى عالٍ من الجاهزية العسكرية. ومع ذلك، فإن مقتل أي أمريكي سواء داخل إسرائيل أو خارجها، قد يغير الحسابات، ويدفع واشنطن إلى موقف هجومي مباشر، خصوصًا في ظل الضغوط الانتخابية الداخلية على الإدارة الأمريكية المقبلة.
امتداد النزاع إلى دول الخليج
ويرجح مراقبون أنه، في حال شعرت إيران أنها عاجزة عن الرد بشكل فعّال على إسرائيل مباشرة، قد توجّه ضرباتها نحو منشآت حيوية في دول خليجية، تعتبرها طهران خصومًا تقليديين أو داعمين للسياسات الغربية والإسرائيلية.
وقد سبق أن شهدت المنطقة حوادث مشابهة، من قصف منشآت نفطية سعودية عام 2019، إلى استهداف الحوثيين لأهداف إماراتية في 2022. ورغم تحسن العلاقات الإيرانية الخليجية في الآونة الأخيرة، فإن أجواء الحرب قد تضع تلك المصالح موضع تهديد، خاصة أن بعض الدول تستضيف قواعد عسكرية أمريكية وتشارك أحيانًا في تنسيق دفاعي مع تل أبيب.
إخفاق إسرائيل في ضرب البرنامج النووي الإيراني
ويعد أحد أهم أهداف إسرائيل في هذا التصعيد هو تحييد البرنامج النووي الإيراني. إلا أن تعقيد البنية التحتية النووية، واحتمالية وجود منشآت سرية عميقة، قد تجعل المهمة أكثر صعوبة.
في حال شعرت إيران أنها عاجزة عن الرد بشكل فعّال على إسرائيل مباشرة قد توجّه ضرباتها نحو منشآت حيوية في دول خليجية تعتبرها طهران خصومًا تقليديين
ويقدّر خبراء أن طهران تملك مخزونًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% يكفي لإنتاج عدد من القنابل النووية خلال وقت قصير نسبيًا، إذا تم اتخاذ قرار بذلك. وإذا شعرت القيادة الإيرانية أن أمنها القومي بات مهددًا وجوديًا، فقد تعمد إلى تسريع مشروعها النووي كوسيلة ردع، ما سيشكل نقطة تحول خطيرة في الصراع.
اضطرابات في سوق الطاقة والاقتصاد العالمي
هذا وتشير تقارير استخبارية إلى أن مضيق هرمز يمرّ عبره نحو 20% من النفط العالمي، معتبرين أن أي محاولة من إيران لتعطيل الملاحة فيه ستنعكس فورًا على أسعار النفط وسلاسل الإمداد العالمية. كما أن الحوثيين، الحليف الأبرز لطهران، قد يصعدون عملياتهم في البحر الأحمر، مما يهدد حركة التجارة الحيوية.
ووسط التضخم العالمي وتباطؤ النمو في عدة دول كبرى، فإن صدمة في أسعار الطاقة ستزيد من تعقيد الأوضاع، وتمنح بعض القوى الأخرى مثل روسيا دفعة مالية غير متوقعة في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها.
سقوط النظام الإيراني: الاحتمالات والتداعيات
رغم أن إسرائيل لم تعلن رسميًا نيتها في إسقاط النظام الإيراني، فإن بعض التصريحات الإسرائيلية توحي بتطلعها لتغيير جذري في طهران. ومع أن هناك قوى إيرانية معارضة تأمل في ذلك، فإن سيناريو سقوط الحكم المركزي في إيران قد يؤدي إلى فراغ خطير.
وقد يتكرر ما حدث في العراق أو ليبيا، حيث أفضى انهيار النظام إلى فوضى أمنية وانتشار ميليشيات متنازعة، ما قد يُدخل إيران في صراع داخلي معقد له تداعيات تتجاوز حدودها الجغرافية.
ومن الجدير بالذكر أن الصراع بين إيران وإسرائيل دخل مرحلة غير مسبوقة من التصعيد المكشوف، فيما تبدو إيران عازمة على الرد بما يحفظ ماء وجهها الإقليمي، وتبدي استعدادًا لدفع تكلفة عالية في سبيل ذلك. أما إسرائيل، فقد تجد في هذا التصعيد فرصة لإعادة رسم المعادلات الإقليمية بالقوة، لكن بتكلفة غير مضمونة.
الانقسام الداخلي في إيران وإسرائيل: ضغوط الداخل تقوّض خيارات الخارج
ورغم تصعيد الخطاب السياسي والعسكري في طهران وتل أبيب، إلا أن كلفة الحرب بدأت تثير قلقًا داخليًا متصاعدًا في كلا البلدين، مع تباين المواقف داخل النخب والشارع إزاء جدوى التصعيد ومخاطره.
ففي إيران، ورغم توحّد المواقف الرسمية خلف "الرد الحاسم"، بدأت أصوات من التيار الإصلاحي، وأوساط أكاديمية، وقطاعات شعبية في طهران وأصفهان وكرمان، تنتقد التصعيد.
وترى هذه الفئات أن الانخراط في حرب مفتوحة قد يطيح بمكتسبات دبلوماسية واقتصادية هشة، نُسجت بعد استئناف العلاقات مع بعض دول الخليج، وعودة طهران إلى مشاورات مع أطراف أوروبية وآسيوية.
رغم تصعيد الخطاب السياسي والعسكري في طهران وتل أبيب إلا أن كلفة الحرب بدأت تثير قلقًا داخليًا متصاعدًا في كلا البلدين
كما أن الوضع الاقتصادي المتدهور، والانخفاض المتواصل في قيمة الريال الإيراني، مع تزايد الاحتقان الشعبي على خلفية العقوبات الغربية، يجعل الرأي العام أقل حماسة لتصعيد مفتوح قد يُعمّق الأزمة.
يُضاف إلى ذلك الحذر داخل بعض أجنحة الحرس الثوري التي تخشى أن يجرّ الصراع البلاد إلى مواجهة تضعف قدرة المؤسسة الأمنية على الإمساك بزمام الداخل، خاصة في حال اندلاع احتجاجات جديدة كالتي شهدتها إيران عام 2022.
أما في إسرائيل، فالانقسام أكثر وضوحًا، إذ يتّهم خصوم نتنياهو، وعلى رأسهم زعيم المعارضة يائير لابيد، الحكومة باستغلال المواجهة مع إيران للهروب من الأزمات السياسية والقضائية التي تواجهها، خاصة ما يتعلق بإصلاحات القضاء المثير للجدل والتي أشعلت احتجاجات غير مسبوقة عام 2023.
وترى بعض الصحف العبرية مثل "هآرتس" و"معاريف" أن التصعيد مع إيران أُدير بشكل أحادي من قبل نتنياهو ودائرة ضيقة حوله، دون موافقة موسعة من مجلس الوزراء الأمني المصغّر، ما يثير تساؤلات حول شرعية القرار وتوقيته.
في الشارع الإسرائيلي، يزداد القلق من اتساع رقعة الحرب، خاصة مع سقوط صواريخ في مناطق مدنية، وارتفاع التكلفة الأمنية والاقتصادية، إلى جانب تصاعد المخاوف من فقدان السيطرة على جبهات متعددة، كالجبهة الشمالية مع حزب الله، وغزة، والضفة الغربية.
هذه التصدعات الداخلية في كلا البلدين قد تُقيّد قرارات التصعيد، أو على العكس، تدفع بعض الأطراف نحو خيار التصعيد المزدوج لتصدير الأزمات، وهو ما يجعل حسابات الحرب والسلام مرتبطة بقدر كبير بموازين القوى داخل العواصم المتصارعة، لا فقط بالميدان.