الممر الهندي - الأوروبي... شرق أوسط جديد الآن؟!

الممر الهندي - الأوروبي... شرق أوسط جديد الآن؟!

الممر الهندي - الأوروبي... شرق أوسط جديد الآن؟!


21/09/2023

محمد حسين أبو الحسن

لا تزال المعلومات المتاحة عن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا قليلة، لكن ما رشح عنها حتى الآن، ينبئ أننا أمام نقطة تحول هائلة ونقلة عابرة للقارات على رقعة الشطرنج الدولية، بكل نتائجها الاستراتيجية وفوائد للأطراف المشاركين بالمشروع، أو خسائر متفاوتة للاعبين آخرين يجري إقصاؤهم عن الساحة. تنفتح أبواب للتنمية والرخاء أو يخرج عفريت آخر من قمقم الصراعات، لكن في كل الأحوال لن يصبح الشرق الأوسط كما كان، بل سيتغير وربما يصبح جديداً بشكل لا يصدق!

600 مليار دولار

على هامش قمة مجموعة العشرين التي عقدت في العاصمة الهندية نيودلهي، مؤخراً، وقع قادة الولايات المتحدة، والهند، والسعودية، والإمارات، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والاتحاد الأوروبي - بالإضافة إلى إسرائيل - مذكرة تفاهم للعمل على تطوير ممر اقتصادي جديد يربط بين الهند وأوروبا، مروراً بالشرق الأوسط. يمثل الممر الجديد شراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار، وهو عبارة عن ممرين منفصلين، الأول الممر الشرقي ويربط الهند بالخليج العربي، والآخر الممر الغربي الذي يربط الخليج بأوروبا مروراً بالأردن وإسرائيل. وفقاً لبيان صادر عن البيت الأبيض، يهدف الممر الاقتصادي الجديد إلى "ربط الهند بأوروبا، من خلال خط للسكك الحديد والموانئ القائمة عبر الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، وهو ما من شأنه أن يولِّد النمو الاقتصادي، ويحفز الاستثمارات الجديدة، وتسهيل تطوير الطاقة النظيفة وتصديرها، ويدعم التجارة والصناعة والأمن الغذائي وسلاسل التوريد، وينشئ فرص عمل نوعية، عبر آسيا وأوروبا (أوراسيا)، باستثمارات مبدئية 600 مليار دولار".

وتنتقل البضائع عبر الممر من/إلى ميناء مومباي الهندي ثم الموانئ الإماراتية، إلى خط سكك حديد في عمق الأراضي السعودية، ثم الأردن، وبعدها إسرائيل؛ ليتم تفريغ البضائع على سطح السفن بالبحر المتوسط؛ لتذهب إلى ميناء فيرايوس باليونان، حيث تقلها القطارات عبر الدول الأوروبية المختلفة، وصولا إلى ألمانيا.

وعلى رغم أن الممر الجديد يعد محاولة هندية محكمة؛ لمزاحمة النفوذ الصيني المتصاعد في أوروبا، فإنه يشكل إحدى حلقات المبادرة الأميركية "الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالميين"، وهي بمثابة الرد الغربي على مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين عام 2013 لتنمية البنية الأساسية التي تربطها بالعالم، في ظل تنافسها المستعر مع الولايات المتحدة؛ للسيطرة على حركة التجارة العالمية. من أجل ذلك يمثل مشروع الممر الهندي - الشرق أوسطي - الأوروبي، برعاية أميركية، مظلة لتحالف هندي - أميركي يندرج في إطار رغبة الإدارة الأميركية في صياغة وتكوين وبناء تحالفات إقليمية، تهدف لضمان الهيمنة الأميركية على العالم، وبناء حوائط صد قوية أو مناطق عازلة حول الصين، تكبح تمدد قواها ونفوذها.

مكسب للعالم

وقد جاء في البيان الصادر عن البيت الأبيض، بعد إعلان مشروع الممر الاقتصادي، أن الهدف منه هو إطلاق عصر جديد من الاتصال من خلال السكك الحديدية وعبر الموانئ التي تربط أوروبا والشرق الأوسط وآسيا. وتعتزم الولايات المتحدة وشركاؤها ربط القارتين بمحطات تجارية، وتسهيل تطوير الطاقة النظيفة وتصديرها، ومد كابلات تحت البحر وربط شبكات الطاقة وخطوط الاتصالات؛ لتوسيع نطاق الوصول الموثوق إلى الكهرباء، وتمكين ابتكار تكنولوجيا الطاقة النظيفة المتقدمة، وربط المجتمعات بالإنترنت الآمن والمستقر، ودفع التجارة والتصنيع الحاليين قدماً وتعزيز الأمن الغذائي وسلاسل التوريد عبر الممر، كما تستهدف واشنطن إطلاق استثمارات جديدة من الشركاء، بما في ذلك القطاع الخاص.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الممر "صفقة كبيرة حقيقية"، من شأنها أن تربط الموانئ عبر قارتين، وتؤدي إلى "شرق أوسط أكثر استقراراً وازدهاراً وتكاملاً"؛ بينما أشار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى أن الممر يسهم في تطوير وتأهيل البنى التحتية التي تشمل السكك الحديدية، وربط الموانئ وزيادة مرور السلع والخدمات، وتعزيز التبادل التجاري بين الأطراف المعنية، كذلك مدَّ خطوط الأنابيب لتصدير واستيراد الكهرباء والهيدروجين لتعزيز أمن الطاقة العالمي، بالإضافة إلى كابلات لنقل البيانات من خلال شبكة عابرة للحدود ذات كفاءة وموثوقية عالية.

أما بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، فوصف مشروع الممر الاقتصادي الجديد بأنه حلم تحول إلى حقيقة، لافتاً إلى أنه سيُغير وجه إسرائيل والشرق الأوسط، إلى الأبد، مبيناً أن بلاده ستكون مفترق طرق مركزياً في هذا الممر. في هذا السياق، أوضح أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، أن بلاده تعمل في الشرق الأوسط على تعزيز التحالفات بين إسرائيل والدول العربية وخلق شراكات جديدة، مثل السعودية وإسرائيل. بينما أشار آموس هوكشتاين، كبير مستشاري شؤون أمن الطاقة العالمي في إدارة بايدن، إلى أنه يمكن وضع خطط الممر الاقتصادي موضع التنفيذ خلال العام المقبل، حتى ينتقل إلى الإعداد المالي والبناء.

وبحسب تقرير لـ"أسوشييتد برس"، ستقوم مجموعات العمل خلال الـ60 يوماً المقبلة بوضع خطة أكمل وجداول زمنية لتنفيذ الممر. ولو نجح القائمون على المشروع في تدشينه واقعياً وإدارته على قاعدة تبادل المصالح بين الجميع، بعيداً عن إثارة الصراعات الجيوسياسية، فإن المشروع سيصبح مكسباً للعالم كله، نظراً لدوره المتوقع في توفير إمدادات الطاقة العالمية، وسلاسل التمويل، والتسهيلات اللوجستية وغيرها. لكن الفشل في الالتزام بهذه الأسس قد يفتح أبواب الجحيم عبر الخرائط التي يقطعها، في "أوراسيا"؛ لاسيما في الشرق الأوسط المتخم بالفرص والأزمات.

صدام أم وئام؟

يرى الخبير الاقتصادي المصري إبراهيم نوار أن الولايات المتحدة أطلقت - من خلال مشروع الممر بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا - الطلقة الأولى في ما يمكن أن يصبح صداماً تاريخياً بين حضارات العالم كله، في الشرق الأوسط براً وبحراً وجواً، ما قد يضع الشرق الأوسط في عين العاصفة العالمية التي قد تحدث في حال نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين، أو قد يحدث العكس، أي أن يجعل "المشروع الجديد" المنطقة ساحة للتعاون بين الحضارات من أجل بناء سلام مستدام لخير الشعوب، وخير الطبيعة؛ لأنه يجعل تبادل المنافع بين الدول أقرب مما كان، إذا نجحت دول المنطقة في أن تنأى بنفسها عن الصراعات الجيوسياسية بين القوى العالمية المتصارعة على النفوذ والهيمنة، وكذلك في أن تنأى بسياساتها الإقليمية عن نزعات التدخل ومحاولة فرض السيطرة بدوافع أيديولوجية أو دينية أو مذهبية أو عنصرية. أما إذا تحكمت محركات نزعات السيطرة والهيمنة من أي نوع، فإن المنطقة قد تصبح طاحونة حروب مريرة لسنوات طويلة، تدفع فيها المنطقة من ماضيها وحاضرها الغالي والنفيس.

وإذا كانت الدول العربية المشاركة الإمارات والسعودية والأردن ترى في "الممر الاقتصادي" إحدى آليات النهوض والتنمية والتقدم، تفتح أبواب التعاون على أسس اقتصادية وسياسية لدول أخرى في المنطقة، إذا نفذ المشروع بحصافة وحسن تدبير، ومراعاة المخاوف الكامنة تحت السطح لدى آخرين، مثل القلق المصري من تأثير الممر سلبياً على قناة السويس.

ولا شك في أن تعدد المسارات الحضارية والقارية عبر الشرق الأوسط ظاهرة صحية، في عصر يتميز بالتعددية والتعايش السلمي، ويسهم في رفع مستوى رفاهية العالم؛ فليس ثمة ما يمنع أن يتعايش الممر الاقتصادي بين آسيا وأوروبا مع طريق الحرير الجديد، أو ما يمنع التعايش بين محور الشمال - الجنوب من بحر البلطيق إلى بحر العرب، مع طريق البحر الأبيض - البحر الأحمر عبر قناة السويس، أو التعايش بين أي مشروعات أخرى تضيف إلى تعددية الاتصال والنقل وسلاسل الإمدادات بين الشرق والغرب، أو الشمال والجنوب.

وإلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في مسيرة "الممر الجديد"، لا يمكن لأي طرف أن يتجاهل حسابات الربح والخسارة المترتبة عليه، وصياغة مواقف وردود أفعال بناء على هذه الحسابات، فمن حق الشعوب أن تدافع عن مصالحها بكل ما تملك جلباً لمنفعة أو دفعاً لمضرة. السيناريوات الممكنة كثيرة، أهلا بكم في الشرق الأوسط الجديد...

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية