المعركة الفاصلة: موسم اصطياد البطريق الطائر في خيرسون

المعركة الفاصلة: موسم اصطياد البطريق الطائر في خيرسون

المعركة الفاصلة: موسم اصطياد البطريق الطائر في خيرسون


07/11/2022

هل رأيت من قبل بطريقاً يطير؟ بالطبع لا. فمنذ أن تطورت أجنحة البطاريق؛ لتكون مناسبة للسباحة والغوص، فقدت نهائياً قدرتها على الطيران، لكنّها في المقابل أصبحت أكثر مهارة في التكيف على الحياة في الماء، وعلى الأسطح الجليدية في المناطق القطبية، حيث تعيش.

وعليه فإنّ محاولة إجبار البطاريق على الطيران محكوم عليها بالفشل، حتى وإن توهمت الأخيرة قدرتها على تحقيق المراد، ولو لفترة قصيرة، فمهما تسارعت حركة أجنحتها، فإنّها أبداً لن تستطيع حمل الجسد الثقيل في الهواء.

بالمثل، توهمت العسكرية الروسية أنّها تستطيع إطلاق البطاريق في الهواء، ومن ثمّ دفعت بمعدات ثقيلة، بها عيوب فادحة في التصميم، في بيئة حرب غير ملائمة، الأمر الذي يعوق من حركتها في الفضاء الميداني بأوكرانيا، أضف إلى ذلك أنّ نحو 80 في المئة من الجنود الروس، ليسوا مدربين تدريباً مهنياً على استخدام تلك المعدات. وعليه بدت الدبابة أو المركبة المدرعة الروسية في ميدان العمليات، أشبه ببطريق قطبي، أخرج من الماء وطلب منه أن يضرب بجناحيه؛ ليحلق في الفضاء الرحب.

موسم اصطياد البطاريق

أظهرت مجموعة كبيرة من مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، الجرارات الأوكرانية وهي تسحب الدبابات والمركبات المدرعة الروسية عبر الحقول والقرى، بعد تعطلها أو نفاد الوقود منها، وهروب أو أسر أطقمها، أمّا المعدات التي دُمرت في القتال، فقد كشفت عن عيوب أساسية في التصميم، ووجود مواد قديمة ذات جودة رديئة في مدخلات تصنيعها، وتشير أبراج الدبابات التي تم تفجيرها، على بعد عدة أمتار من حطام الدبابة المنفجرة، إلى مشكلة رئيسيّة في التصميم، تُعرف باسم عيب "Jack-in-the-box".

وتفيد الأنباء أنّ روسيا فقدت أكثر من 650 دبابة، ونحو 3000 مركبة مدرعة ومعدة ثقيلة أخرى، في الأشهر الثلاثة الأولى من غزوها لأوكرانيا، وربما تجاوز الرقم الآن الــ2000 دبابة. وعزا الخبراء الخسائر الفادحة إلى عيوب التصميم، وعدم تأهيل الأطقم، بالإضافة إلى الأسلحة المتقدمة المضادة للدبابات التي قدمتها الدول الغربية لأوكرانيا.

تمتلك العديد من الدبابات الروسية، بما في ذلك الدبابة طراز "T-72"، التي استخدمت على نطاق واسع في الغزو الروسي لأوكرانيا، نظام الذخيرة الآلي المعروف بــ " "hold and load حيث يتم وضع القذائف في حلقة داخل البرج، ويتم تخزين المزيد من الذخيرة أسفل مشغلي الخزان. لذلك، عندما تصطدم طلقة العدو بمكان ضعيف، مثل الجزء العلوي من الدبابة، تنفجر حلقة الذخيرة، وتبدأ في تفاعل متسلسل؛ يفجر البرج من الدبابة ويفصله عن جسمها.

ويعمل الجيش الروسي من خلال وحدات قتالية قائمة بذاتها، تُعرف باسم مجموعات الكتيبة التكتيكية (BTGs) ، وتتألف من دبابات ومشاة ومدفعية. تمّ تصميم هذه الوحدات للهجوم السريع تحت غطاء قوة نارية مكثفة؛ لذا فهي مكونة من العديد من المركبات المدرعة، لكنّ قلة قوات المشاة التي توفر الحماية للمجموعة المقاتلة، أدت إلى حدوث الكثير من الخسائر، بالإضافة إلى التكتيكات الأوكرانية الفعالة، المقترنة باستخدام أسلحة متطورة مضادة للدبابات.

معركة خيرسون

خيرسون هي العاصمة الإقليمية الوحيدة في أوكرانيا، الخاضعة حالياً لسيطرة الروس، ومن شأن إجبار الجيش الروسي على العودة إلى ما وراء حدود المدينة، أن يوجه ضربة موجعة للحملة العسكرية التي بدأت قبل أشهر، وهو ما يحاول الجيش الأوكراني تحقيقه. وبشكل عام سيكون الانتصار في معركة خيرسون رمزياً لكلا الجانبين، بالإضافة إلى أهميته الإستراتيجية.

وخيرسون مدينة صناعية وثقافية مهمة في جنوب أوكرانيا، تقع عند نهر دنيبرو، الذي يقسم منطقة خيرسون أو الأوبلاست. إلى الشرق توجد الأراضي المحتلة في زابوريزهيا، وإلى الجنوب توجد شبه جزيرة القرم، وعليه فإنّ احتفاظ موسكو بمنطقة خيرسون، يمنحها جسراً برياً إلى شبه جزيرة القرم. والمنطقة واحدة من أربع مناطق أعلن فلاديمير بوتين ضمها رسمياً إلى الاتحاد الروسي، رغم أنّ موسكو لا تسيطر بشكل كامل على أيّ منها.

أظهرت مجموعة كبيرة من مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، الجرارات الأوكرانية وهي تسحب الدبابات والمركبات المدرعة الروسية عبر الحقول والقرى، بعد تعطلها أو نفاد الوقود

جدير بالذكر أنّه عندما أعلن الغزاة الروس سيطرتهم الكاملة على المدينة في آذار (مارس) الماضي، تعطلت الإمدادات العالمية من الميناء الرئيسي على البحر الأسود، والذي يعد محطة رئيسية لشحن الحبوب ومنتجات النفط، من المناطق الزراعية على طول نهر دنيبرو إلى بقية دول العالم.

بعد أشهر من القتال الطاحن، تراجع الجيش الروسي بشكل ملحوظ، ما سمح للأوكرانيين بالقيام بهجوم مضاد بدأ في أيلول (سبتمبر) الماضي، ونجح الجيش الأوكراني في استعادة مساحات واسعة من الأراضي من القوات الروسية، تُقدر بحوالي 9000 كيلومتر مربع، في منطقة خاركيف شمال شرق أوكرانيا.

زيلينسكي: الجنود الروس الذين تم حشدهم غير مهيئين أو مجهزين، وقد استخدمتهم القيادة بلا رحمة

الهجوم الأوكراني المضاد، تضمن هجوماً منفصلاً في منطقة خيرسون، وهو ما فاجأ الجيش الروسي في منطقة خاركيف. وذكرت تقارير إعلامية أنّ موسكو عززت في وقت سابق مواقعها في الجنوب؛ بنقل قوات من الشمال الشرقي، وهو ما ترك الروس مكشوفين، حيث فاق الجانب الأوكراني عدد الروس بنسبة 8 إلى 1 في الهجوم المضاد الذي تمّ في منطقة خاركيف.

ومنذ أسابيع، يقوم الجنود الروس بترحيل المواطنين المحليين من خيرسون، مع فرض حظر التجول على مدار الساعة، ولا أحد يعرف كم تبقى من سكان خيرسون، البالغ عددهم 300 ألف نسمة قبل الحرب. وبحسب الغارديان البريطانية، فإنّه وفقاً لأقارب أولئك الذين ما زالوا هناك، فإنّ المدينة أصبحت شبه خالية، ومن المرجح أن يتقرر مصيرها الشبحي خلال الأسابيع القليلة المقبلة، من خلال سلسلة من المعارك الدموية.

مناورة روسية وتأهب أوكراني

يوم الخميس الماضي 3 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، تمّ رفع العلم الروسي من أعلى مبنى إدارة الدولة الإقليمية الجديدة في خيرسون، وأثارت هذه البادرة تكهنات بأنّ موسكو على وشك التخلي عن المدينة التي احتلتها في أوائل آذار (مارس) الماضي. من المنظور العسكري، قد يكون هذا التصور منطقياً، حيث إنّ الوحدة العسكرية الروسية محاصرة فعلياً، وربما يحاول فلاديمير بوتين وجنرالاته الانسحاب من خيرسون دون خسائر فادحة. لكنّ تقارير عديدة أكدت أنّ الأمر عبارة عن خدعة روسية، فبحسب السكان المحليين، يرتدي الجنود الروس ملابس المدنيين، ويختبئون في المنازل، ومن المرجح أنّ القوات الروسية تستعد لقتال مرير من شارع إلى شارع خلال الخريف والشتاء.

قلة قوات المشاة التي توفر الحماية للمجموعة المقاتلة، أدت إلى حدوث الكثير من الخسائر، بالإضافة إلى التكتيكات الأوكرانية الفعالة، المقترنة باستخدام أسلحة متطورة مضادة للدبابات

كما شكك المسؤولون الأوكرانيون أيضاً في خروج الجيش الروسي بشكل طوعي، بعد تسعة أشهر. وقالوا إنّ القوات الروسية التي تم حشدها حديثاً، تقوم بإنشاء مواقع دفاعية على مشارف خيرسون، في نفس الوقت الذي تمّ فيه التخلي عن نقاط التفتيش في تشيرنوبايفكا وستيبانوفكا المجاورتين. ومن ثمّ فإنّهم يعتقدون أنّ اختفاء العلم الروسي من فوق المباني، مجرد حيلة لجذب القوات الأوكرانية للوقوع في فخ.

قصف أوكراني في إحدى الجبهات جنوبي البلاد (رويترز)

من جانبه، قال سيرهي خلان، نائب رئيس المجلس الإقليمي لخيرسون إنّه من الصعب فهم نوايا الروس، في ظل وجود تقارير موثوقة، تؤكد أنّ الجنود الروس يتنقلون من رصيف إلى آخر على ضفاف النهر، كما أنّهم استولوا على بعض القوارب وأغرقوا أخرى. وأضاف أنّ السلطات الروسية فجّرت الصواري، وتركت خيرسون بلا اتصال بالإنترنت، أو الهاتف المحمول. وسط هذا التعتيم الإخباري، وبحسب الغارديان، كان المسؤولون الروس يحثون السكان المحليين على المغادرة، ويحذرون من وقوع أعمال "إرهابية" وشيكة من جانب الجيش الأوكراني المتقدم. كما قام الروس بتدمير خزان خاخوفكا في أعالي المنبع، في نية واضحة لإغراق خيرسون، في حال وقوعها في أيدي الأوكرانيين.

تعطلت الإمدادات العالمية من الميناء الرئيسي على البحر الأسود، والذي يعد محطة رئيسية لشحن الحبوب ومنتجات النفط

وخلال الأسبوع الماضي، طرد الجنود الروس الأوكرانيين من منازلهم على الضفة اليسرى للنهر، كما يجري إنشاء خط دفاعي يمتد من بلدة فيليكا زناميانكا في إقليم زابوريزهجيا، إلى نوفا كاخوفكا في إقليم خيرسون، كما نقلت روسيا مقر جيشها إلى مدينة سكادوفسك الساحلية، بالقرب من شبه جزيرة القرم.

في غضون ذلك، قالت روسيا إنّها حشدت نحو 300 ألف جندي احتياطي، وقال وزير الدفاع سيرجي شويجو، إنّ 41 ألفاً ممن تم استدعاؤهم، تم نشرهم بالفعل في ساحة المعركة في أوكرانيا.

تأتي تصريحات الوزير، وسط غضب شعبي متزايد في جميع أنحاء روسيا بشأن حملة التعبئة، وتشير تقارير إعلامية واسعة النطاق، أنّ العديد من الذين تم استدعاؤهم غير مدربين تدريباً جيداً. وبحسب الرئيس الأوكراني زيلينسكي فإنّ الجنود الروس الذين تم حشدهم غير مهيئين أو مجهزين، وقد استخدمتهم القيادة بلا رحمة، لدرجة أنّ روسيا قد تحتاج قريباً إلى موجة جديدة من التعبئة. كما اتهم موسكو بمحاولة تدمير منطقة خيرسون من خلال تفكيك البنية التحتية الحيوية هناك.

مواضيع ذات صلة:

هل تعبت روسيا من الحرب في أوكرانيا؟

كيف تستفيد تركيا من الحرب الروسية في أوكرانيا؟

هل تتصدّع أوروبا بسبب حرب أوكرانيا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية