كيف تستفيد تركيا من الحرب الروسية في أوكرانيا؟

كيف تستفيد تركيا من الحرب الروسية في أوكرانيا؟

كيف تستفيد تركيا من الحرب الروسية في أوكرانيا؟


24/10/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

بعد حصد الثّناء الأوكرانيّ على أداء طائراتها المسيّرة، والمساعدة في التّوسّط في صفقة حبوب ربما حالت دون حدوث مجاعة، واستضافة محادثات سلام أوليّة، والاستفادة من العقوبات الغربيّة على موسكو لتعزيز تجارتها بشكل حادّ مع روسيا، ربما يعتقد المرء أنّ تركيا استفادت بقدر المستطاع من الحرب الرّوسيّة في أوكرانيا.

لكن، ويا للعجب، مؤخراً، ظهرت ميزتان متشابكتان جديدتان. أوّلاً، التقى الرّئيس الرّوسيّ، فلاديمير بوتين، بنظيره التّركيّ، رجب طيب أردوغان، في أستانا، وعرض تحقيق رؤية أنقرة طويلة الأمد بأن تُصبح مركزًا إقليميّاً للطّاقة.

من شأن اقتراح موسكو أن يُحوّل غازها الطّبيعيّ من خطّ أنابيب «نورد ستريم» المتضرّر إلى تركيا، عبر خط أنابيب «تورك ستريم» المشترك بينهما، ومن هناك إلى الدّول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبيّ. مثل هذا التّحوّل لن يكون جديداً تماماً. تستخدم روسيا «تورك ستريم» لإرسال كمّيّات كبيرة من الغاز الطّبيعيّ ليس فقط إلى تركيا، ولكن إلى المجر ودول أوروبيّة أخرى أيضاً.

الابتعاد عن إمدادات الطّاقة الرّوسيّة

وقال وزير الطّاقة التّركيّ إنّ الاقتراح الجديد يبدو ممكناً، بينما رفضت فرنسا بسرعة الخطّة. ردّاً على الغزو الرّوسيّ لأوكرانيا، يعمل الاتّحاد الأوروبيّ على إبعاد نفسه عن إمدادات الطّاقة الرّوسيّة، وربما تحذو معظم دول الاتّحاد الأوروبيّ حذو باريس.

اقتراح بوتين يأتي في وقت تقترب فيه إمدادات الغاز القادمة من شرق البحر المتوسّط ​​إلى أوروبا من الإثمار، بعد أكثر من عقد من التنازُع. لقد توصّل لبنان وإسرائيل إلى اتّفاق تاريخيّ حول الحدود البحريّة توسّطت فيه الولايات المتّحدة. ومن شأن الاتّفاق أن يمكّنهما من الوصول إلى احتياطيّاتهما الضّخمة.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش مؤتمر في أستانا بكازاخستان الأسبوع الماضي

وقال مفوّض الطّاقة بالاتّحاد الأوروبيّ، إنّ غاز شرق البحر المتوسّط ​​قد يُساعِد أوروبا على الابتعاد عن الطّاقة الرّوسيّة. ويعتقد بعض المراقبين أنّ اتّفاق الشّام، بين جارين لطالما تقاتلا، يمكن أن يعطي زخماً جديداً لقرار قبرصي محتمل من شأنه أن ينقل غاز شرق المتوسّط ​​إلى أسواق الاتّحاد الأوروبيّ عبر خط أنابيب يمرّ عبر قبرص وتركيا.

يبقى أن نرى ذلك، لا سيّما بالنّظر إلى التّوتّرات الشّديدة بين تركيا واليونان في الأسابيع الأخيرة. لكنّ قبرص هي مفتاح مكاسب تركيا الجديدة المحتملة الأخرى من حرب أوكرانيا. بعد ثلاثة عقود من سقوط الاتّحاد السّوفيتيّ، لا تزال أوكرانيا تعتمد على المدفعيّة والأسلحة والذّخيرة التي تعود إلى الحقبة السّوفيتيّة، ومنذ الصّيف تواجه شحّاً خطيراً بشأن هذه الإمدادات العسكريّة، لدرجة توفير القذائف في ميدان المعركة.

أسلحة من الطّراز السّوفيتيّ

أثناء سعيهم لتدريب القوّات الأوكرانيّة بسرعة على أسلحة غربيّة أكثر تقدماً، يجوب داعمو كييف الغربيّون العالم بحثاً عن أسلحة من الطّراز السّوفيتيّ أيضاً. تمتلك العديد من الدول الأفريقيّة والشّرق أوسطيّة، بما في ذلك الكونغو ورواندا والكويت ومصر، مخزونات كبيرة من الأسلحة السّوفيتيّة، لكنّها ليست من بين أعضاء حلف شمال الأطلسيّ، وقد تردّدت في تزويد أوكرانيا بمساعدات فتّاكة.

بعد ثلاثة عقود من سقوط الاتّحاد السّوفيتيّ، لا تزال أوكرانيا تعتمد على المدفعيّة والأسلحة والذّخيرة التي تعود إلى الحقبة السّوفيتيّة، ومنذ الصّيف تواجه شحّاً خطيراً بشأن هذه الإمدادات

بالفعل، أرسلت بولندا ودول أخرى في أوروبا الشّرقيّة إلى أوكرانيا كلّ الأسلحة ذات الطّراز السّوفيتيّ التي تستطيع التخلّي عنها من دون المخاطرة بدفاعاتها. وقد تطرّق النّقاش إلى جمهوريّة قبرص، التي تمتلك مخزوناً هائلاً من أسلحة الحقبة السّوفيتيّة، بما في ذلك أكثر من مائة دبّابة وعربة مدرعة، وذلك بسبب حظر الأسلحة الأمريكيّ المفروض عليها منذ عقود.

في الأشهر الأخيرة، التقى مسؤولون أمريكيّون مراراً بمسؤولين من قبرص، وهي عضو في الاتّحاد الأوروبيّ، ولكنّها ليست عضواً في حلف شمال الأطلسيّ. يتمثّل موقف القبارصة في أنّهم، بالنّظر إلى التّهديد الأمنيّ ​​المستمرّ المتمثّل في احتلال تركيا للثّلث الشّمالي من الجزيرة، لن يتمكّنوا من إرسال أسلحة تعود إلى الحقبة السّوفيتيّة إلى أوكرانيا إلّا إذا حصلوا على بدائل مناسبة.

ليس من قبيل الصّدفة أن رفعت الولايات المتّحدة هذا الشّهر حظر الأسلحة على قبرص، ممّا مهّد الطّريق أمام واشنطن لبيع أسلحة إلى نيقوسيا. العقبة في هذا التّبادل المحتمل هي أنقرة. قال أردوغان بالفعل إنّه سيعزّز الوجود العسكريّ التّركيّ في الجزيرة إذا بدأت الولايات المتّحدة في تسليح قبرص.

سباق تسلّح

وهذا من شأنه أن يُجازِف بإعادة إشعال سباق تسلّح ويزيد من حدّة التّوترات بين تركيا واليونان. تجدر الإشارة إلى أنّ الموجة الحالية من الاضطّرابات بين جيران بحر إيجة بدأت بعد أن حثّ رئيس الوزراء اليونانيّ، كيرياكوس ميتسوتاكيس، الكونغرس الأمريكيّ، في (أيار) مايو، على عدم بيع مقاتلات «إف-16» لتركيا، ممّا دفع أردوغان إلى التّأكيد على أنّ الزّعيم اليونانيّ لم يعد موجوداً.

تدهورت الأمور من هناك. لكن الأسبوع الماضي، تغيّرت الأمور عندما أسقط مجلس الشيوخ الأمريكيّ تعديلين من مشروع قانون الإنفاق الدّفاعيّ السّنويّ كان من شأنهما أن يمنعا بيع مقاتلات «إف-16» إلى تركيا. هل يمكن أن يكون تمهيد الطّريق لمبيعات «إف-16» إلى تركيا محاولة واشنطن لتهدئة أنقرة في حال قيام الولايات المتحدة ببيع أسلحة إلى نيقوسيا؟

السّيناتور الأمريكيّ روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة بمجلس الشّيوخ والقوّة الدّافعة لإنهاء الحظر المفروض على قبرص، تعهّد برفض أيّ بيع لطائرات «إف-16» لتركيا

السّيناتور الأمريكيّ روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة بمجلس الشّيوخ والقوّة الدّافعة لإنهاء الحظر المفروض على قبرص، تعهّد، في اليوم التّالي، برفض أيّ بيع لطائرات «إف-16» لتركيا «حتّى يوقف أردوغان حملته العدوانيّة في جميع أنحاء المنطقة».

تم طرد تركيا من برنامج F-35 في عام 2019 بسبب استحواذها ونشرها لنظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400

لم يوضّح مينينديز الإجراءات التّركيّة التي يمكن اعتبارها جزءاً من تلك الحملة، لكنّه ربما كان يشير إلى الانتهاكات التّركيّة للمجال الجويّ اليونانيّ والهجمات العسكريّة على الأكراد السّوريّين المتحالفين مع الولايات المتّحدة. بغضّ النّظر، أعرب مسؤولون أتراك منذ ذلك الحين عن ثقتهم في أن مبيعات مقاتلات «إف-16» ستمضي قدماً، ربما في نهاية تشرين الثّاني (نوفمبر).

حتّى لو عارض الكونغرس ذلك، فإنّ الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن، كما أوردت تقارير، عرض العام الماضي مقاتلات «إف-16» على تركيا تعويضاً عن 1.4 مليار دولار دفعتها أنقرة مقابل مقاتلات «إف-35» التي لم تحصل عليها قطّ. لا يزال مشروع قانون الدّفاع الأمريكيّ الجديد بعيداً عن الموافقة عليه، وسيُستأنف النّقاش بعد انتخابات التّجديد النّصفي في أوائل تشرين الثّاني (نوفمبر).

لكن في الوقت الحالي، تبدو الخطّة منظّمة: تُرسِل قبرص أسلحتها التي تعود إلى الحقبة السّوفيتيّة إلى أوكرانيا وتستبدلها الولايات المتّحدة بأسلحة أكثر تقدّماً بينما تُهدّئ تركيا بمقاتلات «إف-16» التي تشتدّ الحاجة إليها. وإذا اشتكى اليونانيّون، فقد تذكّرهم واشنطن بأنّهم يتسلّمون حالياً أكثر من 80 طائرة «إف-16» مطوّرة، إلى جانب صفقات دفاعيّة أمريكيّة أخرى.

في النّهاية، قد لا تحصل أنقرة على كلّ ما تريد، على الرّغم من استجابة أردوغان الإيجابيّة لاقتراح بوتين بشأن «تورك ستريم». وقد قال في عطلة نهاية الأسبوع: «لن يكون هناك انتظار»، وحثّ المهندسين الأتراك والرّوس على الشّروع في العمل.

في الحقيقة، قد تضطّر تركيا إلى تعليق حلمها في أن تكون مركزاً للغاز مجدّداً.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2022



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية