المساواة المفقودة حتى "يوم الدين"

المساواة المفقودة حتى "يوم الدين"


17/10/2018

في البدء، كان الفيلم الوثائقي "المستعمرة" الذي يقدم مجموعة من الحكايات لسكان مستعمرة الجذام بمحافظة القليوبية في القاهرة، التي يعيش فيها من أصيب بالمرض، ولا يعرفون شيئاً عن أحوال العالم بالخارج، أغلبهم ألقاه أبواه أمام المستعمرة وفر؛ هرباً من مرض الجذام، الذي يظنه الناس مرضاً معدياً، فأصبحوا يفرون منه، تطبيقاً لحديث النبي، عليه السلام، عن أبي هريرة:"فر من المجذوم فرارك من الأسد".

اقرأ أيضاً: أسلمة السينما أداة الجماعة الدينية لابتغاء العالمية

"المستعمرة"، كان مشروع تخرج أبو بكر شوقي من المعهد العالي للسينما، عام 2008، والذي أصبح أيضاً منذ تلك اللحظة فكرة لمشروع أكبر، بات يلاحق شوقي، حتى بدأ العمل عليه عام 2013.

الفيلم يقدم صورة ظاهرية رمزية للعنصرية في التعامل مع مريض الجذام لكنّ الصورة غير المباشرة التي يقدمها هي رفض جميع أشكال التمييز

تطورت فكرة الوثائقي لتصبح مشروع تخرج شوقي من دراسته للسينما في نيويورك، ليبدأ عام 2013 الكتابة لمشروعه الروائي الطويل الأول، بعنوان "يوم الدين"، المعتمد على تلك الحكايات التي عاشها شوقي وهو يعمل على مشروع تخرجه "المستعمرة".

وفي حوار صحفي مع cnn  العربية قال شوقي عن فكرة الفيلم:" قبل 10 أعوام عملت فيلماً تسجيلياً قصيراً عن مستعمرة الجذام بمحافظة القليوبية اسمه "المستعمرة"، سمعت خلاله قصصاً كثيرة عن مرضى الجذام، أغلبها عن أهالي نسوا مرضاهم، من هنا أتت لي فكرة فيلم "يوم الدين" عن مريض يعيش في المستعمرة ويخرج للبحث عن أهله في صعيد مصر. ظلت الفكرة في تفكيري لمدة 5 أعوام حتى بدأت في تنفيذها حينما بدأت في كتابته كمشروع تخرجي من جامعتي في نيويورك".

أبو بكر شوقي وزوجته منتجة الفيلم فى مهرجان كان

أفضل فيلم عربي

حاز "يوم الدين" جائزة أفضل فيلم عربي روائي طويل من مهرجان الجونة السينمائي الدولي، وحصل أيضاً على جائزة شعار المهرجان، "سينما من أجل الإنسانية"، ومنح مهرجان الجونه، مخرج العمل أبو بكر شوقي، جائزة أفضل موهبة عربية في الشرق الأوسط، والمقدمة من مجلة فارايتي، أيضاً حصد الفيلم جائزة فرانسوا تشالييه من مهرجان كان، ومؤخراً رشحته جمعية نقاد السينما في القاهرة لمسابقة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالإنجليزية في دورته المقبلة.

حصد "يوم الدين" جائزة فرانسوا تشالييه من مهرجان كان، وجرى ترشيحه لأوسكار أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية

في فيلم أبو بكر شوقي يذهب كل من بشاي، وهو جامع قمامة قبطي مصاب بالجذام (ويلعب دوره راضي جمال الذي عانى من الجذام في الواقع)، وأوباما (أحمد عبد الحافظ) وهو طالب يتيم من أصول نوبية، وحمار يدعى حربي، في رحلة لصعيد مصر، بحثاً عن عائلة بشاي التي تركته في مستعمرة جذام وهو طفل.

اعتمد الفيلم على أبطال مرضى جذام بالفعل، وهم غير محترفين، في محاولة أن تصبح الصورة المقدمة أكثر واقعية، فبطل العمل راضي جمال مريض جذام تم شفاؤه، يجهل القراءة والكتابة، احتاج المخرج لتدريبه في ورش سينما أربعة شهور متتالية، إلى جوار الطفل أوباما، أحمد عبد الحافظ، وهو أيضاً غير محترف، كان يهوى مشاهدة كواليس تصوير الأعمال الفنية، وهناك تعرف إليه الفنان أحمد الفيشاوي ليسأله عن رغبته للعمل في السينما، وتبدأ رحلته مع بطولته المشتركة لفيلم يوم الدين، مقدماً دور طفل يتيم، يعيش في دار للأيتام بمستعمرة الجذام، من أصل نوبي، يلقبه أصحابه بأوباما، وهو أيضاً لقبه في الحقيقة خارج الفيلم.

بطلا فيلم "يوم الدين" في مشهد من العمل

أزمة بشاي

تبدأ أزمة بشاي (راضي جمال)، بطل الفيلم بعد وفاة زوجته داخل مستشفى للأمراض العقلية، عندما حضرت والدة زوجته لزيارة قبرها داخل المستعمرة، فيكتشف أنّ كل من في المكان له ملف في إدارة المستعمرة، يضم وسيلة الاتصال بعائلة كل منهم، وعندما يطلب بشاي الاطلاع على الملف الخاص به يخبره المسؤول أنّ أسرته ألقت به أمام المستعمرة وتركته، فيقرر بشاي الهرب من المستعمرة الواقعة في شمال مصر، متوجهاً إلى قريته في محافظة قنا بصعيد مصر، التي بالكاد يذكرها.

تألم بشاي لفكرة أنّ أسرته ألقت به أمام باب المستعمرة، أراد أن يخوض رحلة للبحث عنهم حتى يطرح عليهم سؤالاً، لماذا تركوه طول تلك الأعوام دون أن يسألوا عنه؟

اقرأ أيضاً: فيلما" محبس" و"في سوريا": وجع الحروب وآلام الكراهية

يخوض بشاي رحلته على عربة كارو، يقودها الحمار حربي، وفي الطريق يختبئ داخل العربة الطفل أوباما؛ لرغبته فى عدم الافتراق عن بشاي، فهو أيضاً لا أهل له، ولا يعرف في المستعمرة سوى صديقه بشاي، وفي أثناء الرحلة يمر بشاي بمجموعة من المواقف التي توضح له حقيقة العالم خارج المستعمرة، فهو قبطي، فقير، يعمل فى جمع القمامة، وأيضاً مجذوم، في مجتمع خلفيته الدينية تنادي بالفرار من أمام المجذوم خوفاً من العدوى، من مرض غير معدٍ بالأساس!

مشهد من الفيلم

خلفية دينية

تلك الخلفية الدينية تقدم تناقضاً شديداً مع الفكرة الرئيسية للعمل، التي استقى منها المخرج اسم الفيلم، "يوم الدين"، فهو ذلك اليوم الذي سيصبح الناس فيه سواسية، لا تمييز، ولا عنصرية، ولا تنمّر، أو حكم على الآخر من مظهره الخارجي، فأنت هنا ترى في الدين سبباً رئيسياً في ذلك التمييز الذي أصاب بشاي، وفي نفس الوقت تجد الملاذ في رحلة البعث ما بعد الموت، يوم الدين، ذلك الخط الديني الذي يتضح بشدة فى نهاية العمل عندما يعثر بشاي على أسرته فى قرية أبو حور، ليطرح سؤالاً على والدته، لماذا لم تعد لأخذي من المستعمرة كما وعدتني، فيخبره الأب أنه خشي عليه من الناس، أراد له أن ينشأ فى مستعمرة للجذام لا يعرف سكانها شيئاً عمن هم بالخارج، بالتالي لن يحلم مريض الجذام بذلك العالم، ولن يغضب أو يسخط من اختلافه عنهم، ولن يتعرض لعنصرية أو تمييز قد يصدره المجتمع؛ فالجميع في المستعمرة مرضى جذام، سواسية، ربما يظنون في مرحلة ما، أنّ المستعمرة هي كل العالم، بالتالي لن يشعر أحدهم بعدم الرضى لحاله، أو يواجه بعنصرية الآخر.

اعتمد الفيلم على أبطال مرضى جذام حقيقيين وغير محترفين، في محاولة أن تصبح الصورة المقدمة أكثر واقعية

الفيلم يقدم صورة ظاهرية رمزية للعنصرية متمثلة في التعامل مع مريض الجذام، لكنّ الصورة غير المباشرة التي يقدمها العمل هي رفض جميع أشكال التمييز، فبطل العمل ليس مريض جذام فحسب، بل مصري قبطي، فقير، من محافظة قنا في صعيد مصر، المحافظات الأكثر تجاهلاً من الحكومات المركزية في دول العالم الثالث، وفي أثناء رحلته يصحب معه طفل يتيم، أسمر، يواجههم في الطريق جماعة دينية متطرفة، فيضطر بشاي خوفاً منهم أن يخبرهم أن اسمه محمد، فلو عرفوا أنه قبطي ربما لن يأمن العواقب.

بطلة العمل ماتت قبل بداية التصوير!

أيضاً كانت المسودة الأولى المكتوبة من الفيلم تقوم على أساس أنّ البطلة امرأة، في مجتمع شرقي، غير أنّ بطلة العمل ماتت قبل بداية التصوير، فلجأ شوقي لاختيار راضي جمال ليقدم الشخصية الرئيسية في العمل.

مشهد من كواليس الفيلم

الفيلم في ظاهره يتحدث عن التعامل مع مريض الجذام، خصوصاً أن الفيلم الأول للمخرج كان فيلماً قصيراً اسمه المستعمرة، عن "مستعمرة للجذام"، كما يقول الناقد السينمائي خالد عبد العزيز لـ"حفريات"، مضيفاً: "أما مضمون الفيلم فهو عن قبول الآخر، والفيلم عموماً يتحدث عن المنبوذين، والمهمشين، وليس مرضى الجذام فقط، وعن كيفية أن يتقبل الإنسان ذاته كما هي".

على أمل يوم الدين

يرى عبد العزيز أنّ فكرة الدين في الفيلم "خافتة، لكن أثرها محسوس نوعاً ما"، مدللاً على رأيه "بسبب المباشرة، والخطابية، وتحديداً ما ورد على لسان أحد الأبطال، بأننا نعيش على أمل يوم الدين، عندما يصبح الكل سواسية".

في سياق متصل، قال الناقد السينمائي والباحث العراقي في علم الاجتماع، علاء حميد، في تصريح لـ "حفريات" إنّ التهميش المقدم في الفيلم "جاء من زاوية اجتماعية، فالدين غير بارز بشكل واضح في الحوار، من أجل أن يكتشف المشاهد ذلك البعد الديني بنفسه في نهاية الفيلم"، مضيفاً: "المشكلة في الفيلم قائمة على فكرة التمييز الاجتماعي؛ لأنّ المجذوم معزول في مكان بعيداً عن الآخر".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية