المدافعون عن حماس قبل الحرب وبعدها

المدافعون عن حماس قبل الحرب وبعدها

المدافعون عن حماس قبل الحرب وبعدها


09/03/2024

محمد أبو الفضل

حصدت حركة حماس قدرا من التعاطف ممن يرفضون توجهها العام عقب عمليتها العسكرية المعروفة بـ“طوفان الأقصى” التي كبدت إسرائيل خسائر مادية وسياسية فادحة، ليس حبا وغراما فيها أو اقتناعا برؤيتها القتالية، لكن انتقاما من صلف وغرور وغطرسة إسرائيل التي تعرضت لهزة معنوية بسبب هذه العملية.

حصدت حماس شعبية خارج نطاق المحسوبين عليها والمنتمين إلى تيارها والمتعاطفين معها، فغالبية هؤلاء كانوا يبحثون عن صورة بطل يتعلقون به، وحسبوا أن الحركة وبعض رموزها يمكن أن يمثلوا رمزا لهم، فذاع صيت قائدها يحيى السنوار ومحمد ضيف، وأصبح أبوعبيدة الناطق باسم كتائب عزالدين القسام ضمن نجوم بعض الفضائيات العربية الذين كان ينتظرهم المشاهدون في الأيام الأولى للحرب.

دمجت مشاهد الصمود التي بدت عليها قوات الحركة في مواجهة إسرائيل بين عناصرها وشريحة على خلاف معها من خارجها، حسبت أنها وجدت ما يمكن أن تتعلق به من أمل في وقت ندرت فيه الآمال السياسية والعسكرية على الساحة العربية.

وبعد أن توالت أيام الحرب ودخلت شهرها السادس الآن استيقظ الكثيرون على حجم الدمار الهائل في قطاع غزة، وبدأ بعضهم يعيدون رؤيتهم للحرب وتداعياتها، ووجدوا حركة حماس تفاوض إسرائيل على العودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل السابع من أكتوبر الماضي ولا تستطيع الوصول إليه حاليا، وهو ما فجر أسئلة عديدة في الأذهان، أبرزها هل ما قامت به حماس ضد إسرائيل مغامرة غير محسوبة العواقب؟

تحتاج الإجابة عن هذا السؤال إلى وقت طويل لمعرفة النتائج الإستراتيجية التي يمكن أن تترتب عن الحرب، فالقياس على حجم الخسائر المادية يؤكد أن حماس أخطأت وارتكبت حماقة عسكرية كبيرة، بينما القياس على حجم التغير السياسي الذي يمكن أن توجده العملية لصالح القضية المركزية قد يكون كبيرا، إذا أُحسن توظيفه من قبل القوى الفلسطينية، وربما لا تحصد حماس منه مكاسب مباشرة لعجزها سياسيا، وقد يتحلل جزء من كيانها العسكري، بما لا يجعلها رقما أساسيا في المعادلة الفلسطينية.

قامت حماس بعمليتها “طوفان الأقصى” من دون تنسيق مع فلسطينيين أو عرب، وربما ولا عجم، والحصيلة التي نجمت عنها لم تقتصر على الحركة، بل نالت من مقدرات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، ما جعل المدافعون عن حماس ممن هم خارج صفوفها يتراجعون أكثر من خطوة للوراء، فتعاطفهم معها وقت الحرب فُهم على أنه توافق سياسي، في حين أن المدافعين – المتعاطفين كان موقفهم نابعا من اعتراض على قسوة إسرائيل ضد الفلسطينيين وليس إعجابا أو اقتناعا بحماس.

دخلت الحركة الحرب والحالة الفلسطينية متردية، من نواحي الانقسام والتشرذم والمعارك الداخلية الطاحنة بين القوى المختلفة، وفي خضم تباين في مواقف الدول العربية من التطبيع مع إسرائيل، وقد تكون الأخيرة جرى فرملتها على وقوع هذه الحرب، لكن الأولى لا تزال على حالها، فحجم التقارب بين الحركات الفلسطينية لا يوحي بإنجاز ملموس تحقق، وفرص تجسير الفجوات بينها بعيدة حتى الآن، وهي عقبة تقزّم أية نتائج سياسية تترتب عن الحرب أو تجعل قيمة نوعية للتضحيات التي تكبدها الشعب الفلسطيني قبل الحرب وبعدها.

استيقظ الكثير من المتعاطفين مع حماس على كابوس عدم قدرتها على الاستفادة من دروس الحرب والانخراط في الجماعة الفلسطينية كحركة وطنية وليست كيانا مستقلا أو عنوانا وحيدا لمواطنين تكبدوا خسائر فادحة يمكن نسيانها إذا حصلوا على نتائج إيجابية، لكن حصر توجه الحركة في بعد عقائدي معين يقلل من دورها مستقبلا.

فالتيار السياسي الفضفاض الذي تنتمي إليه حماس لم يفلح في تغيير قناعاته بأن الدفاع عن القضية الفلسطينية لا يستلزم تبني طرح أحادي شوفيني، وهي الصيغة التي تمكنت إسرائيل من توظيفها لصالح تحقيق أهدافها طوال السنوات الماضية.

لم تجد حماس مدافعين كُثُرًا عنها من خارج تيارها قبل الحرب، وعلى العكس كانت تتلقى انتقادات حادة لأفكارها الجامدة، وبدت في بعض الأوقات منبوذة ممن هم بعيدون عنها سياسيا، لأنها لا تزال متمسكة بجزء معتبر من أيديولوجيا جماعة الإخوان، وكل التعديلات التي قالت إنها أدخلتها على ميثاقها لم تبارح الخندق الذي تعيش فيه الجماعة، ما جعلها متكلسة سياسيا ودورها في المقاومة لم يشفع لها عند الكثيرين لتغيير رؤيتهم منها، لأنها وهي في مربع المقاومة لم تتخل عن رؤيتها كحركة إسلامية.

ما كسبته حماس سياسيا في بدايات الحرب بدأ ينحسر مع الخسائر البشرية الكبيرة، ويمكن أن يشهد المزيد من الانحسار إذا تمسكت بأفكارها بعد انتهاء الحرب، فالمرحلة المقبلة لن تتحمل مزيدا من التطرف، وكل العيون المؤيدة والرافضة والمتعاطفة معها ستكون مصوبة نحوها بانتظار معرفة حجم التحول الذي يمكن أن تدخله على مشروعها السابق، خاصة أن قيادتها تتعامل مع الأوضاع الراهنة على أنها لم تفلح في كسر شوكتهم أو تنهي ما لف عمليتهم العسكرية في أكتوبر الماضي.

كسرت شوكتها أم لا، وإلى أيّ درجة يمكن أن تكون عنصرا فاعلا على الساحة الفلسطينية، يتوقف على ما تبقى من قوة لها وأن يحسن استغلاله بالصورة التي تدعم التكاتف والإجماع الوطنيين، وما تدخله من تعديلات على مروحتها السياسية بما يجعلها أوسع نطاقا وأكثر مرونة، فالمعلومات التي كشفتها وسائل إعلام غربية وإسرائيلية أكدت أن حماس قدمت خدمات لقوات الاحتلال من دون أن تدري، وعليها التفكير في تحاشي هذه الثغرة لأنها كفيلة بنسف المنطق الذي يعتمد عليه خطابها فلسطينيا.

اللحظة التي بدت فيها حماس نموذجا للمقاومة الوطنية في نظر من دافعوا عنها بعد الحرب، بددت الكثير من الخلافات معها قبلها، غير أن الأوضاع الراهنة هي التي تحدد البوصلة التي يمكن أن يسترشد بها هؤلاء، مع أم ضد، وتتوقف على مدى ما يمكن أن يحدث من تغير في رؤيتها، فقد تكتشف إسرائيل أن تمسك الحركة بدورها السابق على الساحة الفلسطينية وعمليات الكر والفر معها، ورقة مهمة يصعب التفريط فيها خوفا من مواجهة استحقاقات سياسية ترفض إسرائيل التجاوب معها.

يمكن أن تعود إسرائيل إلى الاستثمار مرة أخرى في حماس وبصورة غير مباشرة وتتركها تمتلك قدرا من قوتها العسكرية لتبرير التصرفات الأمنية في القطاع وبقاء التباعد بينه وبين الضفة، ما يجعل من تصوروا أنها استفادت من دروس الحرب لم يكن تقديرهم صائبا، فحماس قامت على فكرة عقائدية ما لم تدخل عليها تعديلا جوهريا لن تمثل إضافة للقضية الفلسطينية، وقد تصبح عبئا مضاعفا عليها وحلقة للنيل منها.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية