"إبادة جماعية".. لا تعريف آخر للحرب على غزة

"إبادة جماعية".. لا تعريف آخر للحرب على غزة

"إبادة جماعية".. لا تعريف آخر للحرب على غزة


16/11/2023

أحمد إسكندر

تتفق جميع الأطراف على أن حصيلة 11 ألف قتيل وأكثر من 29 ألف جريح، في الحرب الإسرائيلية التي تأتي رداً على هجوم حماس هي حصيلة كبيرة، وليس لها ما يبرر كونها إبادة جماعية لا أكثر.

وبحسب تقرير لمجلة "تايم" البريطانية وافقت إسرائيل منذ بدء حربها على هدنة إنسانية يومية لمدة 4 ساعات في شمال غزة، بعد حملة ضغط من الرئيس الأمريكي جو بايدن، لكن العديد من القادة الدوليين أعربوا عن قلقهم بشأن المدنيين المحاصرين في مرمى النيران في الحرب.. وكان ذلك كافياً لدفع مدير الأمم المتحدة كريج مخيبر للاستقالة، بسبب "فشل" المنظمة في التحرك ضد ما سماه "قضية الإبادة الجماعية النموذجية". 

دعوى قضائية

عشرات المنظمات والهيئات وجهات رسمية وأخرى خاصة رفعت مطالبات للجهات معنية بحقوق الإنسان، منها "دعوى قضائية" أمام المحكمة الجنائية الدولية لطلب إصدار أوامر اعتقال ضد القادة الإسرائيليين، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بتهمة "الإبادة الجماعية"، فيما تصر بعض الأطراف الدولية على ما وصفته بالحق الإسرائيلي بالدفاع عن النفس، لكن الغالبية تصنف ما يحدث على أنه "إبادة جماعية" رسمية على مرأى من شعوب العالم.

وتحدثت مجلة تايم مع عدد من الخبراء حول معنى الإبادة الجماعية، وما إذا كان من الممكن تصنيف الحرب الإسرائيلية على هذا النحو، وبيّنت أن اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها الإبادة الجماعية، تُعرّف بأنها "أي من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير، كلياً أو جزئياً، لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه" وتشمل هذه الأفعال "قتل أفراد، والتسبب في أذى جسدي أو عقلي خطير لأفراد أو مدنيين، وفرض ظروف معيشية على الجماعة عمداً تهدف إلى تدميرها الجسدي كلياً أو جزئياً"، وهي إجراءات نفذتها تل أبيب خلال حربها.

أشار معظم الباحثين الذين تحدثت إليهم مجلة تايم على الفور إلى هذا التعريف، الذي تم وضعه في عام 1948.. ومع ذلك، يقول الخبراء إن التعريف القانوني صعب، لأن عتبة إثبات نية الإبادة الجماعية صعبة للغاية، ويقول الأستاذ في جامعة نوتردام والمتخصص في الإبادة الجماعية إرنستو فيرديجا: "على المرء أن يثبت أن مرتكب الجريمة لم يرتكب الأفعال فحسب، بل ارتكب الأفعال بنية محددة للغاية تتمثل في التدمير"، بمخالفة واضحة لتعريف الأمم المتحدة للإبادة الجماعية.

ومع ذلك، يضيف الباحثون أن العديد من علماء الاجتماع يعرّفون الإبادة الجماعية بطريقة أوسع.. "التعريف القانوني الحالي" يحدد مجموعة ضيقة جداً من فئات الضحايا: العرقية والعنصرية والقومية والدينية، لكنه لا يأخذ في الاعتبار الأشخاص المستهدفين بسبب وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، أو هويتهم السياسية، أو غير ذلك.. يقول فيرديجا.

هل ما يحدث إبادة جماعية؟

وتحدث مدير برنامج دراسات الإبادة الجماعية في جامعة ستوكتون راز سيغال، بشكل ملموس أنها "حالة نموذجية للإبادة الجماعية"، ويرى أن القوات الإسرائيلية تستكمل 3 أعمال إبادة جماعية، هي "القتل والتسبب في أضرار جسدية جسيمة، وإجراءات محسوبة تؤدي إلى تدمير مدنيين"، ويشير إلى المستويات الهائلة من الدمار والحصار الكامل للضروريات الأساسية، مثل (الماء والغذاء والوقود والإمدادات الطبية)، كدليل على الإبادة التي تنتهجها إسرائيل في قطاع غزة.

ويقول إن القادة الإسرائيليين أعربوا عن "بيانات ونوايا صريحة وواضحة ومباشرة"، في إشارة إلى بيان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ خلال مؤتمر صحافي عقد في 13 أكتوبر (تشرين الأول) قال فيه: "إنها أمة بأكملها هي المسؤولة".. هذا غير صحيح، هذا الخطاب عن مدنيين لا علم لهم، وليسوا متورطين بأي أعمال عدائية.. وتراجع بعدها هرتسوغ ليقول إنه لا يحمل المدنيين في غزة مسؤولية إبقاء حماس في السلطة السياسية".

وأوضحت الصحيفة أن تصرفات إسرائيل في غزة تتجه نحو "حملة إبادة جماعية"، ومن الواضح أن القوات الإسرائيلية تنوي تدمير حماس، لكن الرد الإسرائيلي كان بـ"الرد عندما تواجه أزمة أمنية.. يمكن أن يكون وقف إطلاق النار، أو التفاوض، أو يمكن أن يكون الإبادة الجماعية".

وقارنت الأستاذة بجامعة مدينة نيويورك فيكتوريا سانفورد، ما يحدث في غزة بمقتل أو اختفاء أكثر من 200 ألف من المايا في غواتيمالا في الفترة من 1960 إلى 1996، المعروفة باسم الإبادة الجماعية في غواتيمالا، وتشير إلى أن المايا والفلسطينيين تعرضوا لأعمال إبادة جماعية.. إذا نظرنا إلى الصراعات المعاصرة بالغزو الإسرائيلي لفلسطين والآن في غزة.

الفعل والنية

وقال مدير برنامج دراسات الإبادة الجماعية في جامعة ييل ديفيد سايمون، إن إسرائيل قالت صراحة فقط إنها تريد إبادة حماس، ولم تعلن بشكل مباشر عن نيتها "تدمير مجموعة دينية أو عرقية أو عنصرية".. مضيفاً أنه من الوارد جداً أن تستنتج المحكمة الجنائية أنه يمكن إدانة حماس أو بعض عناصر جيش الدفاع الإسرائيلي بارتكاب عمل من أعمال الإبادة الجماعية، ولكن "من المؤكد أنها لن تربط نية تدمير المجموعة عرقياً (المدنيين في قطاع غزة) بحد ذاتها".

ويوافقه الرأي أيضاً مدير برنامج الإبادة الجماعية الكمبودية في جامعة ييل بن كيرنان، مشيراً إلى أن "القصف الإسرائيلي الانتقامي لغزة، مهما كان عشوائياً، وهجماتها البرية الحالية، على الرغم من الخسائر العديدة في صفوف المدنيين التي تسببها بين السكان الفلسطينيين في غزة، لا تلبي العتبة العالية جداً المطلوبة لتحقيق السلام"، مشيراً إلى أنه عندما وصفها مدير وكالة الأمم المتحدة المستقيل مخيبر بأنها "حالة إبادة جماعية نموذجية"، بدا أنه "يعتمد على فهم علمي اجتماعي أكثر  ينظر إلى الاستعمار الاستيطاني ونوع من المحو التدريجي طويل المدى لمجموعة ما".

ويشير علماء آخرون إلى أن الإشارة إلى لحظة معينة على أنها "إبادة جماعية" أمر بالغ الأهمية.. وهنا نستذكر كيف رفضت حكومة الولايات المتحدة وصف الجرائم المرتكبة ضد الهوتو في رواندا بأنها إبادة جماعية، لأن ذلك يعني أنها ستضطر إلى إرسال أفراد للتدخل، وعدم تحرك واشنطن سمح باستمرار المذبحة وربما هو ما نشهده في غزة الآن.

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية