أجرت الحوار: تغريد علي
قالت الأكاديمية والكاتبة السويدية جولبارج باشي: إنّ القضية الفلسطينية هي من أكثر القضايا عدالة حول العالم، وهو الأمر الذي دفع إلى تعرّض عدد من النشطاء والأكاديميين المؤيدين للقضية الفلسطينية، في الولايات المتحدة وخارجها، لحملات ممنهجة لتشويه سمعتهم وفقدان وظائفهم؛ بسبب عدم ولائهم لإسرائيل، حتى وصل الأمر إلى قتل عدد منهم، وجرى اتّهام بعضهم بمعاداة السامية، كما حصل مع كتابي"P for Palestine: A Palestine" Alphabet Book"، رغم أنّ معاداة السامية موجودة منذ آلاف السنين، وما تزال موجودة إلى اليوم، من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، الذين يدافعون عن الصهيونية كوسيلة لإبعاد اليهود عن أوروبا، ولإبقائهم في فلسطين.
المشروع الصهيوني بأكمله يرتكز على فرضية خاطئة بأنّ فلسطين "غير موجودة" وأنّ هذه الأرض المقدسة هي ملكية عقارية
وأضافت باشي، في حوارها مع "حفريات": بأنّ "كتاب "الأبجدية الفلسطينية" للأطفال، جوبه بمعارضة كبيرة من قبل الصهاينة، وكان ذنب الكتاب الوحيد أنّه حمل كلمة "فلسطين"، مع أنّه لم يشتمل على أيّة ألفاظ معادية للسامية، أو تعني الكراهية المتأصلة لليهود، والكتاب لا علاقة له بهذه الكراهية، وهدفه الدفاع عن القضية الفلسطينية وهويتها الثقافية والتاريخية، والتعريج على الكوفية الفلسطينية ومفتاح العودة والتراث الفلسطيني وغيرها؛ لربط الأطفال في الولايات المتحدة وحول العالم بالقضية الفلسطينية؛ كوطن مستقلّ للفلسطينيين الذين هم أصحاب الأرض الأصليين.
يذكر أنّ جولبارج باشي ولدت في إيران، في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ونشأت في السويد، وتلقت تعليمها في جامعة مانشستر، ثم جامعة برستول، قبل أن تحصل على درجة الدكتوراه في دراسات الشرق الأوسط، من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، وهي مؤلفة لأدب الأطفال، ولها عدة إصدارات باللغات؛ الفارسية والإنجليزية والسويدية، وكان لتجربتها كلاجئة، إبّان طفولتها خلال الحرب العراقية الإيرانية والحياة في السويد، تأثير كبير للاهتمام بأدب الأطفال، إلى أن تمّ إصدار كتابها الأول باللغة الإنجليزية، الذي يتحدّث عن الأبجدية الفلسطينية، وتمّ بيعه في غضون أيام، وهو الآن في طبعته السابعة خلال العام الحالي 2019.
اقرأ أيضاً: روائي فلسطيني يقيم حفلاً لتوقيع روايته على بسطته لبيع القهوة
وباشي؛ هي عضو في حزب الخضر السويدي، وسبق أن تمّ اختيارها كمرشحة عن الحزب في الانتخابات البلدية السويدية لمدينة كرامفورس، عام 2002، وكانت تشغل منصب المدير التنفيذي للجنة المرأة في الحزب، واشتهرت بإصدار عشرات الكتب التي تتحدث عن حقوق الإنسان في الشرق الأوسط ووضع المرأة في إيران.
هنا نصّ الحوار:
متى تمّ إصدار كتاب الأبجدية الفلسطينية "P for Palestine: A Palestine Alphabet Book"؟ وعن ماذا يتحدث؟
تمّ إطلاق الكتاب في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، وأُطلقت حملة تبرعات لنشر وطبع الكتاب، خلال العام 2016؛ حيث قدمت الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة دعماً مالياً كبيراً، والذي كان له الدور الأساسي في نشر هذا الكتاب وصدوره، ويتحدّث الكتاب عن فلسطين، وتمّ جعل كلّ حرف من حروف الأبجدية الإنجليزية يدلّ على الثقافة والتاريخ الفلسطيني؛ فعلى سبيل المثال: تمّ اختيار الحرف (P) لكلمة فلسطين، وحرف (Q) لكلمة القدس، وحرف (A) لكلمة أريحا، والحرف (G) للتعبير عن مدينة غزة، وحرف (B) للدلالة على مدينة بيت لحم، والحرف (D) للدلالة على الدبكة الفلسطينية، و(I) للتعبير عن كلمة انتفاضة، كما أُقيمت عدة لقاءات للأطفال في مناطق مختلفة من مانهاتن في نيويورك لقراءة هذا الكتاب.
التحريض على العنف
ما هو دافعك وراء إصدار هذا الكتاب؟ ولماذا اتُّهمتِ بالتحريض على العنف ومعاداة السامية؟
دافعي لتأليف ونشر هذا الكتاب؛ كان بسبب قلة وندرة كتب الأطفال المتخصصة باللغة الإنجليزية، التي تتحدث عن فلسطين بشكل خاص، مع وجود قصص للأطفال أودّ أن أرويها في هذه المرحلة من حياتي، كأم وأكاديمية، ولطالما تمنيت أن تكون هذه الكتب والمؤلفات متاحة منذ طفولتي، حتى اخترت لنفسي أن أكتب للأطفال وأجعلهم يقرؤون، وذلك بهدف أن يكون لهذه القصص تأثير إيجابي وتعليمي، على الأطفال وعائلاتهم؛ فبعض الناس قد يكتب مقتطفات موسيقية أو أغاني أو أفلاماً، وقد يستخدمون أساليب أخرى للتعبير عن فنّهم، لكنني اخترت لنفسي أن أكون كاتبة.
اقرأ أيضاً: وداد البرغوثي في قبضة احتلال خلق ثأراً شخصياً مع كلّ فرد فلسطيني
ولم يثر كتابي غضب الإسرائيليين؛ بل أثار غضب كلّ الصهاينة؛ لأنّه تحدّث عن فلسطين وثقافتها وتاريخها، وبدأت التعبيرات عن الغضب في شكل مضايقات على الإنترنت، وتهديدات بالقتل ومحاولات لحظر كتابي، والتسبّب في أضرار نفسية ومالية لي، حتى قبل الاطّلاع على كتابي من قبل الصهاينة، الذين يدّعون أنّني أقوم بمعاداة السامية والتحريض على العنف فيه.
ما الهدف الذي يسعى إليه الرافضون لنشر هذا الكتاب؟ ومَن وراء ذلك؟
هي محاولات يائسة من طرف أقلية عنصرية، تهدف إلى عدم ذكر اسم فلسطين أو قضيتها المركزية العادلة، ومنع أيّ طفل حول العالم، حتى إن لم يكن ذا أصول فلسطينية، من أن يعرف تاريخ هذه الأرض وثقافتها وحقيقتها، ومن هم أصحابها الأصليون؛ وذلك بهدف الاستمرار في حجب أيّة وسيلة نزيهة من شأنها توضيح القضية الفلسطينية بأيّة طريقة كانت، حتى جرى وصفي من قبلهم بأنني عنصرية؛ في محاولة لنزع الشرعية عني كمؤلفة وكاتبة.
لماذا أثار الكتاب غضب عدد من الإسرائيليين، خاصة عند ذكر كلمة "الانتفاضة"؟
بالنسبة إلى الانتفاضة؛ هي كلمة عربية وترتبط بالمقاومة الفلسطينية، التي استمرت لعقود في الكفاح من أجل الحصول على الاستقلال عن الاحتلال، وأصبحت هذه الكلمة مرتبطة بصور "العنف" من خلال الإصرار الصهيوني المطلق على إنكار وجود الفلسطينيين، وربط أيّ شيء يتعلق بهم بأنّه يدعو للعنف، حتّى الرسوم التوضيحية التي شملها الكتاب لأطفال صغار وهم يطلقون الطائرات الورقية ذات الألوان الجميلة على شاطئ بحر غزة، تمّ اتّهامي بأنّها رسومات تهدف إلى الترويج للإرهاب، وأرى أنّ الدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم لا علاقة له بالكراهية أو العنف ولا يتعارض مع ثقافات الشعوب الأخرى.
ما هي الأسباب الرئيسة وراء إلغاء احتفالية لعرض وإعلان الكتاب في مكتبة "هايلاند بارك" بنيوجيرسي؟
بداية؛ قبلت دعوة وجهتها لي منظمة يهودية أمريكية، تُطلق على نفسها "صوت اليهود من أجل السلام"، في كانون الأول (ديسمبر) 2018، لقراءة كتاب "P for Palestine" في المكتبة العامة في هايلاند بارك في نيوجيرسي، وقد وافقت المكتبة، المموَّلة من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، على طلب من المنظمة لعرض وقراءة الكتاب، في أيار (مايو) الماضي؛ حيث اعترض بعض الصهاينة المتواجدين في المكتبة على عرض الكتاب، وبدؤوا بطرح الأكاذيب، في محاولة لتشويه صورة الكتاب، والحديث عن أنّه لا حقيقة لوجود الفلسطينيين على هذه الأرض، وأنّني كاذبة وأعمل على تزييف الحقائق، ما دفع المكتبة إلى إلغاء الفعالية المقررة.
ضغط من أجل إلغاء توقيع الكتاب
هل تعتقدين أنّ إلغاء مكتبة هايلاند بارك الفعالية كان يهدف إلى إحداث خلافات مذهبية بين اليهود والمسلمين في الولايات المتحدة؟
لا أظن ذلك؛ لأنّ الحدث جرى تنظيمه من قبل منظمة يهودية معادية للصهيونية، وكما تعلمون جيداً، بعد الفلسطينيين أنفسهم، فإنّ بعض المدافعين الأكثر نشاطاً وشجاعة عن القضية الفلسطينية هم يهود معادون للصهيونية، وهم يدفعون ثمناً باهظاً بسبب أنشطتهم حول العالم؛ لذا فإنّ فلسطين مسألة عالمية ومقياس لإنسانية الفرد، وليس كلّ من يدعم القضية الفلسطينية هم من المسلمين؛ لذلك فإنّ محاولة تحويل الخطاب حول القضية الفلسطينية إلى صراع بين المسلمين مقابل اليهود، هي طريقة كلاسيكية لتحويل الانتباه عن جذور القضية الفلسطينية السياسية والأيديولوجية.
كيف استطاع الكتاب نقل الصورة الحقيقية عن القضية الفلسطينية ومحاربة الأفكار الزائفة التي تحاك ضدّها؟
منذ ما يقرب من 7 عقود، كانت فلسطين مفقودة في وسائل الإعلام الأمريكية السائدة، أو مرتبطة فقط بصور العنف؛ لذلك عندما كتبت أول كتاب أبجدي للأطفال في العالم عن فلسطين، باللغة الإنجليزية، وأظهرت بشكل طبيعي فلسطين بطريقة واقعية، كان يُنظر إلى كتابي على أنّه هجوم على إسرائيل، وأنّه يحرّض على العنف ضدّ الآخرين، بالتالي، معاداة السامية، هذه الاتهامات البغيضة والكاذبة أثارت في الحقيقة عنفاً تجاهي؛ لأنني عطلت الصورة السلبية المعادية للفلسطينيين في وسائل الإعلام الأمريكية الناطقة باللغة الإنجليزية، في الولايات المتحدة بشكل عام، ولا سيما مدينة نيويورك، بعد أن دأبت إسرائيل على محو فلسطين بشكل متعمَّد من هذه الوسائل، وتحريف القضية الفلسطينية بشكل صارخ، مع إظهار صور سلبية انتقائية تصاحبها تقارير إخبارية ساخرة عنها، لذلك بات كلّ عمل يهدف لذكر فلسطين وقضيتها هو عمل تحريضي ويشكّل هجوماً على إسرائيل.
لماذا يتَّهم أيّ شخص يعمل لصالح القضية الفلسطينية في أمريكا بأنّه معادٍ للسامية، كما حصل مع كتابك؟
اعتقد أنّ المشروع الصهيوني بأكمله يرتكز على فرضية خاطئة، مفادها؛ أنّ فلسطين "غير موجودة"، وأنّ هذه الأرض المقدسة هي ملكية عقارية، منحت من الله لمجموعة عرقية ودينية معينة؛ أي اليهود الصهاينة فقط، وبالتالي؛ فإنّ اتهام المدافعين عن القضية الفلسطينية، أو منتقدي الجرائم الإسرائيلية، بأنّهم ضدّ الإنسانية ومعادين للسامية، هو تكتيك لإثارة الخوف والصمت وإخفاء الحقيقة حول واحدة من أكثر القضايا مركزية حول العالم؛ ألا وهي القضية الفلسطينية؛ لذلك تصاعدت الاتهامات على بعض الكتّاب والأكاديميين، الذين كانوا يعملون لصالح حرية الفلسطينيين، وجرى اغتيال اثنين منهم بدم بارد، هما من أكثر أدباء وكتّاب الأطفال والفنانين بلاغة في فلسطين؛ غسان كنفاني وناجي العلي.