لم ترَ الفنانة أسماء مصطفى في قرار المحكمة إلغاءَ فصلها من نقابة الفنانين، إلا باعتباره "انتصاراً لقوى التنوير، على الظلام والظلاميين، وإحقاقاً للحق". فالفصل من النقابة جاء، بحسب الفنانة، "نتيجة قراراتٍ متسرعةٍ من أعضائها" أعقبها حملات تشهير مغرضة صدرت عن فنانين "أساؤوا من خلالها لصورة الفن، بوصفه منبراً لنشر الثقافة والوعي".
قرار المحكمة الإدارية العليا، الذي صدر أمس الأربعاء، أنهى الجدل، وانتصر لمصطفى ضد مجلس نقابة الفنانين، وقضى بإعادة عضوية الفنانة إلى نقابتها، وممارسة دورها بالكامل.
ولم يتأخر رد النقابة كثيراً، على لسان نقيبها، الفنان ساري الأسعد، الذي قال في تصريحات صحفية، إنّ النقابة "لم تبلّغ" بالقرار، وفي حال تم تبلّغها، سيتم إعادة الفنانة لسجلات النقابة "فوراً"، مشدداً على أنّ القانون "مظلّة للجميع، ولا يجوز التعدي عليه".
النقابة نفسها، والنقيب ذاته، كانوا تداعوا في شباط (فبراير) الماضي لقرار فصل الفنانة المسرحية سريعاً على خلفية منشورٍ ترويجي، لإحدى المسرحيات التي عُرضت في تونس، اتُّهمت على إثره بـ"تحريفٍ ومساسٍ بنصٍّ قرآني مقدّس".
وكانت مصطفى كتبت على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مروّجة للعرض المسرحي الذي حمل عنوان "ألهاكم التكاثر" للمخرج نجيب خلف الله، "ألهاكم التكاثر..حتى زرتم المسارح"، لتنهال عليها الشتائم والتهديدات. ومع أنها حذفت المنشور عن صفحتها، إلا أنها فوجئت بقرار فصل نقابة الفنانين لها من سجلات العضوية.
أسماء مصطفى لـ "حفريات": النقابة تعنّتت في موقفها، فأساءت لي ووضعتني في مواجهة التكفيريين والإرهابيين
الأسعد أعلن، حينها، "البراءة" مما اقترفته زميلته، بذريعة الولاء للأخلاق والقيم، مشهراً سيفه بوجه كل من يتطاول على العقيدة باسم الفن الذي يحرسه ويترأس نقابته، واصفاً ما اقترفته الفنانة بـ "استخفاف بالدين والعقيدة"، لتنطلق بعدها الاتهامات بحق مصطفى، تارةً بـ"التحريف"، وأخرى بـ"الانحلال".
تطوّر الأمر، في أعقاب ذلك، فقام أعضاء في النقابة، بتقديم طلبٍ لفصل وسحب عضوية الفنانة المذكورة، والتأم المجلس حينها على عجل، وخرج القرار للعامة وعبر وسائل الإعلام: "لا للفن الذي يتجاوز حدوده، ولا للحرية المفرطة". ولم ينسَ النقيب، في غضون ذلك، تأكيد رسالة الفن "القاضية باحترام الأديان ونشر المحبة".
خطاب النقابة وصِف حينها بـ"الظلامي والتكفيري"، نظراً للضجة التي أحدثها على مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك. ورأت الكاتبة زليخه أبو ريشة، في مقال لها نشرته صحيفة الغد في شباط (فبراير) الماضي، في موقف النقابة ومجلسها الذي أسمته بـ"التأديبي" بأنه منحاز "للغوغاء" و"دار التكفير". ووجهت اللوم للنقابة التي افترضت فيها أن تكون حارسةً لأعضائها ومنتسبيها، في وجه الترهيب والتكفير، ومنبر نورٍ يضيء ما أسمته "ظلام المجتمع وجاهليته".
وبخصوص دعاوى التحريف، قالت أبو ريشة في مقالها "لم تكن عبارة أسماء، تحريفاً للعبارة القرآنية، بل توظيفاً للبلاغة القرآنية والبيان القرآني في سياق آخر، وهو، لمن يحبُّ للقرآن أن يشيعَ بيانُه، لأمرٌ ينبغي أن يشرحَ قلبه. إلّا أنّ "الجهلَ المقدّس" – وهي عبارةٌ للمفكِّر محمد أركون – يشتغلُ ضدَّ القرآنِ نفسه. فتعظيمُ نصٍّ لا يكون بتحريمِ توظيفه في بلاغات الناس وكلامهم. ولا يقول بهذا إلا كلُّ ذي إيمانٍ مضطربٍ ومشوَّه وفقير".
وتعليقًا على قرار المحكمة، قالت أسماء مصطفى لـ"حفريات" إنّه "جاء انتصاراً لقوى التنوير، على الظلام والظلاميين، وإحقاقاً للحق".
قرار المحكمة إلغاءَ فصل الفنانة أسماء مصطفى من نقابة الفنانين انتصارٌ لقوى التنوير في مواجهة الظلام
وأضافت أنّ "القضية كان يجب أن لا ترقى لمستوى الأزمة، وتمنيتُ أن يتم التواصل بيني وبين مجلس النقابة والنقيب، كي لا تتفاقم الأمور، وتصل لما وصلت إليه، إلا أنّ النقابة تعنّتت في موقفها، ووضعتني في مواجهة التكفيريين والإرهابيين".
الجدير بالذكر أنّ المؤسسات الدينية الرسمية وغيرها، لم تعلق على الحادثة في حينها، والتزمت الحياد كون القضية باتت في أروقة القضاء؛ الجهة الوحيدة التي تملك حق إطلاق الأحكام.
بيْد أنّ أصواتاً معتدلة، من معسكر التيار الديني، علقت على الجدل الذي دار، واصفةً إياه بـ"المبالَغ فيه"، وفيه "تهويل" للأمور، وفي غير موضعه؛ إذ خرج أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية، د. أحمد نوفل، عبر أحد البرامج الإذاعية المحلية، ليعلن بأنّه ضد قرار الفصل، وضد حملات الإساءة والتكفير التي تمّت، على مبدأ أنّ "التنوير والتبصير قبل التكفير"، وأنّ الأوْلى كان النصح والإرشاد، قبل الهجوم، مضيفاً، "لا يجب علينا أن نكون منفّرين، فالرسول عليه الصلاة والسلام، عفا عن رجل جاء ليقتله، فكيف لنا أن نكفّر الآخرين لأسبابٍ أقل من ذلك بكثير"؟ وشدّد الداعية الإسلامي على أنّ الفنانة ستكسب قضيتها لا محالة، وأنّها عائدةٌ للنقابة التي ستكون حينها، خسرت "المعركة والإنسانة".