الغنوشي يتشبث برئاسة "النهضة".. عن أي ديمقراطية يتحدث الإخوان؟

الغنوشي يتشبث برئاسة "النهضة".. عن أي ديمقراطية يتحدث الإخوان؟


08/10/2020

عمّق قرار راشد الغنوشي بترشيح نفسه، مجدداً، لرئاسة حركة النهضة، الأزمة الطاحنة التي تمر بها جماعته في تونس، ونقل الصراع المحتدم بين الحركة ومعارضيها من ساحات السياسة العامة وأروقة البرلمان التونسي، إلى قلب البيت الإخواني الذي شهد في غضون أيام قليلة تصدعاً غير مسبوق بين أجنحته وصراعاً معلناً على لسان قادته، وتراشقاً حاداً واتهامات واضحة للغنوشي بالفشل والفساد، ليس من قبل الساسة التونسيين هذه المرة لكن من أبناء حزبه.

عمّق قرار الغنوشي ترشيح نفسه مجدداً لرئاسة حركة النهضة الأزمة الطاحنة التي تمر بها

وتعقد حركة النهضة الإخوانية مؤتمرها العام في الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بينما تواجه اتهامات بدعم الإرهاب وتمويله وتنفيذ عمليات اغتيال لصالح مشروع التنظيم الدولي للإخوان، فضلاً عن جريمة "الخيانة العظمى" التي يوجهها نواب البرلمان لقيادات الحركة بعد رصد عدة لقاءات سرية عقدها الغنوشي، رئيس البرلمان، مع الرئيس التركي رجب أردوغان وناقشوا خلالها عدة ملفات محلية وإقليمية، دون إخطار أي جهة مختصة بالدولة، ما تسبب في تراجع حاد بشعبيتها خلال الشهور الماضية وتقدم أحزاب وقوى مدنية عليها، لعل أبرزها الحزب الدستوري الحر، حسبما رصدت استطلاعات للرأي جرت مؤخراً.

الغنوشي.. عقدة الأزمة وحلها

وبالتزامن، يطرح الغنوشي نفسه مرشحاً لرئاسة الحركة، متجاهلاً حالة الصراع وتراجع الزخم الانتخابي للحركة، وشلل مؤسساتها وهياكلها المحلية والمركزية، بل وتراجع شعبيته محلياً، لحد وصفه بالشخص الأسوأ في تونس لخمس مرات متتالية في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "سيغما كونساي".

ولعل الأمر الأخطر الذي يتجاهله الغنوشي، مثل جميع أبناء جماعته هو حالة التصدع الداخلي الناتجة عن عدة أسباب أهمها عدم تداول رئاسة الحركة، وتمسكه برئاستها رغم الفشل الذريع الذي تعانيه. 

 لعل الأمر الأخطر الذي يتجاهله الغنوشي كجميع أبناء جماعته هو حالة التصدع الداخلي

ولا يمكن قراءة المشهد داخل حركة النهضة، ذراع الإخوان في تونس، بمعزل عن المأزق التاريخي الذي تعيشه الجماعة الأم منذ سنوات بلغ ذروته بعد إعلان مصر القبض على القائم بأعمال المرشد العام نهاية آب (أغسطس) الماضي، وإعلان إبراهيم منير نفسه قائماً بأعمال المرشد، وإلغاء منصب الأمين العام للجماعة، وغيرها من الإجراءات التي تمت رغماً عن رغبة قطاع كبير داخل التنظيم وتسببت في انشقاقات، ولاتزال مستمرة حتى الساعة وتزداد حدتها يوماً تلو الآخر.

ضغوط للتراجع عن القرار

وتقول مصادر قريبة من الجماعة إنّ الغنوشي يواجه ضغوطًا من تيار داخل التنظيم الدولي يرعاه يوسف القرضاوي، للتراجع عن قراره وعدم الترشح لرئاسة الحركة، والاكتفاء بكونه مرجعاً، وإتاحة الفرصة لقيادات جديدة.

 تتعذر قراءة المشهد داخل النهضة بمعزل عن المأزق التاريخي الذي تعيشه الجماعة الأم منذ سنوات

وفقًا لمراقبين، يرى أصحاب هذا التوجه أنّ إخوان تونس، لعبوا دوراً محورياً في المعادلة السياسية المتعلقة ببقاء التنظيم بعد أن سقط عن الحكم وصُنف إرهابياً في مصر وعدة دول عربية، وبالتالي فإنّ تماسك الحركة داخلياً سيضمن بقاءها أطول فترة ممكنة وباستقرار نسبي، سيمكن التنظيم الدولي من إعادة ترتيب أوراقه.

في آذار (مارس) الماضي، أعلن عبد الحميد الجلاصي، أحد أبرز القيادات التاريخية في حركة النهضة الإخوانية والنائب السابق لرئيسها، استقالته من الحزب، بعد أربعة عقود من العمل التنظيمي، تبعه إعلان عبد الفتاح مورو استقالته من الحركة في 26 أيار (مايو) ، ثم حمادي الجبالي، ومؤخراً الأمين العام للحركة زياد العذاري، وبعض القيادات الشبابية، فيما أعلن 100 قيادي بينهم أعضاء في البرلمان رفضهم لقرار ترشح الغنوشي لرئاسة الحركة في بيان رسمي اتهموه فيه بالمسؤولية عن فشل الحركة وتراجع شعبيتها.

تقول مصادر إنّ الغنوشي يواجه ضغوطاً من تيار داخل التنظيم الدولي يرعاه القرضاوي للتراجع عن قراره

وتستبعد الباحثة التونسية المتخصصة في دراسة الحضارة الإسلامية، الدكتورة زينب التوجاني، أن يستقيل الغنوشي أو يعدل عن قرار الترشح لرئاسة الحركة استجابة للضغوط التي تمارس عليه، "لأنّه يرى تواصل الحركة ومشروعها في وجوده وفي شخصه، ويتعامل مع الحزب على أنّه أكبر من رئيس بل هو تواصل لروحه ووجوده؛ لذلك لن يقبل بالانسحاب إلا إذا أجبر عليه بنتائج الانتخابات".

تناقضات النهضة تكشف زيف الإخوان

 وترى التوجاني، في حديثها لـ"حفريات"، أنّ "عريضة القادة المطالبين إياه بالانسحاب تمثل امتحاناً حقيقياً لما يدعيه الغنوشي بأنّه أصبح ديمقراطياً، وأنّ رؤية الإسلام الذي يدافع عنه هو إسلام معاصر يتقبل التداول السلمي للسلطة".

 أعلن 100 قيادي في النهضة رفضهم لقرار ترشح الغنوشي في بيان رسمي

وتقول الباحثة التونسية إنّ "زعيم حركة النهضة الإخوانية يتشبث في كل مرة بالسلطة، محاولاً أن يقلد في ذلك زعماء روحانيين بمثابة المرجعية الروحية العليا لا مجرد قائد حزب، وهذه الأزمة ستكشف للتونسيين حقيقة الديمقراطية التي يدعيها الحزب ورئيسه"، مذكِّرةً بما ادعاه من التزامه بالمدنية وأنه يتعامل على أساس إنه لا ينتمي للتنظيم الإخواني العالمي.

وتتابع التوجاني: "في كل الحالات فقد كشف مرور النهضة بالحكم تناقضات الإسلام السياسي، وعرّت التجربة خواء الشعارات وزيفها عبر الإكراهات التي خاضها المرشد ليتظاهر بأنه أمسى مجرد قائد حزب؛ لكنه في أزمة الديمقراطية التي تسبق المؤتمر كشف أنه متمسك بالسلطة مدى الحياة، كما كان بورقيبة وبن علي خصماه اللذان كان يعارضهما تحت مسمى الديمقراطية".

زينب التوجاني: هذه الأزمة ستكشف للتونسيين حقيقة الديمقراطية التي يدعيها الحزب ورئيسه

وتؤكد التوجاني أنّ "حركة النهضة انكشفت  للشعب التونسي بشكل نهائي لا مجال معه للشك وتقلص أتباعها وبقي فقط خزانها القاعدي الذي يحاولون توسيعه، لكن كل الظروف تحول دون ذلك"، مستدركةً أنّ هذا التوجه لا يعني أنّ الشعب التونسي تخلى عن انجذابه العاطفي نحو التيارات الإسلاموية؛ "ذلك أنّ مراجعات عميقة يجب أن تحدث قبل أن يمسي الشعب التونسي قادراً على عدم الوقوع في الأوهام التي يبنيها له باعة الدين والسياسة".

كبوة "الأسد العجوز"

من جانبه يرى الكاتب والمحلل السعودي فهد ديباجي أنّ حركة النهضة تزيد حالة التعقيد في المشهد السياسي التونسي، ويقول في مقال نشر الأربعاء تحت عنوان "الغنوشي والفرار من الديمقراطية": "إنّ حالة التمرد الداخلية لحركة النهضة التونسية، والمطالبة لرئيسها راشد الغنوشي بالتراجع عن الترشح لرئاسة الحركة واعتزال العمل السياسي، والتي تُعتبر امتداداً للنار التي أضرمتها المعارضة بمقعد راشد الغنوشي في رئاسة البرلمان التونسي، ها هي تصل إلى موقعه في رئاسة حركة النهضة الإخوانية وجردته من سطوته في عقر داره، ما دفع الرجل "العجوز" إلى الاستعانة بأوراقه المحترقة والقديمة لتفادي نهاية كانت تلوح في الأفق، والفرار من شبح ليلة السقوط، لكنه نجا بشق الأنفس من معركة سحب الثقة رئيساً للبرلمان بفضل الديمقراطية التي يتشدق ويتباهى بها في المؤتمر المباشر بعد انتهاء تصويت منح الثقة".

ويتابع ديباجي: "يقابل ذلك تصميم على البقاء ورفض وتعنت وامتناع ومقاومة شرسة لهذا المسار الديمقراطي الطبيعي والانقلاب الداخلي، وهو ما يؤكد أن المتعصّب لا يفكّر ولا يمكن أن يتطوّر أو يتنازل، وهو ما يميّز الإخوان عموماً عن غيرهم مهما تظاهروا وأعلنوا أنّ الديمقراطية شعار لهم، لذا لا أحد يهتمّ ويتمسك برأيه أو قوله المعلوم مثلهم، فهم يَرَوْن بأنه لا يمكن أن يكون الإنسان وطنيّاً أو متحضّراً، أو حتّى إنساناً سويّاً ما لم يكن تحت جناحهم وإرادتهم". 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية