العراق: هل ينتقل كسر الإرادات إلى الصدام المسلّح؟

العراق: هل ينتقل كسر الإرادات إلى الصدام المسلّح؟

العراق: هل ينتقل كسر الإرادات إلى الصدام المسلّح؟


20/09/2022

ما تزال الأوضاع السياسية، في العراق، تشهد انقسامات عديدة، بينما تتجه الأوضاع إلى مزيد من التعقيد والانسداد. واللافت أنّ التناقضات باتت تضرب جبهة الحلفاء، وذلك بعدما أعلن حلفاء زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، رفض دعوته بالانسحاب من البرلمان العراقي، بهدف سقوط الشرعية عنه، أو بالأحرى حله على نحو فوري وتلقائي.

انتخابات مبكرة وحكومة توافقية

واصطف رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، على ضرورة تغليب "لغة الحوار"، وتفادي أيّ إجراءات مخالفة للدستور والقانون، بغية تجاوز تداعيات اللحظة السياسية الراهنة. كما اتفق حليفا الصدر (الحلبوسي وبارزاني) على ضرورة إجراء انتخابات "مبكرة حرة ونزيهة"، بالإضافة إلى أهمية وجود حكومة "قوية" تكون مقبولة من الأطراف كافة.

ووفق وكالة الأنباء العراقي، فإنّ المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب قد ذكر، في بيان رسمي، أنّ "الحلبوسي برفقة الخنجر التقيا مسعود بارزاني، حيث تم استعراض الوضع السياسي في العراق وتداعياته السلبية على البلاد، وضرورة اعتماد لغة الحوار البناء لتجاوز الخلافات والوصول إلى حلول تصب في مصلحة الشعب العراقي، واتباع الأساليب الدستورية والقانونية في تجاوز تداعيات المرحلة الراهنة".

د. طارق عبد الحافظ الزبيدي: الصراع انتقل إلى مرحلة كسر الإرادات

وفي بيان مشترك لتحالف السيادة (المكون من حركتي "عزم" و"تقدم")، والديمقراطي الكردستاني، تم التأكيد "على أهمية إجراء انتخابات مبكرة"، ثم "تشكيل حكومة تتمتع بكامل الصلاحية وتحظى بثقة واطمئنان الجميع ببرنامج حكومي متفق عليه، مع تأكيد ضرورة استمرار مجلس النواب بعمله لحين موعد الانتخابات".

وألمّح البيان، الذي صدر في أعقاب لقاء تم بين الطرفين، نهاية الأسبوع الماضي، إلى إمكانية تدخل حلفاء الصدر لـ"المساهمة في تقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف".

رهانات القوى السياسية

إذاً، الوضع السياسي العراقي، اليوم، يبدو معقداً للغاية، وتحديداً بعد إعلان نتائج انتخابات عام 2021، والتي أفرزت خسارة القوى الشيعية التقليدية مع فوز واضح للتيار الصدري الذي يمتلك جمهوراً شعبياً واسعاً، وفق الدكتور طارق عبد الحافظ الزبيدي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد.

اللافت أنّ التناقضات باتت تضرب جبهة الحلفاء، وذلك بعدما أعلن حلفاء زعيم التيار الصدري، رفض دعوته بالانسحاب من البرلمان العراقي، بهدف سقوط الشرعية عنه 

ويوضح الزبيدي لـ"حفريات": "أخذ الصراع السياسي بين الكتل السياسية العراقية، تحديداً الشيعية (الإطار التنسيقي والتيار الصدري) مراحل متعددة؛ بدأت بمرحلة إثبات الوجود (كل جهة تريد أن تثبت وجودها وأنها الحامل السياسي لهذا المكون الاجتماعي دون غيرها)، ثم انتقل الصراع إلى مرحلة كسر الإرادات (عندما تشكل الثلث المعطل مقابل إصرار التيار الصدري على حكومة الأغلبية الوطنية)، وآخر مرحلة وأخطرها هي مرحلة الصدام المسلح والتي حدثت ليوم واحد بينما تم تدارك تداعياتها".

هذا الصراع السياسي، في العراق، لطالما كان حول السلطة ومن يمتلك الحق في حيازتها حصراً. ويرى الزبيدي أنّ الخلافات بين القوى والأطراف المتنازعة على السلطة لن تنتهي "بطريقة سلمية" مرجحاً حدوث "صراع مسلح، كون أنّ أزمة الثقة أصبحت كبيرة وبلغت حد القطيعة بين القوى وبعضها".

وأمام العراق تحديات سياسية كثيرة ومتداخلة، من أبرزها الصراع بخصوص "الكتلة الأكبر" و"غياب فكرة وإمكانية الفوز والخسارة بالسياسة وفي الانتخابات"، حسبما يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، لافتاً إلى أنّ "الكتلة الأكبر ليست الفائزة بالانتخابات؛ بل هي الكتلة التي تتشكل بعد ذلك حسب تفسير المحكمة الاتحادية في العراق، وبالتالي فإنّ تشكل هذه الكتلة سوف يبقى محل خلاف وجدل لا ينتهي، فضلاً عن تحد آخر ظهر، بشكل واضح، بعد إعلان نتائج انتخابات 2021، والمتمثل بالثلث المعطل حيث يجعل الأقلية (الثلث) تحدد مستقبل الاغلبية (الثلثين)، وذك بخلاف فكرة الديمقراطية القائمة على أساس حكم الأغلبية مع احترام حقوق الأقلية".  

أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد طارق عبد الحافظ الزبيدي لـ"حفريات": الخلافات بين القوى المتنازعة على السلطة لن تنتهي بطريقة سلمية بل بحدوث صراع مسلح

وبسؤال الزبيدي عن إمكانيات حدوث انفراجة سياسية وأفق الحل، وكذا المسار المحتمل، يجيب: "ليست هناك حلول متاحة وممكنة، كون الجميع يرفض المسارات التوافقية، لا سيما أنّ الإطار التنسيقي أصبح هو الكتلة الأكبر بعد انسحاب الكتلة الصدرية. فليس من السهل، الآن، القبول بفكرة الذهاب إلى الانتخابات المبكرة، مقابل إصرار الكتلة الصدرية على الانتخابات المبكرة لغرض تعويض خسارة الانسحاب. فنحن بالنهاية أمام خصمين متناحرين لا يمكن الخروج من هذه الأزمة إلا بتدخل طرف ثالث يمتلك قوة التأثير على الطرفين، وأفضل طرف ثالث هنا هو الأمم المتحدة كونها منظمة أممية هدفها الأساسي حفظ السلم والأمن الدوليين".

التاريخ إذ يكرر نفسه في العراق

من جهته، يرى الدكتور مزهر الساعدي، مدير المرصد النيابي العراقي، أنّ الأمر المؤكد، في الوقت الراهن، أنّه لبناء الدولة طرائق متعددة بحسب تمايز البرامج التي تطرحها الأحزاب السياسية قبل الانتخابات، والتي قد تختلف في ما بينها حول الأولويات التي تضعها في أجندتها، غير أنّ طريق السلطة والحكم هو واحد. والمشكلة في العراق، وفق الساعدي في حديثه لـ"حفريات" أنّ "الصراع كان ومايزال دوماً على السلطة ولا يتأتى ذلك إلا من خلال الإزاحة مع العداء والاستعصاء السياسي، فلذلك نجد أنّنا وبعد كل انتخابات في العراق إزاء مشكلة، متكررة وتقليدية، اسمها تشكيل الحكومة، وهذه المشكلة تكاد لا تختلف من حيث الأسباب والنتائج في كل مرة".

مدير المرصد النيابي العراقي مزهر الساعدي: تعديل المواد المفخّخة في الدستور

وفي تقدير الساعدي، فإنّ إمكانيات الحل الجذري أو "البنيوي" على حد تعبيره، تبدأ عندما "تلتفت الكتل البرلمانية إلى تعديل الدستور الذي كتب في عام 2005 وإيضاح المواد المفخخة فيه".

ويتابع: "ليس بمقدور أحد ضبط حركة الشارع العراقي؛ لأنّ الحامل لأيّ حركة احتجاجية موجود ويؤدي إلى التعبئة طوال الوقت. ولذلك ستظل الحلول مؤقتة طالما أنّ المواد الدستورية المختلف عليها لم يتم تعديلها حتى هذه اللحظة. وأزعم أنّ الخلل الكبير الذي صاحب الحكومات المنصرمة هو أنّها عمدت إلى تجسير الهوة بينها وبين أفراد المجتمع، وقامت ببناء كياناتها الخاصة على حساب العراق نفسه. ومن ثم، صارت قضية فقدان الثقة هي الحاكمة للمشهد.

وفي المحصلة، "لا يمكن تبرئة حزب، أي حزب، من هذا المآل الذي وصلت إليه البلاد؛ إذ إنّ جميع المكونات السياسية وقعت في فخ الفساد". يقول الساعدي.

ويختم: "اللحظات التي يعيشها العراق، في الوقت الراهن، هي الأكثر صعوبة في تاريخه، منذ عام 2003. فإما أن يتجه الجميع لمد جسور الثقة من خلال تقديم الأنموذج السياسي، العملي والنظري، الجيد، أو الذهاب إلى الفوضى".

مواضيع ذات صلة:

دلالات اعتزال المرجع الشيعي كاظم الحائري... ورقعة الشطرنج العراقية

لماذا اختارت إيران مواجهة الصدر عسكرياً في العراق؟

هل تعكس زيارة الحكيم للسعودية أزمة طهران ووكلائها في العراق؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية