العراق: صراع الدولة واللا دولة.. وغزل سياسي بين الصدر والكاظمي

العراق: صراع الدولة واللا دولة.. وغزل سياسي بين الصدر والكاظمي


20/10/2020

يعيش العراق مشهداً سياسياً وأمنياً معقّداً، في ظلّ تنامي قوة الجماعات المسلحة على حساب الجهاز الأمني للدولة وقرارات الحكومة العراقية. حالة اللا توازن السياسي دفعت رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، إلى الاتكاء على زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، على حساب أطراف سياسية يراها الكاظمي محطّ تهديد لسلطتهِ الجديدة المؤقتة.

الزعيم الشيعي مقتدى الصدر يصدر ثلاثة مواثيق لتقويم الاحتجاج والإصلاح السياسي.. وناشطون ينتقدون سياسة رئيس الوزراء الأمنية ويتهمونه بمغازلة الصدر سياسياً وبأنّ هناك تخادماً بينهما

ويرى ناشطون عراقيون، أنّ الاتكاء على الصدر هو بمثابة "تخادم سياسي" بين الحكومة والتيار الصدري، لجهة حاجة الأولى إلى الأخير، لما يمثّلهُ من ثقلٍ سياسي وجماهيري كبير، ضمن الساحة السياسية الشيعية في الغالب، وفي حين انتقد آخرون تعويل الكاظمي على الصدر لاعتباره شريكاً أساسياً في نظام متهم بـ "الفساد"، أكّدوا أنّ تيار الأخير في حاجة  إلى "إصلاح نفسه" قبل أيّ شيء.
وعلى صعيد التطورات الأمنية؛ شهد العراق اضطرابات أمنية عنيفة، أبرزها مجزرة "الفرحاتية"، في محافظة صلاح الدين (شمال العاصمة بغداد) التي راح ضحيتها 12مدنياً ما بين قتيل ومختطف على يد مجهولين داخل المحافظة، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء إلى الوقوف على رأس الحادث.

زيارة الكاظمي للبلدة "المنكوبة" فتحت تساؤلات حيال إمكانية تنفيذ الحكومة لوعودها في اعتقال الخارجين عن القانون.
ماذا يريد الصدر؟
انتقد مراقبون عراقيون ما وصفوه بـ "تخبّط" زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في تصريحاتهِ بشأن دعم الحراك الاحتجاجي من عدمه، مؤكدين أنّ مواثيق الصدر الأخيرة تأتي لمحاصرة الحراك والتقليل من شأنه.

مقتدى الصدر
وأصدر زعيم التيار الصدري، الأربعاء الماضي، ثلاثة مواثيق، يدعو في الأول منها إلى "التظاهر السلمي"، فيما خصص الثاني "للجهاد الوطني" وأن يكون بمعونة العلماء الدينيين، ووجّه ميثاقه الثالث إلى إصلاح العملية السياسية في البلاد.

اقرأ أيضاً: "ترعب السكان وتنهب الثروات".. لماذا تسيطر الميليشيات على مناطق بالعراق؟
ويقول المحلل السياسي خالد القزويني، إنّ "قيادة التيار الصدري تعاني من تخبّط واضح في تصريحاتها الإعلامية، تارة تكون مع التظاهرات، وتارة أخرى تتّهمها بالانحراف وضرورة تصويب المسار"، مضيفاً لـ "حفريات": "غريب أمر هذا التيار الذي يحاول ركوب موجة أيّ شيء مثير داخل العراق".

اقرأ أيضاً: ميليشيات طهران وتهريب النفط العراقي: طلبات السفير الإيراني أوامر
أما الباحث نادر الحلفي فقد علّق على تغريدات الصدر المثيرة للجدل بين الحين والآخر، وتساءل: "ماذا يريد الزعيم الصدري ؟ أليس هو جزءاً من العملية السياسية ومنظومة الحكم المتهمة بالفساد؟ لماذا لا يصدر قراراته إلى تيارهِ لعلّه ينتشلهُ من فسادهِ الداخلي".

ويؤكّد الحلفي لـ "حفريات"؛ أنّ "العراقيين على دراية تامة بسلوكيات السياسيين، وكيفية الظهور بمظهر الورع والنزاهة، بينما الواقع يضعهم في دائرة الاتهام، على أقل تقدير".
الكاظمي والصدر... تخادم سياسي
منذ أن قال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إنّ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر هو "سيد المقاومة"، والتحليلات السياسية تذهب باتجاه وجود تخادم سياسي ونفعي بين رئيس الحكومة والصدر نفسه.
وكان الكاظمي قد قال، في 3 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، خلال لقاء تلفزيوني عبر قناة العراقية الرسمية: "أقدّر مواقف السيد مقتدى الصدر، وهو سيد المقاومة، وليس هناك مزايدة على وقوفه ضدّ الاحتلال، وكلامي هذا ليس انحيازاً، إنما هو تقدير لهذه المواقف، التي أحميها وأدعمها".

الباحث نادر الحلفي لـ "حفريات": العراقيون على دراية تامة بسلوكيات السياسيين، وكيفية الظهور بمظهر الورع والنزاهة، بينما الواقع يضعهم في دائرة الاتهام، على أقل تقدير

وعن تلك العلاقة بين الطرفين، يقول جبار الخيكاني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة البصرة: "حديث الكاظمي حديث طبيعي، في ظلّ هذه الفترة الحرجة التي يحتاج فيها إلى دعم سياسي كبير"، مبيناً أنّ "التيار الصدري قوة جماهيرية وسياسية ونيابية كبيرة، ومن الصحيح ان يستثمرها رئيس الوزراء الحالي".
وأضاف لـ "حفريات": "الحكومة أرادت أن تضرب عصفورين بحجر من خلال هذا التصريح، أولاً: أرادت سحب غطاء مقاومة الاحتلال من القوى الولائية وإسباغها على الصدر حصراً، خاصة أنّ الأخير في سياق الدولة، وثانياً كسب الجمهور الصدري الواسع لصالح خطابها الرسمي".

اقرأ أيضاً: هل تسعى مصر والعراق والأردن لمواجهة التدخلات التركية والإيرانية بالمنطقة؟
وأشار إلى أنّه "لا ضير من عملية التخادم السياسي بين الصدر والكاظمي، طالما يصبّ ذلك في خانة تقوية السلطة المركزية على الجميع".
مجزرة الفرحاتية
على الصعيد الأمني؛ شهدت محافظة صلاح الدين مجزرةً مروعة بعد أن عثرت القوات الأمنية على ثمانية أشخاصٍ مقتولين، من أصل 12 آخرين اختطفوا من بلدة واحدة "الفرحاتية" جنوب المحافظة.

مصطفى الكاظمي
وفيما اتّهمت أطراف ميليشياوية باختطاف الضحايا وقتلهم، في المدينة ذات التركيبة المذهبية المتعددة، وصل رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، برفقة وزيرَي الدفاع والداخلية ورئيس هيئة الحشد الشعبي إلى البلدة المنكوبة.
وقال الكاظمي، بعد أن زار الفرحاتية والتقى أهالي الضحايا: "أبناؤكم الذين سقطوا غدراً وصبراً إنما هم أبناؤنا، ولن يضيع حقّ دمائهم، وسنوجه بتعزيز وجود القوات الأمنية وتوفير المزيد من الحماية".

اقرأ أيضاً: ماذا يفعل السفير الإيراني في البنك المركزي العراقي؟

وشدّد خلال حديثهِ على أنّ "حقّ المغدورين سيأتي عبر القانون، وأنّ التحقيقات قد بدأت، وأنّه يتابعها بنفسه، كما أنّ عقاب الجناة ستحققه العدالة بدلاً من الانتقام، ولن يكون المجرمون بعيدين عن قبضتها".

وأكّد رئيس الوزراء العراقي؛ أنّ "الإرهاب لن يكون له مأوى أو مكان، مهما حاول التسلل مجدداً، وأنّ يد القانون والعدالة ستقصم ظهر فلوله أينما ظهروا"، وقبل أن يغادر الكاظمي محافظة صلاح الدين أصدر أمرَين حول الأمن جنوب المحافظة؛ حيث أوعز بإعادة تقييم الوضع الأمني في تلك المنطقة، وإعادة نشر القطعات العسكرية فيها.

ناشطون: سلطة اللا دولة أقوى من الدولة
من جانبهم، أشاد ناشطون مدنيون عراقيون بوقوف القيادات الحكومية العليا على رأس الجرائم المرتبكة بحقّ العراقيين "الأبرياء"، وفيما طالبوا بنتائج مادية ومعرفة المتسببين الحقيقيين بـ "إراقة الدماء"، أكّدوا أنّ "سلطة اللا دولة أقوى من الدولة". 

اقرأ أيضاً: هل يفرج العراق عن أموال إيران؟
ويقول الناشط البغدادي حسام الجاف، لـ "حفريات": "تنطوي حول زيارات رئيس الحكومة وباقي الوزراء المتكررة لعوائل ضحايا السلاح المنفلت، جوانب إيجابية؛ فهي، على الأقل، تمثل وقفة علنية واضحة للحكومة بالضدّ من هذه الجماعات، ومنهجها الإجرامي، وسياسة تكميم الأفواه التي تتبعها"، واستدرك قائلاً: "لكنّها في الوقت ذاته تمثّل عجزاً حكومياً واضحاً في ردع أيّ من هذه الجرائم، أو الإعلان عن مرتكبيها، ومحاكمتهم وفق الأساليب القانونية المعتمدة في الدولة العراقية".


أما الناشط البصري، محمد الحسيني، فلهُ رأيٌ آخر، حيث قال: إنّ "المطالبات الشعبية الكثيرة والدعم الشعبي الذي ينالهُ رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بعد كلّ جريمة لمحاربة الخارجين عن القانون، لا يكفي، فسلطة اللا دولة اليوم، والتي تقودها هذه الجماعات، أعلى من سلطة الدولة الهشّة، ولعلّ تكرار الجرائم في كلّ مرة، وفي مناطق مختلفة، يظهر سطوة هذه الجماعات وسيطرتهم أمنياً وعدم قدرة الدولة وأجهزتها الأمنية على ملاحقتهم حتى".

اقرأ أيضاً: طريقة عمله وهيكليته ومخططاته.. ما لا تعرفه عن حزب الله العراقي
وتوقّع أنّ "هذا الصراع بين الدولة واللا دولة سيستمر، ما لم تتخذ الحكومة وأجهزتها الأمنية خطوات جادة لإيقاف هذه الجماعات عن العبث بالوضع الأمني بشكل حقيقي، أو، على الأقل، تحييدهم بما يكفي لحماية المواطنين والناشطين على حدّ سواء".
مستجدات أمنية
وكانت آخر المستجدات الأمنية التي شهدتها العاصمة بغداد؛ حرق مجموعة تنتمي للفصائل الولائية داخل الحشد الشعبي لمقرّ الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، وسط العاصمة.
وأضرمت المجاميع الولائية النار داخل مقرّ الحزب الكردي، رداً على مطالبة القيادي في الحزب، ووزير الخارجية الأسبق، هوشيار زيباري، بـ "تنظيف" المنطقة الرئاسية الخضراء ببغداد من فصائل الحشد.

اقرأ أيضاً: بسبب الفساد والهدر وسوء الإدارة: العراقيون بلا رواتب
وقال زيباري، خلال مقابلة صحفية له مع قناة "الحرة": "لم يستطع الكاظمي تحجيم الحشد الشعبي، ووقف القصف على البعثات الدبلوماسية، سيفقد العراق الدعم الدولي والأمريكي على وجه التحديد، ويعيده إلى العزلة الدولية من جديد".

وبعيد هذا التصريح، اقتحم العشرات مقرّ الحزب الديمقراطي الكردستاني، وسط العاصمة بغداد، وأضرموا النار فيه، رغم وجود العشرات من القوات الأمنية التي تواجدت لحمايته، ولم يسفر الهجوم عن أيّة إصابات بشريّة تذكر.

المستجد الأمني الخطير دفع المجلس الوزاري للأمن الوطني إلى عقد جلسة طارئة لوقف التصادم الفعلي بين الولائيّين وحزب بارزاني، معلناً اعتقال 15 عنصراً هاجموا المقرّ، فضلاً عن فتح تحقيق بالحادث.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية