الصورة البصرية لموكب ملوك مصر والسياسة الخارجية.. ما الرابط؟

الصورة البصرية لموكب ملوك مصر والسياسة الخارجية.. ما الرابط؟


06/04/2021

خطفت القاهرة أبصار العالم وأسماعه بموكب مومياوات ملوكها القدامى، بصور بصرية واستعراضات متنوعة، ومقطوعات موسيقية وغنائية، باللغتين العربية والمصرية القديمة، وأهمها أنشودة عن الإلهة إيزيس، من كتاب الموتى.

ويمكن قراءة الحدث التاريخي من زوايا متعددة؛ منها ما يتعلق بطبيعة النظام السياسي، وزاوية النظرة الخارجية، وتمثيل المرأة، وغير ذلك.

الانطباع الإيجابي الذي نالته مصر ، لن يكون بعيداً عن أزمة سدّ النهضة، حيث جرى تذكير العالم بالحضارة المصرية، التي نشأت حول نهر النيل

وتعدّ زاوية المراقب الخارجي من أهم القراءات؛ لطبيعة الحدث، الذي يتعلق بإحدى أقدم الحضارات الإنسانية، والظرف التاريخي للدولة المصرية والمنطقة العربية، بعد عقد زمني من الاضطرابات السياسية، التي أعادت تشكيل صورة المنطقة في الذهنية العالمية.

وحملت احتفالية الموكب عدّة رسائل، جرى تمريرها بصورة غير مباشرة، من بينها؛ صورة ذهنية مُغايرة لمصر والمنطقة، بديلة عن صورة التطرف الديني والإرهاب، التي ترسّخت عقب أحداث الربيع العربي، ورسالة الأمن والاستقرار، بما تحمله من ترويج للنشاط السياحي وجذب الاستثمارات، وأخرى بخصوص أزمة سدّ النهضة؛ بتذكير العالم بحيوية ومحورية مياه نهر النيل في ماضي وحاضر الأمة المصرية، وغير ذلك.

الأمن والاستقرار

وجاء حدث نقل المومياوات عقب نجاح مصر في حلّ أزمة جنوح السفينة (إيفر جيفن)، في قناة السويس، ليزيد من تسليط الأضواء الدولية على مصر، ويعزز صورتها الذهنية لدى الرأي العام الدولي، ويزيد من ثقلها كدولة، وهو أمر له مردوده الكبير على جميع الأصعدة، حيث يرتبط الاقتصاد بصور الدول الذهنية.

صورة من موكب المومياوات الملكية

وتسعى مصر إلى تحسين صورتها كبيئة آمنة وجاذبة اقتصادياً، من أجل جذب الاستثمارات، وتنشيط السياحة التي تضررت بشدة جراء الأعمال الإرهابية التي شهدتها مصر، عقب الإطاحة بالإخوان المسلمين، عام 2013، ثم جائحة كورونا.

وفي هذا الصدد، ذكر مدير السياسات بمركز الإنذار المبكر للدراسات السياسية والأمنية، أحمد الباز؛ أنّ "هناك مؤسسات دولية معنية برصد حالة الشارع، ومدى وجود شرخ بينه وبين الدولة، أو ما يعرف بالانتماء، وكذلك تقوم الدول المشتبكة مع مصر في صراعات بمثل هذه الدراسات، وبناء على التقييمات، تُحدَّد الجدوى من توظيف آلية زعزعة الاستقرار في الداخل".

ويردف الباز في حديثه لـ "حفريات": "الاحتفاء الشعبي بموكب المومياوات يعكس تصاعد الشعور بالانتماء والوحدة، ما يجعل الدول تبتعد عن زعزعة العلاقة بين النظام السياسي والشعب، ولا تجد مدخلاً لاستغلال ذلك أثناء إدارة النزاع الإقليمي أو الدولي، عكس الحالة الإثيوبية، على سبيل المثال، التي تتوافر فيها شروخ عديدة على مستوى الشعب، سواء تجاه بعضه البعض أو تجاه الحكومة المركزية نفسها، ما يوفر أدوات ضغط على صانع القرار في إدارة العلاقات الخارجية".

ومن جانبه، يقول الباحث في الإنثروبولوجيا، خليل منون، إنّ الاحتفالية حملت خطابين؛ الأول رسمي للمؤسسات الدولية، والثاني لشعوب العالم، الذين دعاهم الرئيس السيسي لمتابعة الاحتفال.

وأضاف منون لـ "حفريات": مصر تقول رسمياً إنّها "قادرة على الاستمرار في التاريخ، وإعادة إنتاج مكانتها الدولية مرة أخرى، وإنّها دولة مستقرة، لديها الإمكانيات المؤسساتية الكاملة؛ ثقافية وإعلامية وأمنية لتنظيم فعالية كبرى، لم يُعكر صفوها أيّ اختراق أمني".
 

ما بعد الإسلام السياسي

وفي العقد الماضي، تعرضت مواقع أثرية كثيرة للتخريب والتدمير على يد داعش في العراق وسوريا، وشهدت مصر والجزائر عمليات تخريب فردية لآثار من المحسوبين على الإسلام السياسي، إلى جانب الدعوات التحريضية المتكررة من قيادات الإسلام السياسي والسلفيين ضدّ الآثار والفنون، والتي ما يزال مصريون كثيرون وغيرهم متأثرين بها.

مدير السياسات بمركز الإنذار المبكر للدراسات السياسية والأمنية، أحمد الباز

وجاء الاحتفال المهيب بموكب مومياوات ملوك مصر، كرسالة للعالم تؤكد على احترام الدولة الوطنية في مصر والمنطقة لمنجزات التاريخ الإنساني، ولا تقتصر الرسالة على الحضارة المصرية؛ فخلال الاحتفال تم عرض تسجيلات مصورة لعمليات ترميم نماذج أثرية متنوعة، من بينها؛ آثار يهودية ومسيحية وإسلامية.

الإنثروبولوجي خليل منون لـ "حفريات": مصر تقول رسمياً إنّها قادرة على الاستمرار في التاريخ، وإعادة إنتاج مكانتها الدولية مرة أخرى، وإنّها دولة مستقرة.

وحمل الاحتفال رسالة ناقضت كلّ ما يصوره الإسلام السياسي عن شعوب المنطقة، من خلال الاحتفاء بالفنون البصرية والسمعية والاستعراضية، التي يحرّمها التشدّد الديني، إلى جانب التأكيد على التنوع والثراء اللغوي والديني والعرقي.

وفي سياق ذلك، يقول خليل منون: "الاحتفال كان مصرياً خالصاً، ومعبراً عن الثراء الإنساني لمصر، وأبرزها كدولة تحوي التنوع في كلّ شيء؛ الأزياء والأشكال والسمات الطبيعية للبشر، إلى جانب إيلاء اهتمام كبير بحضور المرأة، وهو ما يدعم صورة مصر كدولة منفتحة، تعزز مكانة المرأة فيها".

أزمة سدّ النهضة

ومن المؤكد أنّ الانطباع الإيجابي الذي نالته مصر لدى شعوب العالم، لن يكون بعيداً عن أزمة سدّ النهضة، حيث أعاد الموكب تذكير العالم بالحضارة المصرية، التي نشأت حول نهر النيل، وأهمية النهر لحياة المصريين.

ويرى الباحث في الأنثروبولوجيا، خليل منون، أنّ الموكب يخصّ ذاكرة الشعوب في المقام الأول، واستطاع إيصال رسالة مفادها؛ أنّ "الحضارة المصرية نشأت بتفاعل الإنسان المصري مع نهر النيل، وأنّ مصر منذ أقدم الملوك الذين نُقلت مومياواتهم (سقنن - رع)، إلى لحظة استقبال الرئيس السيسي لهم، هي تاريخ ممتد حول النهر، وهي رسالة تؤكد على حقّ الشعوب في الحياة، ورفض الابتزاز السياسي، وتلفت نظر العالم إلى دوره في تحمل المسؤولية في بقاء الشعب المصري بهذا الزخم، والجلال المهيب، وذلك بجدية أكثر في التعاطي مع أزمته الوجودية؛ أزمة السدّ".

السوبرانو، أميرة سليم تؤدي أنشودة إيزيس

وكان الرئيس السيسيقد حذّر من مغبة تعقّد أزمة سدّ النهضة، وقال في تصريحات له أواخر الشهر الماضي: "محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر، وإلا هيبقى في حالة من عدم استقرار في المنطقة لا يتخيلها أحد".

وعطفاً على ذلك، يرى مدير السياسات بمركز الإنذار المبكر للدراسات السياسية والأمنية، أحمد الباز؛ أنّ "موكب المومياوات أوضح للقوى الدولية، سواء الأوروبية أو الأمريكية؛ أنّ مصر تعيش حالة نادرة من الاستقرار في منطقة مضطربة، وهو ما سيجعلهم يفكرون إذا ما تغاضوا أو تواطؤوا ضدّ مصر في إدارة أزماتها الخارجية، باعتبار أنّ خسارة هذا الاستقرار المصري الوحيد سيكون له صدى صوت حتماً بالخارج".

رسالة الشعوب

وتحظى الحضارات الإنسانية القديمة، وعلى رأسها الحضارة المصرية، باحترام وقبول واسع لدى جميع البشر، عدا من يتبنون أيديولوجيات دينية مُعادية للتراث الإنساني، ولهذا حظيت احتفالية الموكب بمتابعة عالمية واسعة، ونجحت القاهرة في نيل الإعجاب بالتنظيم الجيد للفعالية.

وذكر خليل منون؛ أنّ هناك أكثر من محطة جغرافية خاطبها الموكب، من بينها "المحطة الشرق أوسطية - أوروبية، التي يعي شعوبها ارتباطهم، بشكل أو بآخر، بالحضارة المصرية، وساعد الموكب على إنعاش هذه الذاكرة الجمعية، وهو أمر مهم في تنشيط السياحة الثقافية، التي ستشهد نمواً هائلاً على مستوى العالم".

الباحث في حقل الإنثروبولوجيا، خليل منون

وأضاف منون لـ "حفريات": "الجغرافيا الثانية، هي قارتنا الأفريقية، التي ترى في الحضارة المصرية جزءاً من هويتها كقارة، وجزءاً من دفاعها عن ذاتها أمام الرؤية المركزية للرجل الأبيض الأوروبي، إلى جانب أنّ بعض الثقافات الأفريقية في تراثها الشخصي ترى نفسها مرتبطة بهذه الحضارة، مثل قومية السوننكي في مالي، إضافة إلى؛ ارتباط الجذور اللغوية للغات حوض النيل باللغة المصرية القديمة، وهي روابط تساعد في مدّ جسور لبناء علاقات مصرية مع قارتنا الأفريقية".

ونقلت مصر 22 مومياء ملكية، تنتمي إلى عصور الأسر الـ 17 و18 و19 و20، من بينها 18 مومياء لملوك، و4 مومياوات لملكات.

وتعدّ هذه الرحلة الأخيرة للمومياوات، التي نُقلت لمرات عديدة منذ اكتشافها في أواخر القرن التاسع عشر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية