السيسي يحيّد الإخوان والسلفيين بتقريب المسافات مع الأزهر

السيسي يحيّد الإخوان والسلفيين بتقريب المسافات مع الأزهر

السيسي يحيّد الإخوان والسلفيين بتقريب المسافات مع الأزهر


30/03/2025

أحمد حافظ

 أكدت تحركات قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتقريب المسافات مع شيخ الأزهر أحمد الطيب، أن هناك توجها لتذويب الفجوة معه وإعادة رسم العلاقة مع مؤسسة الأزهر على وقع التحديات الخارجية، لتثبيت تماسك الجبهة الداخلية وإبعاد الإخوان والسلفيين عن سياسات الأزهر.

وأجرى الرئيس السيسي مكالمة هاتفية مع الشيخ الطيب اطمأن خلالها على حالته الصحية بعد إصابته بوعكة منعته من حضور احتفالية ليلة القدر قبل أيام، وأكد فيها السيسي أن العلاقة مع الأزهر وقياداته لها خصوصية، داعيا بأن تتحسن حالته الصحية في أقرب وقت ممكن، مشيدا بدوره في نشر تعاليم الإسلام السمحة.

وبدا خطاب الرئيس المصري تجاه الأزهر هادئا، عكس نبرة العتاب التي كان يتحدث بها سابقا، نتيجة تشدد الأزهر في بعض القضايا الدينية والاجتماعية، لكن حديثه عن نجاحه في مواجهة الأفكار المتشددة والتطرف أظهر توجها جديدا حياله.

ويمكن أن تكون تلك الخطوة مهمة، وتمهد بغلق أبواب من الجدل والاستقطاب حول خبايا الخلاف بين مؤسسة الرئاسة ومشيخة الأزهر، لاسيما في ما يتعلق بملف تجديد الخطاب الديني وتمسك الشيخ الطيب وهيئة كبار العلماء بوجهة نظر غير مرنة.

ورد شيخ الأزهر في بيان على موقف السيسي، معربا عن تقديره لهذه اللفتة الكريمة بالاطمئنان على صحته والدعاء له بالشفاء، وثمّن ما وصفه بـ”المشاعر الراقية” للرئيس السيسي واهتمامه الكبير بهذه الوعكة الصحية، وأن هذه اللفتة الطيبة تعكس العلاقة الوثيقة بين الدولة ومؤسساتها الدينية.

ويحمل الأزهر مكانة استثنائية في العالم، من وجهة السلطة في مصر، لأنه مرجعية دينية دولية يستند إليها المسلمون لفهم صحيح الدين، وهي عبارات تحمل توجها لإعادة الثقة من جديد بالأزهر وقيادته الحالية، بعد سنوات من اتهامات مبطنة للطيب بأنه “أتعب السيسي” بمواقفه المتشددة.

ويقول مراقبون إن نبرة الرئيس المصري تحمل تجديدا للثقة في مشيخة الأزهر وفي شخص الطيب، ولا تخلو من أهداف سياسية مرتبطة بالتحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الدولة وتحتاج إلى ترميم علاقة النظام بأكبر مؤسسة دينية تستطيع بسهولة تجييش الرأي العام لدعم أي رؤية تخطط لها السلطة.

وتتضمّن المرونة الرئاسية تجاه الأزهر هذه المرة أبعادا مهمة لأن الإمام الطيب لا يزال يحظى بشعبية واسعة وتقدير كبير عند شريحة معتبرة من المصريين، وكلما كان هناك توجه رئاسي يحمل نفس التقدير له، فإن السلطة قد تضمن لنفسها الحصول على دعم نفس الشريحة التي تتعامل مع الطيب كرمز ديني.

ويبدو أن بعض الدوائر الرسمية اقتنعت أن استمرار الشعور بأن الفجوة بين الرئيس وشيخ الأزهر متسعة، وأن ذلك مثير لنقاش مجتمعي واستقطاب يصعب تطويقهما، بينما تفرض التحديات الراهنة على الحكومة ردم بؤر الصراع القائمة بين الطرفين.

وتغاضى السيسي عن تشدد هيئة كبار العلماء بالأزهر ضد إصدار قانون لتوثيق الطلاق الشفهي، كما رفض تكليف جهات أخرى بمهمة تجديد الخطاب الديني خشية أن يقود ذلك إلى المزيد من تباعد المسافات بين الجانبين بما يقدم هدايا مجانية لتيارات الإسلام السياسي التي تحاول الارتماء في أحضان الأزهر.

ومنذ بروز الخلاف حول بعض القضايا الفقهية تصر جماعة الإخوان والسلفيين على توظيف ذلك لتحقيق مآرب سياسية مشبوهة، بتحريض الشارع ضد أيّ توجه حكومي يستهدف عصرنة بعض القوانين الاجتماعية، أو إظهار كل نقد للأزهر على أنه يحمل تحريضا من دوائر داخل السلطة ضد الطيب نفسه.

ومثّل تحرك السيسي لوضع حد لتلك التكهنات الإخوانية السلفية، انتكاسة للفصيلين، بعد أن أثنى على جهود الطيب في مواجهة المتشددين، وكأنه تعمد إظهار نجاح الأزهر في المهمة ولو عن غير قناعة، لكنه حقق أكثر من هدف في توقيت واحد، على الأقل تحييد تقارب الأزهر مع أي تيار للإسلام السياسي.

وقال البرلماني السابق والباحث في شؤون الأديان محمد أبوحامد إن العلاقة بين الحكومة والأزهر يصعب أن تصل حد الخصومة، فقد تكون هناك رؤى مختلفة أو وجهات نظر متباينة حول قضايا وملفات جوهرية، لكن وقت التحديات يتم تنحية كل ذلك جانبا، لأن هناك تيارات متشددة قد تستثمر ما يشاع عن خلافات.

 الاتصال يمهد لغلق أبواب الجدل حول الخلاف بين الرئاسة ومشيخة الأزهر، لاسيما ملف تجديد الخطاب الديني

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الأزهر أكد أنه قوة دينية ومعنوية وسياسية يمكن التعويل عليها وقت التحديات، ومن الحكمة التجاوز عن أيّ رؤى فقهية عليها تحفظ رسمي لعبور تحديات أكبر، خاصة وأن الأزهر يتمتع بتأثير في محافل خارجية عديدة، وشعبية واسعة في الشارع المحلي، ومواقفه الوطنية عديدة.

وقد لا يخلو موقف السيسي بتذويب أيّ خلاف سابق مع الطيب من محاولة إظهار التقدير الحكومي للأزهر بعد موقفه الإيجابي تجاه القضية الفلسطينية ودعمه للنظام، وتناغم موقفه مع الخطاب الرسمي الرافض لتهجير سكان قطاع غزة في سيناء المصرية، ونجاحه في استثمار شعبيته لتجييش الشارع خلف الحكومة.

وهناك من يفسّر تلك التحركات على أنها تعبر عن تخوف النظام من مخاطر متصاعدة ترتبط بإمكانية انفلات الأوضاع على الحدود مع قطاع غزة، وستكون الدولة في حاجة إلى التعويل بشكل أكبر على دور الأزهر في دعم تصورات الحكومة، وهي خطوة تتطلب الاستعداد المبكر بإظهار التناغم المطلق بين الطرفين.

ويُدرك الرئيس المصري أن الأولوية الحالية لاستمرار دعم الشارع للدولة، بما يستدعي المزيد من العقلانية والحنكة السياسية في التعامل مع أيّ خلاف بوجهات النظر حول قضايا وملفات يمكن تأجيلها أو تجميدها إلى حين استقرار الأوضاع، ولكن هذا لا يعني وجود رضا كامل من النظام على الكثير من توجهات الأزهر.

وبعيدا عن أهداف التقارب، وخلفياته، فإنه يعبر بشكل واضح عن أن الحكومة فقدت الأمل في تحجيم نفوذ الأزهر أو قصقصة أجنحته كما كانت تخطط لتثبيت أركان الدولة المدنية، أمام شعورها بخطورة الصدام معه بما يؤلب عليها الشارع في توقيت سياسي حرج، ما اضطرها للاستسلام للأمر الواقع.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية