السودان: عوائق سياسية وقانونية تهدد عمل لجنة إزالة التمكين؟

السودان: عوائق سياسية وقانونية تهدد عمل لجنة إزالة التمكين؟


17/02/2021

تواجه لجنة إزالة التمكين في السودان عوائق عديدة تمنعها من استكمال مهمتها، في تفكيك حزب المؤتمر العام المحلول، واستعادة الأموال المنهوبة خلال سنوات حكم الإنقاذ، ومكافحة الفساد، منذ عام 1989.

ودخلت اللجنة في صراع مع النائب العام، بعد أنّ اتّهمته بعرقلة إحالة أعضاء من النظام السابق إلى النيابة، بناء على طلبها، وعرقلة عملها، بينما دافع آخرون عن النائب العام بتطبيق القانون، واتّهام اللجنة بالانتقامية وشخصنة عملها، الذي يخالف القانون.

عضو لجنة إزالة التمكين، صلاح مناع

ودخل المكوّن العسكري على خطّ الأزمة، بمنع اللجنة من عقد اجتماعاتها في القصر الجمهوري، بعد أنّ سبق واستقال الفريق ياسر العطا من رئاستها، وذلك لتضارب مصالح العسكريين مع عمل اللجنة.

الخلاف مع النائب العام

انكشفت خلافات عديدة بين لجنة إزالة التمكين والنائب العام منذ بداية شهر شباط (فبراير) الجاري، عقب أشهر من الخلافات المكتومة، حول صلاحيات الطرفين، وتبادل كل منهما اتّهامات ضدّ الآخر.

هناك انتقاد مستمر من كافة مستويات الحكم ومعظم مكونات الحاضنة السياسية؛ لعمل لجنة إزالة التمكين، فضلاً عن عدم مباشرة لجنة الاستئنافات لعملها

وذكرت صحف سودانية؛ أنّ الخلاف تفجر بين الجهتين عقب رفض النائب العام فتح بلاغات ضدّ وزراء في الحكومة الانتقالية السابقة، وهما؛ وزيرة المالية هبة محمد علي، ووزير الطاقة والتعدين خيري عبد الرحمن، بسبب عرقلتهما لعمل اللجنة.

وعن أسباب الخلاف، يرى الناشط السياسي السوداني، وليد دليل؛ أنّ "تصريحات أعضاء اللجنة عن تباطؤ النائب العام في تحريك الملفات المحالة إليه هي سبب الخلافات، ما حفزه للرد ببيان، في حالة تشبه "الردح" بين مؤسسات الدولة، وتكشف عن تخبط عمل اللجنة".

النائب العام، مولانا تاج السر علي الحبر

ومن مقاربة ثورية، حول مهمة اللجنة، يقول الأكاديمي الاقتصادي السوداني، عمار ود عائشه مختار، عن أسباب الخلاف "ناتج عن جذرية اللجنة في تعاملها مع الملفات، وسعيها لاجتثاث كلّ مراكز القوة المالية للنظام السابق وأعوانه، الذين تربطهم علاقات بالعسكريين، وهم يخشون من أي تغيير جذري للمنابع المالية للنظام البائد، لأنّهم يستفيدون منها".

اقرأ أيضاً: أعضاء "المؤتمر الوطني" المنحل بالسودان يحرضون لإسقاط الحكومة

ويذهب التحليل السابق إلى موضعة الخلاف سياسياً؛ حيث النائب العام المدعوم من المكوّن العسكري يعرقل عمل اللجنة حفاظاً على مصالح أفراد وهيئات مرتبطة بالعسكريين.

الخلاف مع العسكريين

وكانت النيابة العامة قبضت على عضو اللجنة، صلاح مناع في السادس من الشهر الجاري، للتحقيق معه في بلاغات مقدمة من رئيس مجلس السيادة، الفريق البرهان، ونائبه حميدتي، بعد اتّهام الأول لهما بعرقلة عمل اللجنة، والتدخل لحماية قيادات النظام المخلوع، ثم أخلت النيابة سبيله بضمان.

الأكاديمي عمار ود عائشة مختار

وعاد البرهان وقدم بلاغاً جديداً ضد عضو اللجنة، والقيادي بحزب الأمة القومي، عروة الصادق في نيابة جرائم المعلوماتية، وذلك في الثاني عشر من الشهر الجاري، على خلفية تصريحات نالت منه.

واستقال الفريق ياسر العطا من رئاسة اللجنة مطلع الشهر الجاري، وقال "هناك انتقاد مستمر من كافة مستويات الحكم ومعظم مكونات الحاضنة السياسية؛ لقانون ونهج عمل اللجنة، فضلاً عن عدم مباشرة لجنة الاستئنافات لعملها، ما عطّل عملنا وأعاق دورة العدالة، وأيضاً من الأسباب التهاتر المستمر بيننا وبقية أجهزة ومؤسسات الدولة وفي وسائل الإعلام".

اقرأ أيضاً: بعد تعميق العلاقات بين السودان وأمريكا.. ما مصير أزمة سد النهضة؟

وأشار العطا في تصريحاته إلى الجهود الجارية لإنشاء مفوضية مكافحة الفساد، بنفس صلاحيات لجنة إزالة التمكين، وبرئاسة مفوض أعلى من رئيس اللجنة، موضحاً أنّ ذلك أحد أسباب استقالته، لإفساح مكانة للآخرين.

ويرى ود عائشة مختار في حديثه لـ"حفريات"، أنّ المكوّن العسكري غير موافق على راديكالية اللجنة، "يريد العسكريون تغييراً فوقياً للمؤسسات؛ وذلك بمصادرة بعض الاشياء التي لا تعني شيئاً، وترك الأشياء المهمة التي هي من جوهر عمل اللجنة، وهذا بالتأكيد ما ترفضه اللجنة، ولذلك يتعاونون مع النائب العام، ويرفضون تكوين نيابة متخصصة لهذه القضايا".

الفريق ياسر العطا

ويتّهم ود عائشة مختار اللجنة الأمنية بعرقلة عمل لجنة إزالة التمكين، عبر تشجيع الاضطراب في الشارع، لإثارة الرأي العام على اللجنة.

وتعرض عضو لجنة إزالة التمكين، وجدي صالح لسطو مسلح على مكتبه في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ووصفه بأنّ "وراءه دوافع سياسية"، وكذلك اشتكي العضو صلاح مناع من مراقبة سيارات تحمل مسلحين لمنزله.

وجاء القرار غير الرسمي من الفريق أول عبد الفتاح البرهان بمنع أعضاء اللجنة من عقد اجتماعاتهم في القصر الجمهوري، ليكشف عن وصول الخلاف بينهما إلى مرحلة مستعصية على الحل.

جدل قانوني

وهناك قضيتان حول عمل اللجنة؛ الأولى قانونية، حول شرعية صلاحياتها، ومصادرتها للأملاك الخاصة بناء على قرار سياسي، والثانية سياسية، كوّن عملها يصطدم بموروث 30 عاماً من العلاقات الاجتماعية والسياسية والحياتية للمجتمع.

الأكاديمي السوداني عمار مختار  لـ"حفريات": يريد العسكريون تغييراً فوقياً للمؤسسات؛ وذلك بمصادرة بعض الاشياء التي لا تعني شيئاً، وترك الأشياء المهمة

وتشير تحركات العسكريين إلى وجود تضارب مصالح بين الطرفين، خاصة أنّ اللجنة محسوبة على المدنيين، وتدخل في إطار الصراع القائم بين المكوّنين المدني والعسكري، وتتطلب هذه القضية معالجة حكيمة، بأنّ يتخلى المدنيون عن الراديكالية في التعامل مع إرث النظام البائد، وتفهم أنّ نسج علاقات معه كانت الوسيلة الوحيدة للاشتراك في السلطة.

عضو لجنة إزالة التمكين، وجدي صالح

وعلى اللجنة التوصل إلى آلية لعلاج إرث النظام البائد، تراعي التبعات الاجتماعية الخطيرة لقرارات المصادرة والفصل والاعتقالات التي تتجاوز عملها، وأنّ تقطع الطريق على كوادر الإخوان عبر جذب القوى الاجتماعية التي تحالفت معهم، بحكم كوّنهم في السلطة، وليس لأسباب أيديولوجية.

وحول الخلل القانوني في عمل اللجنة، يقول الناشط وليد دليل لـ"حفريات"، أنّ معظم القانونيين في السودان وخارجه، "نبهوا إلى أنّها غير دستورية، حتى لو تم ذلك من خلال الوثيقة الدستورية؛ إذ أنّ مصادرة الممتلكات تتم عن طريق حكم قضائي، وليس بأمر من لجنة التمكين، وذلك سبب صراع علني بين القانونين من قضاة ومحامين ومدافعين عن حقوق الإنسان في دستورية هذه اللجنة".

اقرأ أيضاً: إثيوبيا تتهم السودان ومصر بعرقلة مفاوضات سد النهضة... كيف؟

وتعرضت اللجنة إلى انتقادات قانونية بسبب تعطيلها إنشاء لجنة الاستئناف، التي تمنح الحقّ لمن تُصادر ممتلكاته بالدفاع عن نفسه.

ولهذا السبب، دفع كل من قاضي محكمة الاستئناف، حسن عبد الخالق الطيب، وقاضي الدرجة الأولى، محيي الدين محمد أحمد، باستقالتين مسببتين من العمل بلجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد بالسلطة القضائية.

احتجاجات على قرار لجنة إزالة التمكين بفصل موظفين

وفي تصريحات صحفية حول السبب قال القاضيان إنّهما بعد الاطلاع على المعايير واللوائح التي تحكم عمل اللجنة، والبدء في مباشرة العمل، "وجدنا أنّ هناك مبدأ مهماً تفتقره اللجنة وهو مبدأ مواجهة الخصوم الذي حاولنا إضافته، إلا أنّنا فشلنا في ذلك، إذ لا يستقيم شرعاً و قانوناً ألا يواجه الخصم بالتهمة التي وُجِّهت له، ونحن من خلال عملنا كقضاة نرفض الظلم كما نرفض تطبيق معايير محاكمة غير عادلة".

توظيف سياسي

وتوجه اتّهامات عديدة إلى اللجنة بتوظيف عملها لصالح تمكين قوى سياسية أخرى، خاصة أنّها مكوّنة من أعضاء في أحزاب متعددة، تحت مظلة إعلان قوى الحرية والتغيير.

وذكر الناشط وليد دليل لـ"حفريات"، أنّ اللجنة حادت عن مسارها، وأصبحت أداة سياسية تبتز التجار لمصالح شخصية، "حذر رئيس منظمة زيرو فساد، نادر العبيد من أخطاء عديدة وقعت فيها اللجنة، وتجاوزات وفساد بين أعضائها".

ومن المؤكد أنّ معظم التصريحات السياسية منحازة لوجهة نظر بعينها؛ فمن يؤيد المسار الثوري يؤيد اللجنة، ويرفض أي انتقاد لها، رافعاً راية الثورة، ومتهماً خصومه بوجود مصالح مع النظام البائد. وكذلك الأمر فيما يتعلق بمن يهاجم اللجنة، فالكثير منهم تضررت مصالحهم بسببها.

وبغض النظر عن ذلك؛ فلا يخلو عمل اللجنة من عوار دستوري كبير، خاصة أنّ من يترأسها سياسيون وليسوا رجال قانون محايدين.

وهناك نقد آخر لعمل اللجنة؛ يتمثّل في إطاحتها بالكوادر والكفاءات في الجهاز الحكومي لكوّنهم تولوا مناصب قيادية وسطى في العهد السابق، ما يؤدي إلى تفريغ الجهاز الإداري من الكفاءات، وتدمير حياة آلاف الموظفين.

وفي ذلك السياق؛ انتقدت لجنة المفصولين بالطيران المدني قرارات فصل المئات من كوادر الطيران المدني تعسفياً، دون إجراءات تحقيق نزيهة.

وانتقد رئيس لجنة المفصولين، المهندس سامي محمد الأمين قرارات إزالة التمكين، "الجهة التي فصلت العاملين لم تطلع على كفاءات وخبرات ودور الكوادر المفصولة وتأثيرها على مستقبل الطيران في السودان".

وأشار إلى أنّ الطيران المدني فقد الكثير من الكفاءات، وهي؛ ٤٣٪ من قوة تراخيص الطيران، و٣٣٪ من عمليات الطيران الجوية، ٣٧٪ من المهندسين، و١٤٪ من أمن الطيران، و٣١٪ من الخدمات الجوية، و١٧٪ من قوة المراقبين الجويين.

اقرأ أيضاً: الشرطة السودانية تتوعد الإخوان بعد هذه الواقعة

وسبق واتّهم سودانيون قرارات اللجنة بالتسبب في كوارث الفيضانات التي ضربت البلاد العام الماضي، نتيجة فصل المسؤولين الخبراء في ملف إدارة السدود، بحجة أنّهم محسوبون على النظام البائد.

ومن الطبيعي في ظلّ نظام هيمن على البلد لمدة 30 عاماً أنّ يسعى الكثيرون للتودد إليه، وليس شرطاً أنّ يكون الجميع تورط في قضايا فساد.

ويتبع اللجنة العديد من لجان إزالة التمكين الفرعية في مختلف الولايات، ويترأس الولاة عمل هذه اللجان، وكان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك شدد على دعمه لعمل اللجنة.

وتم إنشاء اللجنة في كانون الأول (ديسمبر)، 2019 بقرار من مجلس السيادة، وبرئاسة الفريق ياسر العطا، وتعيين محمد الفكي نائباً له، وكلاهما عضو في مجلس السيادة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية