السفير الفرنسي في أفغانستان: طالبان أغرقت البلاد في عصور الظلام

السفير الفرنسي في أفغانستان: طالبان أغرقت البلاد في عصور الظلام

السفير الفرنسي في أفغانستان: طالبان أغرقت البلاد في عصور الظلام


كاتب ومترجم جزائري
16/01/2023

ترجمة: مدني قصري

قرار طالبان بمنع النساء من العمل في المنظمات غير الحكومية يضاف إلى قائمة طويلة من المحظورات التي يفرضها الأصوليون على النساء الأفغانيات. ومن باريس، حيث لا يزال سفيراً لأفغانستان، يعلق ديفيد مارتينون على هذا القرار الذي يعتبره فاضحاً.

السفير ديفيد مارتينون يقول: "فيما يتعلق باضطهاد النساء فلا أظن أن لا أحد يستطيع أن يفعل أسوأ مما تفعله طالبان اليوم".

ويقدّر السفير الفرنسي، الذي اضطر لمغادرة البلاد عندما استولى الأصوليون على كابول في آب (أغسطس) 2021، أنّ قرار نظام طالبان بحظر عمل المرأة في المنظمات غير الحكومية "أمر شائن ومثير للغضب من الناحية الأخلاقية لأنه يتجاهل الواقع". لذا سيتعين على وكالات الأمم المتحدة والدول المانحة استخلاص النتائج من هذا الأمر. ومع ذلك، فقد قدّرت الأمم المتحدة في أوائل أيلول (سبتمبر) أنّ 24,4  مليون شخص، أي ما يقرب من 60٪ من السكان الأفغان يعتمدون على المساعدات الدولية وإغاثات الطوارئ في حياتهم اليومية.

ويتساءل ديفيد مارتينون: "هل يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تقبل أن نملي عليها سلوكها وطريقتها في العمل؟. لفظ NGO  يعني منظمات غير حكومية. إنها مرتبطة بشدة باستقلالها، وهي محقة في أن تكون كذلك. هناك منظمات أفغانية غير حكومية، لكن هناك أيضاً الكثير من المنظمات غير الحكومية الدولية".

هناك مشكلة أخرى أثارها السفير الفرنسي في أفغانستان: "الثقافة والقواعد المعمول بها الآن في أفغانستان معقدة بحيث أنه للاقتراب من الفئات الأكثر ضعفاً، وفي مقدمتها النساء والأطفال لا بد من وجود نساء. فإذا تم منع المنظمات غير الحكومية من توظيف النساء – فهنّ يمثلن من 40٪ إلى 50٪ من العاملين في المجال الإنساني الذين تم نكليفهم من قبل المنظمات غير الحكومية - فكيف ستصل هذه المنظمات غير الحكومية إلى النساء والأطفال في أفغانستان؟

ديفيد مارتينون: فيما يتعلق باضطهاد النساء فلا أظن أن لا أحد يستطيع أن يفعل أسوأ مما تفعله طالبان اليوم

ديفيد مارتينون من مواليد 13 أيار (مايو) 1971 في ليدن (هولندا)، وهو موظف حكومي فرنسي سام. شغل منصب سفير فرنسا في أفغانستان منذ عام 2018، بعد أن كان المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية الفرنسية من 2007 إلى 2008 والقنصل العام لفرنسا في لوس أنجلوس من2008  إلى 2012.

وهو خريج معهد باريس للدراسات السياسية، وحاصل على دبلوم الدراسات الإدارية DEA في الاقتصاد والسياسة العامة. في عام 1998 تخرج من المعهد الوطني للإدارة.

في سياق ما يجري في أفغانستان وما تتعرض له المرأة من اضطهاد أجرت الإذاعة الفرنسية فرانس انتر" المقابلة التالية مع السفير الفرنسي ديفيد مارتينون.

هنا تفاصيل الحوار:

هل توقعت مثل هذا القرار؟

منذ سقوط كابول قبل ستة عشر شهراً وأنا أقول إنّ" الطالبانية " المنهجية جارية على قدم وساق. لقد قلت مراراً وتكراراً إنّ" الطالبانية" ستصبح كاملة في اليوم الذي تستأنف فيه عمليات الإعدام العلنية. لقد تم ذلك بالفعل. لقد استأنفوا عمليات الإعدام العلنية، بطرق بربرية بشكل خاص: الجلد والرجم وبتر الأطراف والإعدام ببساطة. تم إطلاق النار على النساء، وحُكم على الأشخاص بالإعدام أيضاً في العلن في أحد الملاعب. هل سيذهبون إلى أبعد من ذلك؟ في الواقع، فيما يتعلق باضطهاد المرأة الآن من الصعب أن نتخيل أنهم سيفعلون أسوأ وأبشع مما يفعلونه اليوم، ومع ذلك لا شيء يحول دونهم والمضي قدماً في اتجاه تصلب النظام وانغلاقه.

كانت طالبان تراهن على الاعتراف الدولي بها. ومع ذلك، لدينا انطباع حقيقي بأنهم يفعلون كل شيء حتى يدينهم الغربيون، الذين يضعون حقوق المرأة كشرط أساسي لهذا الاعتراف. كيف تحلل هذا؟

"طالبان قوميون بشتونيون، يركزون على التطبيق الكامل للشريعة، الشريعة الإسلامية كما يدّعون. الاعتراف الدولي فهذا أساساً هو هوسهم المحموم، لأنّ لديهم أيضاً جانباً قانونياً. لكنهم لم يحصلوا عليه، ولن يحصلوا عليه. لقد أظهروا لنا ذلك في الواقع، أنّ ذلك ليس أولوية. الأولوية بالنسبة لهم هو التطبيق الكامل والشامل لرؤيتهم للشريعة".

من الذي لا يزال بإمكانه التأثير على طالبان اليوم؟ من يستطيع إعادتهم إلى الخلف؟

"بالنسبة لي لا أحد لديه أي تأثير على طالبان. لقد رأينا أنّ السلطات الباكستانية واجهت صعوبات كبيرة مع طالبان. هناك قتال على طول حدود خط دوراند، الخط الذي يفصل باكستان وأفغانستان من الجنوب إلى الشرق. طالبان لا تعترف بهذه الحدود، حيث القتال شبه دائم، مع قتلى بشكل منتظم، لذا لا يستطيع الباكستانيون تحقيق أي تاثير هناك.

ما يمثل أولوية بالنسبة لطالبان ليس الاعتراف الدولي بل التطبيق الكامل والشامل لرؤيتهم للشريعة

لقد بذل القطريون قصارى جهدهم في لعب دور الوسيط، وهم في أعماقهم يشعرون بخيبة أمل كبيرة ويعتبرون أنهم يحققون القليل جدًا. لطالما كان الإيرانيون، وهم شيعة، يرتابون في طالبان السنّة، وقد فعلوا ما هو ضروري لتأمين حدودهم الغربية. أمّا بالنسبة للجمهوريات الشمالية فلا رغبة في التعاون الودي بين تركمانستان وأوزبكستان، وحتى بين طاجيكستان وأفغانستان".

هل تقصد أنّ الغربيين، وبالتالي فرنسا، يتحملون بعض المسؤولية عن الانحدار إلى الجحيم الذي تعيشه أفغانستان اليوم؟

"سفه ما بعده سفه أن نلوم الغرب على استثماره الكثير، الغرب الذي قدّم الكثير لهذا البلد لمدة عشرين عاماً، "دمٌ وكنز" كما يقول التعبير الإنجليزي. لقد بذل الغرب جهداً هائلاً بما يعادل من 4 إلى 8 خطط مارشال لأفغانستان. ولقد فقدنا جميعاً جنوداً في أفغانستان. فقدت فرنسا 90 جندياً. وعاد 700 جندي فرنسي مثقلين بجروح عديدة. لذا أعتقد أنها تجربة سيئة تَكبّدها الغرب.

أفغانستان دخلت في الظلام، إنه ليل دامٍ، ولا أعرف كم سيستمر. إنّ ما أعرفه الآن هو أنّ مصير البلاد متروك للأفغان ليقرروا مصيرهم بأنفسهم

لقد فعل الغرب ما يلزم لتحرير البلاد من نير طالبان. لقد فعلنا كل ما في وسعنا لمحاولة ترسيخ حكم القانون، وهو شيء يشبه الديمقراطية، لمساعدتها على تحقيق السلام، وعلى أي حال، لمحاربة أعدائها من الداخل .. لم تنجح العملية في النهاية.. أقول هذا بحزن شديد، لأنّ أفغانستان دخلت في الظلام منذ ستة عشر شهراً، إنه ليل دامٍ، ولا أعرف كم سيستمر. إنّ ما أعرفه الآن هو أنّ مصير البلاد متروك للأفغان الآن ليأخذوا مصيرهم بين أيديهم".

لكن النساء الأفغانيات يشعرن بالضياع التام بعد أن حرّرن أنفسهن خلال هذه السنوات العشرين عندما كان الغربيون بجانب في أفغانستان ...

"بالفعل أضحى وضع المرأة الأفغانية محزناً للغاية. وجودنا هناك كان بالفعل أحد إنجازات جمهورية أفغانستان الإسلامية التي ساعدناها وعززناها قدر الإمكان. ففي خلال تلك السنوات العشرين رأينا النساء يأخذن مكانهنّ في المجتمع الأفغاني. لقد رأيناهنّ يقدن المنظمات غير الحكومية، ويصبحن نشيطات للغاية وجريئات في المجتمع المدني. للأسف لم نعد موجودين في هذا البلد، ولا نفكر في العودة إليه عسكرياً. وكل ما نحاول القيام به من خلال المنظمات غير الحكومية، ومن خلال القوّة الناعمة في الوقت الحالي لم يعد فعّالاً، لأنّ طالبان تمنعنا من العمل".

مصدر  الترجمة عن الفرنسية:

radiofrance.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية