السراج يطيح بخصمه العنيد باشاغا.. فهل يكون المشري التالي؟

السراج يطيح بخصمه العنيد باشاغا.. فهل يكون المشري التالي؟


31/08/2020

على عكس كل التوقعات؛ نجح فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية في إطاحة خصمه اللدود، وزير الداخلية، فتحي باشاغا، بإيقافه عن العمل، وإحالته للتحقيق، في تطبيق كامل للمثل الذي يقول: "اتغدى بيه، قبل ما يتعشى بيك".

وتعيش حكومة الوفاق الليبية أزمة مراكز قوى، تتنافس على تصدر المشهد، خصوصاً في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، وما سيتبعها من ترتيبات جديدة.

اقرأ أيضاً: محاولة انقلاب إخواني في ليبيا والسراج يقيل باشاغا.. ما القصة؟

وتتمثّل مراكز القوى في ثلاث شخصيات سياسية رئيسية، هم؛ فايز السراج، وفتحي باشاغا، وخالد المشري، ويتبع كلاً منهم فريق من الميليشيات، ومجموعة من أصحاب المصالح، والتنسيق الدولي، ويتفق الجميع على التبعية لتركيا، والتمسك بالشرعية الدولية كغطاء يحميهم من العقوبات الدولية.

السراج وباشاغا

ولا يضع أي من هؤلاء مصالح الشعب الليبي في الحسبان، الذي يعيش أزمة حياتية خانقة، يفتقد فيها لأساسيات الحياة، ممّا دفع الشعب إلى الخروج في مظاهرات غاضبة ضدّ النظام السياسي، المتمثل في حكومة الوفاق، في مدن طرابلس والزاوية وغيرهما.

ولم يتورع المتصارعون على السلطة في التلاعب بمظاهرات الشعب المشروعة، وعملوا على توظيفها في صراعاتهم، سواءً توظيف بدس شعارات بعينها، أو بارتكاب جريمة إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، كي يتم توظيف دماء الضحايا ضدّ فريق آخر.

تزاوج السياسة والميليشيا

في خطابه، الإثنين، 24 من الشهر الجاري، اعترف فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، بوجود محاصصة داخل حكومته، وكشف عن إجراء تعديل وزاري عاجل، معترفاً بصعوبة تمريره، وقال: "قد نلجأ إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لتنفيذ التعديلات الحكومية لتجاوز مشكلة المحاصصة".

رغم الاختلافات الداخلية الحادة بين الساسة في الغرب الليبي، إلا أنّهم يتفقون على الولاء لتركيا، مثلما اتفقوا من قبل على التصدي لهجوم الجيش الوطني على طرابلس والغرب

ورافقت المحاصصة دخول حكومة الوفاق إلى طرابلس، منذ يومها الأول؛ فلم تسلمها حكومة الانقاذ، المنبثقة عن المؤتمر الوطني، الموالية للإخوان والجماعة المقاتلة، المؤسسات دون نيل حصة من المناصب السيادية، خصوصاً المصرف المركزي، والمؤسسة العامة للنفط، ومؤسسة الاستثمار، ووزارة الداخلية، التي ذهبت إلى فتحي باشاغا.

وارتبط فايز السراج بميليشيات العاصمة طرابلس، التي وفرت له الحماية، وقاتلت باسمه ميليشيات من مصراتة، ويحظى بدعم اللواء أسامة الجويلي، آمر عمليات المنطقة الغربية، وقائد ميليشيات المدن الغربية، وميليشيا القوة المشتركة، المُشكلة حديثاً من تجمع ميليشيات موالية للسراج، والذي أوكل إليها الأخير مسؤولية حفظ الأمن في العاصمة، الجمعة الماضية، في خطوة كشفت عن تخوف السراج من ردّ فعل الميليشيات الموالية لباشاغا، من مصراتة.

ويرتبط فتحي باشاغا بميليشيات مصراتة، والمرتزقة السوريين، ويُعتبر الرجل الأقوى في الغرب الليبي، الذي قدم نفسه إلى الولايات المتحدة، كرجل قادر على تفكيك الميليشيات، وضبط الأمن.

السراج وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة

ويحلل الناشط السياسي الليبي، مفتاح ياسين، المقيم في واشنطن، شخصية باشاغا بقوله: "إنه رجل مليشياوي بامتياز، ومصراتي الولاء، فيرى مثل أهالي مدينة مصراتة أنّهم الأحق بحكم ليبيا، سواء تفاخراً، أو لامتلاكهم أكبر وأقوى ميليشيات في الغرب الليبي".

وفي السياق ذاته، يتفق المحلل السياسي الليبي، بن صالح، مع ذلك، ويضيف: "باشاغا رجل يميل إلى من يجد مصلحته الشخصية معه، فهو متقلب، لكنّ ينافسه على تمثيل مصراتة، أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي، وهو عقبة داخل البيت الداخلي لباشاغا".

اقرأ أيضاً: ميليشيات السراج تفشل في إنهاء تظاهرات طرابلس.. وبيان ضد تدخلات تركيا

والمنافس الثالث هو خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، الذي يرتبط بعلاقات وطيدة بميليشيات الزاوية، الأكثر تشدداً وتطرفاً، والأكثر تبعيةً لتركيا، وهو إخواني مستقيل من التنظيم، وعنه يقول مفتاح ياسين، لـ "حفريات" : "المشري من ضمن المتنافسين على السلطة، ويسعى لتثبيت أقدامه في الاتفاق الجديد، ولديه خلافات مع كل من السراج وباشاغا، وكان يحاول الالتفاف على السراج، والحلول محله كمفاوض باسم الوفاق مع مجلس النواب الليبي".

المتاجرة بدماء الليبين

ويسعى كلٌّ منهم إلى توظيف المظاهرات في ضرب خصمه الآخر، ووصل الأمر بهم إلى إطلاق النار على المتظاهرين في العاصمة طرابلس. وبحسب البيانات الرسمية، وتصريح باشاغا؛ فإنّ مجموعة من الميليشيات التابعة لوزارة الداخلية، التي كانت تؤمن المظاهرات، هي من أطلقت النار على المتظاهرين، ولم تصدر بيانات رسمية حول الضحايا بعد.

وفي إطار صراع السراج وباشاغا تحديداً، تظهر عدّة تكهنات حول صاحب المصلحة في إطلاق النار، وتختلف الرؤى في ذلك؛ حيث ترى رئيسة تحرير وكالة أخبار ليبيا 24، ريم البركي؛ أنّ إطلاق النار هدفه إرهاب المتظاهرين، والشعب الليبي، ومنعهم من الاحتجاج ضدّ حكومة الوفاق، لا إشعال الجبهة الداخلية في الغرب.

مظاهرات في طرابلس

ويختلف الناشط السياسي الليبي، مفتاح ياسين حول دوافع إطلاق النار، ويقول لـ "حفريات": "هناك طرفان أطلقا النار على المتظاهرين؛ الأول ميليشيات ليبية تتبع السراج، بهدف حماية مناطق تواجد المجلس الرئاسي، في قاعدة أبو ستة البحرية، بعد اقتراب المتظاهرين منها، والثاني؛ مرتزقة سوريوين يتبعون فتحي باشاغا، بهدف تشويه صورة السراج دولياً، وإظهاره بصورة من لا يحترم التظاهر السلمي، ضمن خطته للحلول محله".

يحلل الناشط السياسي الليبي، مفتاح ياسين، المقيم في واشنطن، شخصية باشاغا بقوله: إنه رجل مليشياوي بامتياز، ومصراتي الولاء، فيرى مثل أهالي مدينة مصراتة أنّهم الأحق بحكم ليبيا

ويتهم المحلل السياسي الليبي، بن صالح في حديثه لـ "حفريات"؛ ميليشيا النواصي، الموالية للسراج، بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، لقمع الاحتجاجات الداخلية، ولا يستبعد تورط باشاغا، الذي يهدف إلى الاستفادة من الحادثة في إدانة الميليشيات الخارجة عن سيطرته، بهدف تسريع تجريمها دولياً، ونزع حماية السراج عنها، لتسهيل التخلص منها.

ولم يكن المشري بعيداً عن استغلال ورقة الاحتجاجات الشعبية؛ ففي الجمعة، 21 من الشهر الجاري، شهدت مدينة الزاوية مظاهرات نددت بحكومة الوفاق، ورفعت شعارات مناهضة لوزير الداخلية، فتحي باشاغا، الذي اعتدت ميليشيا تابعة له على المتظاهرين.

ورداً على ذلك؛ دخلت ميليشيا "شهداء أبو صرة" الموالية للمشري على خطّ الأزمة، وأصدرت بياناً نددت فيه بممارسات باشاغا، وأعلنت دعمها لرئيس المجلس الرئاسي، ونائبه معيتيق، خصم باشاغا.

وتعهدت في بيانها الذي نشره موقع "الساعة 24" الليبي؛ بالتصدي لممارسات باشاغا، ولو بالدماء.

وتشهد مدن الغرب الليبي، التي تسيطر عليها حكومة الوفاق، احتجاجات شعبية غاضبة على تردي الأحوال المعيشية، والهيمنة التركية، واستنزاف المال العام في جلب المرتزقة، بينما يعاني الليبيون من فقدان مقومات الحياة الضرورية، خصوصاً الكهرباء والمياه والطاقة، ونقص السيولة النقدية.

وشهدت المظاهرات هتافات منددة بالمرتزقة السوريين، وتركيا، علاوةً على التنديد بحكومة الوفاق، وطالب المتظاهرون بإسقاط نظام حكومة الوفاق.

اقرأ أيضاً: ليبيا: الحراك يتصاعد ضد حكومة الوفاق وبهذه الطريقة يواجه السراج المظاهرات

وذكرت الصحفية ريم البركي، لـ "حفريات"؛ أنّ المتظاهرين هتفوا :"بدنا دولارات مثل الزلمات" في إشارة إلى السوريين.

وكانت القوة المشتركة التى تولت مسؤولية الأمن في طرابلس، وجهت تهديداً من قبل في 9 من الشهر الجاري، للمتظاهرين، واتهمت جهات بتحريك المظاهرات لضرب المجلس الرئاسي، وهو الأمر الذي يشي بتعامل أمنى أعنف ضدّ المظاهرات، خصوصاً بعد إطاحة باشاغا، وتحمل السراج للمسؤولية عن الأوضاع الداخلية بمفرده.

قرابين الولاء لتركيا

ورغم الاختلافات الداخلية الحادة بين الساسة في الغرب الليبي، إلا أنّهم يتفقون على الولاء لتركيا، مثلما اتفقوا من قبل على التصدي لهجوم الجيش الوطني على طرابلس والغرب. وتسعى تركيا من جانبها إلى توظيف هذه الخلافات، للحصول على مكاسب كبرى من الجميع.

السراج واللواء أسامة الجويلي، آمر المنطقة العسكرية الغربية

وكان المجلس الأعلى للدولة أول من بادر بتقديم قربان الولاء، حين شدّد في بيانه الذي صدر عقب وقف إطلاق النار، على شكر تركيا وقطر، وتأكيد مطلبها بإزاحة المشير خليفة حفتر من المشهد، وهو ما لم يتضمنه بيان السراج.

وعن العلاقة بين خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى، وتركيا يقول المحلل السياسي، بن صالح: "تعتمد تركيا على ميليشيات الزاوية في حماية قاعدة الوطية، كما توجد العناصر المتشددة من المرتزقة ضمن صفوف ميليشيات الزاوية، التي تتكون من عناصر الجماعة الليبية المقاتلة، المتحالفة مع الجناح الأكثر تطرفاً من الإخوان".

اقرأ أيضاً: هل تسقط المظاهرات الليبية السراج وحكومته؟

ويتداخل الصراع القبلي الأيديولوجي في غرب ليبيا، ويشرح ذلك، الناشط السياسي، مفتاح ياسين بقوله: "الصراع ليس فقط صراعاً إسلاموياً، بل هو صراع مصالح للسيطرة علي منابع المال في ليبيا، تشتبك فيه المليشيات سواء المؤدلجة أم غيرها، ومهربو البنزين، وتجار البشر، ورغم اختلافاتهم إلا أنّ يجتمعون على منع قيام جيش موحد يقطع الطريق عليهم لتحقيق مصالحهم".

وتدرك تركيا هذه التركيبة، لذلك تحتفظ بعلاقات مع أغلب المتصارعين، خوفاً من تحوّل الطرف الذي يحوز الشرعية الدولية ضدّها، أو على الأقل يقدم تنازلات لا ترضى عنها، وكيلا تجعل وجودها رهينةً لطرف واحد.

وانطلاقاً من الفهم التركي لذلك؛ وطدت تركيا علاقتها مع ميليشيات الزاوية وخالد المشري، كما وطدت علاقتها مع باشاغا وميليشيات مصراته، رغم العداء بين الطرفين، فضلاً عن السراج، الذي يدين بالولاء لها.

التهافت على القبول الدولي

ويدرك المتصارعون أهمية القبول الدولي لهم، كبداية لنيل حصة من المناصب في الاتفاق السياسي المرتقب. وسبق وقف إطلاق النار، صراع بين السراج والمشري حول تمثيل القرار السياسي للوفاق أمام المجتمع الدولي.

وفي سياق هذا الصراع، جاء إعلان السراج قبوله بوقف إطلاق النار، استباقاً لخطوة كان المشري على وشك القيام بها، وفق الناشط السياسي الليبي، مفتاح ياسين.

ويرى ياسين أنّ إقدام السراج على وقف إطلاق النار، ضمن له البقاء في الساحة السياسية لمدة مقبلة، حتى لو قصيرة، وقطع الطريق على خصومه لمحاولته إزاحته، سواء المشري الذي حاول التوصل لنفس الاتفاق قبله، أو باشاغا الذي يعتمد على نيل رضا واشنطن عليه، لترشحه بدل السراج.

ورغم تعليق عمل باشاغا، إلا أنّ الأزمة بين الثلاثي لم تنته بعد، ولن يستسلم باشاغا بسهولة، إلا لو نجح خصمه وابن مصراتة، أحمد معيتيق، نائب السراج، في الحلول محله.

وكان عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في طبرق، وفايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي للوفاق، أصدرا بيانين متشابهين، الجمعة، 21 من الشهر الجاري، تضمنا وقف إطلاق النار، والاتفاق على آلية لإدارة عائدات النفط، الذي تقرر استئناف إنتاجه، والدعوة إلى حوار سياسي، لتشكيل مجلس رئاسي جديد، تكون مدينة سرت، بعد نزع السلاح منها، مقراً له.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية